البهجة في الخلافة الفاطمية بين حسن استغلال الموارد و قوانين إسلامية صارمة

لا يجوز طبعه أو نشرة إلا بموافقة المؤلف :

خالد محيي الدين الحليبي

كتب في :

31/1/2010

صدق الله العظيم إذ يقول ” بلدة طيبة ورب غفور ” إذا رضى الله عن أمة نسأ لها في عمرها ومد لها فيه وبارك في بلادهم ورفع البلاء عنهم والعكس صحيح  إذا غضب الله عن أمة سلط عليها حكامها ونزل البلاء بها والقحط والتسلط والدمار كما ترى الآن في مجتمعنا العربي من المحيط الى الخليج  وهنا في بحثنا الفاطميين لما جمعوا بين مايرضي الله تبارك وتعالى وتعمير الدنيا بتوفير احتياجات البشر من مأكل وملبس اتسمت مصر حينها بالرخاء والإستقرار.

وبالتالي ساددت ثقافة البهجة بين الناس , لقد قال تعالى أن الخائف والجائع  لايعبدان الله حق عبادته ولذلك قال تعالى { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } ولما كان آدم في الجنة عليه السلام وزوجه  قال تعالى أنه قد وفر لهما كل ما يحتاجانه من أمور معاشهما على أن يعبدوا الله تعالى ولا يصون إبليس ولا يطيعونه  لعنه الله  فقد أصبحت مصر وقتها كالجنة وقد أنعم الله عليها بالأمان كالأمان الذي أودعه في الكعبة في قوله تعالى { أفلم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } وهذا الأمان أطلقه الل تبارك وتعالى لذلك أيضاعلى مصر في قوله تعالى { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين -يوسف } وما كان هذا الأمان إلأا بالعمل وتحقيق الإكتفاء الذاتي من التسليح ومأكل والمشرب والتمسك بشرع الله الكريم وولاية أهل بيت النبي والتي جعل الله تعالى فيها البركة العظيمة .

وبالتالي أخذت مصر صفة الجنة لكل مؤمن في زمن الفاطميين كما سنبين إن شاء الله بهذ البحث وذلك لعدة أسباب منها :

1- تحقيق الإكتفاء الذاتي في كل احتياجات الدولة من المأكل والمشرب .

2- انتشار روح التسامح الديني بين المسلمين بكافة مذاهبهم وأهل الديانات الأخرى  .

3- ارتفاع المستوى الثقافي والعلمي  للناس  بانتشار المكتبات والندوات العلمية  بما يجعلهم قادرون على تحليل الوضع السياسي للدولة تحليلاً سليما يقيها شر التفتت والإنقسام  .

4- الإعتماد على النفس في التسليح وتكوين جيشاً قوياً بإمكانيات مصرية عربية خالصة  .

وبالتالي أمن الناس في معاشهم ومن عدوهم فسادت ثقافة البهجة بين الناس لعدم وجود مايؤرقهم

وقد قسمنا هذا البحث إلى ثلاثة محاور الأول أشهر الصناعات التي أدخلها الفاطميون في مصر وما كان الأقباط يساهمون به في هذه الدولة من صتاعات ورأيهم الإيجابي في هذه الدولة المسلمة .

والمحور الثاني نتيجة لهذه الصناعات ازدهرت الحياة الإقتصادية في مصر ولذلك أتينا بوصفها من كتاب سفر نامة للرحالة الإيراني ناصر خسرو  والذي بين مظاهر الكرم والبذخ والإحتفالات والعادات المصرية التي نبيت على الثقة بين الراعي والرعية  وأشار إلى أشهر قانون  لم يكن موجوداً في كل بلدان العالم الإسلامي وكان معمولاً به وقتها في مصر وما أحوجنا إليه الآن وهذا القانون هو قانون معاقبة الكذاب فإذا كذب التاجر وضع على جمل وفي يده جرس ويطاف به ويقول بأعلى صوته أنا الكذاب لذلك أنا أعاقب ” ولذلك سادت هذه الدولة كل  العالم  بسمو أخلاقها وصدقها مع ربها ورعيتها وفي المحور الثالث تكلمنا على مظاهر الأعياد والإحتفالات  والعادات والتقاليد الطيبة التي بثها الفاطميون وعشقها  المصريون والسوريون حتى أخذوا يتوارثونها على الرغم من حقد أعدائهم الغير منصفين عليهم كعادتهم بغضاً لذرية رسول الله صلى الله عليه وآله في كل زمن فيقتلونهم بشتى التهم والأسباب .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

خالد محيي الدين الحليبي

 

 

المحور الأول

القوة الإقتصادية التي بنيت عليها الدولة

الفاطمية

ملامح الدولة الفاطمية

 

كان للفاطميين أثر كبير في التاريخ الإسلامي بشكل العام والمصري بشكل خاص، حيث تقدمت العلوم والفنون في عهدهم وكانت القاهرة حاضرة زمانها يفدها الطلاب من أنحاء العالم للتزود بالعلم والمعرفة وبنيت بها دار الحكمة والأزهر وانتشرت الكتب وجعل المال من أجل الشعراء والأدباء، وارتبطت الكثير من العادات والتقاليد والطقوس بالدولة الفاطمية في مصر حيث مازال التاثير الفاطمي يظهر في مصر أثناء شهر رمضان والأعياد.

بل إن بعض مؤرخي تاريخ المسرح العربي يرون ان بذور المسرح كانت بدأت في الظهور في العصر الفاطمي من خلال ما يسمى بالمهرج والحاوي أثناء الإحتفالات في العصر الفاطمي.

وتميز العصر الفاطمي بالاهتمام بالأعياد والإحتفالات ونرى المقريزي يمعن في وصف الإحتفالات والمواكب الخاصة بالخلفاء.

ومازل المصريون يتذكرون موكب حصان الخليفة المهيب الذي كان يخرج يوم المولد النبوي فيصنعون حلوى تشبه هذا الحصان.

وارتبط العصر الفاطمي بكثير من الحكايات الشعبية المصرية التي ليس لها سند تاريخي ولكن يتناقلها الناس من جيل إلى جيل كحادثة نقل جبل المقطم على يد سمعان الخراز والقصص المرتبطة بالشاطر حسن وأيضا الحواديت المرتبطة بست الملك أخت الحاكم بأمر الله. وغيرها الكثير.

 

وفي العصر الفاطمي يعود أقباط ويهود مصر في الظهور على مسرح الأحداث من جديد فإذا استثنينا السنوات الأخيرة من عهد الحاكم بأمر الله نجد أن باقي العهد الفاطمي كان عهد حريات للأقباط واليهود وبعضهم وصل إلى أرقى مناصب البلاط الفاطمي. وهذا التغيير ساهم في منح الاقليات الأخرى بالمساهمة الفعلية في تقبل الأخر وقد قامت الدولة بإشراك وزراء سنة مثل رضوان وصلاح الدين الذي انقلب على الدولة انذاك. وقد قام الداعي المطلق إدريس عماد الدين القرشي بالشرح الوافي عن تطور الدولة الفاطمية والمعارك التي خاضتها مع قبائل المشرق والكتاميين ضد فضل بن ابي يزيد وقبائلة التي انتهت لصالح المنصور بالله. أيضا قام بتفصيل مراحل الخلفاء ومنجزاتهم في عدة كتب قد فقد بعضها.

 

العمارة في الخلافة الفاطمية

 

امتدت مرحلة العصر الفاطمي نحو مائتي عام، وسادت روح الترف في هذه الفترة في كل شيء. وفي خطط المقريزي ما يعكس صورة هذه الحياة بأبهى مظاهرها. وكان مذهب الحاكمين هو المذهب الشيعي، بينما كان أغلب الشعب يتبع مذهب أهل السنة.

وكل ما لدينا عن قصور الفاطميين إنما استقيناه من أقوال المؤرخين. وهي “في تونس” إلا فكرة خيالية عن فخامتها، فكان لهم في القاهرة قصران متقابلان أحدهما الشرقي وله تسعة أبواب ويبلغ طول واجهته 345 مترا.

وترتبط المساجد الفاطمية في القاهرة تارة بابن طولون في استعمال الأكتاف، وتارة بسيدي عقبة في استعمال المجاز المرتفع الذي يقطع رواق القبلة. وقد اقترن هذا العصر بعدة ظواهر معمارية منها استخدام الحجر المنحوت لأول مرة في واجهات المساجد بدلا من الطوب، ثم تزيين هذه الواجهات بالزخارف المنوعة المحفورة على الحجر. بعد أن كنا نشاهدها في جامع عمرو وجامع ابن طولون عارية من الزخارف. ومن أمثلة هذه الواجهات واجهة مسجد الحاكم والأقمر. حيث نرى في واجهة الأخير وردة بديعة محفورة ومفرغة تذكرنا بالتفوق الفني على نظيرها في طراز قرطبة.

وكانت القباب في ذلك العصر صغيرة وبسيطة. سواء من الداخل أم من الخارج. وظهر تضليعها أول مرة في قبة السيدة عاتكة ق 12م. وتطور أركان القبة نحو المقرنصات المتعددة الحطات. حيث بدأ بطاقة واحدة. كما في جامع الحاكم ثم بحطتين في قبة الشيخ يونس والجعفري وعاتكة.

أما الزخارف المعمارية فقد بلغت الغاية في الجمال سواء أكانت في الجص أم في الكتابة الكوفية المزهرة التي كانت تحتل الصدارة في المحاريب وطارات العقود والنوافذ. وكذلك الزخارف المحفورة في الخشب سواء في الأبواب أم المنابر أم المحاريب المنقولة أو في الروابط الخشبية التي تربط العقود .(1) ]

لقد تم تاسيس الدولة الفاطمية على دعائم اقتصادية قوية تقوم عليها اقوى بلدان العالم في كل زمن وهى القوة الصناعية التي ينهض بها المجتمع مع البعد عن الفتن الداخلية و نشر ثقافة الحب والوفاق والوئام بين تكتلات الأمة فحققوا  قوة إقتصادية كبرى ومن ثم دولة قوية ذات بهجة ناتجة عن رفاهية حققتها الدولة من فائض في الإنتاج وهذا لا يتم إلا في وجود قادة مخلصون لبلادهم محبين لأوطانهم وهنا سنبين إن شاء الله الصناعات التي أسستها الدولة الفاطمية في مصر كما يلي :

 

 

 

صناعات

 

(1)

 

الأثاث وتأسيس مدينة لصناعة الأثاث

( المناصرة بالقاهرة)

 

[ على الرغم من شهرتها الواسعة في صناعة الموبيليا اليدوية، وملتقى أمهر الأسطوات والصنايعية من شيوخ المهنة وشبابها، إلا أن الغالبية العظمى من المصريين يسمعون عنها فقط، ويجهلون الطريق إليها بالرغم من أنها تقع في قلب القاهرة! «سكة المناصرة».. سميت بهذا الاسم نسبة إلى الخليفة المنصور بالله والد المعز لدين الله الفاطمي ويرجع تاريخ إنشائها إلى سنة 971 ميلادية الموافق 360 هجرية……(2) ]

 

 (2)

صناعة الزجاج

 

كما اشتهر الفاطميون بتطور الصناعات الفنية من الزجاج النقي (الكريستال) والخزف. ومن أمثلة هذا الفن في العصر الحالي إبريق من الكريستال المحفور يصل عمره إلى ألف عام، كان قد صنع خصيصا لبلاط الفاطميين في القاهرة وعرض في صالة مزاد كريستي وقدر خبراء قيمته ب 3 ملايين جنيه استرليني (5.3 مليون دولار). (3) ] .

 

 

(3)

الخزف في العصر الفاطمي

أنتج خزَّافو العصر الفاطمي أفخر أنواع الخزف وأبدع زخارفه، وكانت الفسطاط أهم مراكز صناعة النوع ذي البريق المعدني منه في ذلك العصر. وفي العصر الفاطمي ظهرت توقيعات الخزَّافين على

منتجاتهم، وإن كانت هناك قِطَعٌ كثيرة تُركت بدون توقيع. وفي هذا الإطار عُرف مسلم  ابن الدهان وإبراهيم وسعد بمصر ولطفي  وعلي البيطار وهيثم بن إبراهيم وجعفر ومترف أخو مسلم وأحمد الصيَّاد وغيرهم، ممَّا يدل على نشاط صناعة الخزف ورواجها. وكان لكل فنَّان أسلوبه في رسم الأشخاص والزخارف وشكل الأواني التي ينتجها. ولاشك في أنَّ الخزف الفاطمي هو استمرار للخزف الذي أنتج في العصر الطولوني متّبعًا التقاليد القبطية، والذي استمدّ بعض زخارفه من الأسلوب الساساني والصيني. وقد تطوَّرت زخارف الخزف في العصر الفاطمي حتى أصبحت ذات طابع خاص يعبِّر عن صميم الحياة الاجتماعية في مصر. وكانت الزخارف التي تُرى على الخزف اقتباساً من الزخارف النباتية والحيوانية ورسوم الطيور التي ظهرت على الخشب والعاج والمعادن في هذا العصر، وهكذا انتشرت  رسوم الحيوانات  الممسكة في أفواهها فروعًا نباتية. أما الأواني التي ضمَّت رسوم شخوص، فقد كانت  مساحة الزخرفة فيها تشمل رسم شخص واحد، يحيط به خطّ يفصله عن الزخارف التي تحيط به. وتميِّز رسوم الشخوص الوجوه القمرية المستديرة والعيون اللوزية، ويضع الرجال العمائم فوق رؤوسهم فيما تعتمر النساء العصائب أو التيجان. أما الملابس فكانت فضفاضة، وقد حليت ملابس النساء بزخارف نباتية ومطرَّزات على الأكمام والأكتاف.  وتعطينا هذه الرسوم فكرة عن ثياب ذلك العصر وزخارف المنسوجات وتطريزاتها. وفي متحف الفن الإسلامي بالقاهرة صحنان يمثِّلان ذلك النوع من الزخارف الآدمية، وعلى أحدهما، المسجل بالرقم (14923).

موضوع تصويري زخرفي يمثل سيِّدة  تعزف على آلة موسيقية وترية تشبه القيثارة، رقيقة الوجه  تتدلى على جانبيه خصلتان من الشعر، تعتمر غطاءً كبيراً مزخرفاً بشرائط، وترتدي ثوبًا يغطي الجسد تقريبًا، واسع الأكمام مزين بأشرطة وأشكال صليبية… أما زخارف طيّات الثوب عند الأرجل فقد تميَّزت بها  الملابس الفاطمية.   وعلى يسار السيدة رسم  إبريق دقيق التصميم. تحيط به أوراق نباتية محوَّرة ومناطق زخرفية غير منتظمة تملؤها زخارف دقيقة حلزونية، وحملت حافة الصحن  زخارف مثلثة مسنَّنة تشبه أسنان المنشار. وعلى الصحن الثاني، وهو ذو بريق معدني أيضًا، رسم أميرة جالسة وفي كلتا يديها كأس، وعلى رأسها تاج، ترتدي ثوباً فضفاضاً مزخرفاً بتفريعات نباتية سيقانها ذات عقود، دائرية حلزونية تنتهي كل منها في وسطها بورقة نباتية، والأكمام  مطرَّزة. ويفصل الرسم عن الزخرفة خطّ يحوي مناطق بها خطوط حلزونية منقَّطة في وسطها، وقد زيّنت حافة الصحن  بمناطق لوزية، يحيط بكل واحدة منها قوس.

زخارف لسيدة مرسومة بالبريق المعدني فوق طلاء زجاجي

وعند نهاية الضفيرة فوق ذراع الأيسر لرسم الأميرة وقَّع صانع الصحن اسمه..>جعفر<. أما في رسوم الحيوان فقد وُجد بعضها يحتوي على أجنحة، ومن المحتمل أن يكون ذلك طرازًا ساسانيًا، أو ينتسب إلى عقيدة دينية. ولقد ذكر ابن إياس >أن المنجِّمين نصحوا المعزّ لدين اللَّه بالاختفاء في سرداب تحت الأرض، فاختفى المعزّ ثلاثة شهور. ولمَّا طالت غيبته على جنده ظنُّوا أنَّه رُفع إلى السماء فكان الفارس من عسكره إذا نظر عالياً إلى الغمام  ينزل عن فرسه ويقول: >السلام عليك يا أمير المؤمنين<. وقد بقوا على ذلك الحال حتى ظهر المعز من السرداب وجلس على سرير ملكه.  وأظن أن رسوم الحيوانات الخرافية والخيول المجنّحة قد عبَّرت عن هذه الفكرة، فإذا عرفنا أيضًا أن معظم الفُرْس وقتذاك كانوا من السنَّة، وأنهم هم أنفسهم قد أقلعوا عن استخدام الأجنحة الساسانية الملكية في زخارفهم، فإن الرأي يميل إلى فكرة أن الأجنحة تعبِّر عن عقيدة مذهبية. وفي متحف الفن الإسلامي بمصر طبق من الخزف، مسجل بالرقم (14467)، مزخرف فوق الطلاء الزجاجي بأسلوب البريق المعدني، عليه طائران خرافيان كل منهما برأس آدمي. البدنان متدابران والرأسان متقابلان، بينهما شجرة الحياة. وقد استمد الموضوع الزخرفي بالكامل من أساطير وفنون شرق العالم الإسلامي القديمة. وتحيط بالطائرين مناطق زخرفية من دوائر غير منتظمة، بداخل كل منها دائرة صغيرة، وهو أسلوب زخرفي ظهر على الخزف الفاطمي المبكر تقليدًا للخزف في العصر العباسي. وينتمي هذا الطبق إلى إنتاج الخزاف الفاطمي المشهور  أبو القاسم >مسلم<، بن الدهان الذي عاش وأنتج في الفسطاط في عصر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (1021-969)م. وكانت لهذا الخزاف ،  مدرسة في في الزخرفة بأسلوب البريق، انتمى إليها وقلد أساليبها العديد من الخزافين الفاطميين، منهم شقيقه >مترف<، و> أحمد الصياد <وابنه >علي قور< و>الطبيب<، و>أبو الفرج< و>جعفر البصري <وغيرهم. كما يوجد بالمتحف طبق من الخزف، مسجل بالرقم (14933)، له حافة مفصَّصة بزخارف مرسومة بالبريق المعدني على الطلاء الزجاجي. وقوام الزخرفة الرئيسة رسم حيوان خرافي مجنح، مستوحى من الأساطير الساسانية والهندية القديمة، ضخم البدن ويتسم بالجمود الذي تميَّزت به منتجات >مسلم< المبكرة ومدرسته. كما أن تفاصيل البدن محوَّرة، وربما قصد الخزَّاف ذلك، أو أنه عبَّر عن هذا التحوير بإمكاناته الفنية المحدودة في إنتاجه المبكر، حيث نرى رسوم الحيوان في المراحل التالية من إنتاج >مسلم< ومدرسته قد تخلَّصت من هذا الجمود واكتسبت قدرًا كبيرًا من الليونة والقرب من الطبيعة.

رجلان يمارسان لعبة التحطيب

تملأ المساحات المحيطة ببدن الحيوان الخرافي مناطق غير منتظمة من دوائر، بداخل كل منها دائرة صغيرة، وهي الزخرفة المعروفة باسم >عين الديك<، التي استخدمت في الصناعات العباسية والطولونية. واختفت هذه المناطق من إنتاج >مسلم< ومدرسته في مراحله التالية المتطورة. وفي المساحات الخالية من المناطق الزخرفية حول بدن الحيوان، رسم الخزَّافُ أوراقًا نباتية محوَّرة كان من شأنها أن تحقق التوازن الزخرفي والوحدة للموضوع . ويتميَّز هذا الطبق عن غيره، من معظم أطباق الخزف الفاطمية المزخرفة بأسلوب البريق، بحافته المفصَّصة التي أضفت عليه قدرًا من الخصوصية والتميُّز. وقد رسم الخزَّاف في مناطق متفرقة من الحافة  أنصاف دوائر بالبريق البني الذهبي. ويضم متحف الفن الإسلامي سلطانية صغيرة من الخزف، مسجلة بالرقم (14402)، مزخرفة بالبريق المعدني فوق الطلاء الزجاجي الشفاف باللون البنِّي الذهبي. وهذا  الموضوع  جديد ومبتكر في  زخرفة البريق المعدني الفاطمي. ويبدو أن الطبق من الإنتاج الفاطمي المبكِّر، في أواخر القرن العاشر أو أوائل القرن الحادي عشر، حيث نرى تأثير الفنون الإيرانية بوضوح. وقد لجأ  الخزَّاف إلى الرمزية في التعبير عن حبّ ملكي، تمثِّله حمامتان في وسط الإناء، منقاراهما متماسان، وفوق رأس كل منهما حلية تشبه التاج. ولعلّ الطائرين من تلك التي عرفت في الفن الإيراني بـ >طيور العشق<، الجبلية المعروفة في إيران.. وفوق الحمامتين إناء كأسي الشكل يشبه المشكاة، بدنه مزخرف بدوائر بيضاء، وعلى الجانبين طائران بدناهما محوران والذنبان عريضان، ويتدلى من فم كل منهما فرع ينتهي بورقة نباتية محوَّرة، على رأس الطائر الأيسر حلية تشبه التاج منفَّذة بالأسلوب المألوف في الفن الإيراني.. على ظهر كل من الطائرين ورقة نباتية محوَّرة.. وعلى أسفل جانبي السلطانية  ورقتان نباتيتان محوَّرتان، تحتهما ورقة  خماسية،  وفي المساحات الخالية بين الطيور والأوراق النباتية والإناء الكأسي، تتناثر أوراق نباتية صغيرة محوَّرة.

كما يوجد بالمتحف طبق من الخزف، مسجل بالرقم (13478)،  نفِّذت زخارفه بالبريق المعدني فوق طلاء زجاجي زبدي اللون، حيث سيدة في  جلسة  أمامية، الذراعان مرفوعان قليلاً وفي اليدين كأسان مزخرفتان. تعتمر غطاء  يشبه التاج، وقد أدارت بوجهها قليلاً نحو ذراعها الأيمن. الوجه دقيق والحاجبان متصلان على شكل قوسين متلامسين، و الشعرالخفيف ينسدل على الأكتاف. الثوب  فضفاض بأكمام واسعة،  مغطى بزخارف من أوراق نباتية كبيرة مسنَّنة ومحوَّرة داخل دوائر حلزونية. أما الأرضية المحيطة برسم المرأة فقوامها مناطق غير منتظمة، تتألف من دوائر من النوع المعروف باسم >عين الديك< المأخوذ من الزخارف العباسية والطولونية. فيما حافة الطبق مزخرفة بأنصاف دوائر >فستونات<  متتابعة ومألوفة في منتجات >مسلم بن الدهان< ومدرسته وتلاميذه. وفوق اليد اليسرى بجوار الكأس نرى توقيع الخزَّاف >جعفر< مكتوبًا بخط بسيط.  وتشير  الأدلة الأثرية إلى أن >جعفر< هذا عمل في وقت واحد مع الخزَّاف >مسلم بن الدهان< ، إذ  وُجد توقيعا الإثنين  على جزء من طبق من الخزف إلى جانب بعضهما، مما يدل على أنهما عملا معًا في وقت معاصر. ويظهر توقيع >جعفر< على طبق خزف آخر باسم >جعفر البصري<.

