تفسير سورة الكوثر رقم (15) في التنزيل من تفسير البينة (النبأ العظيم)

السورة بصيغة ملف PDF :

سورة الكوثر 15

(1) الكوثر (1)

قصة الكوثر والإنقلاب على الأعقاب وجزاء المؤمنين والظالمين في الدنيا والآخرة :

أورد القرطبي في تفسيره وابن كثير :

[ ..  نزلت في العاص بن وائل السهمي: يقال: إن العاص وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يُكلمه، فقال له جمع من صناديد قريش: مع من كنت واقفًا؟ فقال: مع ذلك الأبتر، وكان قد توفي قبل ذلك عبدالله بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من خديجة، فأنزل الله جل شأنه: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ- الكوثر 3 ﴾   ؛ أي: المقطوع ذكره من خير الدنيا والآخرة.

وقال محمد بن إسحاق: عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه، فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله هذه السورة. – تفسير القرطبي وابن كثير ] .

وفي تفسير الدر المنثور :

[ .. وأخرج مسلم والبيهقي من وجه آخر بلفظ ثم رفع رأسه فقرأ إلى آخر السورة، قال البيهقي والمشهور فيما بين أهل التفاسير والمغازي أن هذه السورة مكية وهذا اللفظ لا يخالفه فيشبه أن يكون أولى.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { إنا أعطيناك الكوثر }.

وأخرج أحمد وابن المنذر وابن مردويه عن أنس أنه قرأ هذه الآية { إنا أعطيناك الكوثر } قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ” أعطيت الكوثر فإذا هو نهر في الجنة يجري ولم يشق شقاً، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي إلى تربته فإذا هو مسكة ذفرة وإذا حصاه اللؤلؤ “.

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك اذفر. قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله “.
وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن أنس: ” أن رجلاً قال يا رسول الله: ما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة أعطانيه ربي لهو أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر. قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة. قال: آكلها أنعم منها يا عمر “.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: ” دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” قد أعطيت الكوثر، قلت يا رسول الله: ما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا يشرب منه أحد فيظمأ ولا يتوضأ منه أحد فيتشعث أبداً، لا يشرب منه من أخفر ذمتي ولا من قتل أهل بيتي ” “…..

وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن مجاهد رضي الله عنه قال: الكوثر خير الدنيا والآخرة. وأخرج هناد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عكرمة رضي الله عنه قال: الكوثر ما أعطاه الله من النبوّة والخير والقرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: الكوثر القرآن. – الدر المنثور للسيوطي ]

وفي تفسير البرهان :

[الشيخ في (أماليه) قال: أخبرنا محمد بن محمد- يعني المفيد- قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن العباس، قال: لما أنزل على رسول الله (صلى الله عليه و آله): { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } ، قال له علي بن أبي طالب (عليه السلام) ” ما هو الكوثر يا رسول الله؟ “. قال: ” نهر أكرمني الله به قال علي (عليه السلام): ” إن هذا النهر شريف، فانعته لنا يا رسول الله “؟ قال: ” نعم يا علي، الكوثر نهر يجري تحت عرش الله تعالى، ماؤه أشد بياضا من اللبن و أحلى من العسل و ألين من الزبد، حصاه الزبرجد و الياقوت و المرجان، حشيشه الزعفران، ترابه المسك الأذفر، قواعده تحت عرش الله عز و جل “. ثم ضرب رسول الله (صلى الله عليه و آله) يده على جنب أمير المؤمنين (عليه السلام) و قال: ” يا علي، إن هذا النهر لي، و لك، و لمحبيك من بعدي ” .

و رواه المفيد في (أماليه) قال: أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين البغدادي، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثني أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن العباس، قال: لما نزل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } قال له علي بن أبي طالب (عليه السلام): ” ما هو الكوثر يا رسول الله “. و ذكر الحديث بعينه.

