يوم الفصل والقصف آخر الزمان من أسرار سورة المرسلات (في تفسير البينة)

بقلم :

خالد محيي الدين الحليبي :

البحث PDF :

يوم الفصل والقصف آخر الزمان من أسرار سورة المرسلات (في تفسير البينة)

ملفات ورد :

ثم يقول تعالى فيه :

  • وإذا الرسل أقتت (11)

وهنا بالتقديم والتأخير لكي نعلم مراد الله تعالى من الرسل لابد للبحث عن مراده تعالى في لفظ أقتت ولذلك سنبدأ ببيان لفظ أقتت ثم الرسل

يقول تعالى :

(أقتت)

وأوقتت : [ حدد لها زمن معين ووقت محدد لوقوعها فيه والوقت مقدار من الزمن – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل القاف والتاء ]

و [ أُقِّتت:  جُعل لها وقت واحد قيل : هو يوم القيامة . أو جعل لها وقت واحد للفصل في القضاء بين الأمة. وقت الوقت: نهاية الزمان المفروض للعمل، ولهذا لا يكاد يقال إلا مقدرا نحو قولهم: وقت كذا: جعلت له وقتا ] .

[{ وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } الطبرسي، قال الصادق (عليه السلام): ” أقتت، أي بعثت في أوقات مختلفة –تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ]

قال تعالى في توقيت يةم القيامة والحساب والفصل بين الخلائق { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ – الحجر 34-38 } وقال تعالى { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ – ص  77-81 }

وهذا اليوم أقتت فيع الرسل للشهادة على قومهم كما في الآية هنا { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل – المرسلات } وهذا اليوم حدد له الله تعالى ميقاتاً قال فيه { إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا – النبأ 17-18} وهنا يتبين لنا أن هذا الميقات ممتد منذ نفخة الخلق الأولى والتي قام بها الكون والخلائق تتلوها نفخة الصور لإهلاك أفراد وجماعات وقبائل ودول وأم ظالمة فإذا اقتربت الساعة رفع عنهم العقاب لإضلالهم بظلمهم وحتى لا يعتقدوا أنه لا حساب ولا عقاب وهى فترة إمهال لهم حتى يرجعوا وفي هذه الفترة بين تعالى أنهم سيتركهم ويرفع عنهم النصرة والبركة وتتسلط هذه الأمم بعضها على بعض ويموج بعضا في بعض فيهلك بعضهم بعضاً بذنوبهم وبإذن الله تعالى وهذه فترة ظهور علامات الساعة الصغرى وغيبة الأئمة ورفع العلم ثم يرجعون إلى الله تعالى أفواجاً وجماعات قبائل ودول وعائلات ومناطق وفي أزمنة مختلفة بظلمهم ثم تكون النفخة الأخيرة للصورة والتي يجمعهم فيها الله تعالى جميعا بالمفعول المطلق فلا يغادر ولا ينجوا من العالم أحد قال تعالى { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا – الكهف 88} . وهنا يبين تعالى أنه قد جعل لكل أمة أجل ووقت للفصل بينهم قال تعالى فيه { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون – يونس } ثم القيامة فلا ينجوا منها أحد كما في قوله تعالى { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا – الكهف 47} وذلك لأنه تعالى جمعهم جمعا وهو يوم القيامة و توقيته الذي لا يعلمه إلا الله تعالى له وهو وقت جمعهم الذي قال تعالى فيه { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين – الدخان 40 } .

وأما :

(وإذا)

أي إذا جاءت القيامة كما في قوله تعالى { فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ – النازعات 34-41 } وقال تعالى { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ  – عبس 33-42 } . وهذا هو يوم القيامة و الساعة وهى مرحلة ماقبل القيامة الكبرى هنا قال تعالى { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون – الأنعام 31 } والرسل هنا وقت الله تعالى خروجهم في كل زمن والمرهون بهم هلاك أمتهم أو نجاتها من عذاب الله تعالى في الدننيا والآخرة قال تعالى هنا { وإذا الرسل أقتت } .

وأما :

(الرسل)

وهنا يبين الله تعالى أنه اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس قال تعالى { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير – الحج 75 } ورسل الملائكة لسكان السماء و من الناس لأهل الأرض لقوله تعالى { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال – الرعد 15 } ومن هذه الملائكة رسلاً تنزل على أنبياء الله تعالى في الأرض كالروح الأمين وكتتبه الأعمال ورقيب وعتيد وفي الآخرة لأنها دار جزاء هذه الرسل لخدمة المؤمنين أو لعذاب الكافرين . وفي كل زمان ولكل أمة بعث الله تعالى فيهم رسلاً واحدا تلو الآخر تترى كما قال تعالى { ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون – المؤمنون 44 }

ثم يختم الله تبارك وتعالى النبوة نهائياً استعداداً للقيامة الكبرى بالنبي محمد صلى الله عليه وآله و الرسالة صنفين رسالة الله إلى الناس بالنبوة والكتاب وهذه قد ختمت به أيضاً صلى الله عليه وآله ورساله خاصة بفهم وبيان لشرع الله تعالى وتأويل الكتاب يقوم به أئمة أهل البيت عليهم السلام به تنزل الملائكة وبه تأت النصرة وبمخالفته الهلاك وبين النبوة والرسالة يقول عز وجل :  { ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين – الأحزاب } ولاحظ هنا قوله تعالى خاتم النبيين وليس المرسلين وذلك لأنه تعالى قد جعل رسالته لأئمة أهل البيت من بعده لينذروا الأمة ويهدونهم إلى الصراط المستقيم ولن يعذب الله تعالى أمة إلا بعد بعثة إماماً من أهل بيت النبي عليهم السلام قال تعالى { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء 15 } وقال تعالى أيضاً {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون – القصص 59 } . وهل هناك رسل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يقول بذلك إلا مجنون أو معتوه ولكنها الإمامة التي قالها النبي للإمام علي عليه السلام في حديث المنزلة [عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعلي : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ) . متفق عليه  ] .

وبالتالي أجل الأمة كلها مرتهن ببعثة إماماً من أهل بيت النبي عليهم السلام على المستوى العام قال تعالى لذلك { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ ۚ آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ  -يونس 46-53 } . وعلى المستوى الخاص ظلم أياً منهم يوقع البلاء على ظالميهم قال صلى الله عليه وآله [ عن علي أبي طالب يقول : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: نحن بنو عبد المطلب ما عادانا بيت إلا وقد خرب ، وما عادانا كلب إلا وقد جرب، ومن لم يصدق فليجرب – البحار ج 107 ص 31  ] . ومن خلا فهم هذه القاعدة الدقيق للأمم قبل بعثة النبي بالفعل كانوا يتطيرون منهم أي يتشاءمون وذلك لأنهم كلما كادوهم شيئاً ارتد عليهم فاعتبروا تواجدهم وحديثهم طيرة يتطيروا بها .

