الطرق الصوفية ودورها في تشكيل الثقافة الإسلامية في الصومال

بقلم : عبد القادر غولني :

لقد كان للطرق الصوفية أثرا كبيرا ودورا بارزا في تشكيل الثقافة الإسلامية في الصومال، إذ أن الطرق الصوفية في الصومال راسخة القدم قوية التأثير في الساحة الصومالية على مر العصور والزمان، ولها تاريخ مشرف في الكفاح ضد الاستعمار الأوروبي في الصومال، خاصة وأن المجتمع الصومالي لديه قناعة تامة أن هذه الطرق هي التي حافظت عليه وعلى هويته؛ وكان لها الدور البارز في نشر الإسلام والثقافة الصومالية، وبناء المراكز الإسلامية التعليمية لتدريس أصول دين الإسلام، ويمكن القول أن تاريخ الصومال الإسلامي كله يدور في فلك الطرق الصوفية، وكتاباتهم هي المراجع الوحيدة لكفاح هذا الشعب، ولها فضل كبير في نشر الإسلام في كثير من المناطق الصومالية وكذلك الدول المجاورة، وقد كانت الطرق الصوفية عاملاً من عوامل الوحدة بين مكونات الشعب الصومالي، ولعبت دورًا مهمًّا في مجال نشر الإسلام وتشكيل الثقافة الصومالية في المنطقة، وأسهمت في إنشاء العديد من المراكز الإسلاميةٍ، كما وعنيت بتدريس أصول الدين للمسلمين كما لعبت الثقافة الصوفية في الصومال دوراً إيجابياً في حفظ الثقافة العربية الإسلامية، وقد أسهم التصوف في خلق ظروف الاستمرارية للثقافة الإسلامية في الصومال في ظل الحقبة الاستعمارية والوطنية، وحينما نجحت الإدارة الإيطالية في إسكات قنوات الثقافة العربية الأخرى فشلت في إسكات قناة التصوف.

وقد استطاعت الطرق الصوفية في الصومال خلق مراكز علمية في جميع أنحاء الصومال؛ لنشر العلوم الإسلامية، ومنها: هرر، مقديشو، بارطيري ، قلنقول، غلعسبو، ورشيخ وغيرها من المدن الساحلية، وقد تخرج من هذه المراكز العلمية العديد من العلماء والشيوخ الذين قادوا مسيرة الدعوة في الصومال وفي عموم شرق إفريقيا. كما قامت الطرق الصوفية في الصومال بمهمة نشر الدعوة الإسلامية، وتفسير تعاليم الإسلام، ومحاربة التبشير الكنسي، حيث أنشؤوا كتاتيب (الدُّكسي) ؛ لتحفيظ القرآن الكريم، وأقاموا حلقات علمية في المساجد بالإضافة إلى حلقات التلاوة والذكر، ولهذا أقاموا مدناً ومراكز ثقافية في ربوع البلاد. وسيتناول الباحث هذه الطرق ذاكراً دورها في نشر الدعوة في الصومال، كما يلي:

الطريقة القادرية: تعتبر الطريقة القادرية في الصومال من أشهر الطرق الصوفية، والأكثر اتباعاً ورواجاً بين أهل الصومال في منطقة القرن الإفريقي، حيث تصادفك مراكزها أينما ذهبت، ويتردد اسم السيد عبدالقادر الجيلاني أينما حللت، وتنتسب هذه الطريقة إلى الشيخ عبدالقادر الجيلاني المتوفي في بغداد عام 561 هجرية، وقد انتشر أتباع هذه الطريقة في بلاد المغرب وغرب إفريقيا والصومال، وتعتبر الطريقة القادرية من أشد الطرق حماسة لنشر الدعوة الإسلامية بكافة الطرق والوسائل مثل: فتح المساجد أو الزوايا لتعليم القرآن الكريم، وإرسال الفقهاء والنقباء من الشبان؛ لتلقي التعاليم الإسلامية؛ ليعودوا بقلوب مؤمنة بربها وبالرسالة المحمدية؛ وليكونوا قادرين على مقاومة التبشير المسيحي الذي جاء في ركاب الاستعمار الأوروبي الذي أفسح المجال أمام الإرساليات الكاثوليكية الإيطالية بإنشاء كنائس ضخمة ، وأحياء سكنية، ومدارس. ولم تكن الطريقة القادرية هي الطريقة الصوفية الوحيدة التي انتشرت في الصومال وقامت بدورها التنويري في الحركة الوطنية الصومالية ، وإن كانت أكبرها أنصاراً وأكثرها انتشاراً.

