تاه ‏بنو إسرائيل اربعين سنة ونحن تائهون منذ مئة عام بعد قرون من الجمود.. نحن اليوم على عتبة قرن ثوري واصلاحي جديد بعد ان اشهر النظام الرسمي العربي افلاسه

 راي اليوم :

د. عبد الحي زلوم

نحن ما بين عصرين:

بدأ عصر التيه مع بداية  القرن العشرين  وتم تكريسه بطريقة مؤسسية  في الوطن العربي و بلاد فارس بدول وظيفية  انتهت مهماتها  وأصبحت بلا وظائف  ولعل اخر مهامها  هو  ما يسمى بالتطبيع بعدها يتم قراءة الفاتحة على الواحدة منها بعد الاخرى.

 بدأ التمهيد للنظام الشرق أوسطي الجديد قُبيل الحرب العالمية الاولى ذلك بخلع السلطان عبد الحميد الثاني  في الدولة العثمانية سنة 1908  والشاه محمد علي  في الدولة القاجارية  الفارسية   سنة 1909 ولنفس السبب لأنهما لم يلتزما بدستور وضعه  عملاء الحركات السرية  المشبوهة .  وبعد  انتهاء الحرب العالمية الاولى بدأت مأسسة  النظام الرسمي العربي بتقسيم  الوطن العربي الى دول (قومية_ Nation State ) .   وكانت البداية بقيام الاستعمار بواسطة حركاته السرية الماسونية بإيصال كمال اتاترك  في تركيا  الى رئاسة الدولة والغاء الخلافة سنة    1924 وبالتوازي  ايصال رضا بهلوي  في الدولة القاجارية الى رئاسة  الدولة والغاء  الحكم الديني القاجاري سنة 1925.  كذلك تم ابدال اسماء الولايات العربية الى دول  تحمل اسماء ما قبل الاسلام  وتم ابدال اسم بلاد فارس لتصبح ايران  .

يمكننا ان نسمّي عصر التيه العربي بأنه عصر حكم الماسون وعصر الدولة القومية  ، فقد كان كمال اتاتورك من يهود الدونمة  وكان ماسونيا كما كان نظام الشاه  رضا بهلوي ماسونياً  و أعلن محمد رضا بهلوي  رسمياً انه  ماسوني   في 25فبراير عام 1951  ، وفي 25 ابريل 1952 نال القطبية الفخرية للشرق .  كما سيفاجئ الكثيرون بأن زعماء حركات  واحزاب الثورة على تركيا  كانوا  من الماسون  وان ما  يسمّى بقادة ونخبة  الحكم في  النظام الرسمي العربي  كانوا   اعضاء  في هذه الحركة التي لا تخفي  ان هدفها الأعظم هو  اعادة بناء هيكل سليمان على جبل الهيكل  اي المسجد الاقصى.

حارب  اتاترك و رضا بهلوي كل ما له علاقة بالاسلام واللغة العربية لدرجة ان رضا بهلوي أمر جنوده بنزع الحجاب عن رؤوس النساء بحراب بنادقهم  . وارادا قطع اي علاقة  بين بلديهما  والتاريخ الاسلامي والعرب.

قامت محاولات حركة تحرر وطنية على اسس قومية  وخصوصا في بداية الخمسينات  كما في حركة محمد مُصدّق بتأميم النفط  سنة 1951  ، وبعدها بسنة فقط بحركة الضباط الاحرار سنة 1952 بمصر  والتي بدأت كحركة وطنية محدودة الاهداف  بطرد الانجليز . من الموثق  ان كيم روزيفلت عميد مخابرات الCIA   كان له دور مباشر معروف في الانقلابين  ومن الملاحظ ايضا ان هناك مايسترو يخطط وينفذ من وراء ستار في كافة اقطار الشرق الاوسط بالتوازي . الا  ان حركة الضباط الاحرار بقيادة جمال عبد الناصر اكتشفت ان الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية فبدأت تتطور من حركة وطنية الى حركة قومية بل ومحاولة ان تكون حركة اشتراكية عقائدية .