وفي آخر الزمان وعد الله تعالى بظهور دين الإسلام على كل الديانات وهو من علامات الساعة قال تعالى {  هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا – الفتح 28 } وقال تعالى أيضاً { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون – الصف }

وكل هذه الأحداث من بعثات الأنبياء والمرسلين ثم الأئمة ثم القيامة لها رسلها التي وقت الله تعالى لها الآجال فغذا بعثهم الله تعالى فلا يمكن لأمة أو للعالم أن يتقدم أو يتأخر قال تعالى لذلك هنا { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذٍ للمكذبين ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين – المرسلات 11-17 } .

ثم يقول تعالى :

  • لأي يوم أجلت (12)

وهنا :

(ل)

أي أنه من خلال هذا الحرف يبين الله تعالى لنا أنه يوم الجمع الذي قال تعالى فيه {ربنا إنك جامع الناس ل يوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد – آل عمران 9 } وهذا هو يوم المحكمة الكبرى التي قال تعالى فيه { ونضع الموازين القسط ل يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين – الأنبياء 47 }

وأما :

( أي)

وهنا يسأل الله تعالى الكفار والمنافقين من الإنس والجن في  استنكار على كفرهم بنعم الله تعالى فيقول عز وجل  { فبأي آلاء ربكما تكذبان – الرحمن 16 }

فإذا كان يوم القيامة وهو وقت شهادة الرسل الذين قال تعالى فيهم  { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت} وفي هذا اليوم الله تعالى ورسله شهداء على الخلق قال تعالى { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم  – الأنعام 19 } وفي هذا اليوم توعد فيه الله تعالى الظالمين قائلا { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون – الشعراء 227 } وفي هذا اليوم يسأل الله تعالى القتلة والمقتولين { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت – التكوير 8-9 } .

وأما :

(يوم)

اليوم هو يوم القيامة لقوله تعالى { الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا – النساء 87 } وهذا هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل للشهادة وهو يوم الدين الذي يحاسب الله تعالى فيه كل إنسان على ما دان به نفسه في الدنيا قال تعالى {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب – المائدة 109 }

وفي هذا اليوم  يطمع نبي الله إبراهيم غفران ذنوبه من الله تعالى كما في قوله تعالى ليعلم أمته بأن يلتزموا بهذا الدعاء في الدنيا كما فيقوله تعالى { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين – الشعراء 82 } وفي هذا اليوم تبيض وجوه وتسود وجوه قال تعالى { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – آل عمران 106 }

والمؤمنين مصدقين بهذا اليوم ويعملون له الأعمال الصالحة كما في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ – المعارج 26-35 } .

وفي هذا اليوم يكون حساب إبليس وحزبه ونهاية الوقت الذي أمهله الله تعالى له قال تعالى { وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين – ص 78 } وأما عن حزبه الملعونين المكذبين بهذا اليوم ممن أنكره أو لم يعمل الصالحات لهذا اليوم قال تعالى { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ  وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ – الصافات 11-24 } .

واليوم يأتي على يوم نزول العذاب في الدنيا على الظالمين قال تعالى { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون – هود 8 } . وهذا العذاب لا ينزل بأمة إلا بعد بعثة رسول منهم يقيم عليهم الحجة قال تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء } ويوم هلاكهم هنا موقت له وقت لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون وبداية يوم القيامة أحداث بين فيها القرآن الكريم أنها أراط الساعة وعلما للساعة قال تعالى فيه { وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم – الزخرف 61 } وتبدأ علامات الساعة ببعثة إمام آخر الزمان وفيه ترفع التوبة وتنزل الملائكة بالعذاب على الكفار والمنافقين قال تعالى متوعداً { هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ – الأنعام 158 } وهو زمن

عودة السيد المسيح أيضاً آخر الزمان لورود هذا للفظ في قوله تعالى عن نبي الله عيسى عليه السلام { وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا – مريم 15 }

لذلك قال تعالى هنا في هذه المواقيت كلها والأحداث التي سيمر بها الخلق حتى يوم القيامة { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل } .

وأما :

(أجلت)

والتأجيل يكون لأجل حدده الله تعالى للقضاء على الظالمين لذلك يرد في قوله تعالى  {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين – آل عمران 145 } . وكل أمة لها أجل محدد لا تسبقه ولا تتقدمة كما في قوله تعالى { ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون – المؤمنون 43 } وهنا يبين تعالى هلاك الظالمين تترا قال تعالى { ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون – المؤمنون 44 } فإذا جاء يوم القيامة حشرهم الله تعالى جميعاً إنسهم وجنهم  قالوا بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال تعالى { ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم – الأنعام 128 } وهذا الأجل هنا هو الذي حدده للبعث والحساب وهو يوم الوقت المعلوم والذي يبدأ بالمون الفردي لبني آدم أو جماعات في انتقام جماعي من أمم كفرت بالله تعالى لورود هذا للفظ عن موت بني آدم فرادى في قوله تعالى { ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون – المنافقون 11 }

وموتهم جماعات قال تعالى { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون – الأعراف 34 } وقال تعالى أيضا { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال  – إبراهيم 44-45 } .

قال تعالى فيه { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل } وفي هذا اليوم يقول تعالى {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ  – هود 103-108 } . وهذا هو يوم الفصل في الآخرة

لقوله تعالى هنا :

(13) ليوم الفصل (13) وما أدراك ما يوم الفصل (13)

وهنا :

(ليوم)

أي أنه يقول تعالى { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – آل عمران 25 } وقال تعالى أيضاً { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد – آل عمران 9 } وهذا هو يوم القيامة الذي قال تعالى فيه { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين – لأنبياء 47 } وهو يوم الحساب كما في قوله تعالى عن أهل الجنة {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ  مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هذا ما توعدون ليوم الحساب – ص 50-53 } ومن أراد رضا الله والجنه فليتخد سبيلاً إلى الله تعالى وهو ولايته تعالى وورلية رسوله وأهل بيته عليهم السلام من بعده قال تعالى { ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا – النبأ 39 } وأما إن كان من الكافرين المنافقين والظالمين فقد قال تعالى فيهم {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار –إبراهيم 42 } وبالتالي هذا يوم عظيم قال تعالى فيه : { ألا يظن أولائك أنهم مبعوثون ليَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ – المطففين 4-26 } .

