مزار علي بن أبي طالب في أفغانستان (مزار شريف)

ينابيع :

يفتخر الأفغانيون عموماً، الشيعة منهم والسُنّة بوجود جثمان سيد الأوصياء وعلم الأتقياء، مشهور الذكر في الأرض والسماء، علي بن أبي طالب(عليه السلام)، في أرضهم، تلك الأرض التي شهدت بزوغ نور الإسلام عليها، فكانت إشراقاته تملأ النفوس، وتعاليمه السمحاء تبعث على الحياة الهانئة، فضم الأفغانيون الإسلام بين جوانحهم وقاتلوا دونه وضحوا لأجل بقاءه، فكانوا كما ذكرهم شكيب أرسلان بقوله: (ولعمري لو لم يبق للإسلام في الدنيا عرق ينبض لرأيت عرقه بين سكان جبال الهملايا وهندوكوش نابضاً وعزمه هناك ناهضاً).
وقد تخرج من مدرسة الإسلام في تلك البقاع شخصيات بارزة، لعبت دوراً هاماً في التاريخ الإسلامي، بل وأبدعت في شتى مجالات المعرفة، فكان لها في أوج المعالي نصيباً، وفي ميدان العلم حظاً.

                وكان اهتمام الأفغانيين ولازال ينصب على مزار شريف، مركز مدينة بَلْخ، وعاصمة شمال أفغانستان وبَلْخ من المدن المعروفة جداً ولها تاريخ غني، وقلما نجد مدينة لها ماضٍ حضاري وثقافي مثل مدينة بَلْخ، فقد كانت تسمى في الماضي بأسماء تدل على مكانتها المرموقة بين المدن مثل أم البلاد، وقبة الدنيا وقبة الإسلام فهي حاضرة العلم والعلماء وقد ازدهرت بَلْخ في الماضي البعيد وكانت لفترة طويلة مركزاً للمقاومة والمعارضة ضد الأمويين والعباسيين وأعداء آل البيت(عليهم السلام) وملجأً آمناً للشيعة والثوار المطاردين من قبل الأمويين والعباسيين.
                وكانت بَلْخ عاصمة مملكة (آريانا) القديمة وكانت تحمل اسم (بكتريا) وتقع على بعد عدة أميال من غرب (مزار شريف)، وقد انتسب إلى مدينة بَلْخ عدد من العلماء أمثال ابن سينا البلخي وجلال الدين الرومي البلخي والرحالة المعروف ناصر خسرو البلخي وغيرهم… وبالرغم من بعد المسافة بين بَلْخ القديمة ومزار شريف، فإن الأخيرة استطاعت أن تعيد إلى بَلْخ مجدها وازدهارها.

     لنتعرف على ما يُقال عن هذا المزار؟ وما هو تأريخه؟

 

               وما حقيقة اعتقاد الأفغان في عائدية هذا القبر لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) بالرغم من إيمان ومعرفة الكثير منهم، بأن علياً(عليه السلام) مدفون في النجف الأشرف، المتعارف عليه عند عامة الكتاب والباحثين والمؤرخين، يكفي قول ابن أبي الحديد المعتزلي في قصيدته الجزلة المعروفة:
يا برق إن جئت الغري فقل له:                       أتراك تعلم من بأرضك مودع

 

        صورة قديمة للمزار

        فيما يقال عن هذا المزار:

 

