تفسير سورة التكاثر رقم (16) في التنزيل من تفسير البينة (النبأ العظيم)

 الملف بصيغة : PDF :

سورة التكاثر  :

ورد في تفسير السيوطي : 

[ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت بمكة سورة { ألهاكم التكاثر }
وأخرج الحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟ قالوا: ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية؟ قال: أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر؟ ”

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمون { ألهاكم التكاثر } المغيرة . – الدر المنثور للسيوطي ] .

يقول تعالى :

  • ألهاكم التكاثر (1)

وهنا :

(ألهاكم)

[ وألهاه عن الشيئ يلهيه : شغله أو صرفه عنه و اللهو : تناول مالا يجدي من الأعمال وهو بهذا المعنى مصدر لها يلهو : تسلى وشغل نفسه بما فيه لذتها أو بمالا يجدي من الأعمال – واللهو بمعناه الأسمى : مايلهو به المرء من الأعمال الغير مجدية كالغناء والأساطير الوهمية – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الهاء والواو ] .

قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون – المنافقون 9 } واللهو يكون بالانشغال في أعمال الحياة الدنيا دون أداء حق الله فيها قال تعالى { وما الحياة الدنيا إلا لهو و لعب – الانعام 32 } ومن اللهو ما ذكره الله تعالى في قوله عز وجل { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم – لقمان 6 } [ وله الحديث هنا هو الحديث الغير مجدي أو الخيالي الذي لا يستند إلى أساس واقعي أو هو كل ما شغلك عن ذكرر الله وعبادته من السمر والأضاحيك والخرافات والغناء ونحوه أو ما يتلهون به عن ذكر الله – معجم ألفاظ القرآن ص 564-565 ] . وهناك من هم لاية قلوبهم قال تعالى هنا { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ  – الأنبياء 2-3}

وهؤلاء : [ قلوبهم غافلة عن القرآن الكريم, مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتها, لا يعقلون ما فيه. بل إن الظالمين من قريش اجتمعوا على أمر خَفِيٍّ: وهو إشاعة ما يصدُّون به الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من أنه بشر مثلهم, لا يختلف عنهم في شيء, وأن ما جاء به من القرآن سحر, فكيف تجيئون إليه وتتبعونه, وأنتم تبصرون أنه بشر مثلكم؟ – التفسير الميسر ] .

وهنا لهو القلوب لمن جاءوا من بعد قريشاً الأولى ما يدور في ضمائرهم وسرائر قلوبهم من التمتع بالشهوات والإحتفالات وإنفاق المال تبذيراً في ملذاتهم فقلوبهم مليئة بالتفكر في أمور دنياهم من اللهو واللعب وتسلية الأنفس بسماع كل ما هو بعيد عن ذكر الله وطاعته وولايته تعالى . واللهو هنا قال فيه تعالى { ألهاكم التكاثر} أي في الأموال والأولاد . وقال تعالى لهؤلاء من قريشاً الأولى حتى قريشاً الآخرة { قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين – الجمعة 11 }

وهؤلاء أمر الله تعالى بالإبتعاد عنهم وعدم مخالطتهم في كل زمان ومكان قال تعالى { وذر الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا – الأنعام 70 }

ثم بين تعالى وصف المؤمنين به الذينأسلموا وجوههم لله تعالى مبيناً أنهم شغلوا أنفسهم وقلوبهم بذكر الله و طاعته تعالى كما في قوله عز وجل : { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله – النور 37 } .

ورد في تفسير الدر المنثور :

[ .. أخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } وفي لفظ وقد أنزلت عليه { ألهاكم التكاثر } وهو يقول: ” يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت”.
وأخرج الطبراني عن مطرف عن أبيه قال: لما أنزلت { ألهاكم التكاثر } قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، أو أعطيت فأمضيت “.

أخرج عبد بن حميد ومسلم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقول العبد مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاثة ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأبقى. وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس “.

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقول ابن آدم مالي، وما له من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأمضى “.

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: ” قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قارىء عليكم سورة { ألهاكم التكاثر } فمن بكى فقد دخل الجنة، فقرأها فمنا من بكى ومنا من لم يبك، فقال الذين لم يبكوا: قد جهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نقدر عليه. فقال: إني قارئها عليكم الثانية فمن بكى فله الجنة، ومن لم يقدر أن يبكي فليتباك “.
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } حتى ختمها. – الدر المنثور للسيوطي ] .

وأما :

(ألهاكم التكاثر)

هنا يقول تعالى { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ – الحديد 20 }   هنا أن كثيراً من الناس ألهاهم هذا التكاثر في الأموال والتجارات والأولاد عن الإتعاظ بزيارة المقابر قال تعالى : { ألهاكم التكاثر } .

