لم تمر المبادرة التي أطلقها رئيس حزب الإصلاح والتنمية المصري “محمد أنور عصمت السادات”، تحت عنوان “عودة آمنة” الموجهة للمصريين بالخارج ممن يخشون العودة، دون تفاعلات غلب عليها الشك والريبة، كما أثارت تساؤلات بين المعارضين في الخارج.

وذكر “السادات”، في بيان صدر عن حزبه السبت، أن هناك شروطا للعودة لمن يرغب، منها عدم مخالفة دستور البلاد، وألا تكون صادرة ضده أحكام، أو متورطا في عنف، وألا يكون منتميا لجماعة إرهابية أو محظورة (كجماعة الإخوان)، مطالبا الراغبين بالتواصل وإرسال تاريخ مغادرتهم البلاد، وكذلك صورة عن جواز سفرهم.

ولفت إلى أن هذه المبادرة تلقى ترحيبا من مؤسسات الدولة المختلفة في ظل دعوة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” للحوار الوطني، موضحًا أنه تم وضع رؤية لاحتواء شباب المصريين المتواجدين بالخارج ممن حكمت الظروف بتواجدهم لأسباب مختلفة، سواء كانوا باحثين أو صحفيين أو عاملين بشكل عام.

وأضاف “السادات”، أن تلك المبادرة تستهدف أي مصري مقيم بالخارج يود الرجوع بشرط أن تكون عودته مرتبطة بعدم مخالفته القوانين والتشريعات الوطنية ودستور البلاد، في حال عاد إلى ممارسة العمل السياسي، وأي نشاط اجتماعي أو مدني آخر.

 

 

المبادرة، استقبلها مصريون في الخارج بكثير من الشكوك والريبة والتساؤلات، حول جدية النظام في التعامل مع معارضيه في الخارج، في ظل الاعتقالات والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان بالداخل، والتي قد تطاول صاحب المبادرة نفسه.

الكاتب المصري البارز “جمال سلطان”، علّق على المبادرة، بالقول: “مبادرة الأجهزة الأمنية المصرية لعودة المعارضين بالخارج، تتحدّث عن ما وصفته بعض التخوفات والإشاعات بإلقاء القبض عليهم على خلفية نشاط سياسي أو العمل في وسائل الإعلام والصحافة”.

وتابعَ مستنكرِاً: “طيب انفوا إشاعة اعتقال 4 صحفيين مصريين لأنهم يعملون في قناة الجزيرة.. هل الاعتقالات في مصر إشاعة؟”.

كما انتقد “سلطان”، في تغريدات على حسابه بـ”تويتر”، موقفَ “السادات” صاحب المبادرة، وقال، إن “الطريف بالأمر هو أن الأستاذ محمد أنور السادات، الذي كلّفته الأجهزة الأمنية أو ما أسماها المؤسسات، بطرح مبادرة العودة الآمنة للمعارضين في الخارج، هو نفسه مَن تم استبعاده من الحوار الوطني وبقرار من الأجهزة نفسها”.

وتابع: “وكان قد سبق طرده من برلمان الأجهزة بصورة مهينة”.

 

 

أما المرشح الرئاسي السابق “أيمن نور”، فقال معلقا على المبادرة بالقول: “لا عاقل يمكن أن يقبل مثل هذه المبادرة دون إجابات شافية ووافية، لخمسة استفهامات وملاحظات مشروعة، أبرزها ما هي ضمانة ألا يحدث مع هؤلاء الشباب ما حدث مع الزميل شريف الروبي الذي أعيد اعتقاله للمرة الثالثة بعد أيام من خروجه من مسلسل اعتقالات”.

وأضاف: “إذا كانت المبادرة تخاطب مواطنين لا حكم عليهم ولا تهمة لديهم، فلماذا المبادرة إذن في ظل وجود نص المادة (62) من الدستور التي تنص على (لا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة ولا منعه من العودة إليه)”.

السؤال الثاني، وفق “نور”، فهو “لماذا لم تفرق المبادرة وجوبًا بين الصادر ضدهم أحكام نهائية واجبة النفاذ وبين أحكام غيابية لا حجية لها”.

أما السؤال الثالث، فعلق عليه نور بالقول: “ورد في الشرط الثاني عبارة: لم يثبت انتمائه لجماعات أو تنظيمات، ومعلوم أن الانتماء ليس فعلاً ماديًا بل ذهنيًا ونفسيًا، وكان الأصوب أن تقول المبادرة لم يثبت اشتراكه، فالانتماء محله القلب والاشتراك محله الفعل”.

وتابع: “السؤال الرابع: ورد في الشرط الرابع أن العودة مشروطة بعدم مخالفة القوانين ودستور البلاد، والسؤال هو : وهل أي مواطن من غير العائدين بشروط مسموحًا له أن يخالف قوانين أو دستور البلاد؟”.

أما السؤال الخامس والأخير و”الأهم”، حسب وصف “نور”، فهو “عنوان المبادرة”، حيث ورد في السطر الأول “مبادرة عودة آمنة لشباب المصريين بالخارج”، وهو أمر مقبول ومحمود ومشكور وإنساني ومستحق، إلا أن السطر الثاني ينقلنا لمسألة مختلفة تمامًا حيث يقول نصًا “من أجل حوار حقيقي .. ومشاركة فاعلة في الحوار الوطني”.

وأضاف: “إذا كان الهدف هو إعادة بضعة مئات والترويج أن عودة هؤلاء، هي عودة للمعارضة في الخارج تحت إغراء الحوار، فهذا أمر لن تستفيدوا منه لأن المعارضة لها عنوان، ومثل هذه المناورات لن تنطلي على أحد لا في الداخل أو الخارج، ولا بالطبع في المعارضة”.

 

 

أما الأكاديمي “عصام عبدالشافي”، فعلق على المبادرة قائلا: “أحدهم لا يأمن على نفسه شخصيا يطالب المصريين في الخارج بالعودة ويضع لهم شروطاً وتاريخ للتسليم، وآخر يطالبهم بشراء الشركات المعروضة للبيع بدلا من الأجانب، وثالث يطالبهم بتحمل نسبة في سداد ديوان العصابة”.

وأضاف: “لو أعدوا دراسة دقيقة سيجدون أن أغلب من في الداخل يرغب في الهروب من بطشهم وفسادهم”.

أما عضو ائتلاف شباب الثورة “عبدالرحمن فارس”، فعلق بالقول: “المفروض لما بتقدم مبادرة لعودة المصريين من الخارج، مبتعملش فيها أي استثناء، لأن البلد مش عزبة النظام والي خلفوه”.

وأضاف: “مينفعش تقول إن المبادرة ليها موعد أقصى أسبوعين.. مش عرض هو حتى نفاذ الكمية”، لافتا إلى أن “صاحب المبادرة نفسه كان طلع في الجزيرة من قريب يشتكي من التضييق عليه”.

قبل أن تعلق الإعلامية “حياة اليماني” بالقول: “هو مش من باب أولى تطلعوا المعتقلين بالداخل؟”.

 

 

وعلق الناشط “علاء الروبي”: “نظام مجرم أحمق، يعترف بمنتهى الإجرام والصفاقة، أن الأصل في عودة المصريين إلى وطنهم.. أنها عودة غير أمنة”.

وبعد استعراض المبادرة وشروطها، تساءل الناشط “محمد مجدي”: هل حتى المواطنون داخل مصر آمنون على أنفسهم من بطش النظام الديكتاتوري؟، هذا المواطن (عادل أبو شنب من الدقهلية) تم القبض عليه لمجرد انتقاده للشرطة”.

وكتب الباحث “تقادم الخطيب”: “طيب الأول يجددوا لنا جوازات السفر، والبطاقات الشخصية، وبعد كده نشوف موضوع العودة”.

وسخرت “نبيلة” بالقول: “تذاكر الطيران علينا ولا عليكم، ولا طائرة السيسي الجديدة هاتجي تاخذنا؟”.

وأضافت “رانيا مصطفى” تساؤلات أخرى: “إذا كان الهارب من مصر لم تصدر ضده أحكام، ولم يتورط في عنف، ولم ينتم لجماعة حظرها النظام، إذن لماذا هرب يا ترى؟، ما معنى إطلاق مبادرة (عودة آمنة) لمن هو ليس مهددا من قبل النظام؟، ثم ماذا لديك من أجله ليعود؟ الاختفاءالقسري؟ أم القبض عليه في المطارات؟”.

 

 

وكان الناشط السياسي “وائل غنيم” كان أعلن مؤخرا عودته إلى مصر، بعد سنوات من الإقامة خارجها، مقدماً اعتذاره عما بدر منه في حق بلاده، واستعداده لخدمة قضايا وطنه.

وسبق “غنيم” عودة مماثلة للفنان المصري “حمزة نمرة”، والذي كان محسوباً في صفوف المعارضين أيضاً لسنوات، وكان يعيش خارج مصر.

كما سبقهما الأكاديمي “عمرو حمزاوي” الذي عاد للقاهرة، وشارك في جلسات الحوار الوطني التي دعا إليها النظام المصري والأجهزة الأمنية، قبل أن يثني على سياسات الحكومة المصرية.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلن “السيسي” إطلاق حوار بين كافة القوى السياسية “دون تمييز ولا استثناء”، وهو الإعلان الأول من نوعه منذ وصوله للسلطة صيف 2014.

ولقيت دعوة “السيسي” حينها ترحيبا داخليا، مع تحفظات من المعارضة في الخارج، وصاحبها إطلاق سراح العشرات من السجناء بقرارات قضائية وعفو رئاسي.

ولاحقا، رفضت أمانة الحوار انضمام معارضين بارزين في الخارج أو منتمين لجماعة الإخوان المسلمين للحوار.

 

 

ويرى منتقدون أن الحوار لم يتقدم للإمام بسبب الإجراءات التنظيمية المتعددة التي أخذت وقتا طويلا نسبيا لا تتحمله الظروف والتحديات الراهنة، وفق مراقبين.

يأتي ذلك في وقت لا تزال السلطات تعتقل مواطنين بسبب التعبير عن آرائهم، وتضيق المجال العام ووسائل الإعلام، بما يخالف الادعاءات الرسمية عن التوجه نحو إصلاح سياسي حقيقي، يتماشى مع مبادئ الدستور الخاصة بحرية الفكر والرأي والتعبير.

ولم يرق الحوار إلى مستوى طموح المعارضين أو مخالفي رأي السلطات في مصر، فتم استبعاد الإخوان المسلمين من الحوار، من البداية، وأعلنت الحركة المدنية اتخاذ الحكومة إجراءات اقتصادية وسياسية “ذات طابع استراتيجي”، قبل انطلاق الحوار، معتبرة أن ذلك يعد “تناقضا” مع الإعلان أن كافة القضايا التي تهم المواطنين ستكون محل نقاش في جلسات الحوار.

كما اعترضت الحركة على تشكيل لجان المحور السياسي للحوار الوطني بالقول، إنها “لم تحقق التوازن بين السلطة والمعارضة بمنطق التمثيل المتكافئ، قبل أن ينتقدوا الاستعانة برموز نظام الرئيس الراحل “حسني مبارك” (أطاحت به ثورة شعبية في 2011) في رئاسة لجان الحوار.

ويأتي الحوار الوطني المصري في ظل أزمة اقتصادية عالمية تتأثر بها المنطقة ومصر، مثل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، واقتراب مؤتمر المناخ الأممي في شرم الشيخ (شرق) نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وحوارات سياسية تعجّ بها المنطقة، لا سيما في تونس والسودان وليبيا.

المصدر | الخليج الجديد