  وهذا هو يوم القيامة وهو يوم الفصل الذي قال تعالى فيه هنا { ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل }

وأما :

(يوم الفصل)

وهنا

يوم الفصل هو يوم القيامة بين أئمة أهل البيت الإبراهيمي وذريته التي اصطفاها الله تعالى للنبوة والرسالة والإمامة وخصومهم إلى يوم القيامة قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ- السجدة 23-25}

وقال تعالى أيضاً في الفصل بين الديانات والمعتقدات والملل والنحل { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد – الحج 17 } .

وقبل هذا اليوم بين الله تعالى أن له يوماً محددً مؤقتا ولولاه لقضى بينهم في الدنيا وذلك لما كذبوه على الله تعالى وشرعوا للناس مالم يأذن به الله فاختلفوا واقتتلوا على تلك المكذوبات والتي امتد فيها كل حزب وفرقة رجالها وأئمتها قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشورى 21 } وكلمة الفصل هنا توقيت وقته الله تعالى لهم جميعاً كما في قوله تعالى { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين – الدخان 40 } وقال تعالى أيضاً في هذا اليوم وميقاته المحدد لهم { إن يوم الفصل كان ميقاتا يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِّلطَّاغِينَ مَآبًا لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا   إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا  – النبأ 17-28 } ويكون الفصل في توقيت محدد بينه الله تعالى للفصل بين الأمم والديانات والمذاهب فيما اختلفوا فيه وفيما كذبوه على الله تعالى وما اقترفوه من ظلم في حق أنفسهم وفي حق المظلومين والمستضعفين قال تعالى { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذٍ للمكذبين ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين } وفي هذا اليوم لا ينفع فيه أرحام ولا ينفع فيه إلا العمل الصالح قال تعالى {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير – الممتحنة 3 }  ويقال لهم في هذا اليوم { هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون – الصافات 21 }

وأما :

(وما أدراك)

وهنا :

درى يدري دراية في اللغة

[ دراية : (اسم) دراية : مصدر دَرَى دِراية: (اسم) مصدر دَرَى لَهُ دِرَايَةٌ : عِلْمٌ، مَعْرِفَةٌ علم الدِّراية : (الفقه) علم الفقه و أصوله الدراية : (مصطلحات) مصدر درى بالشيء: علمه ، العلم بالشيء بناء على استعمال الفكر والرأي. (فقهية) دَرَى: (فعل) درَى / درَى بـ يَدري ، ادْرِ ، درايةً ودَرْيًا ودَرَيانًا ، فهو دارٍ ، والمفعول مَدْرِيّ درَى فلانٌ الشَّيءَ و درَى فلانٌ بالشَّيءِ: علِمَه وخبَرَه ، دَرَى خَبَايَا الأُمُورِ : تَوَصَّلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا، عَلِمَ بِهَا درَيت الخبرَ صحيحًا: علمت، والفعل هنا من أفعال اليقين، ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ] .

و [ أدرى فلانًا بالأمر: أَعْلَمه وأخبَره به] ولا يخبر بالوحي الذي لا يعلمه أحد من خلقه غير الله تبارك تعالى ومن بعد إذنه ولكن مايميز لفظ درى و يدري و (ماأدراك) تستخدم دائما في أمر خاص بالله تعالى دون رسله كقوله تعالى { وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم – المطففين 19-20} وقال تعالى أيضاً في أمره المنزل في ليلة القدر { وما أدراك ما ليلة القدر- القدر 2 } وهذه أمور لا شأن لمخلوق بها ولا رسول ولا نبي لذلك جاءت بلفظ (وما أدراك) لقوله تعالى أيضاً للتأكيد على تلك القاعدة عن الساعة ويوم القيامة يقول تعالى { يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا – الأحزاب 63 }  .

كما أنه لفظ يأتي في الأمور التي فيها عذاب أو انتقام إلهي كأن الله تعالى فصل بأن النبي والرسول والأئمة والمؤمنين مستبعدون عن هذا العذاب بهذا اللفظ قال تعالى { وما أدراك ما الحاقة – الحاقة 3 } وقال تعالى { وما أدراك ما سقر – المدثر 27 } وقال تعالى &{ وما أدراك ما يوم الدين – الإنفطار 17 }&{ وما أدراك ما سجين – المطففين 8 }&{ وما أدراك ما الطارق – الطارق 2 }&{ وما أدراك ما العقبة – البلد 12 }&{ وما أدراك ما القارعة – القارعة 3 }&{ وما أدراك ما هيه نار حامية – القارعة 10-11 }&{وما أدراك ما الحطمة – الهمزة 5 } وقال تعالى لذلك هنا عن عذاب يوم القيامة ويوم الفصل و يستبعد منه كما قلنا حزبه المؤمنين { الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب – الشورى 17 } .

وأما قوله تعالى { وما يدريك لعله يزكى – عبس } وذلك لأن الإيمان بالله والهدى كالموت الله فقط هو الذي يهدي أولا لورود لفظ الأيمان في قوله تعالى { وماكان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون – يونس 100} أي أنه كالموت في قوله تعالى { وماكان لنفس أن تموت إلا بإذن الله – آل عمران 145} ولذلك قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين  -القصص 56} وبالتالي المؤمنون برسلهم وأنبيائهم مستبعدون عن عذاب يوم القيامة بلفظ {وما أدراك} كما في قوله تعالى هنا { وما أدراك ما يوم الفصل – المرسلات 14 } ووراء يوم الفصل في الدنيا عذاب الساعة وعلاماتها وعذابها وعذاب يوم القيامة قال تعالى { يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا – الأحزاب 63 } .

ثم يقول تعالى عن هذا اليوم :

ثاتيا :

يوم القصف في سورة المرسلات :

يقول تعالى :

  • انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون (29) انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب (30)

وهنا :

(انطلقوا إلى ماكنتم به تكذبون انطلقوا)

[ وانطلق : من طلق وأطلق الناقة : حل عقالها وانطلق : ذهب لما لا قيد فيه ولا استثناء – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل اللام والقاف ] . قال تعالى { فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا – الكهف 71 }  وقال تعالى { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا – الكهف 74 } وقال تعالى أيضاً {   فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا – الكهف 77 }

ولفط الإنطلاق يأتي في كتاب الله على أفعال كفار  قال تعالى { فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين– القلم 23-24 } . وقال تعالى { وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد – ص 6 }

وبانتشار منع حق الله تعالى للفقراء والمساكين وترك العمل بما أنزل الله تعالى من حلال وحرام وحرب أهل الديانات الأخرى مع كل المسلمين وحرب حكام المسلمين المنافقين مع كل من آمن بالله تعالى وعمل بما أنزل الله  هنا يكونوا قد حكموا على بلدانهم بالخراب ورفع البركة يعقبها زمن الملاحم وتسلط العدو عليهم ثم الملاحم ونزول الملائكة للإنتقام من الظالمين بعد أن يكونوا قد ملئت الأرض بهم .قال تعالى هنا {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون – المرسلا 29} وما كذبوا به هنا عذاب ينزل عليهم من الله تعالى بمعارج ذي ثلاث شعب لم ينجوا منها أحداً من الظالمين قال تعالى { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب – المرسلات30-31 } .