ولذلك نهى الله تعالى عن اللهو في الحياة الدنيا والإنصرافعن ذكر الله والعمل في طاعت عزو جل قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولدكم عن ذكر الله – المنافقون }

ثم يقول تعالى :

  • حتى زرتم المقابر (2)

وهنا :

(حتى)

هذا اللفظ في تحذير لبنى آدم من تركهم العمل الصالح إلى اللهو واللعب في الحياة الدنيا فإذا ماماتوا قالوا رب ارجعون قال تعالى { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون – الأنعام 61} فإذا توفتهم رسل الله الموكولة بهم قالوا رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت قال تعالى { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ – المؤمنون 99-104 }

وأما :

(زرتم)

[ وزاره يزوره زوراً : قصده ]  قال تعالى { حتى زرتم المقابر – التكاثر}[ وتزاور عنه يتزاور تزاورا : مال وتنحى قال تعالى { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين – الكهف 17 } أي تميل الشمس نحو كهفهم قاصدة إياهم والكهف فيهه إشارة هنا لمكان موتهم وبعثهم وكأنه تعالى يدعوا الناس لزيارة الأموات ليتعظوا ويعلموا أنهم مبعوثون من بعد الموت كما بعث الله تعالى أهل الكهف ولكن البعث سيكون للحساب قال تعالى هنا لذلك { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر – التكاثر }

وأما :

(المقابر)

[ وقبر الميت يقبره قبراً : دفنه وأقبره : أمره أن يقبر أو جعله ذا قبر والقبر مقر الميت وجمعه قبور – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الباء والراء ] قال تعالى { ولا تصل على أحد منهم مات أبدً  ولا تقم على قبره  – التوبة 84 }  وقال تعالى في كفر أكثر بني آدم  وأنه مبعوث من بعد الموت للحساب: { قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ  مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ  – عبس 17-23 }  وقال تعالى أيضاً { وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ –الحج 7}  وبالتالي زيارة القبور تذكر الإنسان بمن كانوا وفاتوا منها للموت والحساب وأنهم ميتون مثلهم ومحاسبون على أعمالهم ولكن الله تعالى يبين أن كثيرأً من الناس ألهتهم الحياة الدنيا عن هذه الزيارة والإتعاظ بما فيها من حكم إلهية بالغة .فقال تعالى لذلك { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر } .

ثم يقول تعالى

  • كلا سوف ستعلمون (3) ثم كلا سوف تعلمون (4)

وهنا :

(كلا)

وهنا يبين تعالى أنهم كانوا يحبزن العاجل ويذرونم الآخرة ولا يعملون لها قال تعالى { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة  – القيامة 20-21 } ولذلك يبين الله تعالى أنهم كانوا لا يخافون الآخرة قال تعالى { كلا بل لا يخافون الآخرة – المدثر 53 } ويبين تعالىأنه قد أعد لهم في الآخرة جهنم يصلونها وبئس المصير قال تعالى { كلا إنها لظى نزاعة للشوى – المعارج 15-16} ولذلك قال تعالى هنا { كلا سيعلمون }

وأما :

(سوف يعلمون)

قال تعالى في قوم نوح ممن ركبوا معه في السفينة { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ – العنكبوت 65-66}

وسوف تعلمون وعيد كقول فرعون لعنه الله متوعداً السحرة الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله { قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون –الأعراف 123}

ووعيد الله تعالى في الدنيا إذا تمتعوا وها عملوا لها وألهوا أنفسهم بما يلا ينفعهم في آخرتهم فسوف يعلمون قال تعالى في تمنيهم يوم القيامة ان لو كانوا مسلمين : {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون – الحجر 2-3 } وهؤلاء قال تعالى فيهم هنا سوف يعلمون وهذا عذاب يخزيهم في الدنيا بتركهم شكر الله تعالى وطاعته على ما أنعم به عليهم قال تعالى فيه {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ – الروم 53-55 } وهؤلاء هنا ينزل بهم عذاباً في الدنيا بعد أن تركوا على مكانتهم في الدنيا والآخرة  قال تعالى : { ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب – هود 93 } وهذا العذاب المرتقب في الديا قال فيه تعالى هنا { سوف تعلمون}

ثم يقول تعالى

  • ثم كلا سوف يعلمون (4)

وهنا :

(ثم)

تبين أنه مرحلة تنقل بين وعيدين الأول في الدينا وقال تعالى فيه { كلاسوف تعلمون} ثم عقب بلفظ (ثم) وقال { سوف تعلمون} أي أنه وعيد ثاني من بعد الموت كما سنبين .