لا احد يستطيع ان  ينكر ان عبد الناصر كان وطنياً ومخلصاً وصاحب  كاريزما .  ولا احد يستطيع ان ينكر  انه حاول قيادة ثورة  اجتماعية  وسياسية وانه استطاع ان يخطو بمصر لتصبح  قوة مؤثرة عربياً وافريقياً وعالمياً وانه كان  احد ابرز ثلاثة من زعماء عصره .  ولا احد يستطيع ان ينكر ان القوى التي حاربته كانت قوى عاتية يئست من محاولة افساده شخصيا ً لكنها تمكنت من اختراق نظامه بالطول والعرض بدءا بمن اختاره ليكون نائباً له وليس انتهاءا  بقيادة  جيشه  برئاسة  البكباشي  والذي اصبح  مشيراً بقدرة قادر . ولا أحد يستطيع ان ينكر ان بطانة عبدالناصر كانت مخترقة  من الاعداء بدءا من زوج ابنته وليس انتهاءا برجال حكمه الذين  كانوا يقضون ايامهم بالحلال وبالحرام مع    فنانات مشبوهات لم يكن  بعيدات او منزهات عن العمالة مع العدو .  ولا يمكن لعاقل الا ان يستنتج ان قيادة العدو كانت مخترقة للقيادة العسكرية لدرجة انها كانت تتحكم بأدق التفاصيل كترتيب الحفلات للطيارين قبل يوم الهجوم او كسحب جميع قادة الالوية والعمليات من سيناء  ليجتمعوا في احد المطارت في نفس دقيقة و ساعة قصف تلك المطارات والهجوم البري على جيش بدون قادة عملياته والويته .

 بعد هزيمة 1967 ومواجهة عبد الناصر للحقيقة بدأ بتغييرات عميقة  انتجت جيش تحرير قناة السويس والذي كان يمكن ان يسترجع سيناء وما بعدها لولا التآمر السياسي لمن انتخبه هو شخصيا نائبا له والذي قام بمسح منهجي لجميع انجازاته.

****

بيع وطن مقابل قصاصة ورق:

كنت في صالة مطار  نيودلهي  انتظر ركوب الطائرة الاردنية العائدة الى عمان في منتصف كانون الثاني 2004 بعد انهاء رحلة  عمل  . سألني  احد المسافرين الجالس بجانبي ونحن في صالة  الانتظار: لا ادري اين شاهدتك؟ ثم اضاف: “هل كنت في برنامج ( بلا حدود ) مع احمد منصور في قناة الجزيرة في حوار حول احتمال  غزو الولايات المتحدة للعراق ؟  فأجبت بنعم . بعد صعودنا للطائرة كان رقم مقعدي 2ِ A طلب رجل  في الستينات من عمره من المضيفة أن يجلس بجانبي فقلت أهلاً وسهلا ً.  قال لي سمعت  حواركم في صالة الانتظار ولدي شركة تعمل في مجال الطاقة ارغب بعملها في العراق لو كان لكم اهتماما بذلك. فسألته لم نتعرف على بعض . فقال انا الجنرال في الاحتياط فريدي زاك وكنت  القائد العسكري للادارة المدنية في الضفة الغربية  ، وانا مسافر لتل ابيب عن طريق مطارعمان . ثم اضاف: اذا كان لديك مشكلة بالتعامل مع شركة اسرائيلية فلدي شركة امريكية ايضاً .  فكرت ان انهي الموضوع.

لكنني قلت ولم لا اعلم شيئا اكثر ولدينا 5 ساعات من السفر .  كان الامريكيون قد اعتقلوا صدام حسين قبل ذلك بأسابيع . فسألته : كيف ترى الامور ؟ فأجاب سألني السفير الامريكي نفس السؤال قبل رحلتي للهند فأجبته من الافضل ان تسلموه الى  العراقيين وتقولوا لهم جئنا لنحرركم منه وهذا هو والسلام عليكم .  استغرب السفير الامريكي ان يكون هذا رد جنرال اسرائيلي فأجابه الجنرال هذا رأيي المهني وليس رأيي بما احب وبما لا احب. سألته ما هي  اصوله  فأجاب انه من البصرة بالعراق  وان اسمه كان فريد قبل ان يغيره الى فريدي . سألته كيف كانت معاملة العراقيين لليهود . قال كانت ممتازة الى ان  تم انشاء دولة اسرائيل . سألته  :  يقال  ان احد القناصة  من جيشكم شاهد ياسر عرفات اثناء حصار بيروت  وسأل القيادة  هل يطلق عليه النار أم لا فأجابوه بلا . هل هذا صحيح ولماذا ؟