– و عنه، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن، قال:حدثني أبي، عن سعيد بن عبد الله بن موسى، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العرزمي، قال: حدثنا المعلى بن هلال، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن عبد الله بن العباس، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: ” أعطاني الله تعالى خمسا و أعطى عليا خمسا، أعطاني جوامع الكلم، و أعطى عليا جوامع العلم، و جعلني نبيا، و جعله وصيا، و أعطاني الكوثر، و أعطاه السلسبيل، و أعطاني الوحى، و أعطاه الإلهام، و أسرى بي إليه، و فتح له أبواب السماء و الحجب حتى نظر إلي و نظرت إليه “.

و عنه: بإسناده، عن عطاء بن السائب، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: ” قال النبي (صلى الله عليه و آله): أعطيت جوامع الكلم “.قال عطاء: فسألت أبا جعفر (عليه السلام): ما جوامع الكلم؟ قال: ” القرآن ” .

– محمد بن العباس: عن أحمد بن سعيد العماري، من ولد عمار بن ياسر، عن إسماعيل بن زكريا، عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } قال: نهر في الجنة، عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ، ماؤه أشد بياضا من اللبن و أحلى من العسل، شاطئاه من اللؤلؤ و الزبرجد و الياقوت، خص الله تعالى به نبيه و أهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) دون الأنبياء.
– و عنه: عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن حصين بن مخارق، عن عمرو ابن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن علي (عليه السلام)، قال: ” قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أراني جبرئيل منازلي في الجنة، و منازل أهل بيتي، عن الكوثر “.

– و عنه: عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن مسمع بن أبي سيار، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: ” لما أسري بي إلى السماء السابعة، قال لي جبرئيل (عليه السلام): تقدم يا محمد أمامك. و أراني الكوثر، و قال: يا محمد، هذا الكوثر لك دون النبيين، فرأيت عليه قصورا كثيرة من اللؤلؤ و الياقوت و الدر، و قال: يا محمد، هذه مساكنك و مساكن وزيرك و وصيك علي بن أبي طالب و ذريته الأبرار ” ، قال: ” فضربت بيدي على بلاطه فشممته فإذا هو مسك، و إذا أنا بقصور، لبنة من ذهب و لبنة من فضة “. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهذا النهر في الجنة :

[عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن العباس، قال: لما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله): ” إنا أعطيناك الكوثر ” قال له علي بن أبي طالب: ما هو الكوثر، يا رسول الله؟ قال: نهر أكرمني الله به.

قال علي (عليه السلام): إن هذا لنهر شريف، فانعته لنا يا رسول الله. قال: نعم يا علي، الكوثر نهر يجري تحت عرش الله (تعالى)، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، حصاه الزبرجد والياقوت والمرجان، حشيشه الزعفران، ترابه المسك الأذفر قواعده تحت عرش الله (عز وجل)، ثم ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على جنب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا علي، إن هذا النهر لي ولك ولمحبيك من بعدي – وفي رواية أخرى (هو لي ولك ولفاطمة والحسن والحسين وليس لأحد فيه شيئ ) .- أمالي الطوسي ص 69-70 & تفسير البرهان وتفسير الصافي للفيض الكاشاني  ] .

وعن هذا النهر ورد فيما رواه البخاري ومسلم بأن الملائكة ستدفع بعضاً من صحابته صلى الله عليه وآله  ممن انقلبوا على أعقابهم و خرجوا على ولاية أهل البيت وحاربوهم وقتلوهم شر قتلة كما هو معلوم للجميع :

[ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال«بينا أنا قائمٌ إذا زُمرَة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ، فقلتُ: أين؟ قال: إلى النار والله، قلتُ: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدُّوا بعدَك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زُمرَة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدُّوا بعدَك على أدبارهم القهقرى، فلا أُراه يخلُصُ منهم إلا مثلُ هَمَلِ النَّعَمِ – أخرجه البخاري ]

[ وفي روايةٍ: «ترِد عليَّ أمتي الحوضَ، وأنا أذودُ الناس عنه، كما يذودُ الرجل إبل الرجل عن إبله»، قالوا: يا نبيَّ الله، أتعرفنا؟ قال: «نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، ترِدون عليَّ غرًّا محجَّلين من آثار الوضوء، وليصدَّنَّ عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا ربِّ، هؤلاء من أصحابي! فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟( أخرجها مسلم ]  .

