سورة العلق رقم (1) في التنزيل من تفسير البينة أو (النبأ العظيم) GPT

السورة بصيغة PDF 

سُورَة اَلْعَلَقِ :

السورة بصيغةة وورد :

بسم الله الرحمن الرحيم 

سُورَة اَلْعَلَقِ

وَهِيَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ قُرْآنٍ كَرِيمٍ عَلَى قَلْبِ  رَسُولٍ كَرِيمٍ ( صَلَّى إِلَهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ )

{ نزل بِه الرُّوح الْأمِين على قَلبِك لِتكون مِن الْمنْذرين بِلسان عَربِي مُبينٍ – الشُّعراء }

[ عن اِبْن عَبَّاس قال : أَوَّل مَا نزل مِن اَلقُرآن بِمَكة { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق } وأخْرج اِبْن أَبِي شَيبَة وابْن اَلضرِيس وابْن الأنْباري فِي المصاحف والطَّبراني والْحاكم وصحَّحه وابْن مَردوِيه وَأبُو نعيم فِي الحلْية عن أَبِي مُوسَى الأشْعريّ قال : كَانَت { اِقْرأ بِاسْم رَبِّك } أَوَّل سُورَة أَنزَلت على مُحمَّد . وأخْرج البيْهقي فِي الدَّلائل عن اِبْن شِهَاب : حَدثَنِي مُحمَّد بْن عَبَّاد بْن جَعفَر المخْزوميِّ أَنَّه سَمِع بَعْض عُلمائهم يَقُول : كان أَوَّل مَا أَنزَل اَللَّه على نبيِّه { اِقْرأ بِاسْم رَبِّك } إِلى { مَا لَم يَعلَم } فقالوا : هذَا صَدرُها اَلذِي أَنزَل يَوْم حِرَاء ، ثُمَّ أَنزَل اَللَّه آخرهَا بَعْد ذَلِك مَا شاء اَللَّه . وأخْرج اِبْن جرير والْحاكم وصحَّحه وابْن مَردوِيه والْبيْهقي فِي الدَّلائل وصحَّحه عن عَائِشة قَالَت : أَوَّل مَا نزل مِن اَلقُرآن { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق } .

وأخْرج عَبْد الرَّزَّاق وأحْمد وعبْد بْن حُمَيد والْبخاريَّ وَمسلِم وابْن جرير وابْن الأنْباري فِي المصاحف وابْن مَردوِيه والْبيْهقي مِن طريق اِبْن شِهَاب عن عُروَة بْن الزُّبَيْر عن عَائِشة أُم المؤْمنين أَنهَا قَالَت : ” أَوَّل مَا بِدْىِء بِه رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم مِن الوحْي الرُّؤْيَا الصَّالحة فِي النَّوْم ، فَكَان لََا يرى رأْيًا إِلَّا جَاءَت مِثْل فلق الصُّبْح ، ثُمَّ حَبَّب إِلَيه الخلَاء ، وَكَان يَخلُو بِغَار حِرَاء فيْتحْنث فِيه وَهُو التَّعَبُّد اللَّيالي ذَوَات العدد قَبْل أن يَنزِع إِلى أَهلِه ويتزَوَّد لِذَلك ثُمَّ يَرجِع إِلى خَدِيجَة ، فيتزَوَّد لِمثْلِهَا حَتَّى جَاءَه اَلحَق وَهُو فِي غار حِرَاء ، فجاءه اَلمُلك فَقَال { اِقْرأ } قال : قَلَّت : مَا أنَا بقارَىء . قال : فأخذَني فَغطنِي حَتَّى بلغ مِنِّي اَلجُهد ثُمَّ أرْسلَني فَقَال : اِقْرأ فَقُلت : مَا أنَا بقارَىء . قال : فأخذَني فَغطنِي الثَّانية حَتَّى بلغ مِنِّي اَلجُهد ثُمَّ أرْسلَني فَقَال : اِقْرأ فَقُلت : مَا أنَا بقارَىء ، فأخذَني فَغطنِي الثَّالثة حَتَّى بلغ مِنِّي اَلجُهد ثُمَّ أرْسلَني فَقَال : { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق خلق الْإنْسان مِن علق اقْرأ وربُّك الْأكْرم الَّذي عَلَّم بِالْقَلم } اَلآيَة ، فَرجَع بِهَا رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم يَرجُف فُؤَاده فَدخَل على خَدِيجَة بِنْتْ خُويْلِد فَقَال : زَملُوني زَملُوني . فزْملوه حَتَّى ذهب عَنْه الرَّوْع فَقَال لِخديجة وأخْبرهَا الخبر : لَقد خَشيَت على نَفسِي ، فقالتْ خَدِيجَة : كَلَّا وَاَللَّه مَا يُخْزِيك اَللَّه أبدًا إِنَّك لِتَصل اَلرحِم وتحمُّل اَلكُل وَتكسِب المعْدوم وتقرِّي الضَّيْف وَتَعيَّن على نَوائِب اَلحَق . فانْطلقتْ بِه خَدِيجَة حَتَّى أتتْ وَرقَة بْن نُوفَل بْن أسد بْن عَبْد اَلعُزى – اِبْن عمِّ خَدِيجَة – وَكَان اِمْرأ قد تَنصَّر فِي الجاهليَّة وَكَان يَكتُب الكتَاب العبْرانيُّ فيكْتب مِن الإنْجيل بِالْعبْرانيَّة مَا شاء اَللَّه أن يَكتُب ، وَكَان شيْخًا كبيرًا قد عُمْي ، فقالتْ لَه خَدِيجَة : يَا اِبْن عمِّ اِسْمع مِن اِبْن أخيك . فَقَال لَه رُوقَة : يَا اِبْن أَخِي مَاذَا ترى ؟ فَأَخبرَه رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم خبر مَا رأى ، فَقَال لَه وَرقَة : هذَا النَّاموس اَلذِي أَنزَل اَللَّه على مُوسَى ، يَا لَيتَنِي أَكُون فِيهَا جِذْعًا ، يَا لَيتَنِي أَكُون فِيهَا حيًّا إِذ يُخْرِجك قَومُك . فَقَال رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : أو مُخْرِجي هُم ؟ قال : نعم ، لَم يَأْت رَجُل قطُّ بِمثْل مَا جِئْتُ بِه إِلَّا عُودي ، وَإِن يُدْركني يَومُك أَنصُرك نصْرًا مُؤَزرا . ثمَّ لَم يَنشَب وَرقَة أن تُوفِّي وَفتَر الوحْي وأخْرج اِبْن اَلمنْذِر عن اِبْن عَبَّاس قال : أَوَّل سُورَة نَزلَت على مُحمَّد { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق } .

وأخْرج اِبْن أَبِي شَيبَة وعبْد بْن حُمَيد وابْن جرير وابْن اَلمنْذِر عن مُجَاهِد قال : أَوَّل مَا نزل مِن اَلقُرآن { اِقْرأ بِاسْم رَبِّك } ثُمَّ ( ن والْقَلم ) وأخْرج اِبْن اَلمنْذِر وابْن مَردوِيه عن اِبْن عَبَّاس قال : أَوَّل شَيْء أَنزَل مِن اَلقُرآن خَمْس آيات { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق } إِلى قَولِه : { مَا لَم يَعلَم } وأخْرج اِبْن أَبِي شَيبَة عن عُبَيد بْن عُمَير قال : أَوَّل مَا نزل مِن اَلقُرآن { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق } ثُمَّ ( ن ) .

وأخْرج اِبْن الأنْباري فِي المصاحف عن عَائِشة قَالَت : كان أَوَّل مَا نزل عليْه بُعْد { اِقْرأ بِاسْم رَبِّك } ( ن والْقَلم ) و ( يَا أَيهَا الْمدَّثِّر ) ( والضُّحى ) وأخْرج عَبْد الرَّزَّاق وعبْد بْن حُمَيد عن اَلزهْرِي وعمْرو بْن دِينار أنَّ اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم كان بِحراء إِذ أَتَاه مَلِك بِنَمط مِن دِيباج فِيه مَكتُوب { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق } إِلى { مَا لَم يَعلَم } وأخْرج الحاكم مِن طريق عمْرو عن جَابِر أنَّ اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم كان بِحراء إِذ أَتَاه مَلِك بِنَمط مِن دِيباج فِيه مَكتُوب { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق } إِلى { مَا لَم يَعلَم } وأخْرج اِبْن أَبِي شَيبَة وابْن جرير وَأبُو نعيم فِي الدَّلائل عن عَبْد اَللَّه بْن شَدَّاد قال ” أتى جِبْريل مُحَمدا صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم فَقَال : يَا مُحمَّد اِقْرأ . قال : ومَا أَقرَأ ؟ فَضمَّه ، ثُمَّ قال يَا مُحمَّد : اِقْرأ ؟ قال : ومَا أَقرَأ ؟ قال : { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق } حَتَّى بلغ { مَا لَم يَعلَم } فَجَاء إِلى خَدِيجَة فَقَال : يَا خَدِيجَة مَا أَرَاه إِلَّا قد عرض لِي . قَالَت : كَلَّا وَاَللَّه مَا كان ربُّك يَفعَل ذَلِك بِك ، ومَا أتيْتَ فَاحِشة قِطٍّ . فَأتَت خَدِيجَة وَرقَة ، فأخْبرْته الخبر . قال : لِأنَّ كُنْت صَادِقة أنَّ زَوجَك لِنَبي ، وليلْقين مِن أُمَّته شِدَّة ، وَلئِن أدْركَتْه لِأؤْمِنن بِه . قال : ثُمَّ أَبطَأ عليْه جِبْريل فقالتْ خَدِيجَة : مَا أرى ربُّك إِلَّا قد قَلَاك . فأنْزل اَللَّه { والضُّحى واللَّيْل إِذَا سجى مَا وَدعَك ربُّك ومَا قلى } وأخْرج اِبْن مَردوِيه عن عَائِشة ” أنَّ رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم اِعتكَف هُو وَخَديجَة شهْرًا فوافق ذَلِك رَمَضان فَخرَج رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم وَسمِع السَّلَام عليْكم . قَالَت : فظننْتُ أَنَّه فَجأَة اَلجِن . فَقَال : اُبْشُروا فَإِن السَّلَام خَيْر ، ثُمَّ رأى يوْمًا آخر جِبْريل على الشَّمْس لَه جَنَاح بِالْمشْرق وَجَناح بِالْمغْرب . قال : فَهبَّت مِنْه فانْطَلق يُريد أَهلَه فَإذَا هُو بِجبْرِيل بَينِه وبيْن اَلْباب . قال : فكلَّمَني حَتَّى أَنسَت مِنْه ثُمَّ وَعدَنِي موْعدًا فجئْتُ لِموْعِده واحْتَبس عَلِي جِبْريل فَلمَّا أَرَاد أن يَرجِع إِذَا هُو بِه وبميكائيل ، فَهبَط جِبْريل إِلى الأرْض وميكائيل بَيَّن السَّمَاء والْأَرْض ، فأخذَني جِبْريل فصلْقَني لِحلاوة القفَا وشقَّ عن بَطنِي فأخْرج مِنْه مَا شاء اَللَّه ثُمَّ غَسلِه فِي طَسْت مِن ذهب ثُمَّ أَعَاد فِيه ثُمَّ كَفانِي كمَا يَكفَّا الإنَاء ، ثُمَّ ختم فِي ظَهرِي حَتَّى وَجدَت مسَّ الخاتم ثُمَّ قال لِي : اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق ولم أَقرَأ كِتابًا قطُّ فَأخَذ بِحلْقي حَتَّى أَجهَشت بِالْبكاء ، ثُمَّ قال لِي : { اقْرأ بِاسْم رَبِّك الَّذي خلق } إِلى قَولِه : { مَا لَم يَعلَم } قال : فمًا نسيتُ شيْئًا بُعدَه . ثمَّ وَزنَنِي جِبْريل بِرَجل فوازنته ، ثمَّ وَزنَنِي بِآخر فوازنته ، ثمَّ وَزنَنِي بِمائة . فَقَال مِيكائيل : تَبعتُه أُمتُه وربُّ الكعْبة . قال : ثُمَّ جِئْتُ إِلى مَنزلِي فلم يُلْقني حجر ولَا شجر إِلَّا قال : السَّلَام عليْك يَا رَسُول اَللَّه ، حَتَّى دَخلَت على خَدِيجَة ، فقالتْ : السَّلَام عليْك يَا رَسُول اَللَّه ” . – تَفْسِيرُ اَلدَّرِّ اَلْمَنْثُورِ اَلسُّيُوطِي ] .

وَفِي تَفَاسِيرِ أَهْلِ اَلْبَيْتِ ( عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ ) : [ قَالَ اِبْنْ عَبَّاسْ ” إِنَّ أَوَّلَ مَا اِبْتَدَأَ بِهِ رَسُولُ اَللَّهِ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) مِنْ اَلْوَحْيِ اَلرُّؤْيَا اَلصَّالِحَةِ فِي اَلنَّوْمِ ، وَكَانَ لَا يَرَى رَأْيًا إِلَّا جَاءَتْ كَفَلْقِ اَلصُّبْح وَلَمَّا تَزَوَّجَ بِخَدِيجَة ( رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا ) ، وَكَمَّلَ لَهُ مِنْ اَلْعُمْرِ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، قَالَ : فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى جَبَلِ حِرَاءِ ، فَهَتَفَ بِهِ جِبْرَئِيلْ وَلَمْ يُبْدِ لَهُ ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ ، فَحَمَلُوهُ مُشْرِكُو قُرَيْشِ إِلَيْهَا ، وَقَالُوا : يَا خَدِيجَة ، تَزَوَّجَتْ بِمَجْنُونٍ ! فَوَثَبَتْ خَدِيجَة مِنْ اَلسَّرِيرِ ، وَضَمَّتُهُ إِلَى صَدْرِهَا ، وَوَضَعَتْ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا ، وَقَبِلَتْ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَقَالَتْ : تَزَوَّجَتْ نَبِيًّا مُرْسَلاً . فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَتْ : بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولُ اَللَّهِ ، مَا اَلَّذِي أَصَابَكَ ؟ قَالَ : ” مَا أَصَابَنِي غَيْرَ اَلْخَيْرِ ، وَلَكِنِّي سَمِعَتْ صَوْتًا أَفْزَعَنِي ، وَأَظُنُّهُ جِبْرَئِيلْ ” فَاسْتَبْشَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ : إِذَا كَانَ غَدَاةِ غَدٍ فَارْجِعْ إِلَى اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي رَأَيْتُهُ ، فِيهِ بِالْأَمْسِ ، قَالَ : فَخَرَجَ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) ، وَإِذَا هُوَ بَجْبَرْئِيلْ فِي أَحْسَنِ صُورَةِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةٍ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدْ ، رَبُّكَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلَامُ وَيَخُصُّكَ بِالتَّحِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ ، وَيَقُولَ لَكَ : أَنْتَ رَسُولِي إِلَى اَلثِّقْلَيْنِ ، فَادْعُهُمْ إِلَى عِبَادَتِي ، وَأَنْ يَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ ، مُحَمَّدْ رَسُولِ اَللَّهِ ، عَلِي وَلِيِّ اَللَّهِ ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ اَلْأَرْضَ ، فَنَبَعَتْ عَيْنُ مَاءِ فَشُرْب ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) مِنْهَا ، وَتَوَضَّأَ ، وَعِلْمُهُ {اِقَرَأَ بسُمُّ رَبِّكَ الِذِي خَلْق } إِلَى آخِرِهَا ، وَعَرَجَ جِبْرَئِيلْ إِلَى اَلسَّمَاءِ ، وَخَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) مِنْ حِرَاءِ فَمًا مَرَّ بِحَجَرٍ وَلَا مُدِر وَلَا شَجَرَ إِلَّا وَنَادَاهُ ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولُ اَللَّهِ ، فَأَتَى خَدِيجَة وَهِيَ بِانْتِظَارِهِ ، وَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ ، فَفَرِحَتْ بِهِ وَبِسَلَامَتِهِ وَبَقَائِهِ ” . – تَفْسِيرُ اَلْبُرْهَانِ لِلسَّيِّدِ هَاشِمْ اَلْبَحْرَانِيّ ج 4 ص 479 ]  .