زخارف لسيدة جالسة

ويوجد في المتحف أيضًا طبق من الخزف، مسجل بالرقم (7900)، مشغول بأسلوب البريق المعدني  باللون الزيتوني فوق طلاء زجاجي أبيض. يمثِّل مركباً كبيراً  بأربعة عشر مجدافًا،  ويظهر الخطاف أو >الهلب< عند مقدمة المركب ومؤخرته. والشراع على شكل مثلث، وهو الشراع العربي الأصيل،  تغطيه بالكامل زخارف معيَّّنة الشكل. ويظهر صاريان في المقدمة والمؤخرة على كل منهما ثلاث رايات مثلثة تبين اتجاه الريح، وبالتالي اتجاه سريان المركب. ولم ينس الخزَّافُ تعبئة الفراغ بين الصاري والشراع بزخرفة من فروع نباتية محورة. وتظهر أسفل المركب ثلاث سمكات تتجه يسارًا ، وقد قصد الخزَّاف ذلك لتعطي إيحاءً طبيعيًا بالإبحار. تزين حافة الطبق أنصاف دوائر، وعلى ظهره  أربع مجموعات من دوائر، كل اثنتين منها متّحدتان في المركز، وتضم الدائرة الداخلية منها كتابة شبه كوفية. كما يوجد بالمتحف طبق عميق من الخزف جدرانه منفرجه إلى الخارج، مسجل بالرقم (14930)، مزخرف بطلاء زجاجي سمني اللون مرسوم عليه بالبريق المعدني زيتوني اللون،  وموضوع الزخرفة دائرة في وسط القاع بداخلها رسم حيوان خرافي يسير نحو اليسار، له رأس نسر وجسم أسد تظهر فيه بعض التفاصيل التشريحية. الجناحان يخرجان من الأرجل الأمامية في شكل لوزي مع انحناء الطرف العلوي قليلاً إلى الأمام وانتهاء الطرف بشكل ورقة ثلاثية محورة، ويخرج من الظهر   الحيوان، الذي يمسك في فمه بورقة نباتية محوَّرة، فرع نباتي محوَّر، وهو أسلوب مستمد من رسوم الطيور في الفن الساساني. وحول الدائرة المركزية أربع جامات لوزية في وضع متعامد، بداخل كل جامة ورقة نباتية كبيرة محوَّرة. وتملأ الفراغات بين الجامات رسوم نباتية محوَّرة بأوراق تشبه ما حملته الزخارف الطولونية. وتلعب الزخارف النباتية دورًا رئيساً مع رسم الحيوان المجنح في زخرفة هذا الطبق، وقد وضع الخزَّاف توقيعه علىه بعبارة: >عمل مسلم بن الدهان< بخط بسيط تحت إطار إحدى الجامات. ويظهر التوقيع مقلوبًا أمام مقدمة الحيوان. ويعتبر هذا الطبق، بشكله وزخارفه ولون طلائه وبريقه،  مثالاً جيدًا للإنتاج البكّر للخزَّاف >مسلم<  في عصر الحاكم بأمر الله 1021-996م. ويعتبر >مسلم< رائدًا لمجموعة من خزَّافي العصر الفاطمي المبكر، الذين عاشوا وأنتجوا في الفسطاط. فقد أمدَّتنا حفائر الفسطاط بقطع عديدة تحمل توقيعه، ونجد في أوانيه أطباقًا عميقة ذات جدران مائلة، وأخرى مقعرة تنتهي من أعلاها بحافة مسطحة بارزة إلى الخارج، وبعضها قليل العمق قصير الجدران يميل إلى التسطح. وقد تأثرت زخارفه بأسلوب العصر الطولوني وخزف سامرَّاء. وتمتاز أواني >مسلم< بأن قاعدتها قليلة الارتفاع، وبأن الطلاء الزجاجي يغطي سطح الإناء كله بما فيه القاعدة. ويغلب على منتجاته استعمال نوع من الطلاء المعدني ذهبي اللون بدرجة من الاخضرار. إلى ذلك يوجد المتحف الإسلامي طبق من الخزف، مسجل برقم (14931)، مصنوع بأسلوب البريق المعدني على طلاء زجاجي. وقوام هذه الزخرفة دائرة كبيرة في قاع الطبق، بداخلها نجمة سداسية تضم عصفورًا في فمه فرع نباتي، وفق الأسلوب الساساني المألوف الذي يظهر كثيرًا في منتجات >مسلم< ، وحول العصفور زخارف نباتية محورة. أما المناطق المثلثة المحصورة بين رؤوس النجمة فتحتلها مناطق مثلثة من دوائر غير منتظمة من النوع المعروف باسم >عين الديك< المأخوذة عن الزخارف العباسية والطولونية. ونلاحظ هنا أن هذه الزخرفة أخذت تتضاءل تمهيدًا لاختفائها في المراحل المتقدمة من إنتاج >مسلم<. أما  العنصر الرئيس في الزخرفة على الطبق فهو شريط عريض من كتابة بالخط الكوفي المورَّق يلتف حول الدائرة المركزية، وهي منفذة على أرضية من الزخرفة النباتية المحوّرة من فروع ملتفة وأوراق ثلاثية. وتقرأ الكتابة: >بركة كاملة ونعمة شاملة له<، وهي من العبارات الدعائية الشائعة التي ظهرت على منتجات العصر الفاطمي. وقد استخدم مسلم الخط الكوفي في زخرفة الكثير من أوانيه وأطباقه من الداخل، وكان يجتهد في إكساب الحيوانات والطيور قدرًا كبيرًا من المرونة والحيوية حتى يخلِّصها من مسحة الجمود التي ميزت إنتاجه المبكر.

 

عصفور تعلوه عبارة: بركة كاملة ونعمة شاملة له

وقد تطورت رسوم الأشخاص والحيوان، من  شخص وحيوان مفرد، إلى واحد من الموضوعات الاجتماعية المستمدَّة من المحفورات الخشبية التي تمثِّل حياة اللّهو والطرب والصيد والراقصين والجمال والطيور والحيوانات المفترسة. ومن أجمل الموضوعات على الخزف رسم اللّعبة الشعبية (التحطيب) التي ما زال الفلاحون يمارسونها حتى اليوم في قرى الدلتا والصعيد. وتُرى في الرسم دقَّة التصوير وصحّة أوضاع اللاعبين، وقد أبرزت أسلوب الحز تفاصيل الملابس. وحلّيت خلفية الرسم بالتوريقات والتفريعات النباتية، وزيّنت حواف الصحون بخطوط متوازية تنتهي رؤوسها بنقاط كرأس الدبُّوس.كما يوجد صحن آخر عليه رسم يعرض مشهدًا لمناقرة الديكة، حيث تبدو دقَّة التصوير ووضوح تعبير الوجوه بين الشيخ وديكه المتحفّز على الأرض، والشاب وديكه المتحدِّي الواقف على فخذه، وكلاهما جالس القرفصاء وحولهما تفريعات نباتية(83). وهذا الطبق، المسجل بالرقم (14516)، مقعَّر قليلاً، وحوافه منخفضة مفصَّصة، والموضوع التصويري مرسوم بالبريق المعدني على طلاء زجاجي سمني اللون. رأسا الرجلين. عاريان، وهما يرتديان ملابس تظهر فيها الثنايا والطيات الناتجة عن الحركة بأسلوب يكاد يكون طبيعيًا وتتطاير من فوق أكتافهما أطراف عباءات خفيفة عليها أشرطة من الطراز  كانت مألوفة في ملابس علية القوم.  أما المساحات المحيطة بالرجلين فقد ملأها الخزاف بوحدات  محوَّرة من أوراق نباتية تتفاوت في الحجم. ويحيط بالموضوع التصويري على الحافة شريط من زخرفة خطية هندسية تقطعها أوراق نباتية محوَّرة. ونلاحظ أن أجزاء عديدة من الطبق قد تعرضت للترميم والتجديد، وأعيد تلوين بعض المناطق ورسم بعض الأجزاء  الناقصة. ويمثل الطبق مرحلة تالية من إنتاج >مسلم<  ومدرسته، إذ بدأ يتخلص من تأثير الأساليب الزخرفية العباسية والطولونية. ومن الملاحظ أن >مسلم< استخدم موضوعات مستمدة من مشاهد الحياة  اليومية، مثل هذا الطبق، إلى جانب مناظر الصيد ومجالس الغناء والرقص والشراب وحياة الكادحين. كذلك يوجد بالمتحف  طبق من الخزف مسجل بالرقم (14926)، مزخرف بطلاء البريق المعدني فوق الطلاء الزجاجي السمني اللون. والموضوع الأساسي للزخرفة على قاع الطبق يمثل رسم غزال يعدو في رشاقة وحركة طبيعية نحو اليسار، وقد ظهرت معظم التفاصيل التشريحية لبدن الحيوان وهو في حالة العدو، مما يدل على نضوج صنعة الخزَّاف وتمكُّنه من رسم الحيوان في حرية وبساطة. وكان من الموضوعات الزخرفية المفضلة لدى  >مسلم< رسم موضوع رئيسي لحيوان أو طائر يتوسط قاع الإناء وبسط باقي العناصر والتفاصيل الزخرفية في توازن جميل.

إناء صغير من الخزف

أما المساحات أو الأرضية التي تحيط برسم الغزال فقد ملأها بزخارف نباتية محورة رقيقة ومتماثلة في تناسق فني قوامه فروع ملتوية تنتهي بأوراق نباتية مفصَّصة ومدبَّبة. وقد زيَّن حافة الطبق بجامات زخرفية خطية هندسية مستطيلة، تقطعها مناطق ثلاث من زخرفة خطية مجرَّدة. وهنا نلاحظ أن الخزاف في مرحلة إنتاجه المتطورة قد تخلص تمامًا من الأساليب الزخرفية القديمة التي ظلت تتحكم في إنتاجه المبكر، كما أن التقنية الصناعية بدت ناضجة متطورة تتجه إلى تحقيق أسلوب جديد.  وكان >مسلم< يضع توقيعه في بداية إنتاجه باسم >مسلم بن الدهان<،، وذلك قبل أن يحقق شهرته ذائعة الصيت، ثم وضع توقيعه باسم >أبو القسم مسلم <، والمقصود به >أبو القاسم مسلم<. وبعد أن ذاع صيته وحقق شهرته اكتفى بتوقيع >مسلم< فقط، إلى جانب قطع كثيرة لم يضع توقيعه عليها. وهناك بعض الأواني كان يترك لصبيانه وضع اسمائهم عليها. وكانت زخارف الفنان >سعد< المشهور، الذي عاش وأنتج في فترة متأخرة من القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر الميلادي، ترسم بالبريق المعدني ذي اللّون الأحمر النحاسي والذهبي والأخضر والبنفسجي القاتم والأصفر. وقد استخدم الزخرفة بالحزّ تحت الطلاء في البطانة البيضاء. وتخلَّلت زخارفه خطوط محزوزة ونقاط لونها أزرق كوبالتي، وفوق الطلاء الزجاجي رُسمت الزينة بالبريق المعدني. وفي متحف الفن الإسلامي إناء صغير من الخزف مسجل بالرقم (15575)،  مزخرف فوق الطلاء الزجاجي بأسلوب البريق المعدني. وتمثّل الزخرفة طائرين باللون الأسود على الطلاء الزجاجي بلونه الأخضر الزيتوني. ويبدو من أسلوب الصناعة والزخرفة تطوُّرٌ ونضوجٌ واضحان. وقد تميّز إنتاج >سعد< بعدم تزجيج قواعد الأواني. وفي هذا العصر ظهرت في مصر جميع فنون الخزف، فقد كانت تلك البلاد تنتج الخزف بالزخارف المحفورة على بدن الإناء تحت الطلاء الزجاجي، وكان هذا الطلاء ذا لون واحد، وهو تقليد للخزف الصيني المستورد في عهد أسرة سونج.

 

طيور العشق على سلطانية خزف بالبريق المعدني

وظلَّت صناعة هذا النوع من الخزف المقلّد للبورسلين الصيني مستخدمًا في مصر حتى القرن الثالث عشر، وكانت الزخارف ترسم بالبريق المعدني الذي لم يكن يعرفه الصينيون. وصنع فنانو العصر الفاطمي الخزف بعجينته البيضاء المتماسكة، كما توصَّلوا إلى الخزف ذي الزخارف المخرَّمة المغطَّاة بالبريق المعدني، والتي كانت تسمح للضوء بأن ينفذ من خلف الإناء، كما ذكر ذلك الرحَّالة الفارسي ناصري خسرو، الذي قدِم من إيران مارّاً بالعراق، وقال  إنه لم ير مثله، ممَّا يدلّ على أن الخزف ذا الزخارف المخرّمة لم يكن معروفًا ولم يكن ينتج في العراق أو إيران في العصر الفاطمي. وقد وُجدت قطع من الخزف الأبيض ذي الزخارف المخرّمة وعليها توقيع >سعد< وأخرى عليها تواقيع خزَّافين آخرين. وفي نهاية القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر، بدأت رسوم الحيوان والطير تأخذ شكلاً أكثر حيوية ونشاطًا عمَّا كان من قبل، كما تحسَّنت أشكال القدور والأواني والصحون والصحاف والأكواب والمزهريات. وقد رُوعيت النسب الفنِّية عند تشكيل هذه الأواني وأصبحت للقدور قاعدة عالية تقف عليها.  ومن الجليّ أن هذا التطوُّر في أشكال الأواني قد صاحب محاولات الخزَّافين لتقليد الخزف الصيني. وكان الفخَّار العادي الشعبي الاستعمال منتشرًا، ولم يخْلُ من الزخارف والتزويق. وحتى يومنا هذا تزخرف الأواني الفخَّارية بالخدش على العجينة  قبل الحرق داخل الفرن. وهذه الخدوش ترسم خطوطًا متوازية بإضافة عجينة تشكِّل زخارف وتزويقات على جسم الفخَّار الذي كان بعضه يدهن بألوان أو بطلاء قبل الحرق. ومن الزخارف الطريفة في القلل وبعض الجرار والأباريق المخصّصة لتبريد الماء، أن الخزَّافين زيَّنوامصافيها بزخارف متنوّعة. وفي متحف الفن الإسلامي مصاف وقلل وأباريق متنوّعة الزخارف، أطرفها ذلك الشباك المزخرف برسم سيدة ترقص وعلى يديها كوبان تحافظ عليهما متوازنين  أثناء الرقص، وقد ارتدت الراقصة رداء بسيطًا يكشف معظم جسدها. وتصوير هذه الراقصة بهذا الأسلوب نـادر فـي الفن الإسلامي، ويذكّرنا  بقطعة من الخزف محفوظة بالمتحف، عليها رسم راقصة في ثياب تقرب من ثياب البحر، وهي من القطع النادرة في الفن الإسلامي(84. ( وبسقوط الفاطميين ينتهي العصر الذهبي للخزف البديع دقيق الصنع، ليظهر في إيران متتبّعًا خطى الفاطميين، وهناك أسبغ عليه الخزافون من زخارفهم وتعبيراتهم الجميلة في ظلّ سلاطين السلاجقة ما جعله من أروع التحف الإسلامية. وكانت الفسطاط هي مركز صناعة الخزف ذي البريق المعدني طوال العصر الفاطمي، ثم توقف إنتاج هذا النوع من الخزف فيها بعد احتراقها نهائيًا العام 1168م، قبل ثلاث سنوات من سقوط الدولة الفاطمية. وإلى الآن لم يتوصل الباحثون إلى معرفة أسباب تدهور صناعة الخزف عقب العصر الفاطمي، إلا  أن بعضهم يرجع اختفاء صناعة الخزف ذي البريق المعدني إلى الحريق الذي أصاب حي الخزافين في الفسطاط العام (85)1169. (4) ] .

 

(4)

 

صناعة الفانوس

 

وقد بدأت صناعة الفوانيس منذ العصر الفاطمي تتخذ مسارا حرفيا وابداعيا في الوقت ذاته، فظهرت طائفة من الحرفيين في صناعة الفوانيس بأشكالها المتعددة وتزيينها وزخرفتها، ولم يتشكل الفانوس في صورته الحالية إلا في نهاية القرن التاسع عشر وأصبح يستخدم الي جانب لعب الأطفال في تزيين واضاءة الشوارع ليلا كما كانت وظيفته الأصلية خلال شهر رمضان رغم وجود وسائل الاضاءة الحديثة وارتبطت صناعة الفانوس في القاهرة الفاطمية بأحياء الدرب الأحمر وبركة الفيل حيث اشتهر من الحرفيين في صناعة الفوانيس ب’السمكري البلدي’، ويبدأ الحرفيون في العمل بعد انتهاء عيد الفطر مباشرة حيث يكون العمل تحضيريا فقط ويصل الي ذروته قبل حلول شهر رمضان ببضعة أشهر . (5) ] .

 

(5)

صناعة السفن في العصر الفاطمي

الأسطول الفاطمي

أولاً :الأسطول البحري العسكري في عهد الدولة الفاطمية باختصار

[ …. في عهد المعز لدين الله كان للبحرية الفاطمية شأن يذكر في بلاد المغرب ومصر، حيث اتخذ هذا الخليفة من المهدية مرفأ رئيساً ومن سوسة وغيرها من الموانئ أماكن تأوي إليها سفنه، ولا نغلو إذا قلنا: أن المعز لدين الله، بفضل أسطوله القوي، جعل غربي البحر المتوسط بحيرة فاطمية(6) ]  ، .

وذلك نظراً لقلة الاضطرابات الداخلية في عهده، وبفعل سياسة اللين والتفتح التي انتهجها- أحياناً- مع الثائرين. ولذا وجد المجال متسعاً للاهتمام بالأسطول حيث اتخذ من المراسي المختلفة مأوى لقطع هذا الأسطول. وعمل المعز جاهداً على تحصين موانئه، حتى أنه قال : [“لئن امتد المقام هنا- أي في المنصورية- لنجرين البحر بحول الله وقوته إلينا في خليج حتى تكون مراكبنا تحط وتقلع بحضرتنا”.(7) ] .

[ ولا شك أن هذا يدل على مدى عنايته أكثر من أسلافه بالجيش البحري حيث أراد أن يجعل من المنصورية ميناء ثالثاً من حيث الأهمية بعد المهدية وسوسة (8) ] .

[ وقد كثرت في عهده المحارس والثغور مثل سبته ومليلة ووهران وجزائر بني مرغنة وبجاية وجيجل وسكيكدة وبونة ومرسى الخزر وبنزرت وتونس وسوسة والمهدية وصفاقس وقابس وطرابلس وبنغازي، حتى بلغ عددها على ما روي أكثر من عشرة آلاف حصن مبنية بالحجارة والكلس وأبواب الحديد (9) ] .

[ ولا عجب أن وجدنا هذا الأسطول يمثل العامل الأكبر في انتصارات الفاطميين البحرية، ويعود إليه الفضل في تزويد جوهر بالإمدادات أثناء فتحه مصر.  (10) ] .

[ ونلاحظ تقدماً ملموساً في قوة الأسطول الفاطمي في عهد المعز بما في ذلك القطع البحرية العاملة بالمغرب الأوسط(11) ] .

ويمكننا أن نوجز أهم العوامل التي ساعدت على نمو الأسطول وقوته فيما يلي:‏

1-[ صلاحية الموقع الجغرافي لبلاد المغرب وكثرة موانيه، ووجود أحواض لبناء السفن مثل المهدية وسوسة وبونة (عنابة) ومرسى الخزر، والقالة وبجاية وغيرها، وتوفر المواد اللازمة لبناء السفن كالأخشاب التي تصنع منها ألواح السفن، والحديد الذي يوجد في صقلية وبونة وبجاية والإربس. بالإضافة إلى القطران والحبال(12) ] .

2- [ وراثة الفاطميين لأسطول قوي عن الأغالبة، يعود تاريخ نشأته إلى عهد حسان بن النعمان (75-78هـ/ 965-968م)، حيث عملوا على تنميته وتطويره، ولم يبدؤوا من الصفر في هذا المجال  (13) ] .

3-[ وجد الفاطميون بين أهل المغرب إطارات ذات كفاية عالية، عارفة بالملاحة والأمور البحرية، ولها خبرة ودراية في هذا المجال منذ عهد الفينيقيين، فكان هذا أحد العوامل في قوة بحريتهم ونجاحها) (14) ] .

4-[   يعتبر مركز صقلية البحري الهام من العوامل التي ساعدت على قوة الأسطول وتحكمه في مياه الحوض الغربي للبحر المتوسط، وقد أصبحت محطة بحرية هامة للمسلمين منذ أن فتحت سنة 212هـ/ 827م على يد أسد بن الفرات (15) ] .

5-هذا ويمكن أن نعتبر تأصل فكرة الجهاد عند الفاطميين وتطلعهم إلى التوسع شرقاً وغرباً، وخوفهم من الخطر الخارجي المتمثل في الروم بصفة خاصة من أهم الحوافز التي جعلتهم يعنون أشد العناية بأمور الأسطول حتى تكون لهم قوة بحرية قادرة على تحقيق آمالهم في توسيع رقعة دولتهم ورد الخطر الخارجي الصليبي  كما ذكرنا.‏

6-[ عني المعز بالأسطول أكثر من أسلافه لأنه كان يهدف إلى تكوين قوة بحرية كبيرة يسيطر بها على حوضي البحر المتوسط الغربي والشرقي على السواء، ويقارع بها كلاً من الأمويين والروم في الحوض الأول، والعباسيين في الحوض الثاني. كما كان ينوي أن يتخذ من سواحل مصر والشام جسراً يعبر منه إلى بغداد  (16) ].

7-[ ومما زاد من قوة الأسطول في عهد المعز وراثته لأسطول الإخشيديين. فبعد فتحه مصر وجد بين المصريين جنداً أكفاء في ميدان الملاحة النهرية والبحرية معاً. وبعد فتح مصر والشام حقق ما كان يطمح إليه في هذا المجال حيث امتد نفوذه البحري من سبته غرباً إلى أنطاكية شرقاً، بالإضافة إلى الموانئ المطلة على المحيط الأطلسي. وبذلك بلغ الأسطول في عهده ذروة مجده  (17) ] .

وإلى هذا الأسطول الفاطمي يرجع فتح مصر في أسرع وقت، فقد كان همزة الوصل بين جيوش جوهر الغازية وبين المعز في المغرب. وفي حراسة هذا الأسطول كانت الإمدادات تصل إلى جوهر في سهولة ويسر. وقد اتخذ المعز في بعض المدن المصرية دوراً لصناعة السفن، فأنشأ في المقص دار صناعة ضخمة، وصفها المسبحي المؤرخ المصري المتوفى سنة 420هـ بقوله  :

[” إنه لم يُرَ مثلها فيما تقدم كبراً ووثاقة وحسناً”(18) ] .

. [ وقال ابن أبي طي: “لم يُرَ مثلها في البحر على ميناء”  (19) ] .

] . ويظهر أن المعز لم يهمل دار صناعة الفسطاط التي كانت تسمى [ “دار صناعة مصر”، كما عني بإقامة دور صناعة السفن في مواني مصر الهامة كالاسكندرية ودمياط    (20) ] .