وقال تعالى : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 114 } ولذلك بين صلى الله عليه وآله ماسيفعله هؤلاء لتثبيت نظرية حكمهم والقائمة في استبعاد أهل بيت النبي من كل حكومة البلاد وقيادة الجند ودوواين البلاد حتى يومنا هذا مازال حب أهل بيت النبي مجرد ادعاء فقط وفي الحقيقة لا يعرفون أي شيئ من حياتهم أو مروياتهم وعلومهم ومن تجرأ على ذلك يتهم بأنه شيعي أي كافر زنديق يستحق القتل بغير محاكمة ولا توبة له في فقه هؤلاء المحاربين وهذا من أفحش أخطائهم والمكائد التي دبرها سلف ليقع فيها خلف ربما بغير قصد وبنية حسنة اعتقاداً منهم أن ذلك مرضاة لله تعالى ورسوله قال صلى الله عليه وآله : [ لترًجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض – البخاري ]  .

التفسير :

  • إنا أعطيناك الكوثر (1)

وهنا :

(إنا)

من خلال هذا اللفظ سيكشف القرآن الكريم ماذا أعطاه تعالى لرسوله صلى الله عليه وأهل بيته والمؤمنين وهو كما يلي :

أولا : أعطاه تعالى القرآن الكيم والوحي وفيه الخير الكثير في الدنيا والآخرة قال تعالى :

{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين – الزمر 2 }

{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما – النساء 105}

{ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا – النساء 163 } وهذا الذكر والوحي محفوظ بإذن الله كما في قوله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون – الحجر 9 } وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته وصحابته والمؤمنين قال تعالى {إنا اعطيناك الكوثر }

ثانياً : الرسالة مما أعطاه الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله):

قال تعالى { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا – الفتح 8 } وقال تعالى أيضاً { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا – الأحزاب 45 } وهذه  الرسالة مما أ‘طاه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله هنا لقوله {إنا اعطيناك الكوثر } .

ثالثاً : النصر والفتح مما أعطاه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله :

قال تعالى { إنا فتحنا لك فتحا مبينا – الفتح 1 } وقال تعالى أيضاً { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد – غافر 51 }  وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى {إنا اعطيناك الكوثر }

رابعاً : هلاك الظالمين مما أعطاه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله في الدنيا  :

قال تعالى {  فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون – الزخرف 41 } وقال تعالى أيضاً { أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون – الزخرف 42 } وقال تعالى أيضاً { وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون – المؤمنون 95 } وقال تعالى { إنا كفيناك المستهزئين – الحجر 95 } وقال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون –السجدة 22 } وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى {إنا اعطيناك الكوثر }

خامساً : وفي عذاب الآخرة لهؤلاء المجرمين الذين كفروا بآيات الله تعالى وحاربوا أهل بيت النبي عليهم السلام وشيعتهم وأنصارهم مما أعطاه الله تعالى ووعد وعده الله تعالى  :

قال تعالى { إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا – الإنسان 4 } وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى مبيناً هنا أن عذاب هؤلاء في الآخرة أيضاً   يدخل ضمن الخير الكثير ومنه وعد الله تعالى ووعيده لأعداء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه  وأهل بيته عليهم السلام و المؤمنين  {إنا اعطيناك الكوثر }

سادساً : ومما أعطاه الله تعالى لرسوله والمؤمنين الجنة :

قال تعالى { إنا كذلك نجزي المحسنين – الصافات 131 } وهذا مما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين قال تعالى {إنا اعطيناك الكوثر }

وبالتالي كل المعاني صحيحة هنا في الأحاديث من أن الكوثر هو الخير الكثير وهو القرآن وهو الرسول وأهل بيته عليهم السلام وولايتهم وهو النصر على الأعداء في الدنيا والآخرة ودخول الجنة بما فيها من أنهار ومنها نهرالكوثر العظيم الذي وصفته أحاديث النبي التي أوردناها من قبل .