يَقُولَ تَعَالَى :

( 1 ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( 1 )

 وَهُنَا :

– ( اِقْرَأْ )

وَهِيَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ نَزَلَتْ فِي اَلْإِسْلَامِ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِأُمَّةِ اِقْرَأْ كَمَا يُقَالُ لِهَذَا اَلسَّبَبِ وَالْقِرَاءَةِ بِبْسِمْ اَللَّهِ تَعَالَى هُنَا لَا تَكُونُ إِلَّا فِي وَحْيِ اَللَّهِ تَعَالَى اَلْمَنْزِل مِنْ قُرْآنٍ وَسَنَةٍ قَالَ تَعَالَى { إِنَّمَا أَمَرَتْ أَنْ أَعْبُدَ رَبُّ هذَهْ اَلْبَلْدَةُ اَلَّذِي حَرَمهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأَمَرَتْ أَنْ أَكُونَ مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ اَلْقُرْآنُ فَمِنْ اِهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمِنْ ضَلَّ فَقَلَّ إِنَّمَا أَنَا مِنْ اَلْمُنْذَرِينَ – اَلنَّمْلِ 91 – 92 } .

وَحَيْثُ أَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ اَلْوَحْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوَى إِنَّ هُوَ إلَأا وَحَيٌّ يُوحَى – اَلنَّجْمُ } فَالْأَمْرُ اَلْإِلَهِيُّ هُنَا بَالْقَرَأَة فِي اَلْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ . وَمِنْ آدَابِ هَذِهِ اَلتِّلَاوَةِ كَمَا بَيَّنَ اَللَّهُ تَعَالَى :

1 – تِلَاوَتُهُ بِتَمَهُّلِ وَدُونَ عَجَلِ وَتَرْتِيلِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَقُرْآنًا فَرَّقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَى اَلنَّاسِ عَلَى مَكَثَ وَنُزِّلْنَاهُ تَنْزِيلاً – اَلْإِسْرَاءَ 106 } .

2 – اَلِاسْتِعَاذَةُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ مَعَ بِدَايَةِ اَلتِّلَاوَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ – اَلنَّحْلِ 98 } .

3 – اَلِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ إِلَيْهِ إِذَا تَلَا عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ – اَلْأَعْرَافُ 204 } . ثُمَّ اِتِّبَاعِ أَوَامِرِ اَللَّهِ تَعَالَى بُعْدُ اَلِاسْتِمَاعِ إِلَى اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ مَعَ بَيَانٍ أَنَّ اَلْمُكَلَّفَ بِبَيَانِ اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ هُوَ اَللَّهُ تَعَالَى أَوَّلاً فَمًا أَجْمَلَ فِي مَوْضِعٍ فَقَدَ فَصْلٌ فِي آخَر لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ – اَلْقِيَامَةُ 16 – 19 }

ثُمَّ يَأْتِي بَيَانَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ فَبَيَانُ اَلْقُرْآنِ يَكُونُ بِالْقُرْآنِ وَحَدِيثِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنَّ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ اَلذِّكْرُ لِتَبَيُّنٍ لِلنَّاسِ مَا نَزَلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ – اَلنَّحْلُ 43 – 44 } . وَعَنْ بَيَانِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عِلْمَهُ أَهْلَ بَيْتِهِ لِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ [ ” يَا عَلِي تَقَاتُلِهِمْ عَلَى اَلتَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُهُمْ أَنَا عَلَى اَلتَّنْزِيلِ ” – مَسْنَدَ أَحْمَدْ ج 1 ص 126 وَالْحَاكِمُ ج 3 ص 129 ]

وَقَالَ أَيْضًا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : [ ” يَا عَلِي تَقَاتُلِهِمْ عَلَى اَلتَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلَتْهُمْ عَلَى اَلتَّنْزِيلِ ” – بَحَّارُ اَلْأَنْوَارِ : ج 8 ، ص 455 و 456 ، طَبْعَةٌ اَلْكَمْبَانِي ، رِوَايَاتٌ مُسْتَفِيضَةٌ بِهَذَا اَلشَّأْنِ ، وَأَوْرَدَهُ فِي « غَايَةِ اَلْمَرَامِ » عَنْ طَرِيقِ اَلْعَامَّةِ عَنْ مُوَفَّقٍ بْنْ أَحْمَدْ اَلْخَوَارِزْمِي ص 33 تَحْتَ اَلْعُنْوَانِ اَلْعَاشِرِ ، ضِمْنَ حَدِيثٍ طَوِيلٍ . اَلْغَدِيرُ » ج 7 ، هَامِشُ ص 131 ] .

[ وَقَالَ : « أَنَا أُقَاتِلُهُمْ عَلَى تَنْزِيلِ اَلْقُرْآنِ وَأَنْتَ تَقَاتُلَهُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ » – اَلْخَوَارِزْمِيَّ فِي اَلْمَنَاقِبِ ص 44 – يَنَابِيع اَلْمَوَدَّةِ ص 233 – اَلْإِصَابَةُ لِابْنِ حَجَرِ اَلْعَسْقَلَانِيّ ج 1 ص 25 – كِفَايَةُ اَلطَّالِبِ ص 334 – مُنْتَخَبُ كَنْزِ اَلْعُمَّالِ ج 5 ص 36 – إِحْقَاقُ اَلْحَقِّ ج 6 ص 37 ] . , [ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) : أَيُّهَا اَلنَّاسُ ! لَا أَلْفِينِكِمْ بَعْدِي تَرْجِعُونَ كُفَّارًا ؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابُ بَعْضٍ ، فَتَلْقُونِي فِي كَتِيبَةٍ كِمْجِرْ اَلسَّيْلُ اَلْجَرَّارُ ! أَلَّا وَإِنْ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ أَخِي ، وَوَصِيِّي ، يُقَاتِلَ بَعْدِي عَلَى تَأْوِيلِ اَلْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلَتْ عَلَى تَنْزِيلِهِ – اَلْإِرْشَادُ : 1 / 180 ، بَحَّارُ اَلْأَنْوَارِ : 22 / 46 / 19 ] .

– [ عَنْهُ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) : يَا عَلِي ، أَنْتَ . . . تَقَاتُلُ بَعْدِي عَلَى اَلتَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلَتْ عَلَى اَلتَّنْزِيلِ – كِفَايَةُ اَلْأَثَرِ : 135 عَنْ سَعْدْ بْنْ مَالِكْ ، اَلْجَمَلُ : 80 ، بِشَارَةُ اَلْمُصْطَفَى : 142 عَنْ اِبْنْ عَبَّاسْ ، اَلْمُسْتَرْشِدَ : 429 / 142 ، عَوَالِي اَللَّآلِي : 4 / 87 / 17 كُلُّهَا نَحْوُهُ ؛ اَلصَّوَاعِقُ اَلْمَحْرَقَةُ : 123 عَنْ أَبِي سَعِيدْ اَلْخُدْرِي ] .

– [ عَنْهُ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) : أَنَا أُقَاتِلُ عَلَى تَنْزِيلِ اَلْقُرْآنِ ، وَعَلَى يُقَاتِل عَلَى تَأْوِيلِ اَلْقُرْآنِ اَلْفِرْدَوْسِ : 1 / 46 / 115 عَنْ وَهَبَ بْنْ صَيْفِيٍّ ، كَنْزُ اَلْعُمَّالِ : 11 / 613 / 32968 ؛ اَلْمَنَاقِبُ لِابْن شَهْرِ آشُوبْ : 3 / 218 عَنْ زَيْدْ بْنْ أَرْقَمْ ] .

ويَوْمَ اَلْقِيَامَةِ يَخْرُجُ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْخَلْقِ كِتَابَ أَعْمَالِهِمْ لِيُحَاسِبُوا فَمِنْ اِهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمِنْ ضَلَّ فَعَلَيْهَا قَالَ تَعَالَى { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنَخْرُجُ لَهُ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اَلْيَوْمِ عَلَيْكَ حَسِيبًا مِنْ اِهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمِنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يُضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ? وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى ? نَبْعَثُ رَسُولاً – اَلْإِسْرَاءَ 13 – 15 } .

وَهُنَا مِنْ اِهْتَدَى فَهُوَ اَلَّذِي تَوَلَّى اَللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ( عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ ) وَفِي هَذَا اَلْيَوْمِ يُؤْتَى اَلْمُؤَمَّنُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ بِوِلَايَتِهِ لِلَّهِ اَلْحَقِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُول هَاؤُمُ اِقْرَؤُوا كِتَابَيْهِ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَّةٍ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ – الْحَاقَّةُ 19 – 24 } .

 وَأَمَّا :

(بِاسْمِ رَبِّكَ )

وَاسْمُ اَللَّهِ تَعَالَى يَذْكُرُ عِنْدَ اَلذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى – اَلْأَعْلَى 14 – 15 } أَيْ أَنَّ اِسْمَ اَللَّهِ تَعَالَى يَذْكُرُ مَعَ اِفْتِتَاحِ اَلصَّلَاةِ وَمَعَ تِلَاوَةِ اَلْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ – اَلْعَلَقُ 1 }

وَيُذْكَرُ فِي اِفْتِتَاحِ كُلِّ شَيْءٍ لِاسْتِبْعَادِ اَلشَّيْطَانِ مِنْ اَلْعَمَلِ اَلَّذِي يَعْمَلُهُ اَلْإِنْسَانُ وَذَلِكَ اَلْعَمَلُ قَامَ بِهِ نَبِيُّ اَللَّهِ سُلَيْمَانْ عِنْدَ كِتَابَتِهِ رِسَالَةً لِمَلِكَةِ سَبَأِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { أَنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانْ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ اَلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ – اَلنَّمْلِ } .

وَأَمَّا :

 ( اَلَّذِي خَلَقَ )

وَاَلَّذِي خَلَقَ اَلْخُلُقُ هُوَ اَللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ اَلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ { إِنَّ رَبَّكُمْ اَللَّهَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى اَلْعَرْشِ يُغْشِي اَللَّيْلُ اَلنَّهَارُ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومِ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ إِلَّا لَهُ اَلْخُلُقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اَللَّهُ رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ– اَلْأَعْرَافُ 54 }

وَهُوَ اَلَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ – اَلرَّحْمَنَ } وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ – قِ 16 } وَهُوَ عزُوجَلْ اَلَّذِي خَلَقَ كُلُّ شَيْءٍ ثُمَّ هَدَاهُ لِسُلُوكٍ مُحَدَّدٍ مُنْذُ اَلْوِلَادَةِ حَتَّى اَلْمَمَاتِ كَمَا فِي قَوْلِ نَبِيِّ اَللَّهِ مُوسَى لِفِرْعَوْنِ عَلَيْهِ لَعَائِنْ اَللَّهِ اَلْمُتَتَالِيَةِ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ { قَالَ مِنْ رَبِّكُمَا يَامُوسِىْ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هُدًى – طه } وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ خَالِقٌ كُلُّ شَيْءٍ عَلِمْنَاهُ أَمْ لَمْ نُعْلِمْهُ رَأَيْنَاهُ أَمْ لَمْ نَرَاهُ قَالَ تَعَالَى { ذلَكَمَ اَللَّهُ رَبَّكُمْ لَا إِلْه إِلَّا هُوَ خَالِقٍ كُلُّ شَيْءِ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلُّ شَيْءِ وَكِيلٍ – اَلْأَنْعَامِ 102 }

وَهُنَا يُبَيِّنُ تَعَالَى أَنَّ هَذَا اَلْخَالِقِ اَلْعَظِيمِ لِكُلِّ شَيْءٍ أَنْزَلَ كِتَابُهُ اَلْكَرِيمُ وَأَمَرَ بِقَوْلٍ بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحَمَنَ الَرَحِيمْ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ وَعِنْدَ اَلصَّلَاةِ وَافْتِتَاحِ كُلِّ عَمَلِ بِبْسِمْ اَللَّهُ كَمَا فِي اَلْحَدِيثِ [ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ كَلَامٍ أَوْ أَمْرٍ ذِي بَال لَا يَفْتَحُ بِذِكْرِ اَللَّهِ فَهُوَ أَبْتَر – أَوْ قَالَ : أَقْطَعُ – ) وَقَدْ رُوِيَ اَلْحَدِيثِ بِأَلْفَاظِ أُخْرَى نَحْوَ هَذَا . رَوَاهُ اَلْإِمَامْ أَحْمَدْ فِي ” اَلْمُسْنَدِ ” ( 14 / 329 ) وَاَلدَّارَقُطْنِي و ” تَهْذِيبِ اَلتَّهْذِيبِ ” ( 8 / 373 )]

وَلِذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى هُنَا { اِقْرَأْ بِسُمِّ رَبِّكَ اَلَّذِي خَلَقَ } .

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

 ( 2 ) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ( 2 )

وَهُنَا :

 

 ( خَلَقَ الْإِنْسَانَ )

يَقُولُ تَعَالَى هُنَا : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سِوَاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعْلٍ لَكُمْ اَلسَّمْعُ وَالْأَبْصَارُ وَالْأَفْئِدَةُ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ – اَلسَّجْدَةُ 7 – 9 } وَبَعْدَمَا جَعَلَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ اَلْأَوَّلِ وَهُوَ آدَمْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ جِلْقْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِتَّقَوْا رَبُّكُمْ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلْقِ مِنْهَا زَوْجُهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءٌ وَاتَّقَوْا اَللَّهَ اَلَّذِي تْسَاءلُونْ بِهِ وَالْأَرْحَامِ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا – اَلنِّسَاءِ 1 } وَهُنَا جَعَلَ اَللَّهُ تَعَالَى نَسْلَهُ مِنْ مَاءِ مَهِينٍ فَإِذْ خُلُقهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَهُ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةٌ ثُمَّ مُضْغَةٌ في بطن أمه كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقَنَا اَلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقَنَا اَلْعَلَقَةُ مُضْغَةً فَخَلَقَنَا اَلْمُضْغَةُ عِظَامًا فَكَسَوْنَا اَلْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خُلُقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اَللَّهُ أَحْسَنَ اَلْخَالِقِينَ – اَلسَّجْدَةِ 12 – 14 }

وَهَذَا اَلْإِنْسَانُ عِلْمَهُ اَللَّهَ تَعَالَى اَلْبَيَان تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ بَقِيَّةِ اَلْمَخْلُوقَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ – اَلرَّحْمَنَ 3 – 4 } وَقَدْ خَلَقَهُ اَللَّهُ تَعَالَى فِي أَجْمَلَ وَأَحْسَنِ صُورَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ – اَلْاَنَفَطَارْ 6 – 8 } .

وَهُنَا فِي اَلْآيَةِ يُبَيِّنُ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ – اَلْعَلَقَ 2 } . وَأَمَّا :

( مِنْ عَلَّقَ )

[ اَلْعَلَقَةَ خَلِيطَ مِنْ مَاءِ اَلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يُعَلِّقُ بِجِدَارِ اَلرَّحِمِ فَيَتَحَوَّرُ – مُعْجَمُ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلْعَيْنِ فَصْلَ اَللَّامَ وَالْقَاف ] .