وفي التفسير عن [عن علي بن ابراهيم  :{ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } [المرسلات: 30] قال: فيه ثلاث شعب من النار، قوله تعالى: { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ }[المرسلات: 32]، قال: شرر النار كالقصور و الجبال، قوله تعالى:كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } [المرسلات: 33]، أي سود.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

 

وأما :

(ما كنتم)

أي أنه يقول تعالى من خلال هذه الآيات أنه عذاب ينزل عليهم بكفرهم قال تعالى فيه { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – آل عمران 106 } فإذا ماتوا دخلوا النار قال تعالى { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – الأنعام 30 } وينزل العذاب ايضاً على المنافقين المتأولين القائلين بالهوى والرأي في دين الله تعالى قال عز وجل { اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون  – الأنعام 93 } وهذا عذاب يغشهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم { يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون  – العنكبوت 55 } ويقول تعالى هل يجزون إلا ما كانوا يعملون قال تعالى { ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون – النمل 90 } . ويقال لهم في هذا اليوم وهو يوم الفصل في الحياة الدنيا { إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ– الدخان 40-50 } .

وأما :

(به)

وهنا كأنه يقول تعالى { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل – الأنعام 66 }

{الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون –البقرة 121 } .

{ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217 } ومن هؤلاء المستحقي العذاب قبل يوم القيامة المشركين والله تعالى لن يغفر لهم إن ماتوا على ذلك قال تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا – النساء 116 } وكذلك أهل المعاصي والسيئات ممن لم يتوبوا من قريب قال تعالى { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا – النساء 123 }

وهؤلاء جميعا من الذين كفروا به من قريشاً الأولى والآخرة  والمشركين والعصاة ممن لم يتوبوا والمحاربين من أهل الكتاب جميعاً توعدهم الله تعالى جميعا بعذاب قال تعالى فيه { انطلقوا إلى ماكنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب – المرسلات30-31 } .

وأما :

(تكذبون)

والتكذيب منه ترك العمل بما أنزل الله تعالى لقوله تعالى عن بني إسرائيل { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين – الجمعة 5 } وبالتالي تكذيب العالم آخر الزمان وقبل القيامة إما بتركهم العمل بكتاب الله تعالى فيكونون قد كذبوا بالساعة أو جادلوا بالباطل أنهم خير أمة ولا تقوم الساعة قال تعالى { بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا – الفرقان 11 }

والساعة قبلها يوم الفصل بنزول عذاب عليهم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة وفيه الفصل وهذا كذبوا به وتركوا العمل بما انززل الله استعداداً لهذا اليوم قال تعالى إذا نزل بهم العذاب فيقال لهم {  هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون  -الصافات 21 } فإذا نزل بهم عذاب الآخرة قيل لهم {  وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون – السجدة 20 } .

وقبل نزول العذاب في كل أمة يبعث الله تعالى فيهم رسولا ً منهم فيكذبونه وبعدد بعثة سيدنا محمد خاتم النبيين يبعث الله تعالى إماماً وكل أمة كذبت رسولها كما في قوله تعالى { ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون – المؤمنون 44 } فإذا كان قبل يوم القيامة بعث الله تعالى للعالم إماماً منأهل بيت النبي عليهم السلام بعلم غير مسبوق فيكذبونه كما كذبت الأمم من قبل  قال تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39 } ومالم لم يحيطوا به هو علماً لدنيا لكتاب الله تعالى ومن كتاب الله قال تعالى فيه { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون  – الأعراف53 } وما افتروه هو كذبهم على الله تعالى ورسوله كما في قووله تعالى ناهياً و منذراً كل من فعل ذلك فيقول تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون – النحل 116 } وهذا في الحلال والحرام وأما عن مناقب الرجال فقد رووا ماملئ الخافقين في حسن وجمال وتقوى وورع رجالهم لصرف الناس عن ولاية النبي صلى الله عليه وولاية أهل بيته عليهم السلام قال تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا – النساء 49-50 }

وهذه المكذوبات والمفتريات والمدائح لرجالهم دونت في كتب ظن الناس أنها من عند الله وما هى من عند الله حتى اجترأوا على الله تعالى بفسوقهم وعصيانهم بأن منهم الخليفة عمر ينزل القرآن موافقاُ لرأيه مخالفاً لرأي النبي في ثلاث مواضع آية الحجاب والأسرى وخلق الإنسان في سورة المؤمنين وكل ذلك تم تدوينه في كتب على أنها علم ظن الناس أنه أنه من عند الله وما هو من عند الله تعالى كما في قوله عز وجل { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران 78 } و هؤلاء شرعوا للناس من الدين مالم يأذن به الله وموعدهم يوم الفصل آخر الزمان كما في قوله تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشورى 21 } .

ولا يوجد أظلم من هؤلاء الذين فرقوا الأمة وحكموا بكفر مخالفيهم بعلوم ظن الناس أنها من عند الله وما هى من عند الله قال تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين – الصف 7 } .

والويل لهم جميعاً إذا حل زمان بعثة إمامهم قال تعالى { ويل يومئذٍ للمكذبين } ومما كذبوه هنا عدم تصديقهم بنزول عذاب الله تعالى عليهم قال تعالى . { انطلقوا إلى ماكنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب – المرسلات30-31 }

وأما :

(انطلقوا إلى ظل)

[ والظل الظلام الناجم عن حائل دون مصدر الضوء – معجم ألفاظ القرآن باب الظاء فصل اللام واللام ] .