وبالتالي ورود لفظ ثم في قوله تعالى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون – البقرة 28 } تبين أنهم بين عذابين في الدنيا وفي الآخرة من بعد الموت لقوله تعالى{   واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – البقرة 281 } وهنا يقول تعالى في الظالمين { ثم كلا ستعلمون}

وأما :

(كلا)

وهنا كلا الثانية تدل على أنه وعيد ما عبد الموت لقوله تعالى { كلا لا وزر  إلى ربك يومئذٍ المستقر – القيامة 11-12 } وهذا يوم الدين الذي كذبوا به ولم عملوا له وشغلوا أنفسهم باللهو اللعبو التكاثر في الأموال والأولاد وهذا تكذيب قال تعالى فيه { كلا بل تكذبون بالدين – الإنفطار 9}وفي هذا اليوم سيجدون أسمائهم في كتاب سجين قال تعالى فيه { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين – المطففين 7 }

ولذلك توعدهم الله تعالى هنا قائلا{ ثم كلا سوف تعلمون} .

وأما :

(سوف يعلمون)

وهؤلاء لعملهم بالهوى وهو إله آخر مع الله تعالى قال فيه {أرأيت من اتخذ إلأهه هواه وأضله الله على علم – الجاثية }  وهؤلاء لما عملوا للدنيا وألهوا أنفسهم بتكاثر الأموال و الأولاد توعدهم الله تعالى قائلا { الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون – الحجر 96 } وسوف يعلمون هنا في العذاب الثاني عذاب مقيم خالدين فيه قال تعالى فيه { فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم – هود 39}  وعاقبة الدار هنا تكون الجنة للمؤمنين والنار للكافرين بتركهم العمل بنصوص كتاب ربهم والتحاكم إليه قال تعالى { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون – الأنعام 153}

 ثم يقول تعالى :

  • كلا لو تعلمون علم اليقين (5)

وهنا :

(كلا)
أي أنه يقول تعالى { كلا ستعلمون ثم كلا سوف تعلمون } أي كلا ستعلمون ما سيحل بهم في الدنيا والآخرة وكانت الملائكة تكتب أعمالهم قال تعالى { كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا – مريم 79 } وفي الآخرة سيرون بأعينهم صدق ما وعدهم الله تعالى ورسوله و سيعلمون علم اليقين حينها أن وعد الله حق قال تعالى هنا { كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم } .

وأما :

(لو تعلمون)

وهنا لو يعلمون أن ثواب الله في الآخرة خير لكان خيراً لهم قال تعالى { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون – البقرة 103 } وبالتالي ما سيونه من عذاب يوم القيامة فهو اليقين قال تعالى  يقول تعالى عن عذاب يوم القيامة { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون – الأنبياء 39 }  وهنا يعلمون يقيناً أن الله شديد العقاب قال تعالى { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب – البقرة 165} .

وأما :

(علم اليقين)

وعلم اليقين العلم الواضح الذي لا شك فيه لقوله تعالى { وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا – النساء 157} أي أن علم اليقين علماً قائماً على الرؤية العينية اليقينية لذلك قال تعالى هنا { كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم } أي ستشاهدونه وتعاينونه بأعينكم يقيناً .

 وأما :

(اليقين)

[ ويقين الأمر ييقن يقناً : ثبت ووضح والوصف يقين ويقال اليقين للعلم الذي ينتفي عنه الشكوك والشبه يقال خبر يقين : لا شك فيه زيقال للموت اليقين لأنه لا يمتري فيه أحد – معجم ألفاظ القرىن باب الياء فصل القاف والنون ] . والقين رؤية بالعين لذلك قال تعالى في سيدنا  إبراهيم عليه السلام { وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين – الانعام 75 } ولذلك لما يرون العذاب يوم القيامة يقينا ويعاينوه عياناً حينها سيقولون { ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون – السجدة 12 } وعلم اليقين في كتاب الله وفيه حق اليقين لقوله تعالى { وإنه لحق اليقين – الحاقة 51 } وبالتالي علم اليقين يكون مقترناً بالرؤية . لذلك قال تعالى { كلا لو تعلمون علم اليقين لتروون الجحيم } .

ثم يقول تعالى :

  • لتروون الجحيم (6)

أي أنه يقول تعالى هنا { وبرزت الجحيم لمن يرى – النازعات 36 } وهنا يكونون قد وصلوا إلى علم اليقين أنهم معذبون في الجحيم لقوله تعالى هنا { كلا لو تعلمون لعم اليقين لتروون الجحيم – التكاثر}

وأما :

(الجحيم )

[ الجحيم : من جحمت النار تجحم جحوماً / عظمت وتأججت واضطرمت وكثر جمرها وتوقدت – المعجم باب الجيم فصل الحاء والميم ] . قال تعالى { أنا لدينا أنكالاً وجحيما وطعاماً ذا غصة  وعذاباً أليما – المزمل }  وهذا الجحيم جعله الله تعالى لكل من آثر الحياة الدنيا وعمل لها قال تعالى { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى – النازعات } .