وأما :

(أعطيناك)

وهنا يبين تعالى أنه سيعطي رسول الله صلى الله عليه وآله عطاءاً قال فيه { ولسوف يعطيك ربك فترضى – الضحى 5 }  وهذا العطاء ممدود غير منقطع في الدنيا والآخرة وكثير كما في قوله تعالى هنا { إنا أعطيناك الكوثر } وكذلك من طلب الدنيا يعطيه تعالى منها عطاءاً غير محظور لطالبي الدنيا وطالبي الآخرة

قال تعالى { كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا – الإسراء 20 } وعن أهل الجنة وعطاء الله تعالى لهم في الآخرة وخلودهم في جنته يقول تعالى  {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ – هود 108 } وهنا مادامت السماوات والأرض } أي إذا بدل الله تعالى الأرض غير الأرض والسماوات أيضا سيدخلون جنة الفردوس التي يرثها عباد الله الصالحون بعد يوم القيامة قال تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات – إبراهيم 48 }

وهنا سيدخلون الجنة خالدين فيها بعد بعثهم ونشورهم وهنا يكون معنى قوله تعالى { خالدين فيها مادامت السماوات والأرض } في جنة عدن لأنها جنة  الحياة الدنيا كما في قوله تعالى { جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً ولهم فيها رزقهم بكرة وعشيا – مريم } وهنا بكرة وعشيا أي أنها جنة الحياة الدنيا لقوله تعالى عن فرعون { النار يعرضون عليها غدواً وعشيا ويوم القيامة أدحلوا آل فرعون أشد العذاب } فإذا قامت القيامة أورثهم الله تعالى الفردوس الأعلى لقوله تعالى { الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون – المؤمنون 11}.

 

وقال تعالى أيضاً { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا – النبأ32 -36}

ثم يقول تعالى :

(2)  فصلي لربك وانحر (2)

ورد في تفسير الدر المنثور :

[عن ابن عباس { وانحر } قال: الصلاة المكتوبة والذبح يوم الأضحى.وأخرج ابن جريرعن قتادة { فصل لربك وانحر } قال: الأضحى والنحر نحر البدن.وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء { فصل لربك } قال: صلاة العيد.وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { وانحر } قال: البدن.وأخرج ابن جرير عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر قبل أن يصلي فأمر أن يصلي ثم ينحر.وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: { وانحر } قال: يقول فادع يوم النحر.وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: لما أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت قريش: بتر محمد منا فنزلت { إن شانئك هو الأبتر } – الدر المنثور للسيوطي ] .

وهنا :

(فصلي لربك)

هنا يقول تعالى عن الصلاة { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين – البقرة 238} والصلاة في كتاب الله لها خمسة اوقات قال تعالى فيها { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمدد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون – الروم } والصلاة هنا صلاة عيد الأضحى أو عيد النحر كما في الأحاديث والمرويات  ولذلك قال تعالى { فصلي لربك وانحر – الكوثر } .

وأما :

(وانحر)

[ ونحر البعير ينحره نحراً : ذبحه أعلى صدره حيث تكون القلادة – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الحاء والراء ] قال تعالى هنا { فصلي لربك وانحر }

ورد في تفسير البرهان :

[ الشيخ في (أماليه) قال: أخبرنا الحفار، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا أبو مقاتل الكشي ببغداد، قدم علينا سنة أربع و سبعين و مائتين في قطيعة الربيع، قال: حدثنا أبو مقاتل السمرقندي، قال: حدثنا مقاتل بن حيان، قال: حدثنا الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال  ”  لما نزلت على النبي (صلى الله عليه و آله) { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } ، قال: يا جبرئيل، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: يا محمد، إنها ليست نحيرة، و لكنها رفع الأيدي في الصلاة ”

– محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد، عن حريز، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }؟ قال: ” النحر: الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه و نحره “. و قال: ” لا تكفر، فإنما يصنع ذلك المجوس، و لا تلثم، و لا تحتفز، و لا تقع على قدميك، و لا تفترش ذراعيك ” .