[ ولم يكن بناء السفن في مصر راجعاً إلى خوف المعز من غارات الروم والقرامطة على مصر والشام فحسب، بل كان ذلك راجعاً إلى رغبته في بسط نفوذه على البلاد التي قد يتخذها الأعداء طريقاً يغيرون منه على مصر. بالإضافة إلى ما كان يهدف إليه المعز لدين الله من اتخاذ مصر والشام قنطرة يعبر منها إلى بغداد حاضرة العباسيين في ذلك الحين (21) ] .

. أضف إلى ذلك أنه حرص على أن تكون لأسطوله السيادة والتفوق على سائر أساطيل البحر المتوسط. [ ولا غرو فقد دخلت في حوزة المعز لدين الله- بعد أن تم له فتح مصر والشام- البلاد الواقعة على البحر المتوسط من أنطاكية إلى سبته، ووقعت في يده موانئ المغرب الأقصى المطلة على المحيط الأطلسي(22) ] .

ومن ثم ملأ المعز كثيراً من موانئ الشام الهامة، مثل صور عكا وعسقلان، بالسفن الكثيرة المختلفة الأنواع وأهمها [  الشلنديات –  ( مفردها شلندي، من المراكب المسطحة، وتختص بحمل العتاد والرجال) . (23) ]

والشواني الحربية   ) – [مفردها شونة. وهي سفن كبيرة، تشبه البوارج البحرية في يومنا هذا، وبها آلات الهجوم والدفاع. ) (24) ] . والمسطحات وهى نوع من السفن  والطرادات[ ( وهى السفن الصغيرة واحدها طراد: وهي من السفن الصغيرة القوية السريعة، تحمل الواحدة منها نحو مائة فارس (25) ] .

والعشاريات(  .‏ ( وهى من القوارب النهرية التي استخدمها الفاطميون في غزواتهم البحرية واحدها عشيري )

( والحراقات) وهى التي تلي الشواني في الضخامة، وتحمل المنجنيقات وغيرها من معدات الهجوم.  (26) ] [ وقد رأينا موقف أسطول المعز من صور وسواها في حروبه مع الروم ، كما رأينا كيف اتخذ جوهر من عكا وعسقلان مستودعات للإمدادات التي كانت تتدفق على جيوش الفاطميين في بلاد الشام، حتى أن قواد المعز اتخذوا منها أماكن يفرون إليها مع جندهم من وجه أعدائهم، ولا سيما القرامطة(27) ] .

ولأهمية السواحل الشامية في نظر المعز كان يعين عليها قواداً وولاة، ليكون الاتصال محكماً بين مصر وبلاد الشام، [  وقد قدرت سفن الأسطول الفاطمي التي بنيت في دور الصناعة المصرية بأكثر من ستمائة قطعة مختلفة الأشكال والأحجام، على حين بلغ عدد السفن في أواخر عهد الدولة الفاطمية مائة قطعة فقط (28) ].

وهكذا استغل المعز لدين الله موقع مصر والشام الاستراتيجي،  فكون أسطوله الشرقي الضخم، ولو قدر له البقاء طويلاً لكان هذا الأسطول أكثر ضخامة وأبعد أثراً . وقد وصف المقريزي عناية المعز بالأسطول بهذه العبارة [: “لما سار الروم إلى البلاد الشامية بعد سنة خمسين وثلاثمائة اشتد أمرهم بأخذهم البلاد، وقويت العناية بالأسطول في مصر منذ قدم المعز لدين الله، وأنشأ المراكب الحربية، واقتدى به بنوه وكان لهم اهتمام بأمور الجهاد، واعتناء بالأسطول، وواصلوا إنشاء المراكب بمدينة مصر واسكندرية ودمياط، من الشواني الحربية والشلنديات والمسطحات وتسييرها إلى بلاد الساحل مثل صور وعكا وعسقلان، وكانت في أيام المعز تزيد على ستمائة قطعة” – 29) ] [ وكان للأسطول أمير يدعى “قائد القواد”، وقد سمي بذلك لأنه يرأس عشرة قواد، كما كان يطلق عليه “أمير الجيش” و”المستوفي”(30) ] .

[ وقد بلغ من عناية المعز ومن جاء بعده من الخلفاء بالأسطول أن الخليفة كان ينفق عليه في غزواته بنفسه، ويساعده وزيره أو يقوم مقامه. ولم يكن بحارة الأسطول في مرتبة واحدة، فهناك جماعة كانت تتقاضى راتباً قدره ديناران، وأخرى تتقاضى ثمانية، وثالثة عشرة دنانير، ورابعة خمسة عشر ديناراً، وخامسة عشرين ديناراً، وسادسة خمسة وعشرين ديناراً. أما أمير الأسطول أو “مُقَدَّمُهُ” فكان من كبار الأمراء والأعيان، وهو أمر لا بد منه على حد قول المقريزي، أن يقوم على الأسطول كبير من الأعيان من أمراء الدولة وأقواهم – المصدر السابق ] . [ كما كان الخليفة يقطع رجال الأسطول إقطاعات عرفت باسم “أبواب الغزاة”. وكان قائد الأسطول يشرف عليه، ويتناوب القواد العشرة الإشراف العملي، فيأتمر الجميع بأمر القائد الذي تؤول الرياسة إليه – المصدر السابق ] .‏

[ ولكي يشجع الخليفة رجال الأسطول أو الغزاة- كما كانوا يسمونهم- كان يترك لهم من الغنائم المال والثياب والمتاع، ولا يستبقي سوى الأسرى والسلاح. وكانت الفسطاط من أهم مراكز الأسطول، وكان الخليفة يشاهد بنفسه حفلة النفقة على الأسطول عند خروجه، ويبارك رجاله، ويدعو لهم بالتوفيق، كما كان يحضر حفلة استقباله عند عودته. وقد بلغ اهتمام الخلفاء الفاطميين بالأسطول أنهم اتخذوا لهم “منظرة”- بالمقص، يحتفلون فيها بتوديع الأسطول واستقباله، ويتضح ذلك من هذا الوصف الشيق الذي أورده المقريزي (31) ] .

[ :  “ويتولى الخليفة بنفسه بحضور الوزير. فإذا أراد النفقة فيما تعين من عدة المراكب السائرة.. فيتقدم إلى النقباء بإحضار الرجال، وفيهم من كان يتعيش بمصر والقاهرة، وفيهم من هو خارج عنهما، فيجتمعون، وكانت لهم المشاهرة والجرايات في مدة أيام سفرهم، وهم معروفون عند عشرين عريفاً يقال لهم النقباء، واحدهم نقيب” (32) ] .

,  [ وكان رجال الأسطول يشغلون مكانة سامية بين موظفي ديوان الجيش، ولا غرو، فإن صاحب ديوان الجيش، وهو المستوفي، كان أمير الأسطول. وبذلك وضع المعز لدين الله أساس نظام البحرية في مصر(33) ] . ونهج نهجه من جاء بعده من الخلفاء، إلا أنهم لم يصلوا بالجيش والأسطول إلى ما وصل إليه المعز.‏

وليس أدل على اهتمام المعز بالأسطول من اعتماده على “ديوان الجهاد” أو “ديوان العمائر” كما كانوا يسمونه في تنظيم شؤون الأساطيل، ووقف الأموال الضخمة للإنفاق على الأسطول ورجاله. وكثيراً ما كان المعز يمد هذا الديوان بالعطايا والهبات من بيت المال.‏

ثانياُ : على مستوى الإستحدام التجاري لهذه الأساطيل  البحرية :

[عني المعز بالأسطول التجاري لينقل السلع المصرية إلى البلدان الأخرى، ويعود محملاً بالسلع من هذه البلدان (34) ] .

[ وقد أصبح للفاطميين أسطولان تجاريان، أحدهما في البحر المتوسط، والآخر في البحر الأحمر، فكانت الاسكندرية ودمياط في مصر، وعسقلان وعكا وصور وصيدا في الشام، من أهم الموانئ الفاطمية(54) في البحر المتوسط  (35) ] .

[ كما كانت عيذاب من أهم مواني البحر الأحمر، وكانت مزودة بأسطول حربي يقوم على حماية الأسطول التجاري والقضاء على اللصوصية في هذا البحر  (36) ] .

[ وقد عني الخليفة المعز “بديوان الإقطاع” الذي كان تابعاً “لديوان الجيش”، وكان عمل صاحبه مقصوراً على النظر في الإقطاعات التي اقتطعها رجال الجيش وخاصة الممتلكات الكثيرة التي كانت تابعة للإخشيديين من قبل (37) ] .

وخلاصة القول : إن المعز لدين الله نهض بالجيش والبحرية نهضة مباركة مشهودة، كان لها أثر بعيد المدى فيما قام به الفاطميون من فتوح وما نالوه من انتصار وظفر. [  وما كان هذا ليتم إلا باستخدام المقاتلين الطرق العلمية في المجال البحري، وبما تهيأ لهم من عدة وأسلحة، في مقدمتها النفط الخاص بإحراق مراكب العدو. كما استخدموا الكلاليب الحديدية التي ترمى على سفن العدو بقصد إغراقها أو العبور إليها بواسطة الألواح الخشبية والسلالم، كما استخدموا السيوف ومختلف الأسلحة الخفيفة (38) ] .

[ وقد بلغت قطع الأسطول الفاطمي بالمغرب ما يزيد على ثلاثمئة، كما بلغت في عهد المعز بمصر أكثر من ستمائة قطعة (39) ] .

لكن شأن الأسطول أخذ بالضعف والتدهور في آخر عهدهم حيث وصل إلى مائة وعشرين سفينة فقط.‏ ومما تقدم يتجلى لنا أن الفاطميين عنوا عناية كبرى بالأسطول ورجاله في المغرب وكان هذا احد أسباب نهضتهم ورفاهيتهم بواسطة التجارة من جهة ودفع الأعداء عن الدولة وحمايتها من جهة أخرى .-  (40) ] .

أسماء دار صناعة السفن في أوروبا اصلها  عربي فاطمي كما يلي :

[ ….. عني الفاطميون بصناعة السفن إلى الحد الذي غدت معه مصر واحدة من أقوى الدول البحرية من نهاية القرن السادس الهجري (12 م) . , . وقد عقد مؤرخو مصر الإسلامية فصولاً خاصة لصناعة السفن مثل بن عبدالحكم والقلقشندي والمقريزي. وقد كان لصناعة السفن الإسلامية تأثيرها على باقي أجزاء العالم. , فكلمة “دار الصناعة” هي كلمة عربية تعني “دار صناعة السفن” واستخدمها الإيطاليون بلفظ “Darsena” ثم Arsenal حيث شاعت بين باقي لغات أوروبا. , …..(41) ] .

وما ذكرناه آنفاً يدخل فيه تحقيق  مصر طبيعياً لإكتفاء ذاتي في الزراعة والإنتاج الحيواني والثروة السمكية فلا حاجة في الكلام عن ذلك حيث لم يكن منتشراً حينها  استيراد القمح والمأكولات  والمشوبات من روسيا أو أمريكا حيتئذِ .

 

 

(6)

 

الأقباط بين التسامح الديني في العصر الفاطمي

وإتقان بعض الصناعات الحرفية

الأقباط في القرن الحادي عشر :

[ كان الأقباط في عصر الدولة الفاطمية يتمتعون بسياسة التسامح الديني التي سار عليها الخلفاء الفاطميون في العصر الفاطمي الأول؛ ولكن باستثناء فترة في عهد الحاكم بأمر الله، عانى فيها الأقباط والمصريون عموماً من التصرفات الجنونية، لكنه رجع في نهاية عهده عن هذه التصرفات الغريبة (ارجع إلى مجلة مرقس، عدد أكتوبر 2008، ص 42).

عموماً في هذا العصر – وبالذات في القرن الحادي عشر – نَعِمَ الأقباط بقدر جيد من حرية ممارسة شعائرهم المسيحية. فالخليفة المعزُّ لدين الله الفاطمي لم يتدخل في الشئون الداخلية الخاصة بالكنيسة، علاوة على أنه أقام علاقات وطيدة مع رجالها.

وفي عهد البابا أبرآم بن زرعة السرياني، نشأت بين الخليفة المعزِّ والأب البطريرك صداقات طيبة، وكان يستدعيه إلى مجلسه. كما كان البابا أبرآم محل تقدير واحترام كبار رجال الدولة الفاطمية، مما كان له الأثر الطيب في العلاقة بين الدولة والكنيسة؛ لكن ذلك من جهة أخرى أثار حقد رجال الدولة من اليهود الذين كانت لهم صلة وثيقة بقصر الخلافة. ومعجزة نقل جبل المقطم كانت نتيجة للوشاية من موسى اليهودي صديق الوزير يعقوب بن كلس لإحراج البابا أبرآم أمام الخليفة. فضلاً عن أن الخليفة قلَّد المناصب العُليا في الدولة لكبار رجال الأقباط (وكذلك اليهود) دون أن يُكره أحداً منهم على اعتناق الإسلام كشرط لتقلُّده المنصب.

وفي عهد المستنصر بالله، ساءت العلاقات بينه وبين البطريرك خريستوذولوس (البطريرك السادس والستين)، حينما اتُّهم الأب البطريرك بعدم الوفاء بالتزامات ملك النوبة تجاه الخليفة، فأُلقي القبض على البطريرك ورُحِّل من القاهرة، وأُلزم بدفع غرامة مالية كبيرة. ولكن متولي منطقة مصر السفلى توسَّط لدى الوزير ”اليازوري“ للإفراج عن البطريرك، وأخذ منه تصريحاً بإطلاق سراحه في الحال. وفي ظل هذه العلاقات طلب البابا أبرآم من الخليفة المعزِّ بتجديد عمارة بعض الكنائس، وأَذِن له المعزُّ ببناء كنيستين (القديس مرقوريوس بالفسطاط، والكنيسة المعلَّقة بقصر الشمع).

كما قام البطريرك المذكور ببناء وترميم كثير من الكنائس بالإسكندرية وسائر أنحاء مصر. وقصة اعتراض بعض مشايخ المسلمين وعامَّتهم المتعصبين على قيام المسيحيين ببناء الكنائس الجديدة بحجة أن هذا مخالف للإسلام، ثم توفير الحراسة وحماية العمال والبنَّائين بأمر الخليفة المعزِّ، هي من أهم الأحداث في سيرة البابا أبرآم، حينما أمر جنوده بإلقاء الحجارة على الشيخ الذي ارتمى في الأساس المحفور في الأرض لمنع البناء، لكن البابا أبرآم توسَّل لدى الخليفة بإنقاذه من تنفيذ هذا الحكم.

ولكن مع التسامح الذي أبداه كلٌّ من الخليفتين المُعزُّ والعزيز بالتصريح بترميم الكنائس، وهذا ما يتفق مع ما يُسمَّى ”الشروط العُمَرية“ فيما يتعلَّق بالكنائس ، إلاَّ أنهما صرَّحا أيضاً بإقامة وبناء الكنائس الجديدة بالقاهرة والأقاليم، وهذا ما لا يتفق مع ”الشروط العُمَرية“ التي حرَّمت بناء كنائس جديدة للمسيحيين.

لكن الخليفة الحاكم بأمر الله كان صارماً في تنفيذ ما جاء بالشروط العُمَرية فيما يتعلَّق ببناء الكنائس؛ بل زاد على ذلك، فأمر بهدم الكثير من الكنائس في فترة سياسته المتشدِّدة إزاء الأقباط. فكان يهدم الكنائس ويبني بدلاً منها جوامع (مثل جامع راشدة). كما هدم كنيستين، واحدة قبطية والأخرى للنساطرة، وبنى بدلاً منهما جامعين للمسلمين، وشمل الهدم أيضاً كنيستين للملكانيين بحارة الروم. وكان أخطر إجراء اتخذه هو المرسوم بهدم كنيسة القيامة بالقدس ومصادرة جميع أملاكها وأوقافها وأموالها، والاستيلاء على جميع محتوياتها من تحف وذخائر، وكان هذا الحادث هو أحد أسباب ودوافع الحروب الصليبية بعد ذلك.

الأقباط أَثْروا الحركة الصناعية والتجارية في مصر:

مع تواتر الاضطهاد والتسامح، لم يكُفَّ الأقباط – وهم أهل مصر – من أن يواصلوا نشاطهم الصناعي والتجاري وإثراء الحركة الاقتصادية في مصر. وهذه لمحات من أنشطتهم المتنوعة، كما ذكرها المؤرِّخون المسلمون وغيرهم عن ذلك:

– ازدهرت صناعة النسيج، بسبب جودتها وتفوُّقها على مثيلها في البلاد الأخرى. وقد ساعد على ذلك توفُّر خامات النسيج في مصر، فالكتان تتوفر زراعته في ريف مصر، والصوف المصري يتوفر في مناطق الفيوم وأخميم وأسيوط نتيجة تربية الأغنام في تلك المناطق. وقد شهد المؤرخ ”ابن حوقل“ لجودة وتفوُّق هذه المنسوجات قائلاً: ”ليس في جميع الأرض ما يُدانيها في القيمة والحُسن والنعمة والترف والرقة والدقة“. وقد حملت هذه المنسوجات الكثير من أسماء المدن المصرية التي صُنعت بها مثل: تنِّيس، شطوبة، دمياط، دبيق، الإسكندرية، البهنسا، وغيرها. وقد اشتهرت من بين هذه المدن ”تنِّيس“ (جهة المحلة الكبرى) التي كانت تضم حوالي 50 ألفاً من السكان وآلاف المناسج، و”دمياط“، و”أسيوط“. كما كانت أخميم تُصدِّر منسوجاتها إلى أقصى البلاد.       

نسيح مصري من العصر الفاطمي

– بلغت الدقة في الحفر على الخشب والصناعات الخشبية مرحلة ممتازة على يد الصُّنَّاع الأقباط في عصر الفاطميين. ونظراً لعدم توفُّر الأخشاب المتينة في مصر، فقد استوردت الأخشاب الشديدة الصلابة من أوروبا والشام (خشب الأَرْز والصنوبر)، وآسيا الصغرى، والسودان (خشب الأبنوس). وفي المتحف القبطي قبة مذبح أصلها من كنيسة المُعلَّقة مصنوعة من خشب الأبنوس. ومن أبدع الأمثلة الباقية للتحف الخشبية (الحفر على الخشب) حجاب الهيكل في كنيسة ”القديسة بربارة“ بمصر القديمة (معروض الآن بالمتحف القبطي).

حفر على الخشب يمثل ميلادالمسيح – كنيسة ”أبو سرجة“ – القاهرة

صناعة المعادن والعاج: برع المصريون في صناعة المعادن وسبكها وزخرفتها، هذه الصناعة التي عرف دقائقها وأسرارها أقباط مصر منذ عهد الفراعنة. كما كثر استخدام النحاس في صناعة الأواني والأدوات المنزلية. كما استخدم هؤلاء الصُّنّاع البرونز في صناعة المباخر (الشورية) وصنابير الأواني. ويذكر المؤرخ ناصري خسرو أن الصُّناع في مدينة تنِّيس كانوا يصيغون آلات الحديد كالمقراض والسكين. وقد وُجد في كنيسة أبي سيفين كرسي من الحديد يرجع إلى القرن الحادي عشر. كما استُخدم العاج في صناعة أشياء كثيرة مُطعَّمة بالعاج مثل أبواب الهياكل في دير القديس أنبا مقار.

حفر على الخشب يمثل العشاء الأخير – كنيسة ”أبو سرجة“ -القاهرة

صناعة الورق والتجليد: اشتهرت مصر منذ عهد الفراعنة بصناعة ورق البردي، وظلت تحتكر هذه الصناعة طوال عصر الولاة المسلمين. وكان معظم الصُّناع المشتغلين بصناعة ورق البردي من الأقباط. ومع مجيء الفاطميين إلى مصر، اهتم الولاة بالحركة العلمية، فجُمعت نوادر الكتب والمخطوطات لتُضمَّ إلى الخزانة الفاطمية للكتب لتصبح منافساً عملاقاً لمكتبات بغداد وقرطبة.

وقد ضمَّت المكتبات الخاصة بالأقباط، وبخاصة الأطباء منهم، الكثير من الكتب العلمية والمخطوطات النادرة، أو الكتب العلمية التي قاموا بتأليفها بتكليف من الخلفاء، أو تقرُّباً إليهم. كذلك امتلأت الكنائس والأديرة بنفائس الكتب والمصنفات الفنية والكتب المترجمة من القبطية واليونانية. وقد عُثر على بقايا كتب وقطع من البردي والرقوق محفوظة الآن في متاحف أوروبا وأمريكا والمتحف القبطي ودار البطريركية في مصر. ثم استبدل الأقباط ورق البردي بالرقوق (جلد الغزال). ومن أحدث الكتب المخطوطة على الرق: كتاب ”تكريز الكنائس الجدد“ بمكتبة دير السريان، ويرجع تاريخه إلى القرن الثاني عشر (سنة 1181م). أما عملية التجليد فكانت تشمل الجلدة الخارجية والبطانة والحرير. كما استعمل الصُّناع جلود العجول واستخدموا الحرير في التجليد. وقد عُثر على بعض الجلود التي ترجع إلى العصر الفاطمي في القرن العاشر وما بعده، وفيها يبدو تأثير الصناعة والفن القبطي ظاهراً.

صناعة الزجاج والبللور الصخري والخزف: بلغت هذه الصناعة أرقى درجات الفن على أيدي الأقباط في العصر الفاطمي. وقد اشتهرت بعض المدن بصناعة الزجاج ومن أهمها: الفسطاط (القاهرة)، الفيوم، الأشمونين، الشيخ عبادة (بالقرب من البهنسا، المنيا الآن)، والإسكندرية. وكانت أرقى المصنوعات الزجاجية هي الزجاج المذهب المُزيَّن بزخارف لها بريق معدني. أما عن صناعة البللور الصخري، فقد رأى الرحَّالة ”ناصري خسرو“ أثناء جولته بـ ”سوق القناديل“ بالفسطاط، معلِّمين مهرة ينحتون بللوراً غاية في الجمال. وقد تركت الرسوم والزخارف القبطية أثرها على الخزف ذي البريق المعدني الذي كان فخر صناعة الفخار في مصر الفاطمية.

جزء من طبق خزف صيني عليه رسم المسيح

ومن أشهر صانعي الخزف شخص اسمه سعد من سلالة الأقباط. وهناك قطعة من الخزف ذي البريق المعدني عليها رسم المسيح وحول رأسه هالة من النور. أما عن صناعة الفخار الذي كان يُصنع من الطين، فكانت صناعته واسعة الانتشار في بلاد الصعيد الأعلى، حيث كان يوجد أجود أنواع الطمي. ومنه كانت تُصنع الأزيار والقلل وأوعية الخل والنبيذ والسمن وجرار العسل والكثير مما يستعمله العامة في مصر.

– وهناك صناعات أخرى راجت في مصر، مثل: صناعة السكر والعسل حيث توجد زراعة القصب. ولكن في عصر الحاكم بأمر الله تدهورت هذه الصناعة بسبب أمره بإراقة كميات ضخمة من العسل وكسر الجرار التي تحتويه، فقلَّ وجوده وارتفع ثمنه. وبانتهاء عصر الحاكم بأمر الله زاد الإقبال عليه مرة أخرى، ونفس الأمر ينطبق على صناعة الخمر من العنب.