وَالْعَلَقَةُ مَرْحَلَةً مُعَلَّقَةً بَيْنَ اَلنُّطْفَةِ وَالْمُضْغَة لَا هِيَ نُطْفَةٌ وَلَا خِىْ مُضْغَةً لِوُرُودِ هَذَا اَللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ اَلْمَرْأَةِ اَلْمَهْجُورَةِ مِنْ زَوْجِهَا بِلَا نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ { فَلَا تَمِيلُوا كُلُّ اَلْمَيْلِ فَتَذْرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ – اَلنِّسَاء 129 } وَهَذِهِ اَلْمَرْحَلَةُ هِيَ اَلثَّانِيَةُ مِنْ خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي رَحِمِ أُمِّهِ وَاَلَّتِي قَالَ تَعَالَى فِيهَا { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقَنَا اَلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقَنَا اَلْعَلَقَةُ مُضْغَةً فَخَلَقَنَا اَلْمُضْغَةُ عِظَامًا فَكَسَوْنَا اَلْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خُلُقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اَللَّهُ أَحْسَنَ اَلْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْد ذلَكَ لَمِيتُونْ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ – اَلْمُؤْمِنُونَ 12 – 17 } .

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 3 ) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ( 3 )

وَهُنَا :

( اِقْرَأْ وَرَبُّكَ )

أَيْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { اِقْرَأْ بِسُمِّ رَبِّكَ اَلَّذِي خَلَقَ – اَلْعَلَقَ 1 } وَهُنَا يُبَيِّنُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ وَلِلنَّاسِ اَقَرَأُووَا وَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ أَشْرَفَ وَأَكْرَمْ مِنْ كُلٍّ كَرِيمٍ قَالَ تَعَالَى هُنَا { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ – اَلْعَلَقِ 3 } .

 وَأَمَّا :

( اَلْأَكْرَمْ )

[ وَأَكْرَمَهُ : سِلْكُ مِنْهُ مَسْلَكِ اَلْكَرَمِ وَالْجُودِ فَأَحْسَنَ مُعَامَلَتُهُ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِمَا يُرْضِيهُ وَمُضَارِعَهُ يُكَرِّم وَالْأَمْرُ مِنْهُ أُكَرَّمَ وَكَرَمهُ شَرَفُهُ وَأَحْسَنَ مُعَامَلَتَهُ , . . وَأَكْرَمْ : اِسْمُ تَفْضِيلِ مِنْ كَرَّمَ وَمَعْنَاهُ اَلْأَشْرَفْ أَوْ اَلْأَشَدِّ تَفَضُّلاً . . , وَالْإِكْرَامُ مَصْدَرُ أَكْرَمَ وَهُوَ اَلْجُودُ وَالْإِحْسَانُ أَوْ اَلتَّكْرِيمِ وَالتَّعْظِيمِ – مُعْجَمَ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلْكَافَ فَصْلَ اَلرَّاءِ وَالْمِيم ] . وَاَللَّهُ تَعَالَى رَبُّ اَلْعَرْشِ وَهَذَا اَلْخُلُقُ كَرِيمٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبَّ اَلْعَرْشِ اَلْكَرِيمِ – اَلْمُؤْمِنُونَ 116 } وَاَللَّهَ تَعَالَى مِنْ كَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلُ مُكَرَّمُونَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَالُوا اتَّخَذَ اَلرَّحْمَنُ وَلَدًا بَلْ عِبَاد مُكَرَّمُونَ – اَلْأَنْبِيَاءَ 36 } وَأَكْثَرُهُمْ كَرَمًا بِالتَّخْصِيصِ خَاتَمَ اَلنَّبِيَّيْنِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِقَوْلِهِ فِيهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ – اَلتَّكْوِيرِ } وَلَقَدْ وَصَفَ اَللَّهُ تَعَالَى نَبِيُّ اَللَّهِ مُوسَى بِنَفْسِ اَلْوَصْفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَوْمُ فِرْعَوْنْ وَجَاءَهُمْ رَسُولُ كِرِيمٍ – اَلدُّخَّانِ 17 } وَهَذَا اَلتَّكْرِيمُ لَهُمْ فِي اَلدُّنْيَا بِنُزُولِ اَلصُّحُفِ اَلْمُكَرَّمَةِ مِنْ اَللَّهِ تَعَالَى أَكْرَم اَلْأَكْرَمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمِنْ شَاءَذَكَرَهْ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ – عَبَسَ 13 }

وَأَكْرَمْ اَلْخُلُقِ عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى أَتْقَاهُمْ مِنْ تَوَلَّى اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَكْرَم اَلْأَكْرَمِينَ وَعَمِلَ بِكِتَابِهِ اَلْكَرِيمِ وَبِأَوَامِر رَسُولِ اَللَّهِ اَلْكَرِيمِ كَمًّا بَيِّنًا ثُمَّ تَوَلَّى أَهْلَ بَيْتِهِ اَلْكِرَامَ وَهُمْ وَجْهُ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اَلَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { كُلٌّ مِنْ عَلَيْهَا فَإِنَّ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ – اَلرَّحْمَنِ 27 }

وَهُنَا وَجْهُ اَللَّهِ تَعَالَى حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا بَلْ قَالَتَعَالِىْ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ اَلسَّمِيعْ اَلْبَصِيرِ } وَلَفَظَ وَجْهٌ يُبَيِّنُ مِنْ هُمْ اَلْمُسْتَثْنَوْنَ مِنْ اَلْهَلَاكِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ . , وَرَدَ لَفْظُ وَجْهٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { اُقْتُلُوا يُوسُفْ أَوْ اِطْرَحُوهُ أَرْضًا يُخْلُوا لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكَوَّنُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ – يُوسُفْ } وَهُنَا كَانَ يَعْقُوبْ أَشْرَكَ فِي حُبِّ يُوسُفْ إِخْوَتَهُ فَكَانَ حُبُّ يَعْقُوبْ لَهُ يُعَادِلُ حُبَّ إِخْوَتِهِ وَهُنَا يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّهُمْ أَرَادُوا تَوْحِيدُ وَجْهِ يَعْقُوبْ إِلَيْهِمْ بِمُحَاوَلَةِ قَتْلِهِمْ لِنَبِيِّ اَللَّهِ يُوسُفْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ وَلِذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى { وَمِنْ يُسَلِّمُ وَجْهُهُ إِلَى اَللَّهِ وَهُوَ مُحَسَّنٌ فَقَدْ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ اَلْوُثْقَى  وَإِلَى اَللَّهِ عَاقِبَةَ اَلْأُمُورِ – لُقْمَانْ 22 }

وَالْعُرْوَةُ اَلْوَقِىْ هِيَ اَلْكُفْرُ بِالطَّاغُوتِ وَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمِنْ يَكْفُرُ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤَمِّنُ بِاَللَّهِ فَقَدْ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ اَلْوُثْقَى لَا اِنْفِصَامَ لَهَا وَاَللَّهِ سَمِيعْ عَلِيمٍ – اَلْبَقَرَةِ 256 } وَالْإِيمَانُ بِاَللَّهِ هُنَا يَقُومُ عَلَى وِلَايَةِ اَللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولهُ ثُمَّ اَلْإِمَامْ عَلِي اَلَّذِي تُصَدِّقُ وَهُوَ رَاكِعٌ وَنَزَلَ فِيهِ قَوْلَهُ تَعَالَى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ – اَلْمَائِدَةَ 55 } وَهُنَا يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } أَيْ كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٍ إِلَّا رُسُلُهُ وَأَنْبِيَائِهِ ثُمَّ أَهْل بَيْتِ اَلنَّبِيِّ عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى مُسْتَثْنِيًا هَذَا اَلْحِزْبِ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ { وَنَفَخَ فِي اَلصُّوَرِ فَصَعِقَ مِنْ فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَمِنْ فِي اَلْأَرْضِ إِلَّا مِنْ شَاءَ اَللَّهُ – اَلزُّمَرُ 68 } وَهَؤُلَاءِ أَيْضًا هُمْ اَلَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ { لَا يُحْزِنُهُمْ اَلْفَزَعُ اَلْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ اَلْمَلَائِكَةُ هذَا يَوْمِكُمْ اَلَّذِي كُنْتُمْ تُوعِدُونَ – اَلْأَنْبِيَاءُ 103 } ولْذَلَكْ يَقُولَ اَلْإِمَامُ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ [ نَحْنُ وَجْهُ اَللَّهِ اَلَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ ] . وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ عَلِي بْنْ إِبْرَاهِيمْ اَلْقُمِّيْ : [ تَفْسِيرُ عَلِي بْنْ إِبْرَاهِيمْ : ” كُلٌّ مِنْ عَلَيْهَا فَإِنَّ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ” قَالَ : دِينُ رَبِّكَ . وَقَالَ عَلِي بْنْ اَلْحُسَيْنْ عَلَيْهِمَا اَلسَّلَامُ : نَحْنُ اَلْوَجْهُ اَلَّذِي يُؤْتَى اَللَّهُ مِنْهُ . – تَفْسِيرُ اَلْقُمِّيْ & بَحَّارَ اَلْأَنْوَارِ – اَلْعَلَّامَةُ اَلْمَجْلِسِيُّ – ج 4 – اَلصَّفْحَةُ 5 ]

وَهَؤُلَاءِ هُمْ اَلْمُكَرَّمُونَ عِنْدَ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالشُّهَدَاء عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى مِنْ اَلْمُكَرَّمِينَ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قَالَ يَالِيتْ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ – يس 27 } وَأَكْرَمْ اَلْخُلُقِ عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى أَتْقَاهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللَّهِ أَتْقَاكُمْ – اَلْحُجُرَاتُ 13 } .

وَهَؤُلَاءِ جَمِيعًا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ { وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أَوَّلائكُ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكَرَّمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٌ مُتَقَابِلَيْنِ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ – اَلصَّافَّاتُ 39 – 49 } . وَهَذَا اَلْكَرَمُ مِنْ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي عَرْشِهِ وَخُلُقِهِ وَعَلَى رُسُلِهِ وَصُحُفِهِ اَلْمَنْزِلَةِ لِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى أَنَّهُ اَلْأَكْرَمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا كَرَمَ اَللَّهِ لِأَنَّهُ سَيُكَرِّمُ رَسُولُهُ بِالرِّسَالَةِ اَلصُّحُفَ اَلْمُكَرَّمَةَ اَلْمَرْفُوعَةَ اَلْمُطَهَّرَةَ اَلَّتِي سَتَنْزِلُ عَلَيْهِ مُتَتَالِيًا بِالْوَحْي مِنْ اَلْآنِ مَعَ نُزُولِ أَوَّلِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ – اَلْعَلَقِ 3 } .

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 4 ) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ( 4 ) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ( 5 )

وَهُنَا :

( اَلَّذِي عِلْمٍ )

أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَعِلْمِهِ اَلْقُرْآنِ وَالْبَيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { اَلرَّحْمَنَ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ – اَلرَّحْمَنَ 1 – 4 } وَهَذَا اَلْعَلَمُ بِالْقَلَمِ يُدَوِّنُ لِيَتِمَّ حِفْظَهُ كما قال تَعَالَى هُنَا : { الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ – اَلْعَلَقَ 4 } وَوُرُودَ اَلْقَلَمِ هُنَا لِبَيَانِ عِظَمِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَشَرَف هَذِهِ اَلْمِهْنَةِ لِكُلٍّ مِنْ وَاسْتَخْدَمَ اَلْقَلَمُ فِيهَا مِنْ عُلَمَاءَ وَكُتَّابٍ وَبَاحِثِينَ وَصَحَفِيِّينَ وَسَاسَةِ وَقُضَاةِ وَالْوَيْلُ كُلّ اَلْوَيْلِ لَمِنْ كَتَبَ بِهِ زُورًا أَوْ كَذِبًا أَوْ اِسْتَخْدَمَ قَلَمُهُ لِلْإِضْرَارِ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْكُفْرِ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ اِبْتِغَاءَ دُنْيَا يَكْسِبُونَهَا أَوْ مَتَاعٍ قَلِيلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {فَوَيْلُ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ اَلْكِتَابُ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذَا مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلُ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيَهُمْ وَوَيْلَ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ – اَلْبَقَرَةُ 79 } . وعَلَّمَ الْقُرْآنَ اَلَّذِي عِلْمُهُ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكُتُبهَ اَلسَّمَاوِيَّةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { اَلرَّحْمَنَ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ – اَلرَّحْمَنَ 1 – 4 }

وَفِي هَذِهِ اَلْكُتُبِ اَلسَّمَاوِيَّةِ وَخَاتَمِهَا اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ كُلُّ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَمَا بَعْدَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ مِنْ وُعُودِ وَعْدِهَا اَللَّهِ تَعَالَى لِأَهْل اَلْجَنَّةِ وَتَوَعَّدَ بِهَا أَهْلُ اَلنَّارِ وَلِذَلِكَ فِي اَلْحَدِيثِ اَلشَّرِيفِ يَقُولُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي اَلْقَلَمِ : [ عَنْ عُبَادَة بْنْ اَلصَّامِتْ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اَللَّهُ اَلْقَلَمُ ، فَقَالَ لَهُ : اُكْتُبْ ، قَالَ : رَبٌّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اُكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءِ حَتَّى تَقُومَ اَلسَّاعَةُ . يَا بُنَيَّ إِنِّي سُمِعَتْ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مِنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي – رَوَاهُ أَبِي دَاوُودْ حَدِيثُ رَقْمِ 4700 ] .

وَأَمَّا :

(بِالْقَلَمِ )

وَهُنَا لِعَظْم مَكَانَةِ اَلْقَلَمِ وَمَا يَكْتُبُ بِهِ أَقْسَمَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { ن وَالْقَلَمُ وَمَا يَسْطُرُونَ – اَلْقَلَمُ 1 } وَلَوْ أَنَّ كِتَابَ اَللَّهِ تَعَالَى اِسْتَخْدَمَ فِيهِ اَلْعُلَمَاءُ كُلَّ شَجَرِ اَلْأَرْضِ وَسَبْعَةُ أَبْحَرَ مِنْ اَلْمِدَادِ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتِ اَللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَوْ إِنَّمَا فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةِ أَقْلَامِ وَالْبَحْرِ يَمُدُّهُ مِنْ بُعْدِهِ سَبْعَةً أَبْحَرَ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتِ اَللَّهِ إِنَّ اَللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ – لُقْمَانْ 27 } وَهَذِهِ اَلْكَلِمَاتُ عِلْم كَتَبَهُ اَلْعُلَمَاءُ بِالْأَقْلَامِ فِي كُلِّ زَمَنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ – اَلْعَلَقَ 4 } .

 وَأَمَّا :

( 5 ) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ( 5 )

هُنَا :

 

( عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )

وَهُنَا عِلْمُ اَلْإِنْسَانِ أَوَّلَ إِنْسَانِ عِلْمِهِ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ نَبِيُّ اَللَّهِ آدَمْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ { وَعَلِمَ آدَمْ اَلْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرْضِهِمْ عَلَى اَلْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أُنْبِئُونِيَ بِأَسْمَاءِ هؤَلَاءُ إِنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ – اَلْبَقَرَةَ 31 } ثُمَّ أَخَذَ اَلْوَحْيُ يَنْزِلُ مِنْ اَلسَّمَاءِ عَلَى أَنْبِيَاءِ اَللَّهِ تَتْرَى وَلِذَلِكَ يَقُولُ نَبِيَّ اَللَّهِ نُوحْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ { وَأَعْلَمَ مِنْ اَللَّهِ مَالاً تَعْلَمُونَ – اَلْأَعْرَافُ 62 } وَكَذَلِكَ نَبِيُّ اَللَّهِ إِبْرَاهِيمْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ يَقُولُ لِأَبِيهِ آزَرَ { يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا – مَرْيَمْ 43 } وَيَقُولُ نَبِيُّ اَللَّهِ يَعْقُوبْ ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ) { وَأَعْلَمَ مِنْ اَللَّهِ مَالاً تَعْلَمُونَ – يُوسُفْ 86 }

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى لِلْمُصْطَفَى صَلَوَاتِ اَللَّهِ وَسَلَامِهِ عَلَيْهِ خَاتَمُ اَلنَّبِيَّيْنِ { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ – اَلنِّسَاءُ 113 } وَأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ تَتَعَلَّمُ مِنْ هَذَا اَلْوَحْيِ اَلْقُرْآنِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعُلُومِ أَهْلِ بَيْتِهِ مَالاً تَعَلُّمَهُ اَلْأُمَمَ اَلْأُخْرَى وَلِذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى لِأُمَّتِنَا اَلْإِسْلَامِيَّةِ { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ – اَلْجُمْعَةَ 2 }

وَلِذَلِكَ يُبَيِّنُ تَعَالَى أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ أَهْلُ بَيْتِهِ وَرِثَهُ عِلْمُ اَلنَّبِيِّ اَلْحَقِيقِيِّينَ عَلِمَتْ اَلْأُمَّةُ مَالاً تَعَلُّمَهُ اَلْأُمَمَ اَلْأُخْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلِمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ – اَلْأَنْعَامَ 91 } وَذَلِكَ اَلْعَلَمُ مِنْ اَللَّهِ تَعَالَى اَلَّذِي يَعْلَمُ اَلسِّرَّ وَأَخْفَى وَيَعْلَمُ كُلُّ شَيْءٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ عَلِمْنَاهُ أَمْ لَمْ نُعْلِمْهُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمَ مَالاً تَعْلَمُونَ – اَلْبَقَرَةُ 30 } وَلَا لِلْمَلَائِكَةِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ خُلُقِهِ إِلَّا مِنْهُ تَعَالَى وَمِنْ بَعْدُ إِذْنِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِ اَلْمَلَائِكَةِ هُنَا { سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَاعَلْمتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعِيمْ اَلْحَكِيمَ – اَلْبَقَرَةَ 31 } .