– الطبرسي: في معنى { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } عن عمر بن يزيد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) [يقول] في قوله: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }: ” هو رفع يديك حذاء وجهك “. و روى عنه عبد الله بن سنان مثله.

– و عن جميل، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }؟ فقال بيده هكذا، يعني استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة.

– و روي عن مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: ” لما نزلت هذه السورة، قال النبي (صلى الله عليه و آله) لجبرئيل (عليه السلام): ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: ليست بنحيرة، و لكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة، أن ترفع يديك إذا كبرت، و إذا ركعت، و إذا رفعت رأسك من الركوع، و إذا سجدت، فإنه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع، فإن لكل شيء زينة و إن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة.

قال النبي (صلى الله عليه و آله): ” رفع الأيدي من الاستكانة. قلت: و ما الاستكانة؟ قال: ” ألا تقرأ هذه الآية: { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ – المؤمنون 76 }

ثم قال الطبرسي: أورده الثعلبي، و الواحدي في تفسيريهما.

– علي بن إبراهيم، في معنى السورة: قوله: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } ، قال: الكوثر: نهر في الجنة أعطاه الله رسول الله (صلى الله عليه و آله) عوضا عن ابنه إبراهيم. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وورد في تفسير الدر المنثور [ وأخرج ابن جرير عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر قبل أن يصلي فأمر أن يصلي ثم ينحر. – الدر المنثور للسيوطي ] .

ثم يقول تعالى :

  • إن شانئك هو الأبتر (3)

وهنا :

(إن شانئك)

[ وشنأ : بغض – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل النون والهمزة ] .

وشنأ بمعنى شَنَآنٌ : حِقْدٌ، و بُغْضٌ { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا – المائدة 8 } والمعنى هنا مبغضك هو البتر قال تعالى { إن شانئك هو الأبتر } أي المقطوع الذكر والخير في الدنيا والآخرة وهذا جواب على قول هذا المجرم [ دعوا محمداً فإنه أبتر ] .

وأما :

(هو)

وهنا يبين تعالى أنه أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين قال تعالى { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – النخل 125 } وقال تعالى أيضاً { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب – الرعد 19 }

و يورد تعالى نمازج ممن حاربوا الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فقطعهم وبترهم لورود هذا الفظ في قوله تعالى { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم – الإنفال 32 }

وورد في نصرالله تعالى لرسوله والمؤمنين على من حاربهم وخدعوهم قال تعالى { وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين –الأنفال62 } . وبالتالي من كان في الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا قال تعالى { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا – الإسراء 72 } .

وأما :

( الأبتر)

[ والأبتر : المنقطع عن الخير – مجمع البحرين  للطريحي كتاب الراء وما أوله باء ] قال تعالى هنا { إن شانئك هو الأبتر – الكوثر } أي مبغض شرع الله الكريم وسنة رسوله وأهل بيته عليهم السلام فهو المقطوع ذكره وإن ذكر فلا يذكر إلا باللعنات كما في قوله تعالى فيمن  حاربوا رسول الله  صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام بكتمان حق لهم نزل في كتابه الكريم { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ -البقرة 159 } .فإذا كان يوم القيامة أبعدوا عن الحوض كما بينا في أول السورة وأورده البخاري ومسلم .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة  في 29 من رمضان سنة 1420 هـ في ساعة الزهرة

الموافق 6 يناير عام 2000 للميلاد

 

 

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

كتاب حياة السيدة زينب (عليها السلام)

كاتب وباحث : خالد محيي الدين الحليبي مدير مركز القلم للأبحاث والدراسات القاهرة    النسب …