النشاط التجاري للأقباط: كان التجَّار الأقباط في مصر على درجة كبيرة من المهارة في الأعمال التجارية. وقد زخرت القرى بالأسواق العامرة بما يسدُّ حاجة سكَّانها. واشتغل كبار التجار الأقباط بتجارة الغلال. ويذكر ”ناصري خسرو“ أن الخليفة المستنصر بالله أرسل إلى أحد التجار الأقباط أثناء إحدى المجاعات يطلب منه إمداد المخازن الحكومية بالغلال، بالنقد أو بالأَجَل كقرض، فردَّ عليه هذا التاجر: ”إن لديَّ من الغلة ما يمكنني إطعام أهل مصر بالخبز ست سنوات“. وهكذا انفرجت المجاعة بالمخزون لدى هذا التاجر القبطي.

وكان لكبار تجار مصر من الأقباط أعداداً من السفن التي تسير في النيل حاملة الحاصلات الزراعية والسلع والبضائع إلى البلاد شمالها وجنوبها. ويذكر ”ابن مَيْسر“ أن بدر الدين الجمالي عند قدومه إلى مصر عام 1073م، نزل دمياط وتنِّيس، واقترض من تجار تنِّيس، وكان معظمهم من الأقباط، أموالاً كان في حاجة إليها.

وضع الرهبان والأديرة في العصر الفاطمي الثاني:

كانت أديرة الرهبان منتشرة في أنحاء مصر والشام. نَعِمَ فيها رهبان تلك الأديرة بسياسة التسامح الديني لفترةٍ، باستثناء فترة الخليفة الحاكم بأمر الله. فعندما أقدم جوهر الصقلِّي على بناء مدينة القاهرة لتكون عاصمة للفاطميين، قام بتعمير دير الخندق شمال القاهرة، بدلاً من دير هدمه كان موضعه بالقرب من الجامع الأقمر، وكان يُعرَف بدير العظام. كما نقل رفات الموتى المسيحيين إلى دير الخندق (أرض الأنبا رويس).

– ولما قدم الخليفة المعزّ لدين الله إلى مصر واستقرَّ بها، صرَّح للبطريرك أبرآم السرياني آنذاك بترميم الأديرة القديمة وبناء ما طلبه من الأديرة الجديدة في سائر أقاليم الدولة.

– وعندما هبَّت العاصفة ضد الأقباط في خلافة الحاكم بأمر الله، وصل ذُراها إلى الأديرة والرهبان، فهدم الكثير من الأديرة، ولم يبقَ منها إلاَّ القليل.

– ولكن الخلفاء اللاحقين غيَّروا هذه السياسة، في خلافة الظاهر والمستنصر بالله. على أنه أثناء الحروب بين قوات المستنصر بالله وبين القائد التركي نصر الدولة الذي شقَّ عليه عصا الطاعة، تعرَّضت الأديرة في الوجه البحري للسلب والنهب، وشُوِّهت زخارف ورسوم تلك الأديرة ومبانيها، وتعرَّض رهبانها للأذى والقتل والتشريد، مما أدَّى إلى هروب مَن نجا منهم إلى الأرياف فراراً من البطش والموت.

ومع انتشار المجاعة وازدياد الفتن واضطراب الأمن وعجز الخليفة المستنصر، اضطر إلى استدعاء القائد بدر الدين الجمالي (الأرمني الأصل) إلى مصر. وبمجيء هذا القائد، تحسنت الأوضاع كثيراً بالنسبة للأقباط. (42) ] .

 

 

 

 

 

 

 

 

المحور الثاني

 

مظاهر الحضارة ووصف مصر من كتاب

سفر نامة للرحالة ناصر خسرو

 

حرص الفاطميون دائماً على نظافة البلاد وظهورها بالمظهر الحضاري الجميل الذي يتناسب مع مكانة مصر كدولة محورية لكل دول المنطقة حتى وصفها الرحالة ناصر خسرو في كتابه سفر نامة قائلاً :

[ وصف مدينة القاهرة

أول مدينة يصل إليها المسافر من الشام إلى مصر هي القاهرة وتقع مدينة مصر جنوبهاوتسمى القاهرة المعزية ويقال للمعسكرالفسطاط يروى إن أحد أبناء أمير المؤمنينالحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين.

وهو المعز لدين الله استولى على بلادالمغرب حتى الأندلس ثم سير جيشاً نحو مصركان لابد لهذا الجيش إن يعبر النيل وهذا أمر غير مستطاع أولاً لأن النيل عظيمالاتساع وثانياً لأنه مملوء بالتماسيح التي تجذب إلى قاعه في الحال كل من يعبر ويقال إنه في الطريق قرب مدينة مصر طلسم يحمي الإنسان والدواب من هذا الشر ولكن أثره يبطل على مسافة رمية سهم من المدينة فلا يجرؤ أحد إن يقترب من النيل قيل إن المعز أرسل جيشه فنزل حيث القاهرة اليوم وقد أمر جنوده قائلاً حين تصلون إلى النيل ينزل الماء أمامكم كلب أسود فيعبر النهر فاتبعوه واعبروا آمنين قيل وقد بلغ هذا المكان ثلاثون ألف فارس كلهم خدم المعز وقد انطلق الكلب سابحاً أمامهم وساروا على أثره وعبروا من غير حادث ولم يقل أحد قط إن فارسا عبر نهر النيل راكباً وكانت هذه الحادثة سنة ثلاث وستين وثلثمائة 973.

قد حضر السلطان إلى مصر عن طريق البحر فأفرغت السفن التي حضر بها قرب القاهرة وأخرجت من الماء وتركت كأنها أشياء لاغناء فيها وقد رأى راوي هذه القصة ناصرخسر و تلك السفن وهي سبع طول الواحدة مائة وخمسون ذراعاً وعرضها سبعون وقد مضى عليها هناك ثمانون سنة كان ذلك سنة إحدى وأربعين وأربعمائة حين بلغ الراوي هذا المكان.

وحين دخل المعز لدين الله مصر تقدم لهب الطاعة قائد الجيش الذي ولاه خليفة بغداد ونزل المعز بالجيش في هذا الموضع الذي هو القاهرة اليوم وقد سمى المعسكر بالقاهرة لأن ذلك الجيش كان قاهراً وقد أمر المعز بان لا يتجول أحد من جيشه في المدينة أو يدخل بيت أحد ثم أمر إن تبنى مصر في هذه الصحراء وإن يشيد كل من أفراد حاشيته بيتاً وهكذا بنيت المدينة التي قل نظيرها.

وقدرت إن في القاهرة ما لا يقل عن عشرين ألف دكان كلها ملك للسلطان وكثير منهايؤجر بعشرة دنانير مغربية في الشهر وليس بينها ما تقل أجرته عن دينارين والأربطة والحمامات والأبنية الأخرى كثيرة لايحدها الحصر وكلها ملك السلطان إذ ليس لأحد إن يملك عقاراً أو بيتاً غير المنازل وما يكون قد بناه الفرد لنفسه . وسمعت إن للسلطان ثمانية ألف بيت في القاهرة ومصر وأنه يؤجرها ويحصل أجرتها كل شهر يؤجرونها للناس برغبتهم ثم يتقاضون الأجر فلا يجبر شخص على شيء.

ويقع قصر السلطان في القاهرة وهو طلق من جميع الجهات ولا يتصل به أي بناء وقد مسحه المهندسون فوجدوه مساويا لمدينة ميافارقين وكل ما حوله فضاء ويحرسه كل ليلة ألف رجل خمسمائة فارس وخمسمائة راجل وهم ينفخون البوق ويدقون الطبل والكوس من وقت صلاة المغرب ويدورون حول القصر حتى الصباح ويبدو هذا القصر من خارج المدينةكأنه جبل لكثرة ما فيه من الأبنية المرتفعة وهو لا يرى من داخل المدينة لارتفاع أسواره وقيل إن به اثني عشر ألف خادم مأجور ومن يعرف عدد من فيه من النساء والجواري إلا أنه يقال إن به ثلاثين ألف آدمي وهذا القصر يتكون من اثني عشر جوسقاً وله عشرة أبواب فوق الأرض لكل منها اسم على هذا التفصيل وذلك فضلاً عن أبواب أخرى تحت الأرض باب الذهب باب البحر باب السريج باب الزهومة باب السلام. باب الزبرجد باب العيد باب الفتوح باب الزلاقة باب السرية وتحت الأرض باب يخرج منه السلطان راكباً وهذا الباب على سرداب يؤدي إلى قصر آخر خارج لمدينة ولهذا السرداب الذي يصل بين القصرين سقف محكم وجدر إن القصر من الحجر المنحوت بدقة تقول إنها قدت من صخر واحد وفوق القصر المناظر والإيوانات العالية وفي داخله دهليز به دكك.  وأركان الدولة والخدم من العبيد السود أو الروم والوزير رجل يمتاز عن الجميع بالزهد والورع والأمانة والصدق والعقل.

ولم يكن شرب الخمر مباحاً أعني أيام الحاكم هذا وفي أيامه حرم على النساء الخروج من بيوتهن وما كان أحد يجفف العنب في بيته لجواز عمل السيكي (نوع من الشراب منه) ولم يكن أحدهم يجرؤ على شرب الخمر ولا كانوا يشربون الفقاع فقد قيل إنه مسكر فهومحرم.

وللقاهرة خمسة أبواب باب النصر وباب الفتوح وباب القنطرة وباب الزويلة وباب الخليج وليس للمدينة قلعة ولكن أبنيتها أقوى وأكثر ارتفاعاً من القلعة وكل قصر حصن ومعظم العمارات تتألف من خمس أو ست طبقات.

ويجلب ماء الشرب من النيل ينقله السقاءون على الجمال والآبار القريبة من النيل عذب ماؤها وأما البعيدة عنه فماؤها ملح ويقال إن في القاهرة ومصر اثنين وخمسين ألف جمل يحمل عليها السقاءون الروايا وهؤلاء عدا من يحمل الماء على ظهره في الجرار النحاسية أو القرب وذلك في الحارات الضيقة التي لا تسير فيها الجمال.

وفي المدينة بساتين وأشجار بين القصور تسقى من ماء الآبار وفي قصر السلطان بساتين لا نظير لها وقد نصبت السواقي لريها وغرست الأشجار فوق الأسطح فصارت متنزهات.

وحين كنت هناك أجر منزل مساحته عشرون ذراعاً في إثني عشر ذراعاً بخمسة عشر ديناراً مغربياً في الشهر كان أربعة طوابق ثلاثة منها مسكونة والرابع خال وقد عرض على صاحبه خمسة دنانير مغربية كأجرة شهرية فرفض معتذراً بأنه يلزمه إن يقيم به أحيانا ولو انه لم يحضر مرتين في السنة التي أقمتها هناك.

وكانت البيوت من النظافة والبهاء بحيث تقول إنها بنيت من الجواهر لا من الجص والآجر والحجارة وهي بعيدة عن بعضها فلا تنمو أشجار  بيت على سور بيت آخر ويستطيع كل مالك إن يجعل ما ينبغي لبيته في كل وقت من هدم أو إصلاح دون إن يضايق جاره .

ويرى السائر خارج المدينة ناحية الغرب ترعة كبيرة تسمى الخليج حفرها والد السلطان وله على شاطئيها ثلاثمائة قرية ويبتدئ فم الخليج من مدينة مصر  ويمر بالقاهرة ويدور بها ماراً  أمام قصرالسلطان وقد شيد على رأسه قصران أولهماقصر اللؤلؤة وثانيهما قصر الجوهرة.

وفي القاهرة أربعة مساجد جا مع الأزهر وجامع النور وجامع الحاكم وجامع المعز والأخير خارج القاهرة على شاطئ النيل.

ويتوجه المصريون نحو مطلع الحمل حين يولون وجوههم شطر القبلة وبين مدينتي مصر والقاهرة أقل من ميل والأولى في الجنوب والثانية في الشمال ويمر النيل بهما وبساتينهما وبيوتهما متصلة أما البقية فتحت مستوى الماء وتغمر المياه الوادي بأجمعه في الصيف كأنه بحر عدا حديقةالسلطان لأنها على مرتفع أما البقية فتحت مستوى الماء……

وصف مدينة مصر (منطقة قلعة الكبش وزينهم الآن على مايصفه ناصر خسرو رحمه الله )

شيدت مصر على ربوة وجانبها الشرقي جبل يتكون من جبال حجرية غير عالية كالتلال وفي طرف المدينة جامع ابن طولون وهو مشيد على ربوة وله جداران محكمان ولم أر أعظم منهما غير جدار آمد وميافارقين وقد بناه أمير من أمراء العباسين كان حاكماً على مصر وفي أيام الحاكم بأمر الله جد هذا السلطان المستنصر باعه أحفاد ابن طولون بثلاثين ألف دينار مغربي وبعد مدة شرعوا في هدم المئذنة بحجة أنها لم تبع فأرسل لهم الحاكم قائلا لقد بعتموني هذا المسجد فكيف تهدمونه فأجابوا نحن لم نبع المئذنة فأعطاهم خمسة آلاف دينار ثمنا لها كان السلطان يصلي في هذا المسجد طوال شهر رمضان وأيام الجمع من بقية الشهور.

ومدينة مصر مشيدة على ربوة خشية فيضان الماء عليها وهذه الربوة كانت مغطاة في وقت ما بأحجار كبيرة جدا فكسرت وسويت ويقال إن للأماكن التي لم تسو عقبة وتبدو مصر كأنها جبل حين ينظر إليها من بعيد.

وبمصر بيوت مكونة من أربع عشرة طبقة وبيوت من سبع طبقات وسمعت من ثقات إن شخصاً غرس حديقة على سطح بيت من سبعة أدوار وحمل إليها عجلاً رباه فيها حتى كبر ونصب فيهاساقية كان هذا الثور يديرها ويرفع الماء إلى الحديقة من البئر وزرع على هذا السطح شجر النارنج والترنج والموز وغيرهما وقد أثمرت كلها كما زرع فيها الورد والريحان وأنواع الزهور الأخرى.

وسمعت من تاجر ثقة إن بمصر دوراً  كثيرة فيها حجرات للاستغلال أي للإيجار ومساحتها ثلاثون ذراعاً في ثلاثين وتسع ثلاثمائة وخمسين شخصاً وهناك أسواق وشوارع تضاء فيها القناديل دائما لأن الضوء لا يصل إلى أرضها ويسير فيها الناس.

وفي مصر سبعة جوامع غير جوامع القاهرة والمدينتان متصلتان وفيهما معا خمسة عشر جامعاً مسجد جمعة وذلك لتلقى خطبة الجمعة والصلاة في كل حي منهما وفي وسط سوق مصر جامع يسمى باب الجوامع شيده عمرو بن العاص أيام إمارته على مصر من قبل عمر بن الخطاب وهذا المسجد قائم على أربعمائة عمود في الرخام والجدار الذي عليه المحراب مغطى كله بألواح الرخام الأبيض التي كتب القرآن عليها بخط جميل ويحيط بالمسجد من جهاته الأربع الأسواق وعليها تفتح أبوابه ويقيم بهذا المسجد المدرسون والمقرئون وهو مكان اجتماع سكان المدينة الكبيرة ولا يقل  من فيه في أي وقت عن خمسة آلاف من طلاب العلم والغرباء والكتاب الذين يحررون الصكوك والعقود وغيرها وقد اشترى الحاكم بأمر الله هذا المسجد من أبناء عمرو بن العاص وكانوا قد ذهبوا إليه وقالوا نحن فقراء معوزون وقد بنى جدنا هذا المسجد فإذا إذن السلطان نهدمه ونبيع أحجاره ولبناته فاشتراه الحاكم بمائة آلف دينار وأشهد على ذلك كل أهل مصر ثم أدخل عليه عمارات كثيرة عظيمة منها ثريا فضية لها ستة عشر جانباً  كل جانب منها ذراع ونصف فصارت دائرتها أربعاً وعشرين ذراعاً.

ويوقدون في ليالي المواسم أكثر من سبعماية قنديل ويقال إن وزن هذه الثريا خمسة وعشرون قنطارا فضة كل قنطار مائة رطل وكل رطل أربعة وأربعون ومائة درهم ويقال إنه حين تم صنعها لم يتسع لها باب من أبواب المسجد لكبرها فخلعوا بابا وأدخلوها منه ثم أعادوا الباب مكانه ويفرش هذا المسجد بعشر طبقات من الحصير الجميل الملون بعضها فوق بعض ويضاء كل ليلة بأكثر من مائة قنديل. وفي هذا المسجد مجلس قاضي القضاة .

وعلى الجانب الشمالي للمسجد سوق يسمى سوق القناديل لا يعرف سوق مثله في أي بلد وفيه كل ما في العالم من طرائف ورأيت هناك الأدوات التي تصنع من الذبل كالأوعية والأمشاط ومقابض السكاكين وغيرها ورأيت كذلك عاملين  مهرة ينحتون بلوراً  غاية في الجمال وهم يحضرونه من المغرب وقيل انه ظهر حديثا عند بحر القلزم بلور ألطف وأكثر شفافية من بلور المغرب ورأيت أنياب الفيل أحضرت من زنجبار كان وزن كثير منها يزيدعلى مائتي من كما أحضر جلد البقر من الحبشة يشبه جلد النمر و يعملون منه النعال وقدجلبوا من الحبشة طائراً  أليفاً كبيراً به نقط بيضاء وعلى رأسه تاج مثل الطاووس. وتنتج مصر عسلاً وسكراً كثيراً .

وفي اليوم الثالث من شهر دي القديم ديسمبر يناير من السنة الفارسية ست عشرة وأربعمائة رأيت في يوم واحد هذه الفواكه والرياحين الورد الأحمر والنيلوفر والنرجس والترنج والنارنج والليمون والمركب والتفاح والياسمين والريحان الملكي والسفرجل والرمان والكمثري والبطيخ والعطر والموز والزيتون والبليج الإهليلج والرطب والعنب وقصب السكر والباذنجان والقرع واللفت والكرنب والفول الأخضر والخيار والقثاء والبصل والثوم والجزر والبنجر.

وكل من يفكر كيف تجتمع هذه الأشياء التي بعضها خريفي وبعضها ربيعي وبعضها صيفي وبعضها شتوي لا يصدق هذا ولكن ليس لي قصد فيما ذكرت ولم أكتب إلا ما رأيت وأما ما سمعته ثم كتبته فليست عهدته على فولاية مصر عظيمة الاتساع بها كل أنواع الجو من البارد والحار وتجلب كل الحاجيات لمدينة مصر من جميع البلاد ويباع بعضها في الأسواق.

ويصنعون بمصر الفخار من كل نوع وهو لطيف وشفاف بحيث إذا وضعت يدك عليه من الخارج ظهرت من الداخل وتصنع منه الكؤوس والأقداح والأطباق وغيرها وهم يلونونها بحيث تشبه البوقلمون فتظهر مختلف في كل جهة تكون بهاويصنعون بمصر قوارير كالزبرجد في الصفاء والرقة ويبيعونها بالوزن.

وسمعت من بزاز ثقة إن وزن الدرهم الواحد من الخيط يشترى بثلاثة دنانير مغربية وهي تساوي ثلاثة دنانير ونصف نيسابورية وقد سألت في نيسابور بكم يشترون أجود الخيط فقالوا إن الخيط الذي لا نظير له يشترى الدرهم منه بخمسة دراهم.

ومدينة مصر ممتدة على شاطئ النيل الذي بنيت عليه القصور والمناظر الكثيرة بحيث إذا احتاجوا إلى الماء رفعوه بالحبال من النيل أما ماء المدينة فيحضره السقاءون من النيل أيضاً يحمله بعضهم على الإبل وبعضهم على كتفه ورأيت قدورا من النحاس الدمشقي كل واحد منها يسع ثلاثين منا وكانت من الطلاوة بحيث تظنها من ذهب وقد حكوا لي إن امرأة تملك خمسة آلاف قدر وأنها تؤجر الواحد منها بدرهم في الشهر وينبغي إن يردها المستأجر سليمة.

وأمام مصر جزيرة وسط النيل كان عليها مدينة في وقت ما و الجزيرة غربي المدينة وبها مسجد جمعة وحدائق وهي صخرة وسط النهرتقسمه قسمين كل منهما في اتساع جيحون ولكن أكثر هدوءا وبطأ في جريانه وثبت بين الجزيرة والمدينة جسر من ست وثلاثين سفينة.

ويقع جزء من مدينة مصر على جانب النيل الآخر ويسمونه الجيزلا وبها مسجد لصلاة الجمعة ولكن ليس لها جسر ولذا يعبر الناس بالزوارق أو بالمعابر وهي كثيرة في مصر أكثر مما في بغداد أو البصرة.

وتجار مصر يصدقون في كل ما يبيعونه وإذا كذب أحدهم على مشتر فإنه يوضع على جمل ويعطى جرساً بيده ويطوف به في المدينة وهو يدق الجرس وينادي قائلا قد كذبت وها أنا أعاقب وكل من يقول الكذب فجزاؤه العقاب.

ويعطي التجار في مصر من بقالين وعطارين وبائعي خردوات الأوعية اللازمة لمايبيعون من زجاج أو خزف أو ورق حتى لا يحتاج المشتري إن يحمل معه وعاء.

ويستخرجون من بذور الفجل واللفت زيت اللمصابيح يسمونه الزيت الحار والسمسم هناك قليل وزيته عزيز وزيت الزيتون رخيص والفستق أغلى من اللوز ولا تزيد العشرة أمنان من اللوز المقشور على دينار واحد.

ويركب أهل السوق وأصحاب الدكاكين الحمر المسرجة في ذهابهم وإيابهم من البيوت إلى السوق وفي كل حي على رأس الشوارع حمر كثيرةع ليها برادع مزينة يركبها من يريد نظير أجر زهيد وقيل إنه يوجد خمسون ألف بهيمة مسرجة تزين كل يوم وتكرى ولا يركب الخيل إلا الجند العسكر فلا يركبها التجار أوالقرويون أو أصحاب الحرف والعلماء ورأيت كثيراً من الحمر البلق كالخيل بل أجمل. كان أهل مدينة مصر في غنى عظيم حين كنت هناك.

وفي سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ولد للسلطان ولد فأمر الناس بإقامة الأفراح فزينت المدينة والأسواق زينة لو وصفتها لما اعتقد بعض الناس صحة ما أقول ولماصدقوني فقد كانت دكاكين البزازين والصرافين وغيرهم مملوءة بالذهب والجواهر والنقد والأمتعة المختلفة والملابس المذهبة والمقصبة بحيث لا يوجد فيها متسع لمن يريد إن يجلس.