وَأَمَّا :

( اَلْإِنْسَان)

وَهُنَا هَذَا اَلْإِنْسَانِ هُوَ اَلْمَخْلُوقُ مِنْ طِينٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَبَدَأَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ طِينٍ – اَلسَّجْدَةِ 7 } وَهَذَا اَلْإِنْسَانُ اَلْمَخْلُوقُ مِنْ اَللَّهِ تَعَالَى لَهُ خَاصِّيَّةُ مُتَفَرِّدٍ بِهَا عَنْ اَلْخُلُقِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ وَالْقُرْآنِ وَمَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { اَلرَّحْمَنَ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ – اَلرَّحْمَنَ } فَهَذَا اَلْإِنْسَانُ لَهُ صِفَةٌ التفكير والتدبير بَعْدَ تَعَلُّمِهِ اَلْبَيَانِ وَلذلك وصِفَ الله تعالى الكثير منهم باَلْجِدَالِ وَالْخِصَامِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى اَلْأَدِلَّةِ اَلظَّنِّيَّةِ لَمِنْ هُمْ أَهْلُ اَلنَّارِ لِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ – اَلنَّحْلِ 4 } وَهَذَا اَلْخِصَامُ يَعْتَمِدُ عَلَى اَلظَّنِّ وَالْعَمَلِ بِالْهَوَى وَتَرْكِ اَلنَّصِّ اَلْقُرْآنِيِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ اَلنَّاسِ وَانْقِسَامِهِمْ إِلَى فُجَّارٌ تَارِكِينَ الْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ وَمِنْهُمْ مِنْ قَدَّمَ آرَاءَ اَلْعُلَمَاءِ عَلَى اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ وَمِنْهُمْ أَيْضًا اَلْأَبْرَارَ اَلْمُتَّقِينَ اَلْعَامِلِينَ بِكِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى وَسَنَة رَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِمَّنْ تَرَكُوا اَلظَّنُّ وَالْجَدَلُ وَالتَّخَاصُمُ وَآرَاءُ وَأَهْوَاءُ اَلْعُلَمَاءِ بِغَيْرِ نَصٍّ أَوْ دَلِيلٍ قَالَ تَعَالَى فِي هَؤُلَاءِ وَأَدِلَّتَهُمْ اَلظَّنِّيَّةَ { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ – سَبَأِ 20 } وَهَؤُلَاءِ هُمْ اَلَّذِينَ غَرَّهُمْ بِاَللَّهِ اَلْغُرُورِ وَقَالَ فِيهِمْ هُمْ وَالْأَبْرَارُ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبُّهُمْ : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمئِذٍ لِلَّهِ – اَلْإِنَفَطَارْ 6 – 19 } .

 ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

 ( 6 ) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لِيَطْغَى ( 6 ) أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنَى ( 7 )

وَهُنَا :

( كِلَا )

وَكِلَا وَرَدَ هَذَا اَللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ – الْحَاقَّةُ 20 – 21 } وَحُبٌّ اَلْعَاجِلَةِ وَهِيَ اَلدُّنْيَا وَمَتَاعُهَا يَمْنَعُ مُحِبُّهَا مِنْ أَدَاءِ حَقِّ اَللَّهِ تَعَالَى فِي مَالِهِ مِنْ إِكْرَامْ اَلْيَتِيمِ وإِطَعَامْ اَلْمِسْكِينَ لِذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى { كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ اَلْيَتِيمُ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – اَلْفَجْرِ 17 – 18 } وَهُنَا يَبْدَأُ اَلطُّغْيَانُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لِيَطْغَى أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنَى – اَلْعَالِقُ 6 – 7 }

 وَأَمَّا :

( إِنَّ اَلْإِنْسَانَ لِيَطْغَى )

[ وَطَغَى : بِمَعْنًى جَاوَزَ حَدُّهُ – مُعْجَمَ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلطَّاءِ فَصْلَ اَلْغَيْنِ وَالْيَاء ]

قَالَ تَعَالَى فِي اَلرِّيحِ لِمَا اِشْتَدَّتْ لِإِهْلَاكِ قَوْمِ ثَمُودَ { وَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ – الْحَاقَّةُ 5 } وَلَمَّا اِرْتَفَعَ اَلْمَوْجُ عَنْ حَدِّهِ لِدَرَجَةِ اَلْإِهْلَاكِ قَالَ تَعَالَى { أَنَا لِمَا طَغَى اَلْمَاءُ حُمِّلْنَاكُمْ فِي اَلْجَارِيَةِ – الْحَاقَّةُ 11 } وَمِنْ أَرَادَ اَلْحَيَاةَ اَلدُّنْيَا فَيَصِفهُ اَلْقُرْآنُ اَلْكَرِيمُ أَنَّ مَالَهُ سَيَجْعَلُهُ طَاغِيَةٌ لِأَنَّهُ آثَرَ اَلْحَيَاةَ اَلدُّنْيَا عَلَى اَلْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَأَثَرُ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ اَلْمَأْوَى – اَلنَّازِعَاتِ 37 } . وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنْ لِمَا قُتِلَ وَأَفْسَدَ فِي اَلْأَرْضِ وَعَلَى فِيهَا عَلَى اَلْمُسْتَضْعَفِينَ { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى – طه 24 } . وَهَؤُلَاءِ يَبْدَأُ طُغْيَانُهُمْ كَمَا فِي اَلْآيَةِ هُنَا بِحِرْصِهِمْ عَلَى اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا وَهِيَ لَا تَنَالُ إِلَّا بَالِغَيْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيكُمْ عَلَى  أَنْفُسُكُمْ مَتَاعَ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعَكُمْ فَنُنْبِئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ – يُونُسْ 23 } وَلِذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ اِسْتِغْنَاءُ اَلنَّاسِ وَعَدَمِ اِلْتِزَامِهِمْ بِحَقِّ اَللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْوَالِهِمْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لِيَطْغَى أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنَى – اَلْعَلَقَ 6 – 7 } .

 وَأَمَّا :

( أَنْ رَآهُ )

وَهُنَا لَفَظَ اَلرُّؤْيَةَ يَرُدُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَنْ أَرَادُوا اَلْحَيَاةُ اَلدُّنْيَا { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةٌ أَوْ لَهْوًا اُنْفُضُوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرَ مِنْ اَللَّهْوِ وَمِنْ اَلتِّجَارَةِ وَاَللَّهِ خَيْرَ اَلرَّازِقِينَ – اَلْجُمْعَةَ 11 } وَهَؤُلَاءِ لِسِعَة أَمْوَالِهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ أَعْلَى وَأَشْرَفَ وَأَكْرَمْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُمْ دُونُهُمْ فِي اَلْمُسْتَوَى اَلْمَعِيشِيِّ وَالْمَالِيِّ وَذَلِكَ بِتَزْيِينٍ مِنْ اَلشَّيْطَانِ قَالَ تَعَالَى هُنَا { أَفَمِنْ زَيْنْ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اَللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبُ نَفْسَكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتُ إِنَّ اَللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ – فَاطِرٌ 8 } وَهَذَا اَلتَّزْيِينُ بَعْدَ جَمَعَهُمْ لِلْمَالِ بِغَيْرِ حَقِّ وَعَدَمِ أَدَاءِ حَقِّ اَللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَتَحَوَّلُوا إِلَى طُغَاةٍ لِسِعَةِ أَمْوَالِهِمْ وَعَدَمُ إِخْرَاجِ حَقِّ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ هُنَا { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لِيَطْغَى أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنَى – اَلْعَلَقَ 6 – 7 } .

وَأَمَّا :

( اِسْتَغْنَى )

وَاسْتَغْنَى كَلِمَةَ أَصْلِهَا غَنِيٍّ يُغَنِّي وَتَأْتِي بِمَعْنًى [ اَلْكِفَايَةِ – مُعْجَمُ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلْغَيْنِ فَصْلَ اَلنُّونِ وَالْيَاء ] . فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعَكُمْ – اَلْأَعْرَافَ 48 } وَتَأْتِي [ بِمَعْنَى عَدَمِ اَلْحَاجَةِ – مُعْجَمَ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلْغَيْنِ فَصْلَ اَلنُّونِ وَالْيَاء ] . { إِنَّ يُكَوِّنُوا فُقَرَاءُ يُغْنِيهِمْ اَللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ – اَلنُّورِ 32 } .

وَمِنْ  بخل فهم طائفة من الذين اِسْتَغْنَوا في بُخْلٍ وَلَمْ يَخْرُجْوا حَقُّ اَللَّهِ تعالى لأصْحَابِ اَلنِّصَابِ مِنْ فُقَرَاءَ وَمَسَاكِينَ وَاليَتَامَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعَسَرِىْ – اَللَّيْلِ 8 } . هَؤُلَاءِ تَحَوَّلُوا إِلَى طُغَاةٍ وَيَسْتَغْنِي اَللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَبُولِ أَعْمَالِهِمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ فِرْعَوْنْ عَلَى سَبِيلِ اَلْمِثَالِ { كَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اَللَّهُ – اَلتَّغَابُنُ 6 } .

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 8 ) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ اَلرَّجْعِيِّ ( 8 )

أَيْ أَنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَى اَللَّهِ يَرْجِعُونَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تَرْجِعُونَ – اَلْعَنْكَبُوتُ 57 } وَيَقُولُ تَعَالَى عَنْ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَافْتَرَوْا عَلَى اَللَّهِ اَلْكَذِبِ أَنَّ لَهُمْ اَلْحُسْنَى { قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ – يُونُسْ 69 – 70 } وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُنْبِئَهُمْ اَللَّهُ تَعَالَى بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { إِلَى اَللَّهِ مَرْجِعَكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ – اَلْمَائِدَةُ 105 } .

 ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 9 ) أَرَأَيْتُ اَلَّذِي يُنْهِي ( 9 ) عَبْدًا إِذَا صَلَّى ( 10 ) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى اَلْهُدَى ( 11 ) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ( 12 )

 

وَهُنَا : [ عَنْ اِبْنْ عَبَّاسْ قَالَ : قَالَ أَبُو جَهْلْ لَئِنْ رَأَيْتَ مُحَمَّدًا يُصَلِّي لِأَطَأِنَ عَلَى عُنُقِهِ فَقِيلَ هُوَ ذَاكَ قَالَ مَا أَرَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ فَعَلَ لِأَخْذَتِهِ اَلْمَلَائِكَةَ عِيَانًا وَلَوْ أَنَّ اَلْيَهُودَ تَمَنَّوْا اَلْمَوْتُ لَمَاتُوا : اَلْهَيْثَمِي فِي مُجَمَّعِ اَلزَّوَائِدِ ج 6 ص 317 ] .

[ عَنْ اِبْنْ عَبَّاسْ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ اَلْمَقَامِ ، فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلْ بْنْ هِشَامْ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدْ أَلَمٍ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا ؟ – وَتَوَعُّدُهُ – فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَهَرَهُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدْ بِأَيِّ شَيْءٍ تَهَدَّدَنِي ؟ أُمًّا وَاَللَّهُ إِنِّي لِأَكْثَر هَذَا اَلْوَادِي نَادِيًا ! فَأَنْزَلَ اَللَّهُ : ( فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) قَالَ اِبْنْ عَبَّاسْ : لَوْ دَعَا نَادِيهُ لِأَخْذَتِهِ مَلَائِكَةَ اَلْعَذَابِ مِنْ سَاعَتِهِ وَقَالَ اَلتِّرْمِذِي : حَسَنْ صَحِيحٍ – تَفْسِيرِ اَلدَّرِّ اَلْمَنْثُورِ وَابْنِ كَثِيرٍ ] [ عَنْ اِبْنْ عَبَّاسْ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَهْلْ : لَئِنْ عَادَ مُحَمَّدْ يُصَلِّي عِنْدَ اَلْمَقَامِ لَأَقَتَلَنَهْ . فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ] ) حَتَّى بَلَغَ هَذِهِ اَلْآيَةِ : ( لَنْسَفْعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) فَجَاءَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فَقِيلَ : مَا يَمْنَعُكَ ؟ قَالَ : قَدْ أَسْوَد مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ اَلْكَتَائِبِ . قَالَ اِبْنْ عَبَّاسْ : وَاَللَّهُ لَوْ تَحَرُّكِ لِأَخْذَتِهِ اَلْمَلَائِكَةَ وَالنَّاسَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ . – تَفْسِيرُ بْنْ كَثِيرٍ ] .

 وَهُنَا :

( أَرَأَيْتُ اَلَّذِي يُنْهِي عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى اَلْهُدَى )

وَهُنَا أَرَأَيْتُ يَرُدُّ فِي اَلْآيَةِ اَلتَّالِيَةِ لَهَا كَبَيَانِ بِأَنَّ اَلْمُصَلِّيَ لِلَّهِ تَعَالَى بِشُرُوط اَلصَّلَاةِ وَأَحْكَامِهَا فَهُوَ اَلَّذِي عَلَى اَلْهُدَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى اَلْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى } . وَاَلَّذِي لَيْسَ عَلَى اَلْهُدَى فَهُوَ اَلَّذِي اِتَّخَذَ إِلَهُهُ هَوَاهُ لِوُرُودِ هَذَا اَللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهُهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا – اَلْفُرْقَانَ 43 } وَهَؤُلَاءِ هُمْ اَلْمُكَذِّبِينَ لِلدِّينِ اَلْوَارِدِ ذِكْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – اَلْمَاعُونِ 1 – 2 }

. مِنْهُمْ اَلْعَاصْ بْنْ وَائِلْ اَلَّذِي نَزَلَ فِيهِ قَوْلَهُ تَعَالَى { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا – مَرْيَمْ 77 } .

[ عَنْ اِبْنْ عَبَّاسْ ، أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَطْلُبُونَ اَلْعَاصْ بْنْ وَائِلْ اَلسَّهْمِي بِدِينٍ ، فَأَتَوْهُ يَتَقَاضَوْنَهُ ، فَقَالَ : أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ فِي اَلْجَنَّةِ فِضَّةً وَذَهَبًا وَحَرِيرًا ، وَمِنْ كُلِّ اَلثَّمَرَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : فَإِنَّ مَوْعِدَكُمْ اَلْآخِرَةَ ، فُو اَللَّهِ لْأُوتِينْ مَالاً وَوَلَّدَا ، وُلْأُوتِينْ مِثْل كِتَابِكُمْ اَلَّذِي جِئْتُمْ بِهِ ، فَضَرَبَ اَللَّهُ مَثَلَهُ فِي اَلْقُرْآنِ ، فَقَالَ : ( أَفَرَأَيْتُ اَلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لْأُوتِينْ مَالاً ) . . . . إِلَى قَوْلِهِ وَيَأْتِينَا فَرْدًا . – اَلطَّبَرِي فِي تَفْسِيرِهِ ] .