ثم يقول تعالى :

  • ثم لتوونها عين اليقين (7)

وهنا :

(ثم)

ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم  – التوبة 101 } . وهنا يروون الجحيم عين اليقين لقوله تعالى { ثم لتروونها عين اليقين } .

وأما :

(لتروونها)

أي أن الجحيم يبرز ويظهر رأي العين لقوله تعالى { وبرزت الجحيم لمن يرى – الشعراء 91 } وبرزت وبرز أي ظهر بعد اختفاء وهنا يظنون أنهم لم يلبثوا إل ساعة من النهار قال تعالى { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون – الاحقاف 35 } .

وأما :

(عين )

قلنا من قبل أن علم اليقين المقترن بالرؤية وكذلك المعنى هنا لورود لفظ عين في قوله تعالى { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار – آل عمران 13 } وكأن العين في كتاب الله موضع انعكاس أحاسيس الإنسان وما يشعر به من فرح وحزن وخوف قال تعالى في الفرح والسرور { وقري عينا – مريم 26 } وقال تعالى في ظهور الحزن والأسف في العين : { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون – التوبة 92 } وفي الخوف والهلع { أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا – الاحزاب 19 }  وبالتالي عين اليقين هنا مرتبط بعلم اليقين فإن كان علمه يقيناً أنه من السعداء فتظهر سعاداته وفرحه في عينه ليكون عين اليقين وإن علم يقيناً بأنه من الهالكين فسيظهر هذا في عينيه ليتحول علم اليقين إلى عين اليقين وذلك بسبب إيمانه بحق اليقين الذي وعدهم الله تعالى به في الدنيا وهو القرآن الكريم ورسول رب العالمين قال تعالى :{ وإن هذا لهو حق اليقين – الواقعة 95} .

ثم يقول تعالى :

  • ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم (8)

وهنا :

(ثم)

أي أنه يقول تعالى { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون – الأنعام 36 }

{ وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون –الأنعام 60 } وقال تعالى { الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون- الروم 11 } وقال تعالى { قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون – الزمر 44 } وهنا السؤال على ذلك يبدأ من بعد الموت لقوله تعالى { ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم } .

وأما :

(لتسئلن)

وهنا يبين تعالى أنهم سيسئلون يوم القيامة عما كانوا يعملون قال تعالى { فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون – الحجر 92 }  وستسأل أمته صلى اللهخ عليه وآله كما في قوله تعالى {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون – الزخرف 44 }

وسيسئلون عن مودة أهل بيت النبي عليهم السلام وولايتهم لورود لفظ السؤال في قوله تعالى { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ – الشورى 23 }

ولذلك في تفاسير أهل البيت عليهم السلام السؤال هنا الذي سيسئلون عنه ولايةأهل البيت عليهم السلام

[عن علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: { أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ } أي أغفلكم كثرتكم { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } و لم تذكروا الموت { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } أي لا بد [من] أن ترونها { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [أي] عن الولاية ، و الدليل على ذلك قوله { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ  – الصافات 24 } … و  عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: قول الله: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }؟ قال: ” تسأل هذه الأمة عما أنعم الله عليها برسوله (صلى الله عليه و آله)، ثم بأهل بيته (عليهم السلام) – – البرهان للسيد هاشم البحراني ]

وسيسأل الله تعالى الجميع مرسلين و مرسل إليهم لقوله تعالى {فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين – الحجر6 } وحتى الصادقين سيسألوا عن صدقهم كما في قوله تعالى { ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما – الأحزاب 8 }  والسؤال هنا على ذلك عن القرآن الرسول والعترة وما تمتعوا به فيالحياة الدنيا بغير حق .

وأما :

(يومئذٍ)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر – القيامة 13 } وهنا يكون الله تعالى سائلهم كما في الآية هنا { ولتسئلن يومئذٍ عن النعيم } فإذا سألهم الله تعالى نبأهم بما عملوا .

وأما :

(عن النعيم)

[ والنعيم : كل ما يتلذذ به وويتنعم من مطعم ومفرش ومركب وغير ذلك – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل العين والميم ]  قال تعالى { تعرف في وجوههم نضرة النعيم – المطففين 24 } وهذا النعيم سيسألون عنه يوم القيامة كما في الآية هنا { ولتسئلن يومئذٍ عن النعيم } .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة بعد عشاء 30 من رمضان سنة 1420 هـ

الموافق 7 يناير عام 2000 م

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

من تفسير البينة : ميلاد نبي الله يحى و الإمام الحسين عليهما السلام في آخر ربيع أول وليس شعبان من القرآن الكريم

البحث بصيغة PDF : ميلاد نبي الله يحى والإمام الحسين عليهما سورة مريم : الآية …

اترك تعليقاً