وكان الناس جميعاً يثقون ب السلطان فلا يخشون الجواسيس ولا الغمازين معتمدين على إن السلطان لا يظلم أحد ولا يطمع في مال أحد ورأيت أموالا يملكها بعض المصرين لو ذكرتها أو وصفتها لما صدقني الناس في فارس فإني لا أستطيع إن أحدد أموالهم أو أحصرها أما الأمن الذي رأيته هناك فإني لم أره في بلد من قبل وقد رأيت هناك نصرانيا من سراة مصر قيل إن سفنه وأمواله وأملاكه لا يمكن أن تعد وحدث في سنه ما أن كان النيل ناقصاًو كانت الغلة عزيزة فأرسل الوزير إلى هذا النصراني وقال ليست السنة رخاء و السلطان مشفق على الرعية فأعط ما استطعت من الغلة إما نقداً وإما قرضا قال النصراني أسعدالله السلطان والوزير إن لدي من الغلة مايمكنني من إطعام أهل مصر الخبز ست سنوات ولا شك إن سكان مصر في ذلك الوقت كانوا كثرين فإن سكان نيسابور خمسهم مع الإسراف في التقدير وكل من يستطيع الحكم يدرك كمي نبغي إن يكون لهذا الثري لتبلغ غلته هذاالمقدار وأي سلام كانت فيه الرعية وأي عدل كان للسلطان بحيث تكون أحوال الناس على هذا الوضع وأموالهم بهذا القدر لم يكن السلطان يظلم أو يجور على أحد ولا كان أحد من الرعية يخفي أو ينكر شيئاً مما يملك .

ورأيت هناك خانا يسمى دار الوزير لا يباع فيه سوى القصب وفي الدور الأسفل منه يجلس الخياطون و في الأعلى الرفاءون وسألت القيم عن أجرة هذا الخان الكبير فقال كانت سنة عشرين ألف دينار مغربي ولكن جانبا منه قد تخرب وهو يعمر الآن فيحصل منه كل شهر ألف دينار يعني إثني عشر ألف دينار في السنة وقيل إن في هذه المدينة مائتي خان أكبر منه أو مثله.

وصف مائدة السلطان

يقيم السلطان مأدبة في كل من العيدين ويأذن بالاستقبال في قصره للخواص والعوام وتنصب مائدة الخواص في حضرته ومائدة العوام في سرايات أخرى وقد سمعت كثيراً عن هذه المآدب فرغبت في رؤيتها رأي العين فذهبت عند أحد كتاب السلطان وكنت قدصاحبته فتوطدت الصداقة بيننا وقلت له رأيت مجالس ملوك وسلاطين العجم مثل السلطان محمود الغزنوي وابنه السلطان مسعود وقدكانا ملكين عظيمين ذوي نعمة وجلال وأريد أن أرى مجالس أمير المؤمنين فنقل رغبتي إلى الموكل بالستار المسمى صاحب الستر وقد تفضل هذا فسمح لي بالذهاب في آخر رمضان سنةأربعين وأربعمائة 7مارس كان المجلس قد أعد لليوم الثاني وهو يوم العيد حيث يحضر السلطان بعد الصلاة فيجلس في صدر المائدة.

حين دخلت من باب السراي رأيت عمارات وصففو إيوانات إن أصفها يطل الكتاب كان هناك اثنا عشر جناحاً أبنيتها مربعة وكلها متصلة بعضها ببعض وكلما دخلت جناحا منها وجدته أحسن من سابقه ومساحة كل واحد منها مائة ذراع في مائة عدا واحداً منها كانت مساحته ستين ذراعاً في ستين كان بهذا الأخير تخت يشغل عرضه بتمامه وعلوه أربع أذرع وهو مغطى بالذهب من جهاته الثلاث وعليه صور المصطاد والميدان وغيرهما كما أن عليه كتابة جميلة وكل ما في هذا الحرم من الفرش والطرح من الديباج الرومي والبوقلمون نسجت على قدر كل موضع تشغله وحول التخت درابزين من الذهب المشبك يفوق حد الوصف ومن خلف التخت بجانب الحائط درجات من الفضة وبلغ هذا التخت من العظمة أني لو قصرت هذا الكتاب كله على وصفه ما استوفيت الكلام وما كفى.

وقيل إن راتب السكر في ذلك اليوم الذي تنصب فيه مائدة السلطان خمسون ألف من وقد رأيت على المائدة شجرة أعدت للزينة تشبه شجرة الترنج كل غصونها وأوراقها وثمارها مصنوعة من السكر وعليها ألف صورة وتمثال مصنوعة كلها من السكر أيضاً.

ومطبخ السلطان خارج القصر ويعمل فيه دائما خمسون غلاماً ويصل القصر بالمطبخ طريق تحت الأرض وجرت العادة في مصر إن يحمل إلى دار الشراب السلطانية شرابخانة كل يوم أربعة عشر حملاً من الثلج كان لمعظم الأمراء والخواص راتب من هذا الثلج ويصرف منه لمن يطلبه من مرضى المدينة وكذلك كل من يطلب من أهلها مشروبا أو دواء من الحرم السلطاني فإنه يعطاه كما إن هناك زيوتا أخرى كزيت البلسان وغيره  كان للناس كافة أن يطلبوها فلا تمنع عنهم.

سيرة سلطان مصر

بلغ أمن المصريين واطمئنانهم إلى حد إن البزازين وتجار الجواهر والصيارفة لايغلقون أبواب دكاكينهم بل يسدلون عليها الستائر ولم يكن أحد يجرؤ على مد يده إلىشيء منها يحكى أنه كان بمصر يهودي وافر الثراء يتجر بالجواهر كان مقرباً من السلطان الذي كان يعتمد عليه في شراء مايريد من الجواهر الكريمة وذات يوم اعتدى عليه الجنود وقتلوه فلما ارتكبوا هذا الجرم خشوا بطش السلطان فركب عشرون ألف فارس منهم وخرجوا إلى الميدان وهكذا خرج الجيش إلى الصحراء وخاف أهل المدينة مغبة هذه المظاهرة إذ ظل الجيش في الصحراء حتى منتصف النهار فخرج إليهم خادم القصر ووقف بباب السراي وقال إن السلطان يسأل إذا كنتم مطيعين أم لا فصاحوا صيحة واحدة نحن عبيد مطيعون ولكننا أذنبنا فقال الخادم يأمركم السلطان بأن تعودوا فعادوا في الحال.

واسم هذا اليهودي المقتول أبو سعيد كان له ابن وأخ وقيل إنه لا يعرف مدى غناه إلا الله فقد كان على سقف داره ثلاثمائة جرة من الفضة زرع في كل منها شجرة كأنها حديقةو كلها أشجار مثمرة وقد كتب أخوه لما ملكه من الفزع رسالة للسلطان يقول فيها أن يأقدم للخزانة مائتي ألف دينار مغربي حالا فأمرالسلطان بعرض الرسالة على الناس وتمزيقها على الملأ وقال كونوا آمنين وعودوا إلى بيوتكم فليس لأحد شأن بكم ولسنا بحاجة لمال أحد واستمالهم إليه.

وكان لكل مسجد في جميع المدن والقرى التي نزلت بها من الشام إلى القيروان نفقات يقدمها وكيل السلطان من زيت السرج والحصير والبوريا وسجاجيد الصلاة ورواتب القوم و الفراشين والمؤذنين وغيرهم وكتب والي الشام في بعض السنين إلى السلطان بأن الزيت قليل ثم استأذن في إن يصرف للمساجد الزيت الحار المستخرج من بذور الفجل واللفت فأجيب إنك مأمور لا وزير وليس من الجائز إن تغير أو تبدل في شيء يتعلق ببيت الله.

ويتقاضى قاضي القضاة ألفي دينار مغربي في الشهر ومرتب كل قاض على قدر مرتبته ذلك حتى لا يطمع القضاة في أموال الناس أويظلمونهم والعادة في مصر إن يقرأ مرسوم السلطان في المساجد في منتصف رجب وهو: يامعشر المسلمين حل موسم الحج وسيجهز ركب السلطان كالمعتاد وسيكون معه الجنود والخيل والجمال والزاد وينادى بذلك في شهر رمضان أيضاً ويبدأ الناس في السفر ابتداء من أول ذي القعدة وينزلون في موضع معين ثم يسيرون في منتصف هذا الشهر ويبلغ خرج الجيش الذي يرافق السلطان ألف دينار مغربي في اليوم هذا عدا عشرين ديناراً مرتبة لكل رجل فيه ويبلغون مكة في خمسة وعشرين يوماً ويمكثون بها عشرة أيام ثم يعودون إلى مصر في خمسة وعشرين يوما ونفقاتهم في الشهرين ستون ألف دينار مغربي عدا التعهدات والصلات والمشاهرات وثمن الجمال التي تنفق في الطريق.

وقد قرى على الناس سنة تسع وثلاثين وأربعمائة المرسوم التالي من سجل السلطان : يقول أمير المؤمنين أنه ليس من الخير إن يسافر الحجاج للحجاز هذا العام فإن بها قحطاً وضيقاً وقد هلك به خلق كثيرون وإني أقول هذا شفقة بالمسلمين فلم يسافر الحجاج , كان السلطان يرسل الكسوة للكعبة كالمعتاد لأنه يرسلها مرتين كل سنة فلما سافرت الكسوة مع وفد السلطان عن طريق القلزم سافرت معهم فخرجت من مصر أول ذي القعدة وبلغت القلزم في الثامن منه ومن هناك أقلعت السفينة فبلغنا بعد خمسة عشر يوماً مدينة تسمى الجار في الثاني والعشرين من ذي القعدة وقمنا من هناك فبلغنا مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد أربعةأيام.(43) ].

وهنا  هذا الوصف يؤكد أن هذه الحضارة وهذه البهجة التي أوجدها الفاطميون في مصر ليست إلا نتاج عمل وإنتاج وإيمان وإخلاص لله تعالى وحب متبادل بين الراعي والرعية وأخلاق وقامت على قانون يجرم الكذب ويعاقب عليه كما ذكر الرحالة ناصر خسرو رحمه الله ولذلك استمرت العادات التي غرسها الفاطميون في أهل مصر ليس بالسيف ولكن بالعقل والحب والثقة  المتبادلة بين الراعي والرعية وإلا لما حافظ المصريون على عاداتهم وتقاليدهم من العصر الفاطمي إلى الآن  حيث بلغنا زماناً يحاول فيه الخونة والهوابية طمس تلك المعالم وتغييرها بمسلسلات رمضانية فاجرة ووهابية يبدعون كل مايمت لرسول الله (صلى الله عليه وآله ) ودين الإسلام الحقيقي بصلة .(44)

 

 

 

 

المحور الثالث  مظاهر

البهجة والإحتفالات الفاطمية

 

(1)

مواسم الفاطميين :

اشتهر العصر الفاطمي بكثرة المواسم والاحتفالات والإنفاق ببذخ عليها .

وقد تفاعل المصريون مع هذه الإحتفالات والمناسبات وأحبوها لما كانت تمثله بالنسبة لهم من أهمية معنوية وترفيهية بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية حيث كانت توزع فيها العطايا من أموال وكسوة وطعام . .

وأهم هذه المناسبات التي كان يحتفل بها الفاطميون .

1– مناسبة رأس السنة الهجرية

2- ومناسبة عاشوراء .

3-  ومولد النبي ( صلى الله  عليه وآله ) .

4- وعيد الفطر .

5- وعيد النحر ( الأضحى ) .

 6- وليلة النصف من شعبان .

7-  ومولد الإمام علي .

 8- ومولد الحسن .

9- ومولد الحسين .

10- ومولد فاطمة .

11- وأول رمضان .

12- وعيد الغدير .

13- وموسم فتح الخليج .

14- وكسوة الشتاء .

15- وكسوة الصيف.

16- ويوم النيروز.

17- وليلة أول رجب وليلة النصف منه .

وذلك غير المناسبات الأخرى الخاصة بخلفاء الفاطميين . وقد نحولت هذه الإحتفاليات إلى عادات وتقاليد مصرية  سائدة إلى اليوم  وقد كانت هذه الإحتفالات فعلياً  تعكس الحالة الاقتصادية السائدة في العصر الفاطمي . وهي حالة على ما يبدو من هذه الإحتفالات تدل على رغد العيش واتساع الأرزاق وبالتالي سادت ثقافة البهجة والأعيا والإحتفالات  حيث ساد الأمن والرزق فتحقق في مصر  ما أمر الله تعالى به أهل مكة لما قال تعالى لهم : { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } .

(2)

المظاهر الحضارية  والتصوير والمسرح

عند الفاطميين

عنى الفاطمييون بمظاهر التحضر المختلفة فلا عجب أن اهتموا بالتصوير و من مظاهر الترف والحضارة التي تبعث على البهجة في الدولة الفاطمية :

[ أن الآمر بأحكام الله (495-524ه\ 1101-112 م ) شيد ببركة الحبش منظرة من خشب , و أمر أن يصور فيها بالألوان عدد من شعرائه و بلادهم, و ان يكتب فوق صورة كل منهم ابياتا من الشعر فى مدح الخليفة.

مصور فاطمى يسمى “الكتامى” صور فى دار النعمان صورة سيدنا يوسف فى الجب. ,  و يبدو أن سوق المصورين كانت رائجة فى هذا العصر و قد ورد بعض أسماء المصوريين فى كتاب “ضوء النبراس و أنس الجلاس فى أخبار المزوقين من الناس” مثل: القصير و بنى المعلم و النازوك و الكتامى و هم من المصريين. كما أشار الى مصورين غير مصريين اشتغلوا فى مصر مثل ابن عزيز من العراق.
– اشتهروا بصناعة النقش و الفسيفساء, ذكر المقدسى أنه شاهد على فسيفساء الكعبة الشريفة توقيع صناع مصريين.

و من المعروف أن فسيفساء قبة الصخرة جددت كما صنعت فسيفساء قبة جامع الأقصى فى بيت المقدس فى عصر الخليفة الظاهر 418 هـ \ 1027 م , و قد جاء فى كتابة بها مؤرخة آخر ذى القعدة سنة 426 هـ  توقيع أحد المزوقين المصريين فى العصر الفاطمى “صنعة عبد الله بن الحسن المصرى المزوق”.
– وجود شعراء أمثال عمارة اليمنى.

و يلاحظ تأثر الصور الجدارية الفاطمية بأسلوب سامرا حتى أن يصعب تعيين اختلاف جوهرى بينهما :
1- اذ يلاحظ مثلا أن الثوب الذى يحليه زخرفة من وحده متكررة.
2- الهالة الكاملة الاستدارة.
3- أشكال الرؤس و رسوم الطير و الزخارف النباتية.
4- الاطار الذى يشتمل على أشكال كروية.
كما ان الوشاح مثلا الموجود فى صورة وجدت فى حمام فاطمى حول ظهر الشاب الجالس يشبه فى طريقة وضعه الوشاحين حول ظهر الراقصتين فى صور سامرا, و ان كان الوشاح الفاطمى قد رسم بأسلوب أقل واقعية: اذ أنه شبه معلق فى الهواء فى حين أن وشاح الراقصتين فى سامرا يتدليان الى أسفل بشكل طبيعى.

أما من حيث الأسلوب فيتضح فى الصور الجدارية الفاطمية خصائص قريبة من سامرا: اذ أنه أسلوب مسطح يعتمد على الخطوط, و بعيد عن الواقعية, و ذو طابع زخرفى.
و يمكن تعليل التشابه بأنهم ورثوا أسلوبهم من الطولونيين و من جاء بعدهم و هؤلاء كانوا قد نقلوا أسلوبهم من سامرا ضمن ما نقلوه من الأساليب الفنية الأخرى.

يلاحظ أن كلا من العباسيين و الفاطميين أعتمدوا على الفرس, و من ثم ظهر فى فنهم طابع فارسى مشترك. و من المعروف أن الدولة الفاطمية استخدمت عددا من الفرس سواء فى نشر المذهب الفاطمى أو فى القيام بأعباء الحكم و الادارة, كما اعتبر الفاطميون بلاد الفرس من المناطق المتصلة بنفوذهم المذهبى, و أحيوا فى دولتهم كثيرا من المراسم الفارسية القديمة .


أيضا من أهم آثار الفاطميين على مصر و التقاليد و العادات التى بقيت الى الآن :

 

.. ارتبطت الكثير من العادات والتقاليد والطقوس بالدولة الفاطمية في مصر حيث مازال التاثير الفاطمي يظهر في مصر أثناء شهر رمضان والأعياد.( كما سنبينه فيما بعد)
إن بعض مؤرخي تاريخ المسرح العربي يرون ان بذور المسرح كانت بدأت في الظهور في العصر الفاطمي من خلال ما يسمى بالمهرج والحاوي أثناء الإحتفالات في العصر الفاطمي.
ومازال المصريون يتذكرون موكب حصان الخليفة المهيب الذي كان يخرج يوم المولد النبوي فيصنعون حلوى تشبه هذا الحصان.

وارتبط العصر الفاطمي بكثير من الحكايات الشعبية المصرية التي ليس لها سند تاريخي ولكن يتناقلها الناس من جيل إلى جيل كحادثة نقل جبل المقطم على يد سمعان الخراز والقصص المرتبطة بالشاطر حسن وأيضا الحواديت المرتبطة بست الملك أخت الحاكم بأمر الله . وغيرها الكثير.(45) ] .

 

(3)

المظاهر الرمضانية منذ العهد

الفاطمى

[ التقاليد الفاطمية:

ربما كانت العادات والتقاليد الشعبية المصرية هي الذكرى الأساسية التي مازالت تربط المصريين بفترة الدولة الفاطمية حتى الآن رغم الحملات العسكرية والثقافية التي شنتها الدول المتعاقبة (الأيوبيين ، المماليك والعثمانيين) على التشيع في مصر وسعيها للقضاء على كل أثر للفاطميين حتى لو كان مسجداً، فقد تمسك الشعب المصري بعاداته وتقاليده الفاطمية لدرجة أجبرت حكام هذه الدول على مسايرتها في النهاية.

و لعل بقاء هذه العادات حتى الآن إشارة واضحة إلى أن الفترة الفاطمية كانت الأكثر تأثيراً في ذهنية الشعب المصري الذي لا يحمل وعيه الجمعي أي ذكرى حقيقية عن الدول السابقة على العهد الفاطمي.

ويمثل شهر رمضان الفترة التي ينتقل فيها الوعي المصري إلى المرحلة الفاطمية بشكل شبه كامل، وربما كان هذا هو سر تميز شهر رمضان في مصر، وتميز هذا الشهر لدى المصريين،كونهم ينفصلون فجأة عما هو سائد ويرتبط وعيهم من جديد بالعادات والمظاهر الفاطمية وما تمتلكه من جاذبية ورسوخ لدى الشخصية المصرية .   يعد

“المسحراتي”

من أهم المظاهر الرمضانية الأساسية التي حرص عليها الفاطميون في مصر، وقد احتفظ هذا التقليد باستمراريته حتى الآن كغيره من الطقوس الفاطمية رغم عدم الحاجة العملية له، وربما تشير بعض الروايات التاريخية إلى أن بداية هذا التقليد كانت سابقة على ظهور الفاطميين، إلا أنه على كل حال ارتبط بهم أكثر من أي أسرة حاكمة أخرى نظراً لأن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله تولى هذه المهمة بنفسه مع بدايات عهدهم بالقاهرة ، وقد تواصل اهتمام الخلفاء الفاطميين بهذه المهنة وإن لم يتولوا مهمتها بأنفسهم وإنما اكتفوا بتخصيص أحد الأشخاص للقيام بها، ولعل انتشار هذا التقليد في معظم المناطق التي خضعت للنفوذ الفاطمي كمصر وجنوب لبنان واليمن بشكل خاص يعد دليلاً على ارتباطه بالعهد الفاطمي .

فانوس رمضان:

ثمة تقليد آخر مازال مرتبطاً بهم حتى الآن في الذهنية المصرية وكانت بدايته بالفعل مع دخول الفاطميين وهو “فانوس رمضان”، وقد ارتبط هذا التقليد مع ليلة دخول المعز لدين الله الفاطمي للقاهرة والتي صادفت أنها ليلة أول يوم في رمضان فأمر القائد الفاطمي جوهر الصقلي بأن يخرج الناس لاستقباله حاملين الشموع لإنارة الطريق أمامه، وحتى لا تنطفئ الشموع، لجأ الناس إلى وضعها على قاعدة من الخشب وإحاطتها ببعض الزعف والجلد الرقيق، وتشير المرويات التاريخية أن الخليفة الفاطمي أثار إعجابه هذا الاستقبال ، واعتبرت الفوانيس من هذه اللحظة تقليداً رمضانياً مصرياً.

وفي عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي تطورت صناعة الفوانيس بدرجة أكبر بعد أن أصدر أمره بألا تخرج النساء من منازلهن إلا إذا تقدمهن صبي يحمل فانوساً، كما أمر بتعليق الفوانيس على أبواب المنازل ومداخل الحارات، وفرض غرامات على من يخالف هذا الأمر، وبالتالي فقد أصبح للفوانيس أحجام وأشكال مختلفة طبقاً لأغراض الاستخدام المختلفة .

وقد ارتبط فانوس رمضان كذلك بتجمعات الأطفال وغنائهم في الشوارع ، ويقال أن هذه التجمعات بدأت في عهد الخليفة الفاطمي العاضد الذي كان يخرج بنفسه لاستطلاع هلال رمضان وكان الأطفال يخرجون معه لإنارة الطريق بالفوانيس مرددين بعض الأغنيات فرحاً بقدوم شهر رمضان، وقد استمر فانوس رمضان حتى الآن رمزاً لبهجة الأطفال في هذا الشهر، ومن المعتاد مشاهدة تجمعاتهم بالفوانيس وهم ينشدون بعض الأغاني التراثية وأشهرها: “وحوي يا وحوي .. اياحا، وكمان وحوي .. اياحا”. ومن المعتاد أن يطرق الأطفال في كل شارع الأبواب أثناء انشادهم لهذه الأغاني طالبين الحلوى من الجيران .

أما عبارة ” وحوي يا وحوي .. إياحا ”

التي يرددها الأطفال فهي أنشودة فرعونية قديمة كانت تردد في الاحتفال بالقمر وأصل الأنشودة : “قاح وي، واح وي، إحع” ومعناها “ما أجمل ظهورك يا قمر ” وقد حرفت كلمة ” إحع” والتي تعني القمر إلى ” إياحا” للتخفيف.

ويبدو غريباً أن يحافظ المصريون على هذه الأغنية التراثية كل هذه الفترة الزمنية الطويلة ، لكنها تشير إلى أن المسلمين في مصر ارتبطت عاداتهم وتقاليدهم بتراثهم القبطي والمصري القديم.

” الحلويات الرمضانية ”

ثمة تقليد آخر رسخه الفاطميون في مصر وهو تناول بعض الأطعمة والحلويات مثل “الكنافة” و”القطائف”، وسعوا من خلال هذه الأطعمة للدعوة إلى مذهبهم عبر صناعتها بشكل معين يخدم جوهريات هذا المذهب ويرسخها بهدوء في الشخصية المصرية،كما يشير بعض الباحثين.

وبالرغم من أن المرويات التاريخية تذكر أن ظهور الكنافة كان سابقاً بفترة طويلة على ظهور الفاطميين فإن صناعتها بالطريقة المتبعة الآن تبدو مرتبطة بالفاطميين، حيث يتم وضع دقيق مخلوط بالماء في وعاء به العديد من الثقوب الرفيعة، ثم يتم نشر هذا الخليط على سطح ساخن من الصاج في شكل دائري على عكس حركة الساعة، وهي طريقة مختلفة تماماً عن طرق صنع الكنافة في أماكن أخرى، وقد استخدمها الفاطميون في لفت نظر المصريين إلى مدى قدسية الشكل الدائري والذي يحتل مكانة خاصة في التراث الإسماعيلي بشكل خاص، وفي التفسيرات الباطنية للدين بشكل عام.