وَمِنْهُمْ اَلْوَلِيدْ بْنْ اَلْمُغِيرَة اَلَّذِي نَزَلَ فِيهِ قَوْلَهُ تَعَالَى { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأكَدِىْ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ اَلْأَوْفَى – اَلنَّجْمُ 33 – 41 }

[ نَزَلَتْ فِي اَلْوَلِيدْ بْنْ اَلْمُغِيرَة ، وَكَانَ قَدْ اِتَّبَعَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينِهِ فَعَيَّرَهُ بَعْضُ اَلْمُشْرِكِينَ ، وَقَالَ : لَمٌّ تَرَكَتْ دِينَ اَلْأَشْيَاخِ وَضَلَّلَتْهُمْ وَزَعَمَتْ أَنَّهُمْ فِي اَلنَّارِ ؟ قَالَ : إِنِّي خَشِيَتْ عَذَابَ اَللَّهِ ; فَضَمِنَ لَهُ إِنَّ هُوَ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ إِلَى شَرِكَةِ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابُ اَللَّهِ ، فَأَعْطَى اَلَّذِي عَاتَبَهُ بَعْضُ مَا كَانَ ضِمْنَ لَهُ ثُمَّ بُخْلِ وَمَنْعِهِ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ اَلْآيَةِ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ : كَانَ اَلْوَلِيدْ مَدْحُ اَلْقُرْآنِ ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْهُ فَنَزَلَ : وَأَعْطَى قَلِيلاً أَيْ مِنْ اَلْخَيْرِ بِلِسَانِهِ وَأكَدِىْ أَيْ قَطْعِ ذَلِكَ وَأَمْسَكَ عَنْهُ . وَعَنْهُ أَنَّهُ أَعْطَى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْدُ اَلْإِيمَانِ ثُمَّ تَوَلَّى فَنَزَلَتْ : أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى اَلْآيَةَ – اَلْقُرْطُبِيَّ فِي نَفسِّيرَهْ ]

وَمِنْ هَؤُلَاءِ اَلْمُنَافِقِينَ اَلَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ { وَيَقُولَ اَلَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نَزَلَتْ سُورَةً فَإِذَا أَنْزَلَتْ سُورَةَ مَحْكَمَةٍ وَذَكَرَ فِيهَا اَلْقِتَالُ رَأَيْتُ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرُ اَلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ اَلْمَوْتِ فَأَوْلَى ? لَهُمْ – مُحَمَّدْ 20 } وَهَؤُلَاءِ اَلْمُكَذِّبِينَ اَلْقُرَشِيِّينَ وَالْمُنَافِقِينَ هُنَا اَلَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ – اَلْعَلَقَ } فَهْمَ اَلتَّارِكِينَ لِكِتَابِ رَبِّهِمْ لِأَنَّ اَلتَّكْذِيبَ كَمًّا بَيِّنًا مِنْ قَبْلُ ذَلِكَ هُوَ تَرْكُ اَلْعَمَلِ بِمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ فَلَا يُعِيرُ لِكِتَابِ اَللَّهِ بَالاً وَلَا لِحَدِيثِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي اَلْمِثَالِ اَلَّذِي ضَرَبَهُ لَنَا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفِعْلِهِمْ لِمَا تَرَكُوا اَلْعَمَلُ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ { مِثْلٌ اَلَّذِينَ حَمَلُوا اَلتَّوْرَاةُ ثُمَّ لَمٍّ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ اَلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مِثْلٍ اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ كَذَبُوا بِآيَاتِ اَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا يَهْدِي اَلْقَوْمُ اَلظَّالِمِينَ – اَلْجُمْعَةَ 5 }

وَهُنَا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ بِتَرْكِهِمْ اَلْعَمَلِ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ كَأَنَّهُمْ كَذَبُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلِنُوا تَكْذِيبُهُمْ وَهَذَا حُكْمُ اَللَّهِ فِي بَيَانِ هَذَا اَللَّفْظِ وَبِالتَّالِي اَلَّذِي يُنْهِي عَبْدًا إِذَا صَلَّى فَهُوَ اَلْمُكَذِّبُ بِيَوْمِ اَلدِّينِ وَهُوَ اَلتَّارِكُ لِكِتَابِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ اَلَّذِي يَدَعُ اَلْيَتِيمُ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَأَوَّلِ يَتِيمٍ فِي اَلْإِسْلَامِ هُنَا هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدْ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَلَّذِي تَوَعَّدَهُ أَبُو جَهْلْ كَمَا فِي اَلْحَدِيثِ أَنْ رَآهُ يُصَلِّي وَالْآيَةَ تَتَحَدَّثُ عَنْ كُلِّ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْمُصَلِّينَ فِي كُلِّ مَكَانِ وَكُلِّ زَمَانِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَنْ يَتْرُكَهُمْ دُونُ اَلِانْتِقَامُ وَسَيُمْتِعُونَ وَأَشْيَاعهَمْ إِلَى حِينِ وَفْقًا لِآجَالِهِمْ اَلْمُحَدَّدَةِ عِنْدَهُ لِنُزُولِ اَلْعَذَابِ وَهُوَ وَقْتٌ قَالَ تَعَالَى فِيهِ { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ – اَلشُّعَرَاءُ 205 – 206 } وَهَذَا اَلْعَذَابُ بَيْنَ أَجَلَيْنِ قَالَ تَعَالَى فِيهِمَا { سَنُعَذَّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يَرُدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ – اَلتَّوْبَةِ } . .

وَأَمَّا :

( اَلَّذِي يُنْهِي )

وَرَدَ هَذَا اَللَّفْظِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى يُحَدِّدُ ثَلَالَثْ طَوَائِفَ كَانَتْ تُحَارِبُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اَلْأُولَى وَهِيَ قُرَيْشُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلَنَا عَلَى قُلُوبُهُمْ أَكَنَّهُ أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلُّ آيَةٍ لَا يُؤَمِّنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ هذَا إِلَّا أَسَاطِير اَلْأَوَّلِينَ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يَهْلَكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ – اَلْأَنْعَامُ 25 – 26 } .

اَلثَّانِيَةُ : اَلْمُنَافِقُونَ اَلَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ { اَلْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيُنْهُونَ عَنْ اَلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اَللَّهُ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ اَلْمُنَافِقِينَ هُمْ اَلْفَاسِقُونَ – اَلتَّوْبَةَ 67 } . اَلثَّالِثَة : اَلْيَهُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِمْ { لَعْنُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانُ دَاوُودْ وَعِيسَى اِبْنْ مَرْيَمْ ذلَكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنَّ سُخْطَ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَفِي اَلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ – اَلْمَائِدَةَ – 78 80 } .

وَهَذِهِ اَلطَّوَائِفُ اَلثَّلَاثَةُ أَظْهَرَتْ عَدَاوَتُهَا وَحَرْبُهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مُسْتَخْدِمِينَ اَلْمُنَافِقِينَ كُرَّاسَ حَرْبَةٍ لِهَدْمِ دِينِ اَلْإِسْلَامِ بِالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَلِيَكُونُوا عَيْنَا تَجَسُّسِيَّةٍ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ( عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ ) وَصَحَابَتُهُ اَلْكِرَامُ ( رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ ) . وَكَانَ مِنْ زُعَمَاءَ هَؤُلَاءِ اَلْأَوَائِلَ أَبُو جَهْلْ اَلَّذِي نَزَلَ فِيهِ هُنَا { أَرَأَيْتُ اَلَّذِي يُنْهِي عَبْدًا إِذَا صَلَّى – اَلْعَلَقَ } .

 ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 10 ) عَبْدًا إِذَا صَلَّى ( 10 )

وَهُنَا :

( عَبْدًا )

وَهُنَا اَلْعَبْدُ اَلْأَوَّلُ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ وَقَبْلَ خَلْقِ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدْ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا – اَلْجِنّ } . وَلِذَلِكَ يُبَيِّنُ تَعَالَى هُنَا أَنَّ أَبُو جَهْلْ وَأَبُو لَهَبِ وَكِبَارُ قَرْئِيشْ كَانُوا مِنْ أَوَائِلَ اَلَّذِينَ هَاجَمُوا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَكَانَتْ اَلْمَلْعُونَةُ أُم جَمِيلٍ زَوْجَةَ أَبُو لَهَبْ حَمَّالَةِ اَلْحَطَبِ تَلَقِّي عَلَيْهِ اَلْقَاذُورَاتُ وَالرَّوْثُ وَهُوَ يُصَلِّي [ عَنْ عَبْدِ اَللَّهْ بْنْ عَبَّاسْ – رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ – قَالَ : ( لِمَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } ( اَلشُّعَرَاءُ : 214 ) ، صَعَّدَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى اَلصَّفَا ، فَجَعَلَ يُنَادِي ، يَا بُنَيَّ فَهِرٍّ ، يَا بُنَيَّ عَدِي ، لِبُطُونِ قُرَيْشِ حَتَّى اِجْتَمَعُوا ، فَجَعَلَ اَلرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا اَلْأَمْرُ ؟ ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبْ وَقُرَيْشِ ، فَقَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : أَرْأِيتَكْمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغَيِّرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِي ؟ ، قَالُوا : نَعِمَ ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا ! ! ، قَالَ : إِنِّي نَذِيرُ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، فَقَالَ أَبُو لَهَبْ : تَبًّا لَكَ ، أَلْهَذَا جَمَعَتْنَا ، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ فِي اَلرَّدِّ عَلَيْهِ : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيُصَلَّى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } ( اَلْمَسَدُّ : 1 : 5 ) ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ . قَالَ اِبْنْ كُثَيِّرْ : ” قَالَ اَلْعُلَمَاءُ : وَفِي هَذِهِ اَلسُّورَةِ مُعْجِزَةَ ظَاهِرَةٍ وَدَلِيلٍ وَاضِحٍ عَلَى اَلنُّبُوَّةِ ، فَإِنَّهُ مُنْذُ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { سَيُصَلَّى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } ( اَلْمَسَدُّ 3 : 5 ) ، فَأَخْبَرَ عَنْهُمَا بِالشَّقَاءِ وَعَدَمِ اَلْإِيمَانِ ، لَمْ يُقَيِّضْ لَهُمَا أَنْ يَؤُمَّنَا وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا ، لَا سِرًّا وَلَا عَلَنًا ، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَقْوَى اَلْأَدِلَّةِ اَلْبَاهِرَةِ ، عَلَى اَلنُّبُوَّةِ اَلظَّاهِرَةِ ” . وَيَقُولَ اَلسَّعْدِي : ” اَلسُّورَةُ ( اَلْمَسَدُّ ) ، آيَةٌ بَاهِرَةٌ مِنْ آيَاتِ اَللَّهِ ، فَإِنَّ اَللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ اَلسُّورَةِ ، وَأَبُو لَهَبِ وَاِمْرَأَتِهِ لَمْ يُهْلِكَا ( يَمُوتَا ) ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمَا سَيُعَذِّبَانِ فِي اَلنَّارِ وَلَا بُد ، وَمِنْ لَازِمٍ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَا يُسَلِّمَانِ ، فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ عَالَمُ اَلْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ” . وَعَنْ أَسْمَاءْ بِنْتْ أَبِي بَكْرْ – رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا – قَالَتْ : ( لِمَا نَزَلَتْ : { تَبُتَّ يَدًا أَبِي لَهَب } جَاءَتْ اِمْرَأَةَ أَبِي لَهَبَ وَرَسُولَ اَللَّهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – جَالِس وَمَعَهُ أَبُو بَكْرْ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرْ : لَوْ تَنَحَّيْتُ لَا تُؤْذِيكَ بِشَيْءٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : أَنَّهُ سَيُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ، فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرْ ، فَقَالَتْ : يَا أَبَا بَكْرْ هَجَانَا صَاحِبُكَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرْ : لَا وَرَبُّ هَذِهِ اَلْبِنْيَةِ مَا يَنْطِقُ بِالشِّعْرِ وَلَا يَتَفَوَّهُ بِهِ ، فَقَالَتْ : إِنَّكَ لِمُصَدِّقٍ ، فَلَمَّا وَلَّتْ قَالَ أَبُو بَكْرْ : مَا رِئَتُكَ ؟ ! ، قَالَ : لَا ، مَا زَالَ مَلِكٌ يَسْتُرُنِي حَتَّى وَلَّتْ ) رَوَاهُ اَلْبَزَّارْ ] .

وَأَمَّا :

( إِذَا صَلَّى )

وَهُنَا يُبَيِّنُ تَعَالَى أَنْ اَلصَّلَاةَ لَهَا شُرُوطُ لِقَبُولِهَا وَثَانِيهَا بُعْدُ اَلْعَمَلِ بِأَحْكَامِهَا أَنَّهَا تَنْهَى عَنْ اَلْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [ ” وَمِنْ لَمْ تَنْهَهُ صِلَاتُهُ عَنْ اَلْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَلَا صَلَاةً لَهُ ” ] كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ اَلصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ اَلْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلِذِكْرِ اَللَّهِ أَكْبَرَ وَاَللَّهِ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ – اَلنَّحْلُ } . وَبِالتَّالِي اَلصَّلَاةُ سَتُغْلِقُ أَصْحَابَ اَلْحَانَاتِ وَالرَّايَاتِ اَلْحُمْرِ وَهُنَا سَتَتَوَقَّفُ تِجَارَةَ أَبُو جَهْلْ وَأبُولْهِبْ وَالْعَاصَ بْنْ وَائِلْ وَأَبُو سُفْيَانْ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُبَرَاءَ قُرَيْشِ لَعَنَهُمْ اَللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ لِذَلِكَ رَفَضُوا اَلصَّلَاةُ وَدِينُ اَلْإِسْلَامِ وَنَهَوْا عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا { أَرَأَيْتُ اَلَّذِي يُنْهِي عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى اَلْهُدَى – اَلْعَلَقَ 9 – 10 } .

وَمِنْ هَؤُلَاءِ اَلْمُنَافِقِينَ اَلَّذِي قَالَ تَعَالَى فِي تَخْرِيبِهِمْ لِبُيُوتِ اَللَّهِ تَعَالَى شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ سَوَاءٌ كَانُوا يَهْدِمُونَهَا وَيُفَجِّرُونَهَا بِحُجَجِ مَذْهَبِيَّةٍ أَوْ أَنَّهَا مَعَابِدُ أَوْثَانٍ كَمَا يَزْعُمُونَ قَاتِلُهُمْ اَللَّهُ أَوْ يُغْلِقُونَهَا أَوْ يَهْدِمُونَهَا لِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ قَالَ تَعَالَى فِي بُيُوتِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اَلْأَرْضِ وَهِيَ اَلْمَسَاجِدُ : { وَمِنْ أَظْلَمَ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اَللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمَهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أَوَّلائكُ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي اَلدُّنْيَا خِزْي وَلَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذَاب عَظِيمٍ – اَلْبَقَرَةُ 114 } وَأَفْعَالِهِمْ هَذِهِ مُنْذُ زَمَنِ أَبُو جَهْلْ وَأَبُو لَهَبِ وَصَنَادِيد اَلْكُفْرَ اَلْقُرَشِيَّ حَتَّى زَمَانِنَا هَذَا وَإِلَى أَنْ يَرِثَ اَللَّهُ تَعَالَى اَلْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا فَكُلِّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي بُيُوتِ اَللَّهِ تَعَالَى وَاَلَّتِي مِنْ اَلْمُفْتَرَضِ أَنَّ مِنْ دَخْلِهَا وَلَاذَ بِهَا كَانَ آمِنًا فَكَيْفَ بِمَنْ يُغْلِقُونَهَا لِمَشْرُوعٍ أَوْ بِمَكْرٍ لِأَيِّ سَبَبٍ أَوْ يُدَمِّرُونَهَا عَلَى وَفْقًا لَمَكَذُوبَاتْ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ تَتَعَارَضُ صَرَاحَةً مَعَ نُصُوصِ اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ اَلَّتِي قَالَتْ { وَقَالَ اَلَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لِنَتَّخِذِنَ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا – اَلْكَهْفُ } فَيَقْتُلُونَ اَلْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَيُفَجِّرُونَهَا فِي صَلَاةِ اَلْجُمْعَةِ وَالْإِمَامُ عَلَى اَلْمِنْبَرِ لِيَسْقُطُوا قُدْسِيَّةَ بُيُوتِ اَللَّهِ وَمَهَابَتهَا مِنْ قُلُوبِ اَلنَّاسِ وَيَسْفِكُونَ اَلدَّمَ اَلْحَرَامَ فَهَؤُلَاءِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا لِذَلِكَ { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يُعَمِّرُوا مَسَاجِدُ اَللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسُهُمْ بِالْكُفْرِ أَوَّلائكُ حَبِطَتْ أَعْمَالَهُمْ وَفِي اَلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ – اَلتَّوْبَةُ 17 } .

 ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

 ( 11 ) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى اَلْهُدَى ( 11 )

وَهُنَا :

( إِنَّ كَانَ عَلَى اَلْهُدَى )

وَالْهُدَى فِي كَاتْ اَللَّهِ تَعَالَى اَلْمَنْزِل مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { هَذَا هُدَى – اَلْجَاثِيَةِ 11 } وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ اَلْجِنِّ { وَأَنَا لِمَا سَمِعْنَا اَلْهُدَى آمِنًا بِهِ – اَلْجِنُّ } وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا { هذَا بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدَى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ – اَلْجَاثِيَةُ 20 } وَبِالتَّالِي سَيِّدنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَى اَلْهُدَى عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَهُوَ اَلِالْتِزَامُ بِأَوَامِرِ اَللَّهِ تَعَالَى اَلْمَنْزِلَة عَلَيْهِ فِي اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ كَمَا وَصَفَ اَللَّهُ تَعَالَى اَلنَّبِيّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلَنَا مَنْسَكًا هَم نَاسِكُوهُ فَلَا يَنَازَعنَكْ فِي اَلْأَمْرِ وَادِعٍ إِلَى رَبُّكَ إِنَّكَ لِعَلِي هُدَى مُسْتَقِيمٌ – اَلْحَجِّ 67 } .

وَرَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَى اَلْهُدَى وَمِنْ أَطَاعَهُ فِي اَلْعَمَلِ بِكِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى وَسَنَتهَ فَهُوَ عَلَى اَلْهُدَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قَلَّ أَطِيعُوا اَللَّهَ وَأُطِيعُوا اَلرَّسُولَ فَإِنَّ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حَمَلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حَمَلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى اَلرَّسُولِ إِلَّا اَلْبَلَاغُ اَلْمُبَيَّنُ – اَلنُّورُ 54 } .

وَبَعْدُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ تَأْتِي وِلَايَةَ أَهْلِ بَتِّ اَلنَّبِيِّ وَفِّهَا اَلْهُدَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { نَمَا أَنْتَ مُنْذِرْ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ – اَلرَّعْدِ 7 }

وَهُنَا [ عَنْ سَعِيدْ بْنْ جُبَيْرْ , عَنْ اِبْنْ عَبَّاسْ قَالَ : لِمَا نَزَلَتْ ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرْ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، وَضْعٌ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَقَالَ : أَنَا اَلْمُنْذِرْ ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) , وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مُنْكَبٍّ عَلِي , فَقَالَ : أَنْتَ اَلْهَادِي يَا عَلِي , بِكَ يَهْتَدِي اَلْمُهْتَدُونَ بَعْدِي – شَوَاهِدَ اَلتَّنْزِيلِ لِلْحَاكِمِ اَلْحُسْكَانِي – اَلدَّرُّ اَلْمَنْثُورُ وَالطَّبَرِي ] . وَبِالتَّالِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَى اَلْهُدَى ثُمَّ اَلْإِمَامْ عَلِي مِنْ بُعْدِهِ يَتَوَلَّاهُ مَنْ أَرَادَ اَلْهِدَايَةَ إِلَى صِرَاطْ اَللَّهِ اَلْمُسْتَقِيمِ وَمِنْ اِعْتَصَمَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي وِلَايَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرَسُولهُ ثُمَّ أَهْل بَيْتِهِ عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ فَقَدَ هُدًى إِلَى صِرَاطْ مُسْتَقِيمٍ عَامِلاً بِكِتَابِ رَبِّ اَلْعَالَمَيْنِ قَالَ تَعَالَى { وَمِنْ يَعْتَصِمُ بِاَللَّهِ فَقَدَ هُدًى إِلَى صِرَاطْ مُسْتَقِيمٍ – آلِ عِمْرَانْ 101 } .

 ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 12 ) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ( 12 )

 وَهُنَا :

( أَوْ أَمْرٍ )

اَلْأَمْرِ هُنَا مِنْ اَللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادَتِهِ وَرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَىْلَهْ مُكَلَّف بِذَلِكَ اَلْبَلَاغِ لِلْعَالَمِ قَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّ اَللَّهِ يُوسُفْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ { إِنَّ اَلْحُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ أَمْرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلَكَ اَلدِّينُ اَلْقِيَمَ وَلكُنَّ أَكْثَرَ اَلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ – يُوسُفْ 40 } وَالْأَمْرُ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ لِأَهْلِ بَيْتهُ وَعَشِيرَتُهُ وَأُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِمْ بِإِقَامَةِ اَلصَّلَاةِ بِشُرُوطِهَا مِنْ أَمْرٍ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنْ مُنْكَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَمَرَ أَهْلُكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبَرَ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكُ رُزِقَا وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى – اَلشُّعَرَاءَ } .

وَهَذَا هُوَ أَمْرُهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ فِي إِبْلَاغِهِ اَلنَّاسِ رِسَالَةَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَىْلَهْ هُنَا { أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى } .

 وَأَمَّا :

( أَوَامِر بِالتَّقْوَى )

وَتَقْوَى اَللَّهَ تَعَالَى هِيَ اَلْعَمَلُ بِكِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَبَّعُوا اَلسُّبُلُ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ – اَلْأَنْعَامُ 153 } وهى العمل بما أنزل الله تعالى من الصالحات واجتناب ماحرم الله تعالى لقوله عز وجل { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتْقُونْ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ -البقرة 197 }

وَمِنْ تَقْوَى اَللَّهَ تَعَالَى اَلْإِيمَان بِرَسُولِهِ زَطَاعَتَهْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقَوْا اَللَّهُ وَآمَنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كَفِلِّينِ مِنْ رَحْمَتِهِ – اَلْحَدِيدَ 28 } وَيَأْمُرُ اَللَّهُ تَعَالَى بِتَقْوَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّقَرُّبُ إِلَيْهِ بِالْوَسِيلَةِ إِلَى ذَلِكَ مِنْ اَسْتْشَفَاعَا بِأَهْلِ بَيْتِ اَلنَّبِيِّ أَوْ بِالْأَعْمَالِ اَلصَّالِحَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ – اَلْمَائِدَةُ 35 } وَالتَّقْوَى فِي تَعْرِيفِهَا يَقُولُ فِيهَا اَلْإِمَامْ عَلِي عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ [ (( اَلتَّقْوَى هِيَ اَلْخَوْفُ مِنْ اَلْجَلِيلِ ، وَالْعَمَلُ بِالتَّنْزِيلِ ، وَالْقَنَاعَةُ بِالْقَلِيلِ ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِيَوْمِ اَلرَّحِيلِ ) ) ] [ قَالَ اِبْنْ مَسْعُودْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { اِتَّقَوْا اَللَّهُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتنَ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ – آلُ عِمْرَانْ 102 } قَالَ : إِنَّ يُطَاعُ فَلَا يَعْصِي وَيُذْكَرُ فَلَا يَنْسَى وَأَنْ يَشْكُرَ فَلَا يَكْفُرُ . وَشُكْرُهُ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ فِعْلِ اَلطَّاعَاتِ وَمَعْنَى ذِكْرِهِ فَلَا يَنْسَى ذِكْرَ اَلْعَبْدِ بِقَلْبِهِ لِأَوَامِرِ اَللَّهِ فِي حَرَكَاتِهِ وَسُكُنَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ فَيَمْتَثِلهَا وَلِنَوَاهِيهِ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ فَيَجْتَنِبهَا ] . وَتَقْوَى اَللَّهَ تَعَالَى هَذِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ اَلْإِيمَانِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَاتَّقَوْا اَللَّهَ إِنَّ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ – اَلْمَائِدَةَ 112 } وَتَقْوَى اَللَّهَ تَعَالَى دَعَا إِلَيْهَا كُلُّ أَنْبِيَاءِ اَللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِلَّهِ مَا فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي اَلْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ مِنْ قِبَلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اِتَّقَوْا اَللَّهُ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي اَلْأَرْضِ وَكَانَ اَللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا – اَلْمَائِدَةَ 131 }

وَلَوْ آمِنٍ أَهْلَ اَلْقُرَى وَاتَّقَوْا لَبَارَكَ اَللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءِ مِنْ أُمُورِ مَعَاشِهِمْ فِي اَلدُّنْيَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ اَلْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لِفَتْحِنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتْ مِنْ اَلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلكُنَّ كَذَبُوا فَأَخَذِّنَاهَمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ – اَلْأَعْرَافُ 96 } وَفِي اَلْآخِرَةِ يُدْخِلُهُمْ اَللَّهُ تَعَالَى اَلْجَنَّة كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَنَزْعِنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلْ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٌ مُتَقَابِلَيْنِ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ – اَلْحَجْرُ 45 – 48 } .

وَبِالتَّالِي اَلْمُتَّقِينَ لَا يَسْتَوُونَ بِالْفُجَّارِ فِي اَلدُّنْيَا وَلَا اَلْآخِرَةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ – ص 28 }

وَبِالتَّالِي مِنْ أَرَادَ اَللَّهُ تَعَالَى وَبَرَكَة اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَتَّقِي اَللَّه عَمَلاً بِأَوَامِرِ اَللَّهِ تَعَالَى اَلْمَنْزِلَة فِي قُرْآنِ اَلْكَرِيمِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَيَتَوَلَّى أَهْلُ بَيْتِهِ عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ .

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 13 ) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( 13 )

وَهُنَا :

( أَرَأَيْتُ إِنَّ كَذِب )

وَهُنَا اَلَّذِي يَكْذِبُ بِالدِّينِ قَالَ فِيهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – اَلْمَاعُونِ 1 – 3 } وَهَذَا اَلَّذِي يَكْذِبُ بِالدِّينِ هُوَ اَلَّذِي يَنْهَى عَنْ عِبَادَةِ اَللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاة بِأَحْكَامِهَا وَكَمَا بَيِّنًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { أَرَأَيْتُ اَلَّذِي يُنْهِي عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى اَلْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى – اَلْعَلَقَ 9 – 14 } .

وَأَمَّا :

(كَذِبٌ)

وَالتَّكْذِيبُ يَقْتَرِنُ بِاتِّبَاعٍ لِلْهَوَى وَتَرْكِ اَلْعَمَلِ بِآيَاتِ اَللَّهِ تَعَالَى : كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَتْبَعُ أَهْوَاءَ اَلَّذِينَ كَذَبُوا بِآيَاتِنَا وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ – اَلْأَنْعَامُ 150 } وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا فِي اِقْتِرَانِهِ بِالْهَوَى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا أَيَّةُ يُعَرِّضُوا وَيَقُولُوا سِحْر مُسْتَمِرٍّ وَكَذَبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلِّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٍّ – اَلْقَمَرِ 1 – 3 } .

وَيَقْتَرِنَ بِالِاسْتِكْبَارِ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ كَذَبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ اَلنَّارِ – اَلْأَعْرَافُ 36 } وَيَقْتَرِنُ اَلْكَذِبُ بِالْكُفْرِ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ – اَلْمَائِدَةِ 10 } . وَيَقْتَرِنَ بِالْعِصْيَانِ : كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنْ وَمَا فَعَلَهُ { اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنْ إِنَّهُ طَغَى فَقَلَّ هَلْ لَكَ إِلَى  أَنَّ تَزَكَّى وَأَهْدِيكُ إِلَى رَبُّكَ فَتَخْشَى فَأَرَاهُ الْآيَةَ اَلْكُبْرَى فَكَذَّبَ وَعَصَى– اَلنَّازِعَات 17 – 21 }

وَيَقْتَرِنُ اَلتَّكْذِيبُ بِالْإِبَاءِ وَهُوَ اَلْعِنَادُ اَلشَّدِيدُ اَلَّذِي لَا يَنْفَعُ مَعَهُ حُجَّةً وَلَا عَقْل وَلَا إِقْنَاع وَلَا أَيَّ دَلِيلٍ يُؤْمِنُ بِهِ وَيُصَدِّقُهُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى – طه 56 } .

وَبِالتَّالِي اَلتَّكْذِيبُ تَرْكَ اَلْعَمَلِ بِآيَاتِ اَللَّهِ عَلَى دَرَجَاتِ فَمِنْهُ اَلْإِبَاءُ وَهُوَ أَعْلَاهُمْ دَرَجَةً فِي اَلتَّكْذِيبِ وَلِذَلِكَ يَرُدُّ عَلَى إِبْلِيسٍ وَفِرْعَوْنٍ وَمِنْ تَقَلُّدِ بِهُمْ قَالَ تَعَالَى فِيهِ لِذَلِكَ { فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ اَلْكَافِرِينَ } وَمِنْهُمْ اَلْمَسْتِكْرِينْ وَالْجَاحِدِينَ وَالْمُعَرَّضِينَ لِأَنَّهُ يَقُومُ عَلَى قَاعِدَةِ تَرْكِ اَلْعَمَلِ بِآيَاتِ اَللَّهِ وَفْقًا لِصِفَةِ اَلْفَاعِلِ لَاذَا كَانَ مَعْرِضًا أَوْ مُسْتَكْبِرًا أَوْ فَاسِقًا وَلِذَلِكَ ضَرَبَ اَللَّهُ تَعَالَى لَنَا مَثَلاً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَا تَرَكُوا اَلْعَمَلُ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ بِأَنَّهُمْ مُكَذِّبِينَ قَالَ تَعَالَى { مَثَلُ اَلَّذِينَ حَمَلُوا اَلتَّوْرَاةُ ثُمَّ لَمٍّ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ اَلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مِثْلٍ اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ كَذَبُوا بِآيَاتِ اَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا يَهْدِي اَلْقَوْمُ اَلظَّالِمِينَ – اَلْجُمْعَةَ 5 } .

وَمِنْ هَؤُلَاءِ اَلْمُكَذِّبِينَ قَوْمًا تَظَاهَرُوا بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ يَطْعَنُونَ فِيهِ أَوْ يَكُونُونَ عُيِّنَا لِلْعَدُوِّ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ , وَهَؤُلَاءِ اَلْمُنَافِقُونَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ { وَمِنْ أَظْلَمَ مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اَللَّهِ اَلْكَذِبِ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى اَلْإِسْلَامِ – اَلصَّفُّ } وَآخَرُ اَلزَّمَانُ يَضْرِبُ اَللَّهُ مَثَلاً فِي عِلْمًا سَيَأْتِي بِهِ إِمَامٌ آخَرُ اَلزَّمَانُ فَيَكْذِبُونَ بِهِ عَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ جَهْلِهِمْ وَعَدَمُ عِلْمِهِمْ إِلَّا بِمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ مِنْ غَيْرِهِمْ قَالَ تَعَالَى هُنَا فِي هَؤُلَاءِ { بَلْ كَذَبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلِمَا يَأْتِيهِمْ تَأْوِيلُهُ – يُونُسْ 39 } . وَهَذَا سَبَبُ هَلَاكِ اَلْأُمَمِ فِي كُلِّ زَمَنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلُنَا تَتْرَى ? كُلُّ مَا جَاءَ أُمَّةَ رَسُولِهَا كَذَّبُوهُ فَأُتْبِعَنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيث فَبِعَدَا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ – اَلْمُؤْمِنُونَ 44 } . وَهَؤُلَاءِ اَلْوَيْل لَهُمْ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِير اَلْأَوَّلِينَ كُلًّا بَلْ رَانْ عَلَى قُلُوبُهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كُلًّا أَنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمئِذٍ لَمَحَجُوبُونْ – اَلْمُطَفِّفِينَ 10 – 15 } .

وَأَمَّا :

( وَتَوَلَّى )

[ وَتَوَلَّى هُنَا : أَعْرِضُ عَنْهُ – مُعْجَمُ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلْوَاوِ فَصْلَ اَللَّامَ وَالْيَاء ] وَمِنْ تَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ اَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ اَلْكَافِرِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنَّ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اَللَّهَ لَا يُحِبُّ اَلْكَافِرِينَ – آلُ عِمْرَانْ 32 }

وَهَؤُلَاءِ هُمْ اَلْفَاسِقُونَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – آل عِمْرَانْ 82 } وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا { أَطِيعُوا اَللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ – اَلَأْ نِفَالْ 20 } .

وَبِالتَّالِي اَلتَّوَلِّي حَالَةً مِنْ اَلْأَعْرَاضِ وَالتُّرْكِ نَهَى اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ – اَلدُّخَّانِ 14 } وَمِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي جَهَنَّمَ وَعَذَابِ اَللَّهِ تَعَالَى اَلَّذِي قَالَ تَعَالَى فِيهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّ اَللَّهِ مُوسَى وَهَارُونْ عَلَيْهِمَا اَلسَّلَامُ { أَنَا قَدْ أَوْحَى إِلَيْنَا أَنَّ اَلْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذِبٍ وَتَوَلَّى – طه 48 } .

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 14 ) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ( 14 )

وَهُنَا :

( أَلَمٌ يَعْلَمُ )

أَيْ أَنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ – اَلتَّوْبَةِ 78 } وَهُوَ يَعْلَمُ اَلسِّرَّ وَأَخْفَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَنْ تَجْهَرَ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ اَلسِّرَّ وَأَخْفَى – طه 7 } وَكُلُّ شِيئْ أَحَصَاَهْ اَلْلَه تَعَالَى فِي إِمَامٍ مُبَيَّنٍ قَالَ تَعَالَى { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبَيَّنٍ – يس 12 } وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ عَلِيمًا بِكُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ خَلْقِ خَلِّ شَيْءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَخَلْقَ كُلِّ شَيْءِ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ – اَلْأَنْعَامِ 101 } وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى هُنَا { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى – اَلْعَلَقَ 14 } .

وَأَمَّا :

( بِأَنَّ اَللَّهَ يَرَى )

وَهُنَا يَقُولُ تَعَالَى فِي غَيْرِ اَلْمُؤْمِنِينَ مِمَّنْ لَا يُرَاقِبُونَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَعْمَالِهِمْ { أَيَحْسَبُ إِنَّ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ – اَلْبَلَدِ 7 } ثُمَّ يُبَيِّنُ تَعَالَى أَنْ اَللَّهَ يَرَى أَعْمَالَ اَلْعِبَادِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَلَّ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اَللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ تَرُدُّونَ إِلَى عَالَمِ اَلْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ – اَلتَّوْبَةُ 105 } .

وَلِذَلِكَ يَأْمُرُ اَللَّهُ تَعَالَى بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَرَانَا كَمَا قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَىْلَهْ { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ – 217 – 219 }

وَهُنَا هُنَا يَقُولُ تَعَالَى فِيمَنْ يَخْتَانُونَ أَنْفُسُهُمْ خَوْفًا مِنْ اَلْبَشَرِ اَلْمَخْلُوقِ وَلَا يَخَافُونَ اَلْخَالِقُ وَهُوَ مَعَهُمْ وَيَرَاهُمْ { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّه وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يَبِيتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ اَلْقَوْلِ وَكَانَ اَللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا – اَلنِّسَاءِ 108 } .  وَيَقُولَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِيمَنْ خَافُوا اَلْمَخْلُوقُ وَلَمْ يَخَافُوا اَلْخَالِقُ . ” فَلَا تَجْعَلُوا اَللَّهُ أَهْوَنَ اَلنَّاظِرِينَ إِلَيْكُمْ ” وَلْتَكُنْ كَمَا عِلْمكَ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنْ اَلْإِحْسَانِ ؟ فَقَالَ [ : ” أَنْ تُعَبِّدَ اَللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ . فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك ” (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ) ] . وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ هُنَا { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } .

 ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 14 ) كُلًّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنْسَفْعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ( 14 ) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ( 15 )

وَهُنَا :

( كِلَا )

وَهُنَا وَرَدَ هَذَا اَللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { كِلَا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ اَلْعَذَابِ مَدًّا – مَرْيَمْ 79 } أَيْ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَكْتُبُ أَفْعَالَهُمْ وَيَتْرُكُهُمْ لِيَتَمَتَّعُوا فِي اَلدُّنْيَا وَيُوَفِّيهُمْ فِيهَا أَعْمَالَهُمْ عَلَى قَدْرِ جُرْمِهِمْ فَإِنَّ كَانَ فِي حَقِّ أَهْلِ بَتِّ اَلنَّبِيِّ فَالْعِقَابُ سَرِيعٌ وَالزَّوَالُ يَكُونُ أَسْرَعَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : [ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ مَا قَاتَلْنَا بَيْتُ إِلَّا خَرَّبَ وَلَا كَلْبَ إِلَّا جَرَبٌ وَمِنْ لَمِّ يَصْدَدَقْ فَلِيُجَرَّب ]

وَعَنْ اَلْإِمَامِ زَيْدْ اَلشَّهِيدِ ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ : [ أَنَّهُ قَالَ : سُمِعَتْ أَخِي اَلْبَاقِرْ ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ) يَقُولُ : سُمِعَتْ أَبِي زَيْنْ اَلْعَابِدِين يَقُولُ : سُمِعَتْ أَبِي اَلْحُسَيْنْ يَقُولُ : سُمِعَتْ أَبِي عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ) يَقُولُ : سُمِعَتْ رَسُولَ اَللَّهِ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) يَقُولُ : نَحْنُ بَنُو عَبْدِ اَلْمُطَّلِبْ مَا عَادَانَا بَيْتُ إِلَّا وَقَدْ خَرَّبَ ، وَلَا عَاوَانَا كَلْبَ إِلَّا وَقَدْ جَرَّبَ ، وَمِنْ لَمْ يُصَدِّقْ فَلِيُجَرَّب – رِيَاضُ اَلسَّالِكِينَ فِي شَرْحِ صَحِيفَةِ سَيِّدِ اَلسَّاجِدِينَ ( عليه السلام ) – اَلسَّدِيّ عَلِي خَانْ اَلْمَدَنِيِّ اَلشِّيرَازِيّ – ج 1 – اَلصَّفْحَةُ 38 ]

قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ فِي نَهْجِ اَلْبَلَاغَةِ : » [ نَحْنُ شَجَرَةُ اَلنُّبُوَّةِ ، وَمَحَطَّ اَلرِّسَالَةِ ، وَمُخْتَلِفَ اَلْمَلَائِكَةِ ، وَمَعَادِنُ اَلْعَلَمِ ، وَيَنَابِيعُ اَلْحِكْمَةِ ، نَاظِرُنَا وَمُحِبَّنَا يَنْتَظِر اَلرَّحْمَةَ ، وَعَدُونَا وَمُبْغِضَنَا يَنْتَظِر اَلسَّطْوَةَ » – نَهْجُ اَلْبَلَاغَةِ ج 7 ] . وَقَالَ اَلْإِمَامُ أَبِي جَعْفَرْ ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ) [ إِذَا غَضِبَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى خُلُقِهِ نَحَّاْنَا عَنْ جِوَارِهِمْ – شَرْحُ أُصُولِ اَلْكَافِي – مُوَلِّيْ مُحَمَّدْ صَالِحْ اَلْمَازَنْدَرَانِي – ج 6 – اَلصَّفْحَةُ 271 ] .

وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَمِلُوا لِلدُّنْيَا وَعَلَوْا وطُغُوا وَأَلَّهَتْهُمْ اَلْحَيَاةُ اَلدُّنْيَا عَنْ اَلْأَعْمَالِ اَلصَّالِحَةِ قَالَ تَعَالَى { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى  زُرْتُمْ اَلْمَقَابِرُ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ – اَلتَّكَاثُرُ } .

وَهَؤُلَاءِ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ظُلْمِهِمْ وَعَمَلِهِمْ لِلدُّنْيَا وَهُوَ مِنْ اَلتَّكْذِيبِ فَسَيَنْتَقِمُ اَللَّه تَعَالَى مِنْهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا : { كِلَا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنْسَفْعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ – اَلْعَلَقِ 14 – 15 } .

وَأَمَّا :

( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ )

 وَهُنَا :

يُبَيِّنَ تَعَالَى أَنْ اَلنَّهْيَ يَأْتِي مِنْ حِزْبِ اَلشَّيْطَانِ مُهَاجِمِينَ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ كَمَا فِي قَوْلِ اَلْكُفَّارِ لِنَبِيِّ اَللَّهِ نُوحْ ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ) { لَئِن لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحْ لِتُكَوِّنِنَ مِنْ اَلْمَرْجُومِينَ – اَلشُّعَرَاءِ 116 } وَكَذَلِكَ قَوْلٌ آزَرَ لِنَبِيِّ اَللَّهِ إِبْرَاهِيمْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ لِمَا كَفَرَ بِإِلَهَتِهِمْ وَبِرِجَالِهِمْ وَشَرِيعَتهَمْ هُنَا قَالَ لَهُ أَبِيهِ آزَرَ { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأرَّجَمَنْكْ وَاُهْجُرْنِي مَلِيًّا – مَرْيَمْ 46 } وَقَالُوا أَيْضًا لِنَبِيِّ اَللَّهِ لُوطْ ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ) { قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطْ لِتُكَوِّنِنَ مِنْ اَلْمُخْرِجِينَ – اَلشُّعَرَاءِ 167 } وَهَؤُلَاءِ اَلْمُؤْمِنُونَ فِي كُلِّ زَمَنٍ هُمْ اَلَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ { اَلتَّائِبُونَ اَلْعَابِدُونَ اَلْحَامِدُونَ اَلسَّائِحُونَ اَلرَّاكِعُونَ اَلسَّاجِدُونَ اَلْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ اَلْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُود اَللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ – اَلتَّوْبَةِ 112 } وَالشَّيْطَانَ هُوَ اَلَّذِي يَأْمُرُ أَوْلِيَاؤُهُ بِالْوُقُوعِ فِي اَلْكَبَائِرِ وَشُرْبِ اَلْخَمْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأُطِيعُوا اَللَّهَ وَأُطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنَّ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا إِنَّمَا عَلَى رَسُولُنَا اَلْبَلَاغُ اَلْمُبَيَّنُ – اَلْمَائِدَةُ 90 – 92 }

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَمْرٌ بِطَاعَتِهِ وَالِامْتِثَالُ لِأَوَامِرِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { مَا آتَاكُمْ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهَوْا – اَلْحَشْرَ 7 } وَقَدْ نَهَى اَلْكُفَّارُ عَنْ عِصْيَانِهِ عِزُّو وَجِل وَعِصْيَانُ رَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ي قَوْلَهُ تَعَالَى { قَلَّ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَنْتَهُوا يَغْفِرُ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَأَنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سِنْتَ اَلْأَوَّلِينَ – اَلْأَنْفَالُ 38 } .

وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَفِي اَلدُّنْيَا سَيُسَلِّطُ اَللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رَسُولُهُمْ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي آخِرٍ اَلزَّمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لئِنْ لَمْ يَنْتَهِ اَلْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مُرْضٍ وَالْمُرْجِفُونَ فِي اَلْمَدِينَةِ لَنْغِرِينْكْ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أَخَذُوا وَقَتَلُوا تَقْتِيلاً – اَلْأَحْزَابِ 60 – 61 } وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانُهُمْ مِنْ بَعْدُ عَهْدِهِمْ فَقَدَ أَمْرُ اَللَّهِ تَعَالَى وَلِيُّ أَمْرِ اَلْمُسَلِّينَ بِقِتَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ وَذَلِكَ إِنَّ كَانَ مُسْلِمًا مُلْتَزِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ تَعَهُّدَاتٍ مَعَ وَلِيِّ أَمْرِ اَلْمُسْلِمِينَ وَإِمَامُهُمْ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانُهُمْ مِنْ بَعْدُ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتَلُوا أَئِمَّةَ اَلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ – اَلتَّوْبَةُ 12 } .

وَذَلِكَ فِي اَلدُّنْيَا وَأَمَّا فِي اَلْآخِرَةِ فَسَيُدْخَلُهُمْ اَللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَهَنَّمَ قَالَ تَعَالَى { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ – اَلْعَلَقُ 14 – 16 } .

وَأَمَّا :

( لَنْسَفْعَنْ )

[ وَسْفَعْ : جَذْبٌ بِشَدِّهِ وَسْفَعْ بِنَاصِيَتِهِ : أَخْذُ بِهَا وَتُسْتَعْمَل كِنَايَةٌ عَنْ اَلْقَهْرِ وَالْإِذْلَالِ – قَالَ تَعَالَى { كِلَا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَنْسَفْعَنْ بِالنَّاصِيَةِ – اَلْعَلَقَ 15 } وَالتَّنْوِينَ هُنَا نُونُ اَلتَّوْكِيدِ – مُعْجَمَ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلسِّينَ فَصْلَ اَلْفَاءِ وَالْعَيْنِ ]

وَهَذَا اَللَّفْظُ مِنْ اَلْأَلْفَاظِ اَلَّتِي لَيْسَ لَهَا جِذْرٌ أَوْ مُرَادِفٍ فِي اَلْقُرْآنِ لِيُبَيَّنِهُ ,

وَأَمَّا : –

( بِالنَّاصِيَةِ ( 14 ) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ( 15 )

[ اَلنَّاصِيَةِ : مَا يُبْرِزُ مِنْ اَلشِّعْرِ فِي مُقَدِّمَةِ اَلرَّأْسِ يَكُونُ حِذَاءُ اَلْجَبْهَةِ وَالْجَمْعِ نَوَاصِي وَقَالَ أَخْذٌ بِنَاصِيَةِ فُلَانٍ : أَذَلَّهُ وَجَعْلُهُ فِي قَبْضَتِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ يَشَاءُ – مُعْجَمَ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلنُّونِ فَصْلَ اَلصَّادِ وَالْيَاء ] .

قَالَ تَعَالَى : { مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٍ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطْ مُسْتَقِيمٍ – هُودْ 56 } وَيُبَيِّنُ تَعَالَى أَنْ هَذِهِ اَلطَّرِيقَةِ فِي اَلْأَخْذِ لِلْمُجْرِمِينَ وَلَيْسَ اَلْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ – اَلرَّحْمَنِ 41 } وَهَؤُلَاءِ اَلْمُجْرِمِينَ هُنَا خَاطِئِينَ كَاذِبِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا { كِلَا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنْسَفْعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ – اَلْعَلَقِ 14 – 15 }

وَأَمَّا :

(كَاذِبَةً )

وَهُنَا :

اَلْكَاذِبَة كَمًّا بَيِّنًا مِنْ قَبْلُ وَهِيَ اَلَّتِي كَذَبَتْ بِالدِّينِ وَضَرَبَتْ بِهِ عُرْضُ اَلْحَائِطِ فَلَا يُعِيرُونَ لِلشَّرِيعَةِ أَوْ اَلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بَالاً يَعِيشُونَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلَّ كَمٌّ قَالَ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ اَلْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ – مُحَمَّدْ } وَهَؤُلَاءِ هُمْ اَلَّذِينَ كَذَبُوا بِالدِّينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – اَلْمَاعُونِ } .