فإن وقف الإنسان أو أي جسم حائلاً دون الضوء تمدد ظله قال تعالى { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا – الفرقان 45 } وبالتالي كل مخلوق تحت ضوء الشمس له ظلالاً تتمدد على الأرض قال تعالى { والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون – النحل 81 }

وظلال الأشجار والنخيل والزروع قال تعالى فيها بالجنة { ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا _الإنسان 14 }

والظل يتحرك في حركة دائرية من الفجر يميناً إلى الشمائل حتى المغرب من الغدو للآصال قال تعالى { أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون – النحل 48 }

وهذا وهذا الظل الذي تنزل به ملائكة العذاب ذات الثلاث شعب لا يتظلل به العباد من حرارة الشمس ولا يمنع عنهم عذاب الله تعالى على الناس قبل يوم القيامة   قال تعالى { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب  }  وهذه تنزل آخر الزمان كما في قوله تعالى { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور  – البقرة 210 } وهذه الملائككة لا تنززل إلا بظهور آيات مع إمام آخر الزمان قال تعالى فيها { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون –الأنعام 158 }

وأما :

(ذي)

وذي بمعنى صاحب قال تعالى مبيناً أنه أمر تعالى بعبادته وعدم الإشراك به والإحسان للوالدين واليتامى والمساكين والجار ذي القربى قال تعالى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا – النساء 36 } ويبين تعالى أن سيدنا إبراهيم دعا لفرعاَ من ذريته يسكن عند بيته المحرم كما في قوله تعالى { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون – إبراهيم 37 } ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أنزله قرآناً عربياً في قوله تعالى { قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون – الزمر 28 } وهذا القرآن نزل على رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش كما في قوله تعالى {  إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذي قوة عند ذي العرش مكين – التكوير 15-20 }

و أمر بالعدل والإحسان وبذي القربي وأولهم قربات النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون – النحل 90 } وفي إشارة إليهم أيضاً يقول تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب – الحشر 7 } .

ويبين تعالى أنه شديد العقاب لكل من  خرج على ولاية الله الحق و كفر بالله تعالى ونافق و ظلم قال تعالى { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير – غافر 3 }  والله تعالى هو العزيز ذو الإنتقام كما في قوله تعالى { ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام – الزمر 37 }

ولما أنكروا ولاية الإمام علي  وأهل بيت النبي كما في قوله تعالى { سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج 1-3 } و المعارج إسم فعل عرج يعرج معراجاً وهى ما يصعد به إلى السماء الأولى بالنسبة لبني آدم حيث قال تعالى {  ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون – الزخرف 33 }وهذا المعارج ما يصعد به للسماء الأولى في الدنيا ومعارج الله تعالى تعرج بها ملائكة للسماء السابعة قال تعالى { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقدارة خمسين ألف سنة }

وعن الآية { سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج 1-3 } تبين أن ملائكة من الله تعالى تنزل بعذاب على الكافرين لرفض الأمة ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام :

[ عن أبي بصير في قصة الحارث الفهري لعنه الله وفيه نزلت الآية الكريمة لكفره بولاية أمير المؤمنين عليه السلام : فغضب الحارث بن عمرو الفهري، فقال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فأنزل الله عليه مقالة الحارث، و نزلت هذه الآية: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا بن عمرو، إما تبت، و إما رحلت ؟ فقال: يا محمد، بل تجعل لسائر قريش شيئا مما في يدك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب و العجم؟ فقال له النبي (صلى الله عليه و آله) : ليس ذلك إلي، ذلك إلى الله تبارك و تعالى. فقال يا محمد، قلبي ما يتابعني على التوبة، و لكن أرحل عنك، فدعا براحلته فركبها، فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة، فرضت هامته، ثم أتى الوحي إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بولاية علي لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ». – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

ورد في تفسير الكشف والبيان :

[.. وسئل سفيان بن عيينة عن قول الله سبحانه: {سَأَلَ سَآئِلٌ} فيمن نزلت، فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك.

حدّثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه، فقال: “لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم، نادى بالناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال: مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه.

فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان القهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتّى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله تعالى؟
فقال: والّذي لا إله إلاّ هو هذا من الله فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهمّ إن كان ما يقوله حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله سبحانه: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ  لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} – الكشف والبيان للثعلبي ] ” .

وهذا العذاب قال تعالى أنه من الله ذي المعارج وهذه المعارج لها ثلاث شعب قال تعالى فيها هنا { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب – المرسلات 30 }

وأما :

(ذي ثلاث)

ثلاث شعب يبين تعالى هنا أنها ملائكة بأجنحة ثلاثية قال تعالى فيها { الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى و ثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير – فاطر 1 } وهذه ملائكة أطلق الله تعالى عليها معارج لأنها تظهر في زمان صعود الإنسان بمعارج إلى السماء قال تعالى فيها {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 14-15} وهنا إذا ظن أهلها أنهم قادرون عليها بعث الله تعالى فيهم إمام آخر الزمان بتأويل تنزل به هذه الملائكة قال تعالى فتنزل ملائكة ذات ثلاثة شعب على عدة بدر والي ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين – آل عمران 124 } وهذه الملائكة ذات ثلاث شعب قال تعالى فيها هنا : { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب – المرسلات 30 } ويوجد آيه تشير إلى أن هذا الإنتقام الإلهي من الظلمة سيستمر ثلاثة أيام لورود لفظ لاثة أيام في قوله تعالى عن قوم ثمود : { فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب – هود 65 } . وقوله تعالى { قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار – آل عمران 41 } .

وأما :

(شعب)

[ والشعب الصف من الناس تجمعه وحدة نسب والشُعبة : الفرقة والفرع وجمعها شُعَب – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل العين والباء ] قال تعالى { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شُعَب – المرسلات 30 } وهنا يبين تعالى أن هذه الملائكة ذات الثلاث شعب أو هذه المعارج عبارة عن جيوش إلهية تتكون من ثلاث فرق و جماعات لورود هذا اللفظ في قوله تعالى  { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا – الحجرا ت13 } ومن ثلاثةة أتجات قال تعالى فيها { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين – الأعراف 17 } وما بين أيديهم أي في حياتهم عن أيمانهم وعن شمائلهم و البعد الثالث من فوقهم وأسفل منهم لقوله تعالى { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونا – الأحزاب 10 } .

ثم يقول تعالى :

  • لا ظليل ولا يغني من اللهب (31)

وهنا :

(لا ظليل)

[ والظليل : ما يتظلل به ] قال تعالى {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون – النحل 81 } أي أنه لا ظل يتظللون وينعمون بل ظل فيه لهب  يلقى عليهم قال تعالى فيه { لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر } .

وأما :

(لايغني)

أي أنه ظل لكنه ليس بظل يتظللون به ولا ينجيهم وينقذهم من اللهب والشرر الملقى عليهم وبالتالي لن يغني عنهم كيدهم للإسلام والمسلمين وأهل بيت النبي عليهم السلام في هذااليوم قال تعالى { يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون – الطور 46 } وفي هذا اليوم لا يستطيع مولى أن ينصر من تولى غير الله تعالى الحق قال تعالى { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون – الدخان 41 } وفي هذا اليوم هنا تأتيهم ملائكة في معارج لها ظل يلقي عليهم الشرر كالقصر أو في حجم الجمال الصفر كما في الاية هنا { لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر } .

وأما :

(من)

وهنا لفظ من يشير إلى أنها غاشية من عذاب الله تعالى تغشاهم قبل يوم القيامة كما في قوله تعالى { أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون – يوسف 107 } . وهذه الغاشية هنا قال تعالى فيها { لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر } . فإذا كان يوم القيامة بعد هلاكهم تبرأ الذين اتبوعوا من الذين اتبعوا قال تعالى { وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص – إبراهيم 21 } .

وأما :

( اللهب)

[ واللهب ما يرتفع من النار كأنه لسان أو هو اضطرام النار واشتعالها – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الهاء والباء ] قال  تعالى { سيصلى ناراً ذات لهب – المسد } أي أن هذا اللهب الذي ستلقيه عليهم الملائكة ممن تولى قريشاً الأولى في عداوتها للنبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام في آخر الزمان قال تعالى { انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 29-34 }

ثم يقول تعالى :

(32) إنها ترمي بشرر كالقصر (32)

وهنا :

(إنها)

أي أن فيها نار قال تعالى فيها { كلا إنها لظى نزاعة للشوى – المعارج 15-16} وهذه الواقعة من علامات الساعة الكبرى لقوله تعالى { إنها لإحدى الكبر – المدثر 35 } تكون فيها نار مؤصدة مغلقة عليهم لا يستطيعون الإفلات منها قال تعالى {  إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ في عمد ممدة – الهمزة }  .

وأما :

(ترمي)

والرمي [ رمى يرمي رميا ك ألقاه – معجم الفاظ القرآن باب الراء فصل الميم والياء ] قال تعالى عن أصحاب الفيل قال تعالى { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ- الفيل } وهذا الرمي من الله تعالى يقتل به الظالمين كما قال تعالى : { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم – الانفال 17 } .

وأما :

(بشرر)

[ الشرر : ماتطاير من النار ] .قال تعالى هنا مبيناً أن هذه الشرارة في حجم قص ر من القصور كدلالة على هول القصف الإلهي الذي سيزيل مدناً ودولاً بأكملها إلا ما رحم الله تعالى { إنها ترمي بشرر كالقصر – المرسلات 32} واللفظ لا يوجد له مرادف يبينه إلا اللغة العربية .

وأما :

(كالقصر)

وهنا يصف الله تبارك وتعالى حجم شرارة هذا القصف وليس القصف نفسه وهذه الشررة في حجمها كالقصر وذلك لورود هذا اللف في قوله تعالى { فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد – الحج 45 } .

 

ثم يقول تعالى :

(33) كأنه جمالة صفر (33)

وهنا :

(كأنه)

وهنا بعد وصف حجم الشرر وهو في حجم القصر يصف الله تعالى اللون هنا بأنه كما قال تعالى { كأنه جمالة صفر} وكأن هنا للتشبية كما قال تعالى { كأنهم حمرٌ مستنفرة فرت من قسورة – المدثر 50 }  ويبين تعالى أنهم سيهلكون بصيحة كما فعل الله تعالى بقوم عاد في قوله تعالى { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ  تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ – القمر 18-21 } أي أنها ترميهم بنيران لها شرر في الحجم كالقصر وفي اللون كالجمالة الصفر تقتلع الناس من مواضعهم على الأرض فتجعلهم كأعجاز نجل منقعر أو كما قال تعالى { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر – القمر 31 } أي كأنهم هشيم محتظر .أي [ إنا أرسلنا عليهم جبريل, فصاح بهم صيحة واحدة, فبادوا عن آخرهم, فكانوا كالزرع اليابس – التفسير الميسر ] .

وأما :

(جمالة)

[ الجمل : الذكر من الإبل إذا بلغ سناً معينة وجمعه جمال وجمالة وورد الجمع في القرآن الكريم عى جمالة – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الميم واللام ] . قال تعالى { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين – الأعراف 40 }   و [ جمالة : جمع جمالات جمع جمل – تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي ]

و [ الجُملَة : جماعة كل شيئ بكماله – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الميم واللام ] أي كأنه رتل من الجمال الصفر المتتابعة وهنا كأنه يقول تعالى أن هؤلاء المكذبين المستكبرين آخر الزمان في كل الديانات سيسلط عليهم ملائكة تنتقم منهم بمعارج من السماء تقصفهم بقذائف كالقصر ولونها كالجمالة الصفر  قال تعالى هنا {إنها ترميهم بشرر كالقصر كأنها جمالة صفر } .  ولذلك لا تعجب أن ترى التفجيرات النووية عبارة عن زوايا محدبه كأقتاب الجمال كما في الصورة  .

وأما :

(صفر)

وهنا صفر هو اللون الأصفر ومن خلاله يبين تعالى لنا موضوعاً في غاية الأهمية عن قصة بقرة بني إسرائيل الصفراء والتي قال تعالى فيها { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين – البقرة 69} .

وهنا كأنه يقول تعالى لنا عندما يعلن بنوا إسرائيل إعدادهم للبقرة الصفراء أو الحمراء على سبيل الحقيقة أو المجاز وفقاً لما يعدون التي سيذبونها بعد هدم المسجد الأقصى أنه سيكون علامة من علامات زوالهم من الدنيا هم ومن تعاون معهم من أصحاب الفكر الصهيوني الإستيطاني في العالم وليس مصادفة أيضاً أن يطلق على اليوروانيوم النووي المستخدم في الحروب بالكعكة الصفراء : [ ما هي الكعكة الصفراء؟

هي ركازة خام اليورانيوم، يطلق عليها اسم “الكعكة الصفراء”؛ للونها الأصفر، وهي مسحوق مُركَّز من اليورانيوم يُصنع بإزالة الشوائب من اليورانيوم الخام –سبق 13 يناير 2022] .

فيبدأ الله تعالى مخاطبتهم برسائل صامتة يرونها بأعينهم لعلهم يتوبون من قريب وهذه الرسالة ريحاً شديدة تتسلط على بلدانهم في كل مكان تفسد عليهم زروعهم ومعايشهم  قال تعالى { ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون – الروم 51 } . ويكون هذا علامة من علامات نهاية العالم كما قال تعالى عن عمر الحياة الدنيا { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور – الحديد 20 } . وهنا يبين تعالى أنهم إن لم يتوبون من قريب فسينتقم منهم بمعارج تنزل بها ملائكة من عند الله تعالى أو هى معارج من صناعة إنسية يقودها رجال من أهل بيت النبي تنزل معهم ملائكة كما نزلت في غزوة بدر ترميهم بشرر كالقصر قال تعالى هنا { انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 29-34 } .