أما القطائف فاسمها مشتق من القطيفة نظراً لملمسها الناعم، وهي عجينة يتم انضاجها على صاج ساخن على هيئة أقراص، ثم تحشى بالمكسرات ويثنى القرص ويغلق عليها؛ وهذا الشكل الذي اتخذته القطائف ساعد الفاطميين في نشر رؤيتهم عن عقيدة الظاهر والباطن غير المنفصلين من ناحية الأهمية كما ينص المذهب الإسماعيلي، بشكل مبسط تجاوز ما يعانيه هذا المذهب من الغاز وصعوبة واضحة.

” العادات الدينية “:

أما العادات الدينية قد اشتهرت في مصر عادة ختم القرآن الكريم في رمضان والاحتفال به في اليوم التاسع والعشرين، وهي عادة ارتبطت بالفاطميين على وجه الخصوص، حيث كان القصر الفاطمي يشهد احتفالاً في هذا اليوم بختم القرآن الكريم وتصرف مخصصات للمقرئين والمؤذنين بحكم أنها ليلة ختام الشهر الكريم .

ومن مظاهر هذا الاحتفال في العصر الفاطمي حضور الوزير لتناول الإفطار مع الخليفة ، ويشاركهم العلماء والمقرئون الذين يتناوبون قراءة القرآن من الفاتحة إلى خاتمته، وفي نهاية الحفل تفرق الخلع الشريفة وصرر الدنانير والدراهم على العلماء والمقرئين والمؤذنين .

لقد كانت الدولة الفاطمية من أكثر الدول الحاكمة التي أدركت ما للمصريين من خصوصية حضارية وثقافية، وبالتالي فقد سعت لأن تكون عاداتها وتقاليدها وحتى طريقة دعوتها لمذهبها الإسماعيلي قريبة من هذه الخصوصية، لذلك كانت الدولة الأكثر تأثيراً في وعي المصريين وشعورهم القومي.(46) ] .

[ . وفي العصر الفاطمي بمصر كان يُعهد فيه للقضاة بالطواف بالمساجد في القاهرة وباقي الأقاليم في أيام رمضان ؛ لتفقُّد ما تم إجراؤه فيها من إصلاح وفرش وتعليق المسارج والقناديل ، حتى إن الرحالة “ناصر خسرو” الذي زار مصر في القرن الخامس الهجري وصف “الثريا” التي أهداها الخليفة الحاكم بأمر الله إلى مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط بأنها كانت تزن سبعة قناطير من الفضة الخالصة، وكان يوقد به في ليالي المواسم والأعياد أكثر من 700 قنديل، وكان يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض، وما إن ينتهي شهر رمضان حتى تُعاد تلك الثريا والقناديل إلى مكان أعد لحفظها فيه داخل المسجد ، كما أن الدولة في ذلك الوقت كانت تخصص مبلغًا من المال لشراء البخور الهندي والكافور والمسك الذي يصرف لتلك المساجد في شهر الصوم .

وعن الأسواق التي كانت تنشط فيها الحركة التجارية خلال شهر رمضان

سوق الشماعين بالنحاسين من أهم الأسواق خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين، فكان به في شهر رمضان موسم عظيم لشراء الشموع الموكبية التي تزن الواحدة “عشرة أرطال” فما دونها، وكان الأطفال يلتفون حول إحدى الشموع وبأيديهم الفوانيس يغنون ويتضاحكون ويمضون بموكبهم المنير في الحواري من بعد الإفطار حتى صلاة التراويح..

أما عن ”

” سوق الحلاويين “

الذي كانت تروق رؤيته في شهر رمضان، فكان من أبهج الأسواق ومن أحسن الأشياء منظرًا؛ حيث كان يصنع فيه من السكر أشكال خيول وسباع وغيرها تسميالعلاليق“.

وكان هناك أيضًا سوق السمكرية داخل باب زويلة “بوابة المتولي بالغورية”، فيعجُّ بأنواع “الياميش” و”قمر الدين”، وكانت وكالة “قوصون” شارع باب النصر التي ترجع إلى القرن الثامن الهجري مقر تجار الشام ينزلون فيها ببضائع بلاد الشام من الزيت والصابون والفستق والجوز واللوز والخروب..

ولما خربت وكالة قوصون في القرن التاسع انتقلت تجارة المكسرات إلى وكالة مطبخ العمل بالجمالية، وكانت مخصصة لبيع أصناف النقل كالجوز واللوز ونحوهما..

كما كان يتم عرض أنواع الحلوى مثل “القطايف” و”الكنافة”؛ إذ يقال إن الكنافة صنعت خصيصًا للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، كما قيل : إنها صنعت للخليفة معاوية بن أبي سفيان.
وكانت الكنافة والقطايف موضع مساجلات بين الشعراء فجلال الدين السيوطي له رسالة عنوانها : “منهل اللطايف في الكنافة والقطايف“.

ولم تكن مظاهر الاحتفال وما يقدم على الموائد فحسب.. بل كان لها تقاليد رسمية، فقد كان الخليفة يخرج في مهرجان إعلان حلول شهر رمضان من باب الذهب “أحد أبواب القصر الفاطمي”، متحليًا بملابسه الفخمة وحوله الوزراء بملابسهم المزركشة وخيولهم بسروجها المذهبة، وفي أيديهم الرماح والأسلحة المطعمة بالذهب والفضة والأعلام الحريرية الملونة، وأمامهم الجند تتقدمهم الموسيقى، ويسير في هذا الاحتفال التجار صانعو المعادن والصاغة، وغيرهم الذين كانوا يتبارون في إقامة مختلف أنواع الزينة على حوانيتهم فتبدو الشوارع والطرقات في أبهى زينة..

وكان موكب الخليفة يبدأ من بين القصرين “شارع المعز بالصاغة الآن”، ويسير في منطقة الجمالية حتى يخرج من باب الفتوح “أحد أبواب سور القاهرة الشمالية”، ثم يدخل من باب النصر عائدًا إلى باب الذهب بالقصر،

وفي أثناء الطريق توزع الصدقات على الفقراء والمساكين،

وحينما يعود الخليفة إلى القصر ,

 يستقبله المقرئون بتلاوة القرآن الكريم في مدخل القصر ودهاليزه، حتى يصل إلى خزانة الكسوة الخاصة، فيغيِّر ملابسه ويرسل إلى كل أمير في دولته بطبق من الفضة مملوء بالحلوى، تتوسطه صرة من الدنانير الذهبية وتوزع الكسوة والصدقات والبخور وأعواد المسك على الموظفين والفقراء، ثم يتوجه لزيارة قبور آبائه حسب عاداته، فإذا ما انتهى من ذلك أمر بأن يكتب إلى الولاة والنواب بحلول شهر رمضان.

 

وكان الخليفة الفاطمي يصلي أيام الجمعة الثلاث :

 

 الثانية والثالثة والرابعة على الترتيب التالي

 

الجمعة الثانية في جامع الحاكم .

 

والثالثة في الجامع الأزهر، .

 

 أما الرابعة التي تعرف بالجمعة اليتيمة فكان يؤديها في جامع عمرو بالفسطاط ، .

 

وكان يصرف من خزانة التوابل ماء الورد والعود برسم بخور الموكب والمسجد، وعقب صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان يُذاع بلاغ رسمي عرف بسجل البشارة، وآخر ليلة من الشهر الكريم كان القراء والمنشدون يحيونها بالقصر الشرقي الكبير والخليفة يستمع من خلف ستار، وفي نهاية السهرة كان الخليفة ينثر على الحاضرين دنانير الذهب.

 

“موائد الرحمن الرمضانية

 

يروى أن أحمد بن طولون حاكم مصر ومؤسس الدولة الطولونية هو أول من رأى في شهر رمضان مناسبة كريمة لاستثمار الفضائل؛ فأمر بدعوة أغنياء وحكام الأقاليم في أول يوم من رمضان ووزعهم على موائد الفقراء والمحتاجين كي ينفقوا عليها ، وعرفت موائد الرحمن الرمضانية في العصر الفاطمي وسميت “السماط” ، وكان الخليفة يعد مائدة كبيرة في قاعة الذهب بقصره تمتد من الليلة الرابعة من رمضان حتى الليلة السادسة والعشرين، ويدعى إليها كبار رجال الدولة والأمراء والوزير وقاضي القضاة ، إضافة إلى موائد أخرى في مسجد عمرو بن العاص والجامع الأزهر، وكذلك إناء مملوءة بالطعام تخرجها مطابخ قصر الخليفة للمحتاجين., ويعتبر الخليفة الفاطمي العزيز بالله أول من عمل مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق (عمرو بن العاص)، وأقام طعامًا في الجامع الأزهر مباحًا لمن يحضر في شهور رجب وشعبان ورمضان، وكان يخرج من مطبخ القصر في شهر رمضان 1100 قدر من جميع ألوان الطعام، توزع كل يوم على المحتاجين والضعفاء.

 

وفي العصر الفاطمي كانت تمتد آلاف الموائد المليئة بأطيب الطعام للصائمين غير القادرين أو عابري السبيل في صورة رائعة تجسد جوهر ما دعى إليه الدين الحنيف من تكافل وتراحم ،

 

وكان الخليفة العزيز بالله ومن بعده المستنصر بالله يهتمون بموائد الإفطار التي تقام في قصر الذهب للأمراء ورجال الدولة ، وكذا التي تقام في المساجد الكبرى للفقراء والمساكين حتى بلغت نفقات شهر رمضان مدة 27 يوما ثلاثة آلاف دينار.

 

“دار الفطرة

 

وفي العصر الفاطمي أيضا بنى الخليفة الفاطمي العزيز بالله دارا سميت “دار الفطرة” خارج قصر الخلافة بالقاهرة، وقرر فيها صناعة ما يحمل إلى الناس في العيد من حلوى وكعك وتمر وبندق، وكان يبدأ العمل بدار الفطرة من أول رجب إلى آخر رمضان، ويستفيد منها الأمراء والفقراء، حيث توزع عليهم أصنافها كل على قدر منزلته، ويقوم بالتوزيع مئة فرّاش ، وكان يعمل في هذه الدار مئة صانع للحلوى وغيرها من المأكولات ، علاوة على ما هو مرتب لخدمتها من الفراشين الذين يحفظون رسومها ومواعينها ، وكان يصرف على أجرة الصنّاع والمواعين خمسمائة دينار ، أما ما يفرق على الناس فكان يصرف عليهكما قال بن الطوير – سبعة آلاف دينار، وقال غيره عشرة آلاف، وجرت العادة في هذا العصر أن يحضر الخليفة الفاطمي العزيز بالله إلى دار الفطرة ومعه الوزير فيجلس الخليفة على سريره ، ويجلس الوزير على كرسي ، وذلك في النصف الثاني من شهر رمضان، ويدخل معهما قوم من الخواص، ويشاهد الخليفة ما بالدار من الحواصل المعمولة المعبأة مثل الجبال من كل صنف فيفرقها من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد وهو أقلها، كل على قدر منزلته، وذلك في أوانٍ لا تُرد، ثم ينصرف الخليفة ووزيره بعد أن ينعم على مستخدمي الدار بستين دينارا. (47) ] .

 

 

(4)

عيدية العيد

وتمثل العيدية المتداولة في الأعياد عادة قديمة بدأت منذ العصر الفاطمي مع كعك العيد، حيث كان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي يمنح أمراء الدولة “سرة من الدنانير” في المناسبات.

ويرجع ظهور العيدية كمنحة لموظفي الدواوين الحكومية والوزارات لسياسة “الترغيب والترهيب” التي اتبعها الخليفة المعز لدين الله والمعروفة تاريخياً بـ”ذهب المعز وسيفه”، تيمنا بما فعله الخليفة الفاطمي عندما اختلف المصريون على صحة نسبه إلى البيت النبوي، فوقف وسط جموع الشعب في مسجد عمرو بن العاص شاهرا سيفه وقائلا: هذا نسبى، ثم نثر بعض الذهب على رؤوسهم مرددا: هذا حسبي.

وقد أثبتت الأحداث التاريخية أن الفاطميين بمصر أحسنوا استخدام ذهب المعز للاستمالة والترغيب أكثر من تطبيقهم سياسة السيف للترهيب، إذ خصصوا لكل مناسبة دينية رسما ماليا توزع معه العيديات النقدية والعينية، ففي عيدي الفطر والأضحى كان الخلفاء يوزعون على الفقهاء وقراء القرآن الكريم بمناسبة ختم القرآن ليلة العيد مقادير مختلفة من الدراهم الذهبية، مع توزيع كسوة العيد على موظفي الدولة، مصحوبة بمبالغ من الدنانيرالذهب تختلف حسب رتبهم الوظيفية.

وكانت العيدية تحظى باهتمام أكبر في عيد الأضحى، فقد رصد الفاطميون لرسوم العيدية عام 515هـ خلال خلافة الحاكم بأمر الله نحو 3 آلاف و307 دنانير ذهبية.

وتم توزيع “ذهب المعز” أيضا كعطايا عندما يذهب الناس إلى قصر الخليفة الفاطمي لتهنئته صباح يوم العيد، إذ كان الخليفة يطل عليهم من شرفة أعلى باب القصر ليفرق عليهم الدراهم الفضية والدنانير الذهبية، وعرفت تلك النقود باسم العيدية نظرا لارتباط الحصول عليها بقدوم العيد حتى حدثت محن في عهد الفاطميين أدت إلى ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة العملات عدة مرات، مما دفع الميسورين إلى اكتناز الذهب، وكانت النتيجة أن طردت الدراهم الفضية دنانير الذهب من التعامل اليومي إلى الادخار في قصور الأثرياء.

ولم تتوقف الدولة الفاطمية عن منح العيدية إلا في آخر أيامها عندما اضطربت الأحوال الداخلية بسبب الحملات الصليبية على بلاد الشام وأطراف مصر الشرقية، وعلى يد صلاح الدين الأيوبي توقف مؤقتا دور الدولة في صرف العيدية أو الرسوم لأرباب الوظائف المدنية، حينما اكتفت الدولتان الأيوبية والمملوكية بصرفها للجنود من المماليك وبصفة خاصة في عيد الأضحى، ففي العصر المملوكي كان السلطان يقدم راتبا للأمراء والجنود بمناسبة قدوم العيد، وفقا لرتبة كل منهم بحيث يحصل الأقل رتبة على عيدية أقل مما يحصل عليها الأعلى رتبة.

وكثيرا ما تعرض بعض سلاطين المماليك لاعتداءات بسبب قلة أو تأخر نفقة العيد، وربما ترتب على تذمر المماليك عزل السلطان عند فشله في إرضاء رغبات مماليكه.

واسم العيدية المتداول أيام المماليك “الجامكية” وتنوعت أشكالها، فكانت تقدم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية، ولآخرين كدنانير من الفضة، كما اتخذت العيدية صورة الحلويات والمأكولات الشهية والملابس الفاخرة والبالونات والألعاب وغيرها.

وكان المسلمون يعتبرون الدنانير والدراهم هي النقود الشرعية، بينما كانوا ينظرون إلى الفلوس النحاسية باعتبارها عملات مساعدة تستخدم فقط لشراء الأشياء البسيطة، نظرا للفارق الكبير بين قيمتيها الاسمية والجوهرية كنحاس رخيص.

ولكن قبل منتصف عمر دولة المماليك، اختفت الدراهم الفضية وصارت الفلوس النحاسية هي السائدة في التعامل حتى أن الشخص الذي يقع في يده دينار من الذهب الأحمر، كان – حسبما قال المقريزي – كمن جاءته البشارة بالجنة ويسعد بالعيدية النحاسية.(48) ] .

 

(5)

مظاهر احتفالات عيد الفطر عند

الفاطميين

 

كانت احتفالات عيد الفطر لها طابع مميز في عهد الدولة الفاطمية، فهو عندهم “الموسم الكبير”، على حد تعبير المقريزي، كما كان يطلق عليه عيد “الحُلل” لتوزيع الكسوات على جميع موظفي الدولة كبيرهم وصغيرهم فتعم الجميع من الخليفة إلى أدنى موظفي القصر.

[ وقد بدأ الفاطميون احتفالهم الرسمي بهذا العيد منذ قدوم الخليفة المعز لدين الله سنة 362هـ/972م فيذكر ابن زولاق أن المعز ركب في هذا العام لصلاة عيد الفطر إلى المصلى الذي يقع شرقي القصر الكبير ، وقد بناه القائد جوهر لهذا الغرض.

كما يروى في أحداث سنة 380هـ/990م أن الخليفة العزيز خرج في موكب صلاة عيد الفطر في هذا المصلى وقد أقيمت لهذا الغرض مصاطب على الطريق الذي يسلكه الخليفة بين المصلى والقصر، وقد اصطفّى عليها المؤذنون، كما يجلس على كل مصطبة جماعة من أنصار الدولة من الشيعة تخرج بأسمائهم كشوف من قاضي القضاة وداعي الدعاة محمد بن النعمان ، فيجلس هؤلاء الاتباع إلى المصاطب حسب ترتيب أسمائهم، ويبدأ التكبير والابتهالات من القصر إلى المصلى بين المؤذنين الذين على المصاطب، والخليفة يخترق هذا الطريق في موكبه الضخم الذي يضم طوائف العسكر في أبهى زينة، وكان يشترك في هذا الموكب الفيلة والزرافات والأسود المزينة بالأحجلة والحرير وعليها قباب الذهب.

وكانت الفيلة المشتركة في الموكب عليها الأسرة يجلس فوقها العسكر بكامل زيهم وسلاحهم، والموسيقى المصاحبة للموكب تصدح بأنغام قوية وتحوي بين آلاتها أبواقًا خاصة لا تعزف إلا بمصاحبة الخليفة ، وقد انتشرت في كل مكان البنود (أي الإعلام) والمفضضة والتي تحمل عبارات النصر على أسنة الرماح، والناس محتشدون على جانب الطريق للتطلع إلى الخليفة ولمشاهدة ما يحويه الموكب من مظاهر القوة والفخامة . وعند وصول الخليفة إلى المصلى كان يؤم الناس في صلاة العيد طبقًا لرسوم محددة. وفي طريق عودة الخليفة إلى القصر، يحتشد الناس لمشاهدة الألعاب التي يقوم بها طائفة من أهل برقة يطلق عليها “صبيان الخف” تخصصت في الألعاب البهلوانية، وكانت الدولة تخصص لها إقطاعات ومرتبات ورسوم، ويبدو أن الخليفة كان يقف بموكبه لمشاهدة ألعابهم عند باب القصر، فكانوا يمدون حبلين من أعلى باب القصر إلى الأرض وينزل على الحبلين جماعة منهم وهم يركبون خيلا من خشب، ويحملون الرايات ويحمل الراكب فردًا آخر معلقًا بيديه ورجليه، وآخر خلفه!! ويقومون بمجموعة من الألعاب المذهلة. كما يركب جماعة منهم على الخيول ويتقلبون عليها وهي مسرعة، ويخرج الواحد منهم من أسفل الفرس ثم يعود للركوب من الجهة الأخرى، ومنهم من يقف على ظهر الحصان وهو مسرع!! .

وكانت هذه الألعاب والاستعراضات تجري أمام الخليفة في عيدي الفطر والأضحى وفي موكب فتح الخليج. وكان من عادة الخلفاء في هذه المناسبة أن يزوروا ” تربة الزعفران ”  التي تحوي رفات الخلفاء الفاطميين السابقين للترحم عليهم وتوزيع الصدقات.

وكان من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر توزيع الحلوى على جميع موظفي الدولة وإقامة الأسمطة الضخمة التي تحوي كل طريف في القصر، وقد أنشئ لهذا الغرض مطبخ لصناعة الحلوى أطلق عليه “دار الفطرة”، وقد أنشئت في عهد الخليفة العزيز بالله وهو أول من بنى “دار الفطرة” وقرر فيها عمل ما يحمل للناس في العيد، ويبدأ العمل في هذه الدار منذ نصف رجب فيخزن داخلها كميات كبيرة من السكر والعسل وقلوب اللوز والجوز والفستق والبندق والدقيق والتمر والزبيب والمواد العطرية، ويستمر العمل استعدادًا لحول عيد الفطر في صنع أصناف الحلوى المختلفة مثل: الرقاق المحشو وبالفستق واللوز (الخشكنانج) وحلوى تصنع من الدقيق والملح (البستندود) وكعب الغزال ولقمة القاضي وغيرها، وتخزن هذه الأصناف في مخازن داخل دار الفطرة، وكان الخليفة يحضر نفسه بصحبة الوزير للاطمئنان على سير العمل في النصف الثاني من شهر رمضان، ثم يبدأ من هذا التاريخ توزيع الحلوى على جميع أرباب الرتب في الدولة والموظفين كبيرهم وصغيرهم في صوانٍ تحمل كل صينية اسم صاحبها، ويختلف حجم الصينية وكمية الحلوى حسب مكان كل فرد، ويحمل هذه الحلوى فراشون مخصصون لهذا العمل، وهم في أتم زينة ويرتدون الثياب الفاخرة.

وكان يقام في القصر سماطان (أي مائدتان) بمناسبة عيد الفطر، السماط الأول: يباح للناس ولعامة موظفي القصر من أرباب الوظائف الصغيرة، كان يبدأ في إعداد هذا السماط من ليلة العيد في الإيوان الكبير المطل على الشباك الذي ينظر منه الخليفة، ويحتشد السماط بأصناف الأطعمة والحلوى والتي صنعت في دار الفطرة، فإذا صلى الخليفة صلاة الفجر جلس في الشباك المطل على الإيوان وحضر إليه الوزير وأمر أن يسمح للناس بالطعام، فيقبل الجميع على السماط فيأكلون كفايتهم ويسمح لهم ما يستطيعون حمله حتى أن بعضهم كان يبيع من هذه الحلوى ما لا حاجة له بها.

أما السماط الثاني: فكان يقام في قاعة الذهب بالقصر بعد عودة الخليفة من صلاة العيد الفطر، فتوضع أمام سرير الملك الخاص بالخليفة مائدة ضخمة من الفضة تسمى “المدورة” عليها من الأطعمة في أوانٍ من الذهب والفضة والخزف الصيني، وهي خاصة بالخليفة فلا تحوي من الأطعمة إلا الخاص الفائحة الطيب من غير خضروات سوى الدجاج الفائق المسمن المعمول بالأمزجة الطيبة ،ونُصب على رأس السماط قصران كبيران من الحلوى قد صنعا لهذا المناسبة في دار الفطرة مدهونان بأوراق الذهب وبهما تماثيل من سكر في غاية الدقة في صناعاتها كأنها مسبوكة في قوالب، وكان هذا السماط مخصصا لكبار رجال الدولة والأمراء. ويعم أهل القاهرة والفسطاط من هذه المائدة طعام وفير وتستمر المائدة إلى قرب الظهر، وخلال الطعام يقرأ القراء ويكبر المؤذنون وينشد المنشدون ويتبارى الشعراء في إلقاء قصائدهم في هذه المناسبة، ويتقدم كبار رجال الدولة من الشيوخ والقضاة والشهود والأمراء والكتاب والفقهاء ورجال العلم وأعيان القاهرة والفسطاط للسلام على الخليفة كما يتقدم للسلام أيضا زعماء اليهود برئيسهم، والنصارى ببطريقهم ويوزع على الجميع خلال ذلك الحلل والهبات حسب العادة المتبعة , وبمغادرة الخليفة لمجلسه ينتهي السماط ثم يتبعه الوزير وباقي الحاضرين، وكان الوزير يقيم سماطًا آخر مختصرًا في دار الوزارة لأهله وحاشيته.

