القاهرة : مدينة الألف مئذنة.. مسجد ومدرسة السلطان حسن

العين :

جمعت مدرسة السلطان حسن بالقاهرة ما بين عظمة البناء وقوته وجمال الزخرف وبهائه، وتعتبر من أروع معالم الآثار الإسلامية في العالم، وهي أهم مزار سياحي وثقافي لجميع المهتمين بالمساجد الإسلامية الأثرية والتاريخية، حيث حرص الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وزوجته، ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون، وسفيرة الولايات المتحدة بمصر آنذاك آن باترسون، على زيارة الجامع أثناء الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكى لمصر عام 2009.

تقول دكتورة أسماء شوقي، مدير إدارة الآثار من منظور الرحالة بمركز تسجيل الآثار الإسلامية والقبطية بالقلعة، لـ”العين الإخبارية”: إن “العديد من المؤرخين سجلوا إعجابهم وانبهارهم بمدرسة وجامع السلطان حسن على رأسهم “المقريزي” الذي قال عنها “لا يُعرف في بلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يُحاكي هذا الجامع، وقيمته التي لم يُبن بديار مصر والشام والعراق والمغرب مثلها”، كما ذكر المؤرخ” ابن تغري بردي” عنها “أن هذه المدرسة ومئذنتها وقبتها من عجائب الدنيا، وهي أحسن بناء بُني في الإسلام، ويقول عنها المؤرخ الظاهري “ليس لها نظير في الدنيا”.


ويقول دكتور جمال عبد الرحيم، أستاذ العمارة الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة في تصريحات خاصة لــ”لعين الإخبارية”: “المدرسة من أضخم وأجمل وأعظم المدارس والجوامع في العالم الإسلامي، نظرا لارتفاع الجدران ما يقرب من 38 مترا، وضخامة المساحة التي تقدر 7906 أمتار مربعة، ولذا قال عنها المؤرخون إذا كانت مصر الفرعونية تفتخر بأهرامات الجيزة، فإن مصر الإسلامية تفتخر بمدرسة السلطان حسن، كما تضم المدرسة العديد من العناصر الزخرفية والنباتية، والهندسية الإسلامية، وكذلك المعمارية التي لا مثيل لها، والتي تشهد على تطور فن العمارة والزخرفة في تلك الفترة”.


عن سبب الإنشاء ووظيفته المدرسة، يضيف عبد الرحيم:

“نسميه مدرسة وليس جامع السلطان لأن نظام المدرسة في العصر الأيوبي، والذي استمر حتى العصر المملوكي هو نظام المدرسة  الشامل الجامع لكونها مسجدا للصلوات الخمس والمدرسة وصلاة العيدين، بالإضافة إلى تدريس المذاهب السنية الأربعة، والتدريس الدنيوي، كما تمثل في وقتنا الحالي الجامعة الحديثة، حيث يتم فيها تدريس العلوم الدينية والفقهية، بالاضافة إلى العلوم الدنيوية مثل: الطب والتاريخ والجغرافيا والهندسة في إيواناتها الأربعة، كما يوجد ملحق بالمدرسة “بيمارستان” أى مستشفي مخصص للطلبة الدارسين، وبجواره مطعم لهم، كما يوجد بجوار كل إيوان مكان مخصص لسكن الدارسين مثل المدينة الجامعية الآن”.

رافقته هيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية الأمريكية آنذاك
جدير بالذكر أنه تم بدء العمل في المدرسة عام 757هـ -1356 م، واستمر العمل بها ثلاث سنوات دون انقطاع، وأن السلطان حسن منشئ هذا الأثر توفي عام 762هـ – 1361م، قبل إتمام بنائه، ولم يُعرف موضع دفنه إلى الآن، حيث لم يدفن بمدرسته، فقام الأمير “بشير آغا الجمدار” أحد أمرائه بإتمامها، فيما يذكر البعض أن السلطان حسن احتفل بافتتاح مدرسته وصلى فيها الجمعة وأنعم على البنائين والمهندسين وأقيمت بها الدروس الدينية في حياته”.

 القيمة الجمالية والمعمارية للمدرسة والجامع

عن تخطيط المدرسة والجامع تضيف “شوقي”: “صممت المدرسة على شكل مستطيل غير منتظم الأضلاع، وكان ما حولها خالياً من أي بناء لذا فإن لها أربع واجهات حرة، ويتفق تخطيط المدرسة مع الطراز المملوكي ذي الإيوانات الأربعة المتعامدة، ويتوسطها صحن مكشوف تتوسطه فسقية بديعة تُسقفها قبة خشبية محمولة على ثمانية أعمدة من الرخام، وبكل إيوان من الإيوانات الأربعة باب يُوصل منه إلى إحدى المدارس الأربعة المخصصة لدراسة المذاهب الإسلامية الأربعة”.


يقع المدخل الرئيسي للمدرسة في الطرف الغربي من الواجهة الشمالية، وهو من أروع وأعظم المداخل في العمارة الاسلامية قاطبة وأكثرها ارتفاعاً، ودونت بهذا المدخل نصوص كتابية تحوي الشهادتين وأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة، كما احتوت طاقية كتلة المدخل على صف من الدلايات بلغت العشرين صفاً مما أضفى عليها جمالاً وثراء لا مثيل له في العمارة الإسلامية بمصر، ويوجد وسط جدار القبلة المحراب المجوف وهو من المحاريب الكبيرة العميقة ويكتنفه أربعة أعمدة من الرخام، وفيه زخارف بالرخام الملون والمحلى بزخارف مورقة تتخللها عناقيد العنب، ويقع المنبر على يمين المحراب وهو من الرخام الأبيض، وبابه من الخشب المُصفح بالنحاس، ومزخرف بأشكال نجمية”.


وللجامع مئذنتان عظيمتان يبلغ ارتفاع الكبرى منهما حوالي 81 مترا، كما توجد حجرة المدفن خلف جدار القبلة وهي مربعة الشكل ومسقفة بقبة ضخمة، ويتوسط حجرة الدفن تركيبة من الرخام مدفون بأسفلها ابن السلطان الناصر حسن ويدعى “الشهاب أحمد”، كما يوجد بتلك الحجرة محراب مجوف في الضلع الشرقي منها مكسو بالرخام الدقيق الصنع، وتحتوي أيضا على كرسي مصحف من الخشب المصنوع من حشوات مجمعة، ومطعمة بالصدف والعاج، ويعد أقدم كراسي المصاحف التي عثر عليها حتى الآن”.


ويتابع عبد الرحيم أن المدرسة تعتبر مدرسة لتعليم العديد من أنواع الخطوط العربية؛ حيث تضم جميع أنواع الخطوط التي عرفت من قبل حتى العصر المملوكي كالخط الكوفي المورق الذي اشتهر في القرن الخامس والسادس الهجري في العصر الفاطمي، والخط الكوفي المربع الهندسي، بالإضافة إلى الخط النسخ الذي كان سائدا منذ العصر الأيوبي واستمر حتى العصر المملوكي، والزخارف النباتية الرائعة كما نطلق عليها “الأرابيسك”، كما يوجد الزخارف الهندسية والأطباق النجمية والاشكال السداسية والمربعات وغيرها”.

About leroydeshotel

Check Also

جامع الجزائر متعة روحية وبصرية وحصن للمرجعية الدينية

الجزائر ـ «القدس العربي»: محمد سيدمو    باتت العاصمة الجزائرية تُباهي كبار زوارها من الرؤساء …