     1ـ (…أما وجود المشهد المنسوب للإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) بطل الإسلام الخالد أسد الله الغالب في مدينة مزار شريف، التي أخذت تسميتها من المزار المنسوب للإمام علي(عليه السلام) ـ في شمال أفغانستان ـ فقد جعلت هذه المدينة أكبر منطقة للشيعة المخلصين لأهل البيت(عليهم السلام)). الشيخ حسين الفاضلي، أفغانستان تاريخها ورجالاتها، ص161
     2ـ (…وكلمة مزار معناها ضريح، إذ يقع فيها ضريح سيدنا علي بن أبي طالب(عليه السلام) رابع الخلفاء الراشدين. وقد سُميت المدينة باسم مزار شريف أي الضريح الطاهر. وهي تتنازع ومدينة النجف الأشرف في العراق، ولاء الشيعة). أفغانستان بين الأمس واليوم، أبو العينين فهمي محمد، ص115.
     3ـ (…في الوقت الحالي هناك في أفغانستان خمسة عشر ألف مسجد، أما المسجد الأكثر شعبية فهو مسجد روزاري شريف في ولاية مزار شريف وقد بُني في المكان الذي يُعتقد فيه قبر الإمام علي(عليه السلام)). نص مترجم من مجلة (Sept- Dec. 1986(4) Afghanistan Today).
     4ـ ومن المعروف أن الإمام علي(عليه السلام) استشهد في محراب مسجد الكوفة، ودُفن في ظهر الكوفة بالنجف الأشرف. (ولكن الأفغانيين السُنة يقولون إن جثمان الإمام بعد أن استشهد، أُخفي خشية التمثيل به، ثم وضع على ناقة بيضاء سارت به إلى أن حطت في هذا المكان (مزار شريف) فدفن فيه ولكن السلطان السلجوقي (سان خان) اكتشفه وتحقق منه فأمر ببناء ضريح عظيم فوقه تكريماً لمنزلة الإمام علي(عليه السلام). التاريخ السياسي للشيعة في أفغانستان، أحمد أخلاقي جمن مالستاني، ص26.
     5ـ في عهد الإمام الصادق(عليه السلام) وأوائل الحكم العباسي كانت هناك مؤامرة لتخريب قبر الإمام علي(عليه السلام) وإخراج جسده الشريف، فأمر الإمام الصادق(عليه السلام) أبا مسلم الخراساني بنقل جثمان الإمام علي(عليه السلام) إلى مكان آمن بعيداً عن متناول يد العباسيين، وقد كلف أبو مسلم الخراساني عشرة من أمراء جيشه بنقل الجثمان إلى (بَلْخ) حيث كثافة الشيعة والموالين لأهل البيت(عليهم السلام) ودفنه في قرية مجاورة تحولت إلى مدينة كبيرة أخذت اسم المزار. مجلة (حبل الله) الأفغانية العدد (51).
     6ـ تحت عنوان المزار الشريف (ومن العجائب ما أطلعنا عليها في كتاب موجود في خزينة أمير المؤمنين(عليه السلام) في النجف جاء فيه: أُبتلي أمير في بَلْخ (من ولايات أفغانستان) بجرح غير قابل للعلاج فرأى في الرؤية أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول له إن علاجك مرهم لا ولا، فاستيقظ من نومته وكلما سأل من أحد علماء المذاهب الإسلامية عن المرهم لا ولا، لم يجبه أحد، حتى عُثر على أحد الشيعة هناك فقال أنا أعرفه، فذُهب به إلى الأمير وقال له: يعني الإمام(عليه السلام) زيت الزيتون، قال له الأمير: وكيف عرفت؟ قال: أراد الإمام(عليه السلام) قوله تعالى:
               (زيتونة لا شرقية ولا غربية) فهي لا ولا، فعالج الأمير نفسه بدهن الزيتون وشُفي من مرضه فأصبح ذلك الشخص من المقربين للأمير بسبب هذه الحادثة، وبعد فترة ذهب عدة من علماء السنة، ووشوا بالرجل حسداً عند الأمير، وأخبروه بأنه رافضي يسب الصحابة ومنهم معاوية.
               أمر الأمير بمجلس يحض فيه العلماء، وسأل من ذلك الرجل: هل تسب معاوية؟ فقال له: بلى، وليس وحده وإنما كل من يسمي نفسه خليفة قبله يعني عثمان والشخص الذي وضعه خليفة له وكذلك الذي جعل هذا خليفته، وبناءً على قوله فقد طلب القضاة تنفيذ حكم القتل به بعد ثبوت ارتداده، فقال الأمير أن يأتي بالبينة على ادعائه، فقالوا له: أقم الدليل على جواز سبك لهم.
              أجاب: أتعلمون أن لحاتم الطائي بنتاً، ذهبت إلى النبي(صلى الله عليه وآله) بعد وفاة أبيها، فأعطاها قطيعاً من البقر والغنم والإبل تكريماً لجود وكرم أبيها، بالرغم من كفره، ولكن ماذا عُمل بابنة هذا النبي الأكرم بعد وفاته، فهل من الحق أن يقابل جوده وكرمه بأخذهم حق ابنته؟ لقد أخذوا منها فدكاً. عندها انقلب جميع من كان في المجلس وضجوا بالبكاء، وهكذا استطاع الشيعي بحجته هذه أن يبقى بينهم عزيزاً مكرماً ويحتمل انهم استبصروا.
                بعد مرور ثلاث أعوام، توفي ذلك الرجل وشُيع باحترام وتبجيل ودُفن ووضع على قبره قبة ومزاراً وصار الناس يأتون لزيارته، ومن باب المