وأوضحت المصادر، لـ”العربي الجديد”، أن “وزير الدفاع عرض على رئيس الجمهورية النشرة الخاصة بحركة تنقلات الضباط والمحالين إلى التقاعد من أجل التصديق عليها، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة”.
وأضافت المصادر أن “النشرة تصدر في الأول من يوليو/ تموز من كل عام، لكن يتم إبلاغ الضباط قبلها بأماكنهم الجديدة من أجل الاستعداد للتنفيذ مباشرة عند صدورها”. ولفتت إلى أن “الطابع العام الذي أصبح يميز نشرة القوات المسلحة في الفترة الأخيرة، هو الاستغناء عن الكثير من الضباط حتى في الرتب الصغيرة، مثل الرائد والمقدم”.
ستجرى تغييرات واسعة في التشكيل الحالي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة
وأشارت المصادر، إلى أنه “حتى المناصب الكبيرة داخل القوات المسلحة التي كان يشغلها عادة ضباط من ذوي الرتب العليا مثل اللواء، أصبح يشغلها ضباط من رتب أدنى، مثل العقيد والعميد”. وأوضحت أن سبب ذلك هو “سياسة القيادة العامة للقوات المسلحة بعدم الاحتفاظ بعدد كبير من الضباط ذوي الرتب العليا في الخدمة، والاستغناء عنهم أولا بأول”.
عدد قليل يحظى بثقة السيسي
ووفق مراقبين، يحظى قليلون بثقة السيسي ضمن الدائرة الضيقة المحيطة به، والمسؤولة تقريباً عن جميع الملفات المهمة ذات الحساسية. إذ يتبنى الرئيس المصري سياسة قائمة على عدم السماح ببقاء أي من أصحاب المناصب الحساسة في مواقعهم لفترات طويلة، لقطع الطريق أمام صناعة مراكز قوى تمثل له إزعاجاً على مدى بعيد، أو تهدد صلاحياته ونفوذه مستقبلاً.
وفي السياق، كشفت مصادر مصرية خاصة عن تغييرات واسعة في التشكيل الحالي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، من المقرر الإعلان عنها اليوم الجمعة، ضمن الحركة الدورية للترقيات والتغييرات داخل المؤسسة العسكرية، والمعروفة بـ”النشرة”.
وأكدت المصادر، لـ”العربي الجديد”، أنه “تمت الإطاحة بنحو ثلث المجلس الحالي، وأنه جرى الاتفاق على الإطاحة بقائد الجيش الميداني الثاني، الذي يعد أكبر تشكيل تعبوي في الشرق الأوسط، وكذلك قائد المنطقة المركزية العسكرية، وقائد المنطقة الشمالية، وقائد منطقة شرق القناة العسكرية، وهي القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة والتي تقع في نطاقها قيادة الجيش الثاني الميداني، وقيادة الجيش الثالث الميداني، والتي صدر قرار من السيسي بإنشائها، وتم تعيين رئيس أركان حرب القوات المسلحة الحالي الفريق أسامة عسكر أول قائد لها، وذلك بهدف مكافحة الإرهاب في سيناء، وتوحيد القيادة والتنسيق بين الجيشين الثاني والثالث”.
كما كشفت المصادر أن “التعديلات الجديدة طاولت عدداً من قادة الأفرع ذات التأثير في القوات المسلحة”. وأشارت إلى أن ذلك “يتماشى مع النهج الذي يتبعه السيسي منذ توليه مقاليد الحكم في مصر، نظراً لإدراكه حجم تأثير المؤسسة العسكرية على شكل ومستقبل الحكم في مصر، باعتبارها المؤسسة ذات الصلاحيات الواسعة، والتي رسختها التعديلات الدستورية الأخيرة المقرة في 2019، بعدما سمحت لها بأدوار سياسية وفقاً للدستور”.
صلاحيات إضافية للمؤسسة العسكرية المصرية
ووفقاً للتعديلات الدستورية التي تم إقرارها في 2019، بعد إدخال تعديلات على 12 مادة من دستور 2014، اكتسبت المؤسسة العسكرية المصرية صلاحيات إضافية.
طاولت التعديلات الجديدة عدداً من قادة الأفرع ذات التأثير في القوات المسلحة
وكانت المادة 200 من دستور عام 2014 تنص على أن “القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات، ويُحظر على أي فرد، أو هيئة، أو جهة، أو جماعة إنشاء تشكيلات، أو فرق، أو تنظيمات عسكرية، أو شبه عسكرية. ويكون للقوات المسلحة مجلس أعلى، على النحو الذي ينظمه القانون”، قبل أن يتم إضافة فقرة “صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد” إلى المادة الخاصة بمهام القوات المسلحة.
ورغم أن دستور 2014 كان ينص على مادة استثنائية محصنة لوزير الدفاع السابق صدقي صبحي لمدة 8 سنوات، إلا أن السيسي تجاوزها، ليطيح به في تعديل وزاري في يونيو/ حزيران 2018 . وقال السيسي وقتها إن تلك الخطوة “جاءت بعد التشاور والتنسيق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة” .
توجس السيسي الدائم من المحيطين به
وحول ما إذا كانت تلك الإجراءات الجديدة مرتبطة بالأزمة التي يواجهها النظام حالياً، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، وسط تزايد معدلات السخط في الشارع المصري نتيجة تضاعف أسعار الخدمات والسلع، قال مصدر سياسي مطلع على تفاصيل المشاورات السياسية الجارية منذ إطلاق السيسي الدعوة للحوار الوطني إن “السيسي دائماً في حالة توجس بشأن المحيطين به، باستثناءات قليلة جداً، وربما يكون ذلك بحكم طبيعة عمله السابق مديراً للمخابرات الحربية”.
وأوضح المصدر أن “الصلاحيات الواسعة للقوات المسلحة ومجلسها الأعلى، بخلاف الجوانب العسكرية والاقتصادية، تجعل السيسي دائماً يسعى للحفاظ على تشكيل للمجلس خالٍ من أي مراكز قوى، أو شخصيات عسكرية لها تطلعات قيادية، خصوصاً في ظل الدور الدستوري للمؤسسة بضمان مدنية الدولة واستقرارها السياسي”.
لا يمكن فصل الحركة الواسعة في القوات المسلحة عن التطورات الإقليمية الجارية
وقال مصدر آخر إنه “لا يمكن فصل الحركة الواسعة في إحالة قادة القوات المسلحة الكبار إلى التقاعد، وبالتحديد أعضاء المجلس العسكري منهم، عن التطورات الإقليمية الجارية”. وأضاف: “هناك هواجس دائمة بسعي دول خليجية لإقامة علاقات قوية مع قادة القوات المسلحة البارزين، وبعض قادة الأجهزة صاحبة النفوذ، بحكم تأمين مصالحهم، إلا أن تلك السياسة تقابل بانزعاج لا يمكن التعبير عنه بشكل مباشر لتلك الدول، بحكم المصالح المشتركة معها، فيكون الرد بعدم السماح باستمرار القادة الكبار في مواقعهم لفترات طويلة”.
ورأى مصدر سياسي آخر أن “حرص السيسي على إدخال تغييرات كبيرة على تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يأتي في إطار كونه يرغب في العمل بعيداً عن الضغوط، أو التهديدات، سواء كانت داخلية أو خارجية”.
وأوضح أنه “لا يثق سوى في شخص واحد، هو المسؤول الوحيد الذي لم يتغير منذ وصوله للحكم، بل زادت صلاحياته، وهو رئيس المخابرات العامة ومدير مكتبه الأسبق اللواء عباس كامل”.