قال : صحيح ولكن لا اعرف السبب . سألته  ما يشاع عن والدة سهى عرفات ريموندا الطويل انها تتعاون مع المخابرات الاسرائيلية فهل هذا صحيح ؟ فأجاب: لو كنت اعرف لن اجيبك لكنها كانت امرأة ودودة وصديقة . عند اقتراب الطائرة للهبوط كتب لي بخط يده اسمه ورقم هاتفه وبريده الالكتروني وقال ان كان لك رغبة بالتعاون ارجو الاتصال بي فأنا اتردد الى عمان كعضو في لجنة المياه الاسرائيلية الاردنية المشتركة. طبعاً لم يسمع مني ولم اسمع منه .

في عصر التيه يتساءل المرء لماذا تذهب المخابرات الاسرائيلية الى تونس لتغتال ابو اياد او ابو جهاد ، او الى دمشق لاغتيال عماد مغنية  او الى بيروت لاغتيال القياديين الثلاثة ( كمال ناصر  ، كمال عدوان ، محمد يوسف النجار ) ؟ لماذا

تستنفر المخابرات الامريكية كل اجهزتها واقمارها الصناعية لتحديد مركز سقوط طائرة ياسر عرفات في الصحراء لتعيده سالما غانما  الى  منظمة ( التحرير ) الفلسطينية  التي حولها النظام الرسمي العربي بجامعته  ( العبرية )  الى احدى مؤسسات النظام الرسمي العربي  وبدون تخويل من احد وبدون أي شرعية ان تصبح منظمة عرفات الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني لكي يتنازل في هذه الصفة اولا على 78%  من فلسطين مقابل قصاصة ورقة تقول انه المفوض الشرعي لاقتراف هذا الذنب نفسه ، ثم ليقوم عن طريق اتفاقية اوسلو بتحويل الابطال المجاهدين من المغرر بهم  وادخالهم الى ما تبقى من فلسطين ليصبحوا حراسا للاحتلال  و لعمليات استيطانه في ما تبقى من فلسطين . ثم يتساءل المرء كيف اختار محمود عباس نائبا له وهو يتفاخر  انه لم يحمل سلاحا في حياته ولا يعرف كيف يطلق رصاصة ؟ ثم لماذا ذهب الى اوسلو وقد نصحه العارفون بدهاليز الاحتلال والولايات المتحدة مثل البروفيسور ادوارد سعيد مثلا فاختار موظف بنك ومدرس لتمثيل شعب فلسطين في اوسلو بينما كانت هناك مفاوضات علنية في مدريد  من  شرفاء اهل فلسيطين  كحيدر عبد الشافي  وفيصل الحسيني ؟  ثم كيف تكون باكورة اعماله  في سلطته بفلسطين  قمع  اشرف ثورة قام بها الشعب الفلسطيني وزج    مقاوميها في سجونه  من قبل اجهزة امنية   قامت مخابرات العدو المحتل والمخابرات المركزية الامريكية بانشاءها ؟ خلال سنة من اوسلو  قامت اكبر دولتان عددا في العالم وهما الصين والهند بالاعتراف بالكيان المحتل وتوالت الاعترافات وبدأ  اعتراف دول النظام الرسمي العربي التي كانت مطبعة من يوم انشائها في السر بالانتقال الى التطبيع خطوة خطوة الى العلن فكيف  يطالب ادعياء الثورة الفلسطينية المطبعين والمتعاونين لحماية الاحتلال من غيرهم من النظام الرسمي العربي من عدم فعل الشيء المشين نفسه ؟ ثم لا يعرف احد كيف تعرّف على سهى عرفات  . صحيح  ان ذلك امر شخصي لكن عندما يكون الامر يتعلق برئيس حركة تحرير ويختار  من  سيشاركه اسراراه يصبح الامر امر عاما وخصوصا انه حسب الاقاويل فإن هناك في الامر إنّ ….! لكن ال( إنّ )  قد اصبحت  علانية فلقد اختارت ارملة ( الشهيد )  من باريس ان تلقي تصريحا عبر قناة تليفزيون اسرائيلية ان تطبيع بعض دول الخليج ليس به  مشكلة فالسلطة نفسها مطبعة …!