وَأَمَّا :

(خَاطِئَةً )

[ وَالْخَاطِئُ هُوَ اَلَّذِي اِنْحَرَفَ لِلشَّرِّ عَنْ قَصْدٍ فَهُوَ خَاطِئٌ وَهِيَ خَاطِئَةٌ وَهُمْ خَاطِئُونَ – مُعْجَمَ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلْخَاءِ فَصْلَ اَلطَّاءِ وَالْأَلِف ]

قَالَ تَعَالَى وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ – اَلْعَلَقَ 16 } وَالْآيَةُ تُشِيرُ هُنَا إِلَى أَنَّ بَعْضَ كُفَّارَ قُرَيْشِ كَانَ يَأْتِي بِنَفْسِ عَمَلِ قَوْمِ اَلْمَؤْتِفْكَاتْ وَيُمْكِن اَلرُّجُوعُ لِكِتَابِ مَثَالِبِ اَلْعَرَبِ لِهِشَامْ اِبْنِ اَلسَّائِبِ اَلْكَلْبِي لِمَزِيدٍ مِنْ اَلِاطِّلَاعِ وَهُوَ أَحَدُ أَسَاتِذَةِ اَلْبُخَارِي وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا { إِنَّ فِرْعَوْنْ وَهَامَانْ وَجُنُودهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ – اَلْقِصَصَ } أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ اَلْكُفَّارِ اَلْقُرَشِيِّينَ فَعَلُوا نَفْسُ أَفْعَالِ فِرْعَوْنْ وَجُنُودُهُ مِنْ قَتْلٍ وَإِفْسَادٍ فِي اَلْأَرْضِ لِذَلِكَ تُوعِدُهُمْ اَللَّهَ تَعَالَى هُنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { كِلَا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنْسَفْعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ – اَلْعَلَقِ 14 – 15 } أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ فَعَلُوا نَفْسُ فِعْلِ قَوْمِ فِرْعَوْنْ وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطْ لَعَنَهُمْ اَللَّهُ .

 ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 17 ) فَلْيَدْعُ نَادِيَة ( 17 ) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ( 18 )

 وَهُنَا :

( فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ )

وَلِيَدَعَ هُنَا أَيُّ نَادِي عَلَيْهِمْ لِيَحْضُرِهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِبَيَان اَلْمَعْنَى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمْ رَبُّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي اَلْمَوْتَى قَالَ أُولِمَ تُؤْمِنُ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي قَالَ فَخْذَ أَرْبَعَةِ مِنْ اَلطَّيْرِ فَصَرَّهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اِجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلِ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اَللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ- البقرة 260 }.

أَيْ نَادِي عَلَى جُنُودِكَ وَأَتْبَاعَكَ وَأَنْصَارَكَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِهَؤُلَاءِ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { كِلَا بَلْ رَانْ عَلَى قُلُوبُهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كُلًّا أَنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمئِذٍ لَمَحَجُوبُونْ – اَلْمُطَفِّفِينَ } هُنَا يَقُولُ تَعَالَى لَهُمْ { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا – اَلْكَهْفُ 52 } وَيَقُولُ تَعَالَى أَيْضًا { وَقِيلَ اِدَّعَوْا شُرَكَائِكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوْا اَلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ – اَلْقِصَصُ 64 } وَهُنَا لَمْ يَجِدُوا لَهُمْ جُنُودٌ وَلَا نَاصِرِينَ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى { فَلْيَدْعُ نَادِيَة سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } . وَأَمَّا اَلْمُؤْمِنِينَ فِي اَلدُّنْيَا يَبْنِ تَعَالَى أَنَّهُ يُجِيبُ دَعْوَةً اَلدَّاعْ إِذَا دَعَاهُ فِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إِذَا سَأَلَكَ عَبَّادِي عُنِيَ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةٌ اَلدَّاعْ إِذَا دَعَاْنَ فَلِيَسْتَجِيبُوا لِي وَلِيُؤْمَنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يُرْشِدُونَ – اَلْبَقَرَةُ 186 } .

 وَأَمَّا :

( نَادِيهُ )

وَهَذَا اَللَّفْظُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ اَلْمُجْرِمِينَ مِنْ قُرَيْشِ كَانَتْ لَهُمْ جُنُودٌ كَثِيرَةٌ كَفِرْعَوْنِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ اَلْأَعْلَى – اَلنَّازِعَات 23 – 24 } وَهُنَا يَقُولُ تَعَالَى لِأَبِي جَهْلِ وَأَبِي لَهَب وَالْعَاص اِبْن وَائِلْ وَأَبِي سُفْيَانْ اِبْنْ حَرْبْ وَصَنَادِيد اَلْكُفْرَ اَلْقُرَشِيَّ وَمِنْ تَقَلَدَبَهَمْ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ { فَلْيَدْعُ نَادِيَة سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ – اَلْعَلَقَ } .

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ )

وَالدُّعَاءَ نِدَاءً قَالَ تَعَالَى فِيهِ لِبَيَانِ اَلْمَعْنَى { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنْ اَلْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ – اَلرُّومُ 25 } . وَهُنَا اَلدُّعَاءُ فِي اَلْآخِرَةِ لِزَبَانِيَة اَلْعَذَابِ قَلَّ تَعَالَى فِيهِ { سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } .

وَأَمَّا :

( اَلزَّبَانِيَةُ )

[ وَزْبَنْ يَزْبَنَهْ زَبْنَا : دَفْعُهُ وَالزَّبَانِيَةُ اَلشَّرْطَ لِأَنَّهُمْ يِزْبِنُونْ اَلنَّاسُ أَيْ يَدْفَعُونَهُمْ وَسَمَّى بَعْضُ بَعْضِ اَلْمَلَائِكَةِ بِالزَّبَانِيَةِ لِدَفْعِهِمْ أَهْلَ اَلنَّارِ إِلَيْهَا – مُعْجَمُ أَلْفَاظِ اَلْقُرْآنِ بَابَ اَلزَّايِ فَصْلَ اَلْبَاءِ وَالنُّونِ ] وَاللَّفْظِ لَيْسَ لَهُ مُرَادِفٌ أَوْ جِذْرِ لِيُبَيَّنِهُ وَلَكِنَّ هُنَاكَ وَصَفَ لِهَؤُلَاءِ اَلزَّبَانِيَةِ ذَكَرَهُ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ – اَلتَّحْرِيمَ 6 } .

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى :

( 19 ) كُلًّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرَبَ ( 19)

وَهُنَا :

( كُلًّا )

وَرَدَ هَذَا اَللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ { كَلَا إِنَّ مِعَى رَبِّي سَيَهْدِينَ – اَلشُّعَرَاءَ 62 } أَيْ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى مَعَكَ يَامُحِمدْ وَمَعَكُمْ يَامْؤْمْنِينْ وَسَيُهْدِيكُمْ إِلَى صِرَاطِهِ اَلْمُسْتَقِيمِ وَهَؤُلَاءِ مُكَذِّبِينَ بِالدِّينِ لِوُرُودِ هَذَا اَللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ – اَلْإِنَفَطَارْ 9 ) وَهَؤُلَاءِ كَانُوا عَنِيدِينَ مَعَ ىَيَاتْ اَللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا – اَلْمُدَثِّرَ 16 } وَكَانُوا يُحِبُّونَ اَلدُّنْيَا اَلْعَاجِلَةُ وَيَعْمَلُونَ لَهَا لَقُوهُ تَعَالَى { كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ – اَلْقِيَامَةَ 20 – 21 } وَهَؤُلَاءِ يَقُولُ تَعَالَى فِيهِمْ لِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ زَمَنِ إِيَّاكِ وَطَاعَتِهِمْ أَوْ لَايِتْهِمْ قَالَ تَعَالَى لِذَلِكَ هُنَا { كُلًّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرَبَ – اَلْعَلَقَ 19 } وَلِذَلِكَ يَقُولُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَىْلَهْ هُنَا [ تَقْرَبُوا إِلَى اَللَّهِ بِبُغْضِ أَهْلِ اَلْمَعَاصِي وَالْتَمَسُوا رِضَا اَللَّهِ بِسُخْطِهِمْ وَأَلْقَوْهُمْ بِوُجُوهِ مُكْفَهِرَّةٍ وَالْتَمَسُوا رِضَا اَللَّهِ بِالْبُعْدِ عَنْهُمْ – اَلْجَامِعُ اَلصَّغِيرُ لِلسُّيُوطِي بَابِ اَلتَّاءِ ] .

وَأَمَّا :

( لَا تُطِعْهُ )

وَهُنَا يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ و لَا تُطِعْ كُلُّ حَلَّافٍ مُهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْد ذلَكَ زَنِيمٌ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِير اَلْأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ – اَلْقَلَمُ 8 – 16 }

وَكُلَّ مِنْ اِتَّصَفَ بِهَذَا اَلْوَصْفِ فَقَدَ أَمْرُ اَللَّهِ تَعَالَى اِجْتِنَابَهُ لِفُجُورِهِ وَإِجْرَامهُ وَفُحْشُهُ فِي كُلِّ زَمَانِ مُنْذُ حَارَبَ كُفَّارَ قُرَيْشُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَحَتَّى آخِرٍ اَلزَّمَانِ فِي زَمَنِ اَلْمُفْسِدِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ – اَلشُّعَرَاءُ 151 – 152 } وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ اَلْآثِمِينَ وَالْكَافِرِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى نَاهِيًا عَنْ طَاعَتِهِمْ { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ إِثْمًا أَوْ كَفُورًا – اَلْإِنْسَانَ 24 } وَهَؤُلَاءِ طَاعَتهَمْ فِي مَعْصِيَةِ اَللَّهِ قَالَ تَعَالَى فِيهَا { إِنَّ تُطِيعُوا اَلَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ – آلَ عِمْرَانْ 149 }

وَكَذَلِكَ اَلنَّهْيُ عَنْ طَاعَةِ بَعْضِ أَهْلِ اَلْكِتَابِ مِمَّنْ نَاصَبُوا اَلْمُسْلِمِينَ اَلْعَدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إِنَّ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ – آلَ عِمْرَانْ 100 } وَلِذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى هُنَا لِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ لَا تُطِعْ هَؤُلَاءِ وَإِبْلِيسَ إِمَامَهُمْ اَلَّذِي قَالَ تَعَالَى فِيهِ أَنَّهُ أَوَّلُ مِنْ كَفْرٍ وَأَبَى طَاعَةَ اَللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ اَلْكَافِرِينَ – اَلْبَقَرَةِ 34 } وَهَذَا اَلشَّيْطَانُ هُنَا وَأَتْبَاعهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ قَالَ تَعَالَى فِيهِ وَفِي حِزْبِهِ { كُلًّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرَبَ } .

وَأَمَّا :

(وَاسْجُدْ )

وَالسُّجُودَ هُنَا طَاعَةً لِلَّهِ وَعَمَلاً بِأَوَامِرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ إِبْلِيسٍ { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسُ أَبَى ? أَنْ يَكُونَ مَعَ اَلسَّاجِدِينَ – اَلْحَجْرِ 30 – 31 } .

وَسَيِّدُنَا آدَمْ أَوَّلَ اَلْمُصْطَفِّينَ اَلْأَخْيَارِ اَلَّذِينَ أَمَرَ اَللَّهُ تَعَالَى بِطَاعَتِهِمْ وَوِلَايَتهَمْ وَآخِرَهُمْ إِمَامٌ آخَرُ اَلزَّمَانُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ وَفِي اَلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ { إِنَّ اَللَّهَ اِصْطَفَى آدَمْ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمْ وَآلِ عِمْرَانْ عَلَى اَلْعَالَمِينَ ذَرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاَللَّهُ سَمِيعْ عَلِيمٍ – آلُ عِمْرَانْ 33 – 34 } وَهُنَا ( ذَرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) أَيِّ كُلَّهُمْ [ فَضْلَهُمْ اَللَّهَ عَلَى اَلْعَالَمَيْنِ بِالنُّبُوَّةِ ، عَلَى اَلنَّاسِ كُلِّهِمْ ، كَانُوا هُمْ اَلْأَنْبِيَاءُ اَلْأَتْقِيَاءُ اَلْمُصْطَفَيْنَ لِرَبِّهِمْ . – تَفْسِيرُ اَلطَّبَرِي ] وَفِي تَفْسِيرِ اَلْبَحْرِ اَلْمُحِيطِ لِأَبُو حَيَّانِ اَلتَّوْحِيدِي [ وَآلَ مُحَمَّدْ عَلَى اَلْعَالَمَيْنِ كَمَا فِي مُصْحَفِ أُبَيْ بْنْ كَعْبْ وَابْنُ مَسْعُودْ – أَبُو حَيَّانْ اَلتَّوْحِيدِي اَلْبَحْرِ اَلْبَحِيطْ ج 2 ص 435 ] .

وَعَنْ سُجُودِ اَلصَّلَاةِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ { وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا – اَلْإِنْسَانُ 26 } .

 وَأَمَّا :

( وَاقْتَرَبَ )

اَلِاقْتِرَابُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى يُكَوِّنُ بِالْعَمَلِ وَاجْتِنَابِ اَلْمُنْكَرَاتِ وَالْفَوَاحِشِ وَكُلِّ مَا نَهَى اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ اَلصَّالِحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إِنَّ اَللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي اَلْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ اَلْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذْكُرُونَ – اَلنَّحْلُ 90 } وَهَذَا اَلْعَمَلُ يَكُونُ مُقْتَرِنًا بِمُعْتَقَدِ اَلْوِلَايَةِ لِأَهْلِ بَيْتِ اَلنَّبِيِّ عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِمْ { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا اَلْمَوَدَّةُ فِي اَلْقُرْبَى – اَلشُّورَى }

وَمِنْ عَمَلٍ بِمَا أَمَرَ اَللَّهُ تَعَالَى وَاجْتَبْ نُوَاهِييَّهْ وَتَوَلَّى اَللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولهُ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ فَقَدْ اِقْتَرَبَ مِنْ اَللَّهِ تَعَالَى بَالُوسْلَة اَلَّتِي تُقَرِّبُهُ مِنْ رِضَا اَللَّهِ تَعَالَى وَالْجَنَّة لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوَّلٌائكُ اَلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبُّهُمْ اَلْوَسِيلَةُ أَيّهمْ أَقْرَبَ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا – اَلْإِسْرَاءُ 57 }

وَذَلِكَ مُرَادٌ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ هنا { كُلًّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرَبَ } .

 هَذَا وَبِاَللَّهِ اَلتَّوْفِيقِ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاَللَّهِ

عَلَيْهِ تَوَكَّلَتْ وَإِلَيْهِ أُنِيب وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 اِنْتَهَى اَلْعَمَلُ مِنْ هَذِهِ اَلسُّورَةِ اَلْكَرِيمَةِ

 بَعْدَ اَلْعَشَاءِ فِي 2 دِيسِمْبِرَ عَامَ 1999 اَلْمُوَافِقُ 24 شَعْبَانْ سَنَةَ 1430 هـ .

خالد محيي الدين الحليبي

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

آيات من سورة القصص في جرائم آل فرعون و بني إسرائيل وأهل البيت عليهم السلام من تفسير البينة

 ملف بي دي إف : آيات من سورة القصص في آل فرعون وبني إسرائيل وأهل …

اترك تعليقاً