ثم يقول تعالى عن هذا اليوم :

(34) ويل يومئذٍ للمكذبين (34)

ثم يقول تعالى :

(35) هذا يوم لا ينطقون (35)

وهنا :

(هذا يوم)

أي أنه يقول تعالى { هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين – المرسلات 38 } و في هذا اليوم لا ينطقون كما في قوله تعالى هنا { هذا يوم لا ينطقون – المرسلات 35 }. وهذا هو يوم الفصل وهو يوم الدين الذي قال تعالى فيه { وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين – الصافات 20 } وهو يوم البعث الذي قال تعالى فيه { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون – الروم 56 } . وهو يوم عسير على الكافرين غير يسير  يقولون فيه كما قال تعالى : { مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر – القمر 8 }

وهو يوم ينفع الصادقين صدقهم قال تعالى { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم  – المائدة 119 }  .

وأما :

(لا ينطقون)

[ ونطق ينطق نطقاً ومنطقاً : لفظ بصوت ذي حروف ومقاطع يدل على مراده والنطق يكون من الإنسان ومن في معناه كالجني والمَلَك – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الطاء والقاف ]  قال تعالى { علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيئ – النمل 16 } أي أن الكلام صوت فيه بيان الكلام ومراد المتكلم منه قال تعالى { قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُون ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ  – الانبياء 63-65 } و يوم القيامة لا ينطقون كما في قوله تعالى { ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون – النمل 85 } ولا يؤذن لهم فيعتذرون كما في قوله تعالى { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيتعتذرون – المرسلات } ولا ينطقون في هذا اليوم لأنه تعالى سيخرج لهم يوم القيامة كتاباً ناطقاً بما عملوه في الحياة الدنيا قال تعالى فيه { ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون – المؤمنون 62 } وإلى جانب الكتاب الناطق هناك ملائكة كانت تستنسخ ما يفعله العباد قال تعالى { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون  -الجاثية 29 } .

ثم يقول تعالى :

(36) ولا يؤذن لهم فيتعتذرون (36)

وهنا :

(ولا)

{واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون – البقرة 123 } وهنا { ولا يؤذن لهم فيعتذرون – المرسلات 36} وفي هذا اليوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون – البقرة 254 } .

وأما :

(يؤذن لهم)

[ وأذن له : أطلق له فعله وأباحه – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الذال والنون ] قال تعالى { فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين – يوسف 80 } وقال تبارك وتعالى في إذنه تعالى { قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون – يونس 59 } ويوم القيامة لا يؤذن للذين كفروا  كي يتعتذروا قال تعالى { ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون – النحل 84 } . وهنا رفض الإذن لهم باإعتذار عما بدر منهم في الآخرة لأنهم في الددنيا عملوا بالرأي والهوى وهو مالم يأذن به الله تعالى كما في قوله عز وجل {  أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشورى 21 }

وأما :

(فيعتذرون)

ومعنى العذر مايراد به محو الإساءة وطمسها بالحجة التي يمكن بها ذلك والمعذرة : الخروج من الذنب وهى الإسم من عذر – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الذال والراء ] قال تعالى { فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون – الروم 57 } وهؤلاء لا يستعتبون ينفعهم عذرهم هنا و لهم اللعنة وسوء الدار كما في قوله تعالى { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار – غافر 52 } وعدم قبول معذرتهم لأن الله تعالى أودع فيهم بصيرة يميزون بها بين الحق والباطل بين الخير والشر قال تعالى { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره – القيامة 14-15 } وبداية رفع العذر عنهم في الدنيا بآخر الزمان ظهور بعض آيات الله تعالى مع إمام آخر الزمان  قال تعالى { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون – الأنعام 158 } .

ثم يقول تعالى :

(37) ويل يومئذٍ للمكذبين (37)

ثم يقول تعالى عن يوم الفصل الثاني وهو القيامة بعد الفصل الأول في الدنيا وفيه هلاك الظالمين في العالم .

(38) هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين (38)

وهنا :

(هذا يوم)

أي أنه يقول تعالى { وقالوا ياويلنا هذا يوم الدين } وهو يوم البعث الذي قال تعالى فيه { فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون – الروم 56 } وهو يوم عسير لقوله تعالى { مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر –  القمر 8} وهذا هو يوم الفصل الذي كذبوا به كما في قوله تعالى { هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون – الصافات 21 } .

وأما :

(الفصل)

وهنا يقول تعالى الويل للأولين والآخرين ممن كفروا بالله تعالى وتركوا شرعته الكريمة قال تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 14-19 } أي أنه يوم جمع للأولين والآخرين كما في الآية هنا { هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ۖ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ – المرسلات 38-39 }

وأما :

(جمعناكم)

وهنا يبين تعالى أن هذا هو يوم الجمع لا ريب فيه والذي قال تعالى فيه { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – آل عمران 25 } فإذا نفخ في الصور جمعهم الله تعالى جميعاً أولين وآخرين كما في قوله تعالى { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا – الكهف 99 } فإذا جاء يوم الجمع أهلك الله تعالى فيه كل جيوش العالم العسكريين ممن عملوا بطاعة الفرد في مقابل طاعة الله وقالوا بنظرية العبد المأمور في كل أرجاء العالم ويكون هذا يوم جمعهم وزوال حكمهم من الدنيا إلا مارحم الله وقليل ماهم ولا ينجوا منهم إلا كهمل النعم قال تعالى : { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  – الشعراء 94-102 } .

وذلك يوم التغابن الذي قال تعالى فيه { يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم – التغابن 9 } أي : [ اذكروا يوم الحشر الذي يحشر الله فيه الأولين والآخرين, ذلك اليوم الذي يظهر فيه الغُبْن والتفاوت بين الخلق، فيغبن المؤمنون الكفار والفاسقين: فأهل الإيمان يدخلون الجنة برحمة الله، وأهل الكفر يدخلون النار بعدل الله. ومن يؤمن بالله ويعمل بطاعته, يمح عنه ذنوبه, ويدخله جنات تجري من تحت قصورها الأنهار, خالدين فيها أبدًا, ذلك الخلود في الجنات هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده – التفسير الميسر ] .

وأما :

 (والأولين)

وهنا يقول تعالى { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ  قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ – الأعراف 37-39 } وما كسبوه جميعاً كان تقليدهم آبائهم وولايتهم من دون الله ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام .

ويبين تعالى أن الآخرين سيكون المؤمنون فيهم قلة قال تعالى فيهم { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين – الواقعة } ويكون هنا زمان هلاكهم كما في قوله تعالى { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين – المرسلات 16-17 } .فإذا جاء يوم الفصل جمعهم الله تعالى جميعا إلى يوم القيامة كما في قوله تعالى { قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم – الواقعة 49-50 } .والويل يومئذٍ للمكذبين

ثم يقال لهم :

(39) فإن كان لكم كيد فكيدون (39)

وهنا :

(فإن كان لكم)

وهنا قوله تعالى (فإن كان) أي أن الحديث عن طائفة من البشر تندس بين المؤمنين وتتربص بهم ليكيدوهم وهؤلاء هم المنافقون الذين يتلونون بالوسط الذي يعيشون فيه أو من يقال فيهم (الطابور الخامس) المجرم الذي آذي المسلمين منذ ظهور الإسلام وبروزهم في كتاب الله تحت مسمى المنافقين وإلى الآن ممن يعملون مع الأجهزة الأمنية المختلفة حول العالم ممن لا هدف لهم إلا الإيقاع بالمسلمين و تدمير دينهم و دولتهم وهو دور يختلف بينهما بين الحماية لبلاد المسلمين من أجهزتها الأمنية  والغير ممن لا هدف له إلا هدم دين ودولة المسلمين كما في قوله تعالى { الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا – النساء 141} . وهنا كأن الله تبارك و تعالى يقول لهم لا كبير في هذا اليوم تعملون لصالحة إلا هو سبحانه وتعالى فمن سينصرونه على الله تبارك وتعالى ولذلك يقول تعالى لهم هنا { فإن كان لكم كيد فكيدون } .

وأما :

(كيد فكيدون)

[ وكاده يكيده كيداً : احتال في إلحاق الضرر به وكاد الله لنبيه أو لأحد من عباده الصالحين أي دبر له أموره وهيأ له ما هو خير له ويسند هذا الفعل إلى الله تعالى و أكثر ما يكون ذلك بعد إسناده إلى الكفار وحينئذٍ يكون معنى كيد الله : إحباط تدبير الكفار أعداء الله وأعداء رسوله أو إفساد كيدهم أو أنه سيجزيهم على كيدهم – معجم ألفاظ القرآن باب الكف فصل الياء والدال ] .

وهذا التعريف منقوص :

ينقصه الدقة والتفرقة بين كيد الله في الدنيا بإفساد كيد الكفار والمنافقين وإنزال العقوبة بهم في الآخرة  وهو كيد أولا باستسلامهم ثانياَ لن يجدون أكبر ولا أقوى من خالقهم فيكون قد أبطل كيدهم ثالثاً كيد الله تعالى بهم بنسيانهم وحاشا لله تعالى أن ينسى قال تعالى { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون السجدة 14 } .

والكيد هنا كيدان :

الأول :

إحباط كيد الكفار في الدنيا بالصبر وتوقى الله عز وجل ثم إنزل العذاب بأعداءه تعالى في الدنيا :

بداية يقول تعالى للمؤمنين بأن الصبر على طاعة الله تعالى والبلاء وتقواه عز وجل تحبط هذا كيدهم في الدنيا لقوله تعالى { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط – آل عمران 120 } ولذلك قال تعالى في كيد النساء  العظيم بنبي الله يوسف عليه السلام { فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم – يوسف 34 } وفي سيدنا إبراهيم يقول تعالى { وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين – الأنبياء 70 } أي أنه يتقواه لله تعالى وصبره أبطل كيدهم و كذلك نبي الله موسى قال بأن المتعزز المستعلي بالله تعالى ينصره عز وجل قال تعالى { فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى – طه 64 }

و هكذا أنبياء الله تعالى نجاهم الله تعالى بتقواهم كما في قوله تعالى عن نبي الله هود عليه السلام { قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تنظرون – هود 53-56 } وبالتالي الذين كفروا هم المكيدون أي الواقع عليهم كيدهم والذي سيرتد عليهم لأن الله تعالى { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف } قال تعالى { أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون – الطور 42} ولذلك يقول تعالى  { إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا – الطارق } والله تعالى لا يقدر أحداً على الكيد له عز وجل إنما بين تعالى أن الحرب على أنبيائه ورسله أهل بيته والمؤمنين حرباً على الله فكلما كادوا لهم كاد الله تعالى نصرة لحزبه كما أخبرت الآية الكريمة .

ثانياً : الكيد بهم في الآخرة :

وعن بداية الكيد لهم عذاب الله تعالى لهم في الحياة الدنيا  ثم إلحاقهم بعذاب الآخرة :

  • كيد الله تعالى لهم في الآخرة عذابه لهم لقوله تعالى في نزول العذاب عليهم في آخر أيامهم بالحياة الدنيا وقبل تحولهم لعذاب الآخرة وهو الأكبر قال : { وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ – الطور 44-49} ولكي ينتقم الله تعالى منهم يسلط عليهم شياطينهم حتى تعمي قلوبهم عن رؤية الحقائق فيعملون بكل ما يهلكهم ويزين الشيطان لهم أعمالهم فيعتقدون أن إمهال الله تعالى لهم رضا من الله تعالى وما هو إلا استدراج قال تعالى فيه { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ – القلم 44-45} ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله في الحديث [ ” إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ” … الحديث  ] .
  • كيد الله تعالى لهم بظهور قوته تعالى و الوهيته على الخلق حتى يقول عز وجل { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار – الزمر }
  • كيد الله تعالى لهم خذلانهم في الآخرة لقوله تعالى فيهم { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون – السجدة 14 } وحاشا لله تعالى أن ينسى .
  • كيد الله تعالى لهم في الآخرة عدم إجابة دعواتهم كما في قوله تعالى { قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال – غافر 50 }
  • احتجاب الله تعالى عنهم لقوله تعالى { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون – المطففين 15 } . ولذلك قال تعالى { إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا – الطارق }

 كيد الشيطان الضعيف و كيد النساء  العظيم :

يقول تعالى في كيد الشيطان { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا  -النساء 76 } وضعف كيده أنه ليس له دوراً على بني آدم إلا الوسوسة ثم يستخدم دائماً النساء كرأس حربة له في إغواء بني آدة لقوله تعالى { زين للناس حب شهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضية … الآية آل عمران } ولذلك كيد النساء أعظم لأن منهن من تترك شرع الله تعالى حلاله وحرامه فتكون من أعوانه الذين قال تعالى فيهم {إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم – يوسف 28 } وعظم كيدهن لأن المرأة حاكمة على الرجال بالهوى و الشهوة .

ثم يقول تعالى في هذا الكيد هنا بالآخرة  الويل لمن تركوا العمل بكتاب الله تعالى وكادوا لنبيه صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين  :

(40) ويل يومئذٍ للمكذبين (40)

 

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

كتاب حياة السيدة زينب (عليها السلام)

كاتب وباحث : خالد محيي الدين الحليبي مدير مركز القلم للأبحاث والدراسات القاهرة    النسب …