حدثني صديقي الصدوق والموثوق   وهو من عائلات غزة  المعروفة  انه  ذهب  لمقابلة ياسر عرفات بعد  معاملة وحشية للامن الوقائي لاحد اقاربه . وكان عدد من مسؤولي المنظمة ينتظرون في مكتب مدير عرفات رمزي الخوري وتأخر عرفات . دخل عليه صديقي  وكان وقت اذان العشاء وكان الغضب واضحا جدا على ملامحه ووضع سجادة صلاة ليصلي العشاء . سأله صديقي ما الامر فقال عرفات: اخبرني الامريكان ان هناك مؤامرة على زوجتي وابنتي الوليدة في المستشفى الامريكي في باريس وانهم اخذوها لحماليتها الى احد ال(  safe houses  ) اي اوكار   ال  CIA  التي يستعملها عملاءها.  ثم التفَت الى الحضور في مكتب رمزي الخوري وقال لهم : ” الوقت ده وقت الصلاة … حتقول عنّا حماس ايه لو شافوكم قاعدين كده ! ” صلّى صديقي  مع عرفات . قلت لصديقي وهو يعلمني بهذه القصة يبدو انه يخاف من حماس اكثر من خوفه من الله !

هل هكذا رجال يستطيعون ان يقودوا ثورة؟ ام عصابة؟

*****-

والخلاصة :

الفيلسوف والمؤرخ والانثروبولوجي والمستشرق الفرنسي غوستاف لوبون (1841-1931 )جاء في كتابه حضارة العرب  ان الحضارة ترجع في النهاية إلى عدد محدود من المبادئ التي يجُمع عليها الأفراد. ومن أكثر المبادئ تأثيراً في الحضارة المبادئ الدينية، لأن أعظم الحوادث التي مرَت على البشرية عبر التاريخ كان منشأها الاعتقاد الديني.

 الحضارة العربية الاسلامية هي هوية جامعة  بناها عبر التاريخ  المسلم والمسيحي والعربي والفارسي والكردي والامازيغي  وهي هوية جامعة لكل هذه المكونات الدينية  تسمح للهويات الفرعية والدينية ان تمارس هوياتها في  سجام ووئام  (والكل على دينه الله يعينه) . وبهذا التعريف يكون الاب مانويل مسلم والبطريرك الارثوذكسي عطالله حنا   من ابناء هذه الحضارة وليس منها  من يقول الحرام حتى من منبر بيت الله الحرام !

نحن اليوم  في بداية عصر جديد ، حددت معالمه الثورات بشكل حركات مقاومة  كما في حركات المقاومة الاسلامية في الوطن العربي،  والاصلاحية في تركيا.

ان اكثر ما يرعب الغرب هو ليس في طقوس الدين الاسلامي وانما في الثورة الاجتماعية  والاقتصادية التي جاء بها،  لا استطيع ان ابالغ بمدى ثورية مبدأ الغاء  ان يولّد المال مالاً ( الربا ) دون الدخول في دورة الانتاج . هذا المبدأ وحده كفيل بنسف النظام المالي الامتصاصي المتوحش الرأسمالي اليوم من أساسه ولهذا يتم محاربة الاسلام من اصحاب رؤوس الاموال  الصهاينة العالميين من يهود ومسيحيين ومسلمين .   ويتشارك الدين المسيحي في ذلك  اذ حسب ما جاء في الانجيل (مت 21: 12-19)” وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ، وَقَالَ لَهُمْ: “مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!”

مستشارومؤلف وباحث

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم للأبحاث والدراسات بشؤون المستضعفين في العالم لا سيما المسلمين والتحذير من أعداء البشرية والإنسانية و تثقيف المسلمين وتعريفهم بحقائق دينهم وما خفى عنهم وعن وحضارتهم وماهم مقبلون عليه في ضوء علامات الساعة المقبلون عليها.

شاهد أيضاً

«بزشكيان» إشارة مهمة من إيران

بقلم : أسامة سرايا : بوابة الأهرام : 12-7-2024  نحن من المقتنعين بأنه يجب أن …

اترك تعليقاً