الطريقة الأحمدية الإدريسية: وهي طريقة مشهورة في الصومال منسوبة للشيخ أحمد بن إدريس الفاسي المتوفي في الحجاز سنة 1837م، والذي أدخل هذه الطريقة إلى بلاد الصومال هو الشيخ عبدالواحد الأبغالي، والعلامة الولي الشيخ أبوبكر محضار الكساوي المدفون في ورشيخ .
ظهر أحمد بن إدريس في أوائل القرن التاسع عشر بآرائه الإرشادية التي أيقظت المسلمين في شرق القارة وشمالها، ويبدو أن مرد هذا التأثير الكبير للسيد أحمد بن إدريس يعود إلى جاذبية أفكاره وآرائه التي صاحبت الظروف واحتجاجات المسلمين الفكرية حينها، وله مؤلفات عديدة أهمها: ” كتاب الأحزاب “وهو عبارة عن مجموعة من الأوراد، “والعقد النفيس في جواهر التدريس” و”كنوز الجواهر النورانية ” .

وكان السيد أحمد بن إدريس الفاسي يهدف إلى إنعاش الطريقة الصوفية، وكانت جهوده موجهة إلى إفريقيا بالدرجة الأولى، وأرسل الشيخ أحمد بن إدريس دعاة إلى منطقة قرن إفريقيا عام 1817م، ويعتبر الشيخ “علي مية” المتوفي عام1917م في مدينة “مركا” أبرز من نشر الطريقة الأحمدية في الصومال، وانتشر أتباع الطريقة الأحمدية في جنوب الصومال، بواسطة الأئمة الخمسة المشهورين باسم “النجوم الخمسة”.

انتشرت هذه الطريقة في المحافظات الجنوبية لجمهورية الصومال أواخر القرن التاسع عشر، وركزت على التربية والتعليم، والاكتفاء الذاتي، فأسست قرى تعاونية في المناطق الزراعية الواقعة على ضفاف الأنهار ، وكانت تخضع الزعامة الدينية والسياسية في القرية إلى أحد فقهاء الطريقة، ومن هذه القرى:”بصرة”،و”بغداد”، و”مبارك” في محافظة شبيلي الوسطى، ومحافظة شبيلي السفلى، وغيرها من القرى.
الطريقة الصالحية : هذه الطريقة فرع من الطريقة الأحمدية المشهورة، اشتقت الطريقة الصالحية اسمها من زعيمها الشيخ محمد بن صالح الرشيدي 1858-1919م، وهو من السودانيين التابعين للمذهب المالكي، وكان خليفة للشيخ إبراهيم بن الرشيد الدويحي في سنة 1874م، والذي جاء من دنقلا .

وتعتبر هذه الطريقة من أقدم الطرق الصوفية وأهمها من حيث المواقف الوطنية ومقاومة الاستعمار ولا ينافسها أحد من الطرق الأخرى في هذا المضمار، فالسيد محمد عبد الله حسن الذي قاد أطول جهاد في القارة الإفريقية والشيخ بشير الذي عرف بذكائه الشديد، والذي برهن للعلماء أن الدعاء وقراءة القرآن وحدهما لا يكفيان في مقاومة الاستعمار، والشيخ حسن برسني الذي حارب الإيطاليين والأحباش معاً حتى قتل على أيدي الإيطاليين وهو مسجون في مدينة جوهر ، كل هؤلاء وغيرهم خرجوا من المدرسة الصالحية، ويرجع ذلك إلى اتصالهم بالعالم الخارجي ولقاء قادة الطريقة الصالحية مع أغلب المصلحين في العالم الإسلامي.
الطريقة الرفاعية: اشتهرت هذه الطريقة بإقامة وتنظيم الحفلات الكبــرى خاصة الاحتفال بمناسبة ذكرى مولد الرسول- صلى الله عليه وسلم-وكان الفضل يرجع للشريف عيد الروس النصيري من العرب القدامى بالصومال وكان يدعو جميع أرباب الطرق الصوفية وغيرهم من أطياف المجتمع كما كان يدعو غير المسلمين.

دور الطرق الصوفية في نشر الدعوة الإسلامية في الصومال:
أولا: مناهضة التبشير الكنسي:
لقد كان لظهور الطرق الصوفية في الصومال منذ عام 1750م، على أيدي عظماء من الشيوخ أثر في مناهضة الحركة التبشيرية وتحذير المسلمين منها، والدعوة إلى الجهاد باسم الإسلام ونشر تعاليم الإسلام، فقد أقاموا المدارس والكتاتيب (الدكسي)، والمساجد لتحفيظ القرآن الكريم وتفسير آياته الخالدة، وقام أصحاب الطرق الصوفية في الصومال بالدعوة إلى التمسك بالأخلاق السامية.

بقلم : أ. د. عبدالقادر غولني

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم للأبحاث والدراسات بشؤون المستضعفين في العالم لا سيما المسلمين والتحذير من أعداء البشرية والإنسانية و تثقيف المسلمين وتعريفهم بحقائق دينهم وما خفى عنهم وعن وحضارتهم وماهم مقبلون عليه في ضوء علامات الساعة المقبلون عليها.

شاهد أيضاً

على غرار تبنيها أساليب حرب الغابة الفيتنامية.. البحرية الأمريكية تتعلم تكتيكات الحوثيين

YNP : “جهود الحوثيين تطورت بسرعة إلى مثال ممتاز لكيفية إجراء استطلاع فعال، واستطلاع مضاد، …

اترك تعليقاً