وكان عيد الفطر من المناسبات التي ترسل فيها المكاتبات المعطرة إلى أنحاء الدولة الفاطمية، والأقطار الخاضعة لها لتصف عظمة موكب الخليفة وعودته سالمًا إلى قصره وانتهاء الاحتفالات بسلام(49) ] .

 

 

 (6)

احتفالات فتح الخليج

 

يقول الرحالة ناصر خسرو رحمة الله عليه في كتابه سفر نامه عن فتح الخليج ومظاهر الإحتفالات فيه :

[وصف فتح الخليج

حين يبلغ النيل الوفاء أي من العاشر شهر يور أغسطس وسبتمبر إلى العشرين من آبان أكتوبر ونوفمبر ويبلغ ارتفاع الماء ثمانية عشر ذراعاً عن مستواه في الشتاء وتكون أفواه الترع والجداول مسدودة في البلاد كلها يحضر السلطان راكباً ليفتح النهر الذي يسمى الخليج والذي يبدأ قبل مدينة مصر ثم يمر بالقاهرة وهو ملك خاص للسلطان وفي ذلك اليوم يوم ركوب السلطان لفتح الخليج تفتح الخلجان والترع الأخرى في الولايات كلها. وهذا اليوم أعظم الأعياد في مصر ويسمى عيد ركوب فتح الخليج.حينما يقترب ينصب للسلطان على رأس الخليج سرادق عظيم التكاليف من الديباج الرومي وموشى كله بالذهب ومكلل بالجواهر ومعد أعظم إعداد بحيث يتسع ظله لمائة فارسوأمام هذا السرادق خيمة من البوقلمون وسرادق آخر كبير.

وقبل الاحتفال بثلاثة أيام يدقون الطبل وينفخون البوق ويضربون الكوس في الاصطبل لتألف الخيل هذه الأصوات.

وحين يركب السلطان يصطف عشرة آلاف فارس على خيولهم سروج مذهبة وأطواق وألجمة مرصعة وجميع لبد السروج من الديباج الرومي والبوقلمون نسجت لهذا الغرض خاصة فلم تفصلو لم تخط وطرزت حواشيها باسم سلطان مصر وعلى كل حصان درع أو جوشن وعلى قمة السرج خوذة وجميع أنواع الأسلحة الأخرى وكذلك تسير جمال كثيرة عليها هوادج مزينة وبغال عمارياتها هوادجها كلها مرصعة بالذهب والجواهر وموشاة باللؤلؤ وإن الكلام ليطول إذا وصفت كل ما يكون يوم فتح الخليج.

وفي ذلك اليوم يخرج جيش السلطان كله فرقة فرقة وفوجاً فوجاً فرقة تسمى الكتاميين وهم من القيروإن أتوا في خدمة المعز لدين الله وقيل إن عددهم عشرون ألف فارس.

وفرقة تسمى الباتليين وهو رجال من المغرب دخلوا مصر قبل مجيء السلطان إليها وقيل إن عددهم خمسة عشر ألف فارس.

وفرقة تسمى المصامدة وهم سود من بلاد المصامدة قيل إن عددهم عشرون ألف رجل.

وفرقة تسمى المشارقة وهم ترك وعجم وسبب هذه التسمية إن أصلهم ليس عربياً ولو إن أكثرهم ولد في مصر وقد اشتق اسمهم من الأصل قيل انهم عشرة آلاف رجل وهم ضخام الجثة.

وفرقة تسمى عبيد الشراء وهم عبيد مشترون قيل إن عددهم ثلاثون ألف رجل.

وفرقة تسمى البدو وهم من أهل الحجاز يقال لهم الرماة وهم خمسون ألف فارس.

وفرقة تسمى الأستاذين كلهم خدم بيض وسود اشتروا للخدمة وهم ثلاثون ألف فارس.

وفرقة تسمى السرائيين وهم مشاة جاءوا من كل ولاية ولهم قائد خاص يتولى رعايتهم وكل منهم يستعمل سلاح ولايته وعددهم عشرة آلاف رجل.

وفرقة تسمى الزنوج يحاربون بالسيف وحده وقيل أنهم ثلاثون ألف رجل.

ونفقة هذا الجيش كله من مال السلطان ولكل جندي منه مرتب شهري على قدر درجته ولا يجبر على دفع دينار منها أحد الرعايا أو العمال ولكن هؤلاء يسلمون للخزانة أموال ولايتهم سنة فسنة وتصرف أرزاق الجند من الخزانة فيوقت معين بحيث لا يرهق و لا واحد من الرعية بمطالبة الجند.

وهناك فرقة من أبناء الملوك والأمراء الذين جاءوا لمصر من أطراف العالم ولايعدون من الجيش وهم من المغرب واليمن والروم وبلاد الصقالبة والنوبة وأولاد ملوك الكرج جورجيا وأبناء ملوك الديلم وأبناء خاقان تركستان.

وكذلك وجد في يوم فتح الخليج طبقات أخرى من الرجال ذوي الفضل والأدباء والشعراء والفقهاء ولكل منهم أرزاق معينة ولا يقل رزق الواحد من أبناء الأمراء عن خمسمائةدينار وقد يبلغ الألفين وليس لهم عمل إلا أن يذهبوا ليسلموا على الوزير حين يركب ثم يعودون. والآن نعود إلى حديث فتح الخليج.

في اليوم الذي ذهب السلطان في صباحه لفتح الخليج استأجروا عشر آلاف رجل أمسك كل واحد منهم إحدى الجنائب التي ذكرتها وساروا مائة مائة وأمامهم الموسيقيون ينفخون البوق ويضربون الطبل والمزمار وسار خلفهم فوج من الجيش مضى هؤلاء من قصر السلطان حتى رأس الخيول أتت الجمال وعليها المهود والمراقد ومن بعدها البغال وعليها العماريات.

وقد ابتعد السلطان عن الجيش والجنائب وهو شاب كامل الجسم طاهر الصورة من أبناء أمير المؤمنين الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما كان حليق شعر الرأس يركب على بغل ليس في سرجه أو لجامه حلية فليس عليه ذهب أو فضة وقد ارتدى قميصاً أبيض عليه فوطة فضفاضة كالتي تلبس في بلاد المغرب والتي تسمى في بلاد العجم دراعة وقيل إن اسم هذا القميص الدبيقي وإنه يساوي عشرآلاف دينار كان على رأسه عمامة من لونه ويمسك بيده سوطاً ثمينا وأمامه ثلثمائة راجل ديلمي عليهم ثياب رومية مذهبة وقد حزموا خصورهم وأكمامهم واسعة كما يلبس رجال مصر ومعهم النشاب والسهام وقد عصبوا سيقانهم.

ويسير مع السلطان حامل المظلة راكباًحصاناً وعلى رأسه عمامة مذهبة مرصعة وعليه حلة قيمتها عشرة آلف دينار ذهبي مغربي والمظلة التي بيده ثمينة جداً   مرصعة ومكللة وليس مع السلطان فارس غير حامل المظلة وقد سار أمامه الديالمة وعلى يمينه ويساره جماعة من الخدم يحملون المجامر ويحرقون العنبر والعود.

والعادة في مصر إن يسجد الرجال للسلطان وأن يدعوا له كلما قرب منهم وجاء بعد السلطان الوزير مع قاضي القضاة وفوج كبير من أهل العلم وأركان الدولة وقد ذهب السلطان إلى حيث ضرب الشراع على رأس سد الخليج أي فم النهر وظل ممتطيا البغل تحت السرادق مدة ساعة وبعد ذلك سلموه مزراقاً ليضرب به السد ثم عجل الرجال بهدمه بالمعاول والفؤوس والمخارف فانساب الماءوقد كان مرتفعا وجرى دفعة واحدة في الخليج.

وفي هذا اليوم يخرج جميع سكان مصر والقاهرة للتفرج على فتح الخليج وتجرى فيه أنواع الألعاب العجيبة.

وكان في أول سفينة نزلت الخليج جماعة من الخرس يسمون بالفارسية كنكت والعالم متفائلون بنزولهم ويجري السلطان عليهم صدقاته في هذا اليوم.

وكان للسلطان إحدى وعشرون سفينة وقد عمل لها حوض خاص قرب القصر في اتساع ميدانين أو ثلاثة وطول كل سفينة منها خمسون ذراعاً وعرضها عشرون ذراعاً وكلها مزينة بالذهب والفضة والجواهر والديباج ولو وصفتها لسطرت أوراقاً كثيرة وهذه السفن كلها مربوطة في الحوض معظم الوقت كالبغال في الاصطبل.

وللسلطان حديقة تسمى حديقة عين شمس على فرسخين من القاهرة وهناك عين ماء عذبة سمي البستان بها ويقال إن هذه الحديقة كانت لفرعون. و قد رأيت قربها بناية قديمة بها أربع قطع من الحجارة الكبيرة كل قطعة مثل المنارة وطول كل منها ثلاثون ذراعاً كان الماء يقطر من رؤوسها ولا يدري أحد ما هي وفي الحديقة شجرة البلسان يقال إن آباء هذا السلطان أتوا ببذرتها من بلاد المغرب وزرعوها في الحديقة ولا يوجد غيرها في جميع الآفاق وهي غير معروفة في بلادالمغرب ومع إن لهذه الشجرة بذراً  إلا أنه لا ينبت حيثما زرع وإذا نبت فلا يخرج الزيت منه وهذه الشجرة مثل شجرة الآس يشذبون غصونها بالنصل حينما تكبر ويربطون زجاجة عند موضع كل قطع فيخرج منه الدهن كالصمغ وحين ينفذ ما فيها من دهن تجف ويحمل البستانيون غصونها إلى المدينة ويبيعونها ولحاؤها ثخين وطعمه كاللوز حين يقشر وينبت في جزعها أغصان في السنة التالية فيعملون بها كما فعلوا في السنة الغابرة .

ولمدينة القاهرة عشر محلات وهم يسمون المحلة حارة وهي حارات برجوان وزويله والجودرية والأمراء والديالمة والروم والباطلية وقصر الشوق وعبيد الشرا والمصامدة. (50) ] .

 (7)

احتفالات عيد النيروز

 

[ …. ذكر القاضى الفاضل أحد كتاب الدولة الأيوبية تلك الاحتفالات باعتبارها من المظاهر البائدة المرتبطة بالدولة الفاطمية فقال: «يوم النيروز هو مستهل توت، وتوت أول سنتهم وقد كان بمصر فى الأيام الماضية والدولة الخالية، يركب فيه أمير موسوم بأمير النيروز، ومعه جمع كثير، ويتسلط على الناس فى طلب رسم رتبه على دور الأكابر بالجمل الكبار، ويكتب مناشير ويندب متمرسين، ويقنع بالميسور من الهبات، ويتراش الناس بالماء، فإن غلط مستور وخرج من داره، لقيه من يرشه ويفسد ثيابه، فإما فدى نفسه وإما فضح…» , وفى وصف آخر لأمير النيروز، إن الناس كانوا يختارون شخصا قوى الطباع يسمونه أمير النيروز، ويغيرون صورته وخلقته، ويجعلون على رأسه طرطورا طويلا من الخوص ويركبونه حمارا وهو شبه عريان، ويجعلون حوله الجريد الأخضر وشماريخ البلح، وبيده شيئ يشبه الدفتر كأنه يحاسب الناس… وكان الناس يقولون عن النيروز «ليس فيه حرج ولا أحكام تقع». 

وحقيقة الأمر أن احتفالات النيروز كانت من الاحتفالات الرسمية للدولة فى العصر الفاطمى فضلا عن كونها احتفالات شعبية بالأساس، فقد كان عيد النيروز عيدا قوميا لمصر كلها، عيدا يحمل معه الخير والنماء للبلاد، فالأول من توت ليس بداية للسنة الجديدة فحسب بل هو أيضا يوم اكتمال فيضان النيل ووصول مائه إلى العاصمة. 

ويرصد تقى الدين المقريزى مظاهر الاحتفال الرسمى بعيد النيروز فى عصر الدولة الفاطمية فيقول: «النوروز القبطى من جملة المواسم، فتتعطل فيه الأسواق ويقل فيه سعى الناس فى الطرقات، وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة وأولادهم ونسائهم، وتفرق الرسوم من المال وحوائج النوروز…» (51) ] .

 

وهنا نكون قد بينا ثلاثة دعائم لنهضة الأمة ألا وهى العمل و(الصدق والأمانة ) والإيمان بالله تعالى  وهذا ما جعل الدولة الفاطمية تتسع في مظاهر الإحتفالات لسيادة الخلق الرفيع بين الشعب وارحمة من الحاكم بكل الرعية مسلمين مغايرين للفاطميين في المذهب أو يود أون صارى فسادت روح الوئام بين الناس وزاد الإنتاج وتم استبعاد الأعداء عن الدولة وبالتالي سادت روح البهجة بين الناس لذكاء الفاطميين القائم على خوف وهلع الأعداء إن شاهدوا قوة الجيش وبزخ العيش فيكف الله أيديهم بلا حروب لرؤيتهم العدة والعتاد الرجال الأقوياء الأشداء  .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

خالد محيي الدين الحليبي

على هامش البحث :

 

لابد من الإشارة هنا :

إلى مؤتمر باليرمو حول الفاطمية الجديدة هنا كما في هذا الخبر :

[ المؤتمر الدولي للدراسات التاريخية حول «الفاطميون والمتوسط، منظومة العلاقات في العالم الإسلامي وفي المتوسط في عهد رسوخ الدعوة الفاطمية في القرن العاشر: النظام السياسي والاجتماعي والثقافي» قامت الأكاديمية الليبية وجامعة باليرمو من يوم 03/12 إلى 06/12 /2008 بالقصر الجامعي بباليرمو بتنظيم المؤتمر الدولي للدراسات التاريخية حول «الفاطميون والمتوسط، منظومة العلاقات في العالم الإسلامي وفي المتوسط في عهد رسوخ الدعوة الفاطمية في القرن العاشر: النظام السياسي والاجتماعي والثقافي» تحت رعاية المكتب الشعبي للجماهيرية في إيطاليا ووزارة الخارجية الإيطالية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) والحكومة الإقليمية الصقلية ومعهد الدراسات الإسماعيلية بلندن، وقد شارك في التظاهرة ما يزيد عن 47 أستاذا وباحثا من الشخصيات والفعاليات الثقافية والفكرية ومن رؤساء الجامعات ومدراء المعاهد من جامعات باليرمو ونابولي وروما وفينسيا الايطالية وجامعات اكسفورد وروأيمبتون وميديل سيكس البريطانية ولايبزيغ الألمانية وهارفرد وشيكاغو وبوستن الأمريكية وجامعة فيلادلفيا بالأردن ومعهد الدراسات الاسماعيلية بلندن وجامعة تونس وجامعة مولاي إسماعيل بالمغرب وجامعة القاهرة بالاضافة إلى عدد من رؤساء الجامعات والباحثين من الجماهيرية العظمى وعدد من طلبة وطالبات كلية الآداب والفلسفة بالجامع، وتجاوز عدد ورقات العمل والمداخلات 54 ورقة ومداخلة، وفي حلقات النقاش التقى المشاركون في نقاش مفتوح حول المؤتمر وطرحت آراء حول إمكانية إعادة إحياء الدولة الفاطمية.

وحضر افتتاح المؤتمر منسق مشروع الجامعات في المتوسط مندوباً عن وزير الخارجية الايطالي، وأمين المكتب الشعبي الليبي في روما ، ورئيس جامعة باليرمو ورئيس المؤسسة الجامعية الليبية الايطالية ، ومدير معهد الدراسات الاسماعيلية بلندن ومدير الاكاديمية الليبية الايطالية.

واستهل رئيس قسم تاريخ البلدان الاسلامية بجامعة باليرمو “انتونينو بيلليتيري” أعمال المؤتمر بالتأكيد على أن هذا المؤتمر يأتي في اطار دأب الجامعة على عقد المؤتمرات والندوات التي تسلط الضوء على التاريخ المشترك لدول البحر المتوسط منذ زمن قديم وذلك بالتعاون مع المؤسسات الثقافية خاصة الأكاديمية الليبية في ايطاليا .وأكد على أن اللقاء يعد فرصة للتحاور حول الحضارات التي نفتخر بها في المتوسط وهي حضارة الدولة الفاطمية والتي شكلت مرحلة تاريخية مضيئة كما وردت في كتابات العلماء والمثقفين في ذلك العصر حيث شكلت مدينة صقلية أحد المفاتيح الهامة بالمنطقة إلى جانب المدن الأخرى خاصة الواقعة جنوب المتوسط .

وأضاف أن العلماء والباحثون في التاريخ تقع عليهم مسؤولية كبيرة لتعريف الأجيال الحاضرة بالعناصر الإيجابية والحضارة الانسانية التي كانت تشع على العالم من منطقة المتوسط أيام الدولة الفاطمية .

ومن جهته أكد رئيس جامعة باليرمو ” روبيرتو لاغالا ” على أن هذا المؤتمر الهام يأتى ضمن سلسلة من المبادرات التي تسعى إلى تحقيق التكامل بين ثقافات دول المتوسط وخاصة الثقافة والحضارة الليبية التي ساهمت بشكل كبير في تقريب شعوب المتوسط .

وفي كلمته حيا أمين المكتب الشعبي الليبي في ايطاليا معالي السفير حافظ قدور المشاركين في المؤتمر والأكاديمية الليبية وجامعة باليرمو على هذه المبادرة الهامة حول دور الدولة الفاطمية في تاريخ البحر المتوسط بكل خاص والبشرية عموما .

وذكر بأن ليبيا والقائد ” معمر القذافي ” أعطيا اهتماماً كبيراً للتاريخ وخاصة التاريخ العربي والاسلامي وتاريخ البحر المتوسط. وأشار إلى دلالات انعقاد هذا اللقاء في مدينة باليرمو بصقلية التي كانت إحدى مناطق نفوذ الخلافة الفاطمية والتي سجلت أهم صفحات ازدهار الحضارة الاسلامية في العلوم والاداب والعمارة وأسست منظومة جديدة في الحكم تتميز بالتسامح مع الديانات والأجناس الأخرى من أجل تطوير الحضارة الانسانية. كما أعرب عن أمله في الاستفادة من هذه الحضارة لبناء العلاقات الجديدة في المتوسط والعالم .

ومن جانبه ذكر رئيس المؤسسة الجامعية الليبية الإيطالية “جوزيبي سيلفيسرتي” بطبيعة العلاقات التي كانت تربط بلدان المتوسط في العهد الفاطمي وأكد على أنها تقدم نموذجا ينبغي الإقتداء به في التعاون بين دول المتوسط في الوقت الراهن.

ونقل منسق مشروع الجامعات في المتوسط ” إنزو كونيليو ” تحيات وزير الخارجية الايطالي ” فرانكو فراتيني” إلى المشاركين في المؤتمر الذي تمنى أن يحقق الأهداف المرجوة منه .

وقال بأن صقلية فخورة بالإنتماء إلى المتوسط الذي تعاقبت عليه حضارات ودول كبيرة وحدت إلى حد ما البلدان المتوسطية وجعلتها تتقارب من بعضها بحكم فرضها لثقافة مشتركة، كما أكد على ضرورة تسخير المؤسسات العلمية والأكاديمية لابراز تلك الحقبة المشرقة للدولة الفاطمية والدور الكبير الذي لعبته في المتوسط.

ومن جهته أكد الدكتور ” ابراهيم المقدود ” مدير الأكاديمية الليبية في ايطاليا على أن هذا المؤتمر يحمل دلالات كثيرة كونه يتناول تاريخ الدولة الفاطمية التي جاءت بقيم جديدة ومتطورة ورسمت أسساً مبنية على المحبة والتسامح وكانت نموذجاً استوعب كل الأديان والاعراق .

وأوضح الدكتور المنجي بوسنينة المدير العام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) الأهمية المركزية لحوض البحر الأبيض المتوسط، بما جمع حوله من الحضارات والأديان، حيث «كان ولا يزال منطقة تفاعل حي بين المتساكنين على ضفتيه، تفاعل تراوح بين الحروب والمواجهة العنيفة وبين الحوار الحضاري والتبادل السلمي في شتى مظاهره، من تجارة وفنون وعلوم ومعمار»، موضحا في هذا الصدد «أن المرحلة التي سيطر فيها الفاطميون خلال القرن العاشر الميلادي على جزء من المتوسط، برا وبحرا، وهو موضوع هذا المؤتمر، لم تختلف عن هذ القاعدة العامة للتفاعل في المتوسط. فقد عرفت المنطقة فترات الحروب والصراع، وصقلية خير شاهد على ذلك، حيث تعددت المواجهات بين أهل الجزيرة والحكام الفاطميين واتخذت أحيانا طابعا دمويا رهيبا، كما عرفت المنطقة فترات من التعايش السلمي والتسامح الديني والتبادل الحضاري يذكرها التاريخ إلى اليوم». واستعرض المدير العام للألكسو بعضا من مظاهر التسامح الديني التي طبعت الفترة الفاطمية وكذلك جوانب من التأثير الحضاري للفاطميين في المتوسط عموما وفي صقلية خصوصا. وبيّن الدكتور المنجي بوسنينة أن «الباقي من هذا الحضور الفاطمي في حوض المتوسط، هو ذلك التفاعل الإيجابي بين ثقافتين والإرث المشترك الناتج عن ذلك التفاعل، والذي

بفضله يمكن أن نتجاوز ما تضمه كتب التاريخ من أخبار المعارك والحروب وما ترشح به أحيانا من نصوص تساعد على إبقاء عداوات الأمس قائمة إلى اليوم. والأبقى من كل هذا هو أن نستخلص اليوم الدرس من هذا الإرث المشترك في المتوسط وأن نبني عليه علاقاتنا بين ضفتيه من أجل تعايش أفضل وتعاون أعمق يساعدان على استقرار المنطقة ونمائها المشترك».

وفي يوم الخميس 04 ديسمبر 2008 وعلى الساعة التاسعة انطلقت جلسات المؤتمر وترأس الجلسة الأولى د.فرهاد دفتري (مدير معهد الدراسات الإسماعيلية) والذي قدم نبدة عن المعهد الذي يرأسه وعن فكر ونهج الإسماعيليين ومسيرتهم التاريخية. وجاءت المداخلة الأولى للبروفيسور محمد حسن (جامعة تونس) حول المجال البحري بإفريقية في العهد الفاطمي والذي أبرز فيها أنواع المواد المستخدمة في صناعة السفن في العهد الفاطمي مقدما فكرة عن الأسطول الفاطمي وعن المصطلحات المستخدمة في الميدان البحري الفاطمي . أما المداخلة الثانية فتقدم بها البروفيسور جانروبيرتو سكارتشا (جامعة كا فوسكاري، فينيسيا) الذي أعطى لمحة عن الفاطميين في إفريقيا وشيعة إيران والقواسم المشتركة التي تجمع بين الطائفتين في العقائد والطقوس. وجاءت ورقة البروفيسور إبراهيم القادري بوتشيش (جامعة مولاي إسماعيل، مكناس) حول الفاطميين ومشروع غزو الأندلس، والتي بين فيها أوجه الصراع الذي كان بين خلافتين إسلاميتين في غربي البحر المتوسط خلال القرن 4 هـ/ 10 م.

وفي مداخلة له عدد البروفيسور عثمان المثلوثي (جامعة الفاتح، طرابلس) مميزات النموذج الفاطمي في الميدانين السياسي والاجتماعي مبرزا مدى التسامح والتعايش الذي طبع فترة الحكم الفاطمي.

وترأست الجلسة الثانية البروفيسورة بيانكا ماريا سكارتشا أموريتي (جامعة روما، لاسبينسا)، وتناولت الورقة التي بعث بها البروفيسور عبد المنعم المحجوب (جامعة الفاتح، طرابلس) الدعوة الحاكمية وشروطها والأدوار التي اضطلعت بها وتحول منهجهامن دور التأويل إلى دور التوحيد. أما مداخلة البروفيسورة شاينول جيوا (معهد الدراسات الإسماعيلية)

فركزت على سعي الدولة الفاطمية إلى تأسيس إمبراطورية متوسطية اعتمادا تارة على الدعوة والدبلوماسية وعلى الحرب في القرن العاشر تارة أخرى. أما البروفيسور فتحي نصيب محمد بللو (رئيس تحرير مجلة فضاءات الليبية) فتقدم بورقة عن الفكر السياسي والديني في العصر الفاطمي مقدما رؤية نقدية لنظام الحكم والدعوة الفاطمية. أما البروفيسور أنتونينو بيلليتيري (جامعة باليرمو) فتحدث عن التأريخ العربي المعاصر أمام “الإشكالية” الفاطمية حيث أن معظم المؤرخين لا يتناولون موضوع الفاطميين إلا من الجانب العلمي والأدبي متناسين الجوانب الأخرى المشرقة من تاريخ هذه الدولة.

وترأست الجلسة الثالثة البروفيسورة فيرينا كليم (جامعة لايبزيغ) وكانت المداخلة الأولى للبروفيسور بول والكر (جامعة شيكاغو) عن هجرات الكلبيين وكتامة ومغاربة آخرون في القاهرة إبان العهد الفاطمي. وجاءت كلمة البروفيسورة جوفانا كالاسو (جامعة روما، لاسبينسا) لتقدم فكرة عن سياسة الفاطميين تجاه العقائد بين التسامح والتعصب وانعكاسات ذلك على فئة “المسلمين” في مصر خلال القرن الحادي عشر. وفي مداخلته تحدث البروفيسور عبد السلام شرماط (جامعة الفاتح، طرابلس) عن الأدب المتوسطي في العهد الفاطمي وعن المكانة التي يحظى بها الشعراء الفاطميون لدى الولاة والحكام.

وجاءت الجلسة برئاسة البروفيسور محمد علي كوندي (جامعة الأسمرية للدراسات الشرعية)، وكانت أولى المتحدثين البروفيسورة سيمونيتا كالديريني (جامعة روآمبتون، لندن) وكانت ورقتها حول دورالنساء في التجارة والعمل خلال العهد الفاطمي، إذ لعبت النساء دورا لا يستهان به في الرفع من مستوى التجارة والحرف إبان الحكم الفاطمي. وفي نفس الإطار جاءت المداخلة الثانية التي تناولت فيها البروفيسورة ديليا كورتيزي (جامعة ميدلسيكس، لندن) السياق السياسي والاقتصادي للرعاية النسوية الفاطمية. وكانت آخر مداخلة في هذه الجلسة للبروفيسور خالد إبراهيم المحجوبي (جامعة الجبل الغربي) وتحدثت عن إشكاليات التأريخ للدولة الفاطمية.

وتواصلت جلسات المؤتمر يوم الجمعة 5 ديسمبر 2008 بعقد الجلسة الأخيرة برئاسة البروفيسور إبراهيم القادري بوتشيش (جامعة مولاي إسماعيل، مكناس)

وفي مستهل الجلسة قدم البروفيسور وليام غرانارا (جامعة هارفرد) ورقة حول إعادة التفكير واستحضار العصر الذهبي لمسلمي صقلية: الثقافة والسياسة في البلاط الكلبي الفاطمي وأوضح الباحث أن الشعراء حضوا باهتمام القصر الفاطمي وكنيجة لذلك نبغ الكثير منهم مقدمين صورة جلية عن الإزدهار الثقافي الذي كان سائدا في العصر الفاطمي . ومن جهتها قدمت الكاتبة لطفية القبائلي (اتحاد الكتاب الليبيين) بحثا عن الحضارتين الأوروبية والعربية في صقلية وخصوصا العهد الفاطمي الذي لا تزال معالم إشعاعه الثقافي ماثلة إلى يومنا هذا، كما تحدثت عن مظاهر الإزدهار الفكري آنذاك والمتمثلة في إنشاء المكتبات ومدارس للترجمة فضلا عن النهضة المعمارية التي ميزت تلك الحقبة. وجاءت مداخلة البروفيسور جوناثان بلوم (جامعة بوستون) حول مصادر الفن الإسلامي في صقلية وقدم أمثلة مرفقة بالصور للمواد المستخدمة في الزخرفة والمعمار والرسم على الفخار والأقمشة وغيرها، كما قدم نموذجا يشهد اليوم على براعة وعبقرية الفنانين المسلمين والمتمثل في قصر العزيرة بمدينة باليرمو.

وفي اختتام أعمال المؤتمر تم تقديم كتاب: “مدخل إلى دراسة التاريخ المعاصر للعالم العربي”

“Introduzione allo studio della storia contemporanea del mondo arabo”

لأنتونينو بلليتيري، الناشر Editori Laterza، 2008. ويتناول الكتاب مختصرا لتاريخ البلاد العربية في الوقت الراهن مشكلا منطلقا ودليلا للباحث لدراسة التاريخ المعاصر للعالم العربي بتعمق وذلك بفضل تقديمه لمنهجية البحث التاريخي تعمل على توجيه الباحث.

وشارك في تقديم الكتاب ومناقشته بحضور مؤلفه كل من: روبيرتو لاغالا (رئيس جامعة باليرمو)، بيانكا ماريا سكارتشا أموريتي (جامعة روما، لاسبينسا)، كلاوديو لو جاكونو (جامعة المشرق بنابولي)، إبراهيم المقدود (الأكاديمية الليبية في إيطاليا).

وفي يوم السبت 5 ديسمبر 2008 قام وفد الأساتذة المشاركين بجولة سياحية شملت زيارة للمعالم الأثرية الإسلامية والنورماندية في باليرمو.(52) ] .

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

خالد محيي الدين الحليبي

 

الهوامش :

(1) المصدر  :

كتاب: الفن الإسلامي أصوله فلسفته مدارسه، للمؤلف: بو صالح الألفي.

الدولة الفاطمية الكبرى، مختارات من عارف تامر، المكتبة الفاطمية (3)، دار آل البيت، ط1، 2007.

كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي المؤلف عبد الرحمن أبى بكر السيوطي

الرابط :

http://ar.wikipedia.org/wiki/خلافة_فاطمية#.D9.86.D8.B3.D8.A8.D9.87.D9.85. ] .

(2) المصدر :

جريدة الشرق الوسط :

السبـت 30 ذو القعـدة 1429 هـ 29 نوفمبر 2008 العدد 10959

الرابط :

http://www.aawsat.com/details.asp?section=54&article=496781&issueno=10959 ] .

(3) الرابط :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B7%D9%85%D9%8A#.D8.A7.D9.84.D8.B5.D9.86.D8.A7.D8.B9.D8.A7.D8.AA_.D8.A7.D9.84.D9.81.D9.86.D9.8A.D8.A9_.D9.81.D9.8A_.D8.A7.D9.84.D8.AF.D9.88.D9.84.D8.A9_.D8.A7.D9.84.D9.81.D8.A7.D8.B7.D9.85.D9.8A.D8.A9 ] .

(4) الرابط :

http://mahmoodkhidr.blogunited.org/?p=118 ] .

(5) الرابط :

.http://www.egynews.net/wps/portal/print?params=80137 ]

( 6)  مختار العبادي: تاريخ البحرية الإسلامية في مصر والشام ص 77.‏

(7)   النعمان: المجالس ص 592. العبادي: ص 720 l’Architecture musulmane, p.412‏  ]

(8)   حسن إبراهيم حسن: المعز لدين الله ص 185 Histoire de l’Afrique, p.329‏ ] .

(9)  البكري: المغرب ص 37- 55- 64- 65- 82- 83- 85. حسن حسني عبد الوهاب: بساط العقيق ص 52.‏]

(10) حسن إبراهيم حسن وآخر ص 185- 186.‏ ]

(11) البحرية الجزائرية: نشر المكتبة الوطنية الجزائرية، ص  27] . ‏

(12) مختار العبادي وآخر: تاريخ البحرية الإسلامية في مصر والشام ص 71- 72 إلى 76.‏ & Le passe de l’Afrique du nord, p. 412.‏ & ابن عذاري: البيان ج1 ص 102. حسن حسني عبد الوهاب: بساط العقيق ص 49- 50.‏ & عبد الله عنان: مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية ص 126- 127.‏ ]

(13) العبادي: البحور الإسلامية ص 77- 78.‏ ] ‏

(14)  ابن الأثير الكامل ج6 ص 334- 335. المالكي: رياض النفوس.‏ ] .‏

(15)  مختار العبادي: البحرية الإسلامية ص 68- 70. Grand L’arousse, p.521‏  .]

(16) ابن عذاري: البيان ج1 ص 180. عبد العزيز سالم: المغرب الكبير ص 614- 615.‏

أرشبالد لويس: ص 235- 236.‏  سرور: سياسة الفاطميين الخارجية ص 221.‏  محمد صابر دياب: سياسة الدول الإسلامية ص 117.‏  ] .‏

(17) ابن الأثير الكامل ج 7: 31. ابن حماد: تاريخ بني عبيد ص 40. البداية والنهاية ج1 ص 266. حسن إبراهيم حسن وآخر: المعز لدين الله ص 83- 84. صابر دياب ص 102.‏  ] .‏

(18) حسن إبراهيم حسن وآخر: المعز لدين الله ص 83-84. صابر دياب: النظم الإسلامية ص 521.‏ ]

(19) المقريزي: خطط ج2 ص 195.‏

(20) ابن كثير ج1 ص 266. المقريزي خطط ج1 ص 329- 330.‏ ] .‏

(21)  الطبري ج6 ص 257. النعمان: افتتاح الدعوة ص 32/54- 71. ابن الأثير: الكمال ج 7 ص 147- 161. ابن عذاري: البيان ج1 ص 171- 181. Encyclopédie de l’Islam, pp. 13-19.‏ ]

(22)  مختار العبادي وآخر: المرجع نفسه ص 76-77.‏ ] .‏

(23) مختار العبادي وآخر: تاريخ البحرية الإسلامية في مصر والشام ص 35-36. ماجد: نظم الفاطميين ج1 ص 222. إبراهيم حسن: المعز لدين الله ص   186.‏

(24)  ماجد المرجع نفسه. مختار العبادي وآخر المرجع نفسه ص 136. محمد صابر دياب: سياسة الدول الإسلامية ص 107 Dozy T.I. 717.‏ )

(25)  العبادي وآخر ص 135. حسن إبراهيم حسن وآخر المرجع نفسه ص 186.‏)

(26) مختار العبادي: المرجع نفسه ص 134. حسن إبراهيم حسن وآخر المرجع نفسه ص 187. محمد صابر دياب: نفسه ص 108-109) .

(27)  المقريزي: خطط ج1 ص 193. سهيل زكار: القرامطة ص 393 وما بعدها.‏ ] .‏

(28)  خطط المقريزي ج2 ص 913. حسن إبراهيم حسن: المعز لدين الله ص 186-187.‏  ] .‏

(29) .خطط ج2، ص 193.‏ ] .‏

(30) المقريزي خطط ج2 ص 193.‏ ] .

(31) حسن إبراهيم حسن وآخر: المعز لدين الله، ص 188. ماجد: الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى ص 79.‏  ]

(32) حسن: نظم الفاطميين ص 271.‏ ] .‏

(33) خطط ج2 ص 193.‏ ] ،

(34) تاريخ الدعوة الإسماعيلية ص 184. رابح بونار: المغرب العربي ص 187.‏ ] .

(35)  مختار العبادي وآخر: المرجع نفسه ص 141. ماجد المرجع نفسه ج1 ص 227.‏ ] ، .

(36) صابر محمد دياب: سياسة الدول الإسلامية في حوض البحر المتوسط ص 107-108.‏ ] .‏

(37)  انظر م- أ- م مقال الإخشيد ص 512 Gobrin: Le Magreb, p.570.‏

Gautier. Le passé, p. 412. Dozy suplement aux dixtionnaires Arabes, p.67, leir l’espague, p.332.‏  ] .‏

(38)  مختار العبادي وآخر: المرجع نفسه ص 141. ماجد: نظم الفاطميين ج1 ص 227.‏ ] ، .

(39)  المقريزي: خطط ج2 ص 193. حسن إبراهيم حسن وآخر: المعز لدين الله ص 86-87.‏ ] .

مراجع أخرى :‏

ملخص بحث كتبه الأستاذ التوني أبو بكر

1-آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (جزآن) ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريده، طبع لجنة التأليف والترجمة ط3 القاهرة 1377هـ.‏

2-الإدريسي: الشريف الإدريسي المتوفي (548هـ/ 1154م) وصف أفريقية الشمالية والصحراوية تصحيح، هنري بيرس، الجزائر 1376هـ/ 1957م.‏

3-أرشبالد لويس: القوى البحرية والتجارية في حوض البحر المتوسط (500-1100م) ترجمة أحمد عيسى، نشر مكتبة النهضة المصرية القاهرة 1960م.‏

4-ابن الأثير: أبو الحسن علي بن الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني (ت 630هـ).‏

5-الكامل في التاريخ (8 أجزاء) نشر دار الكتاب العربي، بيروت 1387هـ/ 1967م.‏

6-ابن حوقل: أبو القاسم بن حوقل النصيبي (ت 367هـ) كتاب صورة الأرض، بيروت مكتبة الحياة.‏

7-ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد (ت 808هـ) المقدمة والكتاب، نشر دار الكتب اللبناني- بيروت 1967م.‏

8-ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين بن محمد بن أبي بكر (681هـ/ 1181م) وفيات الأعيان ج2، 3، 4، دار الثقافة- بيروت.‏

9-ابن سعد: عريب بن سعد القرطبي المتوفي سنة 380- صلة التاريخ الطبري القاهرة، دار الاستقامة 1358هـ/ 1939م.‏

10-ابن سعد المغربي: أبو الحسن علي بن موسى المتوفي (685هـ/ 1286م) كتاب الجغرافيا، تحقيق إسماعيل العربي، بيروت، ط1، نشر المكتب التجاري المغرب في حلي المغرب (جزآن) تحقيق شوقي ضيف (ط2، نشر دار المعارف ط2، القاهرة 1964.‏

11-أبو الفداء: الحافظ بن كثير (ت 774هـ).‏

12-البكري: أبو عبد الله بن العزيز بن محمد مصعب الحافظ (ت 487هـ) المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب، تحقيق دوسلان- بغداد نشر مكتبة المثنى- جغرافية الأندلس وأوروبة، تحقيق عبد الرحمن الحجي- بيروت- طبعة سنة 1388هـ/ 1968م.‏

13-بونار: رابح: المغرب العربي تاريخه وثقافته، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1968م.‏

14-ثابت بن سنان وابن العديم: تاريخ أخبار القرامطة وترجمة الحسن الأعصم، تحقيق سهيل زكار- ادر الأمانة، بيروت سنة 1391هـ/ 1971م.‏

15-الجوذري: أبو علي منصور العزيزي “أواخر القرن 485هـ” سيرة الأستاذ جوذر تحقيق محمد كامل حسن، ومحمد عبد الهادي شعيرة، طبعة الاعتماد، مصر 1945م.‏

16-جوليان: شارل أندريه، تاريخ أفريقية الشمالية، تعريب محمد مزالي، البشير بوسلامة طبع السداد 1969م.‏

17-حسن إبراهيم حسن: تاريخ الدولة الفاطمية في المغرب ومصر وسورية وبلاد العرب ط2 مكتبة تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (3 أجزاء) ط6 مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1962م. عبيد الله المهدي إمام الشيعة الإسماعيلية ومؤسس الدولة الفاطمية في المغرب وسورية وبلاد العرب (بالاشتراك مع الدكتور طه أحمد شرف) مكتبة النهضة القاهرة 1366هـ/ 1947م.‏

18-حسن علي إبراهيم: تاريخ جوهر الصقلي، قائد المعز لدين الله الفاطمي، مكتبة النهضة المصرية ط2، القاهرة عام 1963م.‏

19-الحموي: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الروي البغدادي المتوفي (626هـ/ 1228م) معجم البلدان (5 أجزاء) بيروت 1955م.‏

20-الدباغ: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنصاري (ت ؟) كتاب معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان (4 أجزاء) المطبعة العربية بتونس 1321.‏

21-دياب: صابر محمد: سياسة الدول الإسلامية في حوض البحر المتوسط في أوائل القرن الثاني الهجري، حتى نهاية العصر الفاطمي، نشر عالم الكتب ط1 القاهرة 1973م.‏

22-سرور: محمد جمال الدين: سياسة الفاطميين الخارجية، دار الفكر العربي، القاهرة 1386هـ/ 1967م.‏

23-سالم: السيد عبد العزيز: المغرب الكبير (العصر الإسلامي) طبع الدار القومية القاهرة 1966م.‏

24-ماجد: عبد المنعم: تاريخ الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى- القاهرة، نشر مكتبة الانجلو المصرية 1963م.‏

25-ماجد: عبد المنعم: علي البنا: الأطلس التاريخي للعالم الإسلامي في العصور الوسطى- القاهرة ط2- دار الفكر عام 1967م.‏

***‏

Dozy, R.‏

1-Supplement aux dixtionnaires Arabes Paris 1967.‏

2-Gaulhier E.F.‏

Le passé de l’Afrique du nord petite Bibliothèque, Paris 1952.‏

3-Golvin L.‏

Le Maghreb central à l’eppoque des Zirides Mitiers graphiques, Paris 1957.‏

4-Julien ch. André‏

Histoire de l’Afrique du nord. Payot, Paris 1931.‏

5-Marcais Gorges‏

L’architecture Muslmane d’occident: Tunis- Algerie Maroc Espagne et sicile, Paris 1954.‏

6-Provencal Levi.‏

L’espagne musulmane aux Xeme sicile institution et vie social larosde, Paris 1932.‏

7-Atlas géologique de l’algerie Redigé Par Stephon- Gazelle Adolph jourdon imprimeur libraire Educateur Alger 1911.‏

8-Grand larousse Paris 1960-1961- 1963.‏

9-Encyclopédie de l’Islam, Paris 1913-1934-1954

مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 25 و 26 – السنة السابعة – تشرين الأول وكانون الثاني “اكتوبر ويناير” 1986 و 1987 – صفر وجمادى الأولى 1407

الرابط :

http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=26717 ] .

(41) الرابط :

http://www.eternalegypt.org/EternalEgyptWebsiteWeb/HomeServlet?ee_website_action_key=action.display.module&story_id=&language_id=3&module_id=139

(42) المصدر :

(1) مختصر عن كتاب: ”تاريخ مصر من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفَّع“، إعداد وتحقيق عبد العزيز جمال الدين، الجزء الثالث، المجلد الثاني، من صفحة 1014-1109.

(2) كلمة ”قبطي“ استخدمها الغُزاة العرب. وهي مُشتقة من الاسم المصري القديم: ”ها كا بتاح“ أي ”بيت روح الإله بتاح“، ومنها تسمَّت في اللغة اليونانية ”آيجيبتوس“، ومنها النطق العربي في الجزيرة العربية ”جِبْط“، فأطلقوها على أهل مصر، ثم تعارفوا على تسمية المصريين الذين حافظوا على إيمانهم المسيحي بهذا الإسم.

(3) نسبة إلى وثيقة الخليفة ”عمر بن الخطاب“.

الرابط :

http://www.stmacariusmonastery.org/st_mark/sm060911.htm ] .

(43) المصدر سفر نامة لناصر خسرو ص18- وما بعدها .

الرابط :

http://www.tebyan.net/index.aspx?PID=19667&BOOKID=76035&PageSize=1&LANGUAGE=2&PageIndex=22

(44) الرابط

http://www.tebyan.net/index.aspx?PID=19667&BOOKID=76035&PageSize=1&LANGUAGE=2&PageIndex=22

(45) المصدر : كتاب فن التصوير فى مصر الاسلامية للدكتور حسن باشا

الرابط :

http://ar-ar.facebook.com/topic.php?uid=197809843693&topic=11167

(46) المصدر : جريدة بيناتأرشيف الإفتتاحياتنشرة العدد 334اخبار وتقارير/ العدد 334-تقاليد فاطمية راسخة.. واحتفاء بالشهر الكريم / العدد 334

الرابط :

http://arabic.bayynat.org.lb/nachratbayynat/akhbar/akhbar_334_5.htm ] .

(47) الرابط :

http://forum.egypt.com/arforum/%C7%E1%DA%D5%D1-%C7%E1%C7%D3%E1%C7%E3%ED-f32/%C7%E1%E3%D9%C7%E5%D1-%C7%E1%D1%E3%D6%C7%E4%ED%C9-%E3%E4%D0-%C7%E1%DA%E5%CF-%C7%E1%DD%C7%D8%E3%EC-5356.html

&

http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-45-3024.htmكعك العيد ] .

(48) الرابط :

http://www.egynews.net/wps/portal/print?params=80137 ] .

 

(49) الرابط :

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1182697420585&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout

(50) المصدر سفر نامة لناصر خسرو ص18- وما بعدها .

الرابط :

http://www.tebyan.net/index.aspx?PID=19667&BOOKID=76035&PageSize=1&LANGUAGE=2&PageIndex=22 ] .

 

(51) الرابط :

 

http://blog-mpl.blogspot.com/2009/09/6251.html ] .

 

(52) الرابط :

http://www.accademialibica.it/index.php?option=com_content&view=article&id=2:-convegno-i-fatimidi-e-il-mediterraneo&catid=11:convegni&Itemid=3&lang=ar ] .

 

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم للأبحاث والدراسات بشؤون المستضعفين في العالم لا سيما المسلمين والتحذير من أعداء البشرية والإنسانية و تثقيف المسلمين وتعريفهم بحقائق دينهم وما خفى عنهم وعن وحضارتهم وماهم مقبلون عليه في ضوء علامات الساعة المقبلون عليها.

شاهد أيضاً

أنواع الآيات السبعة في القرآن الكريم من تفسير “البينة”(النبأ العظيم)

من تفسير ” البينة ” أو النبأ العظيم ” : بقلم : خالد محيي الدين …

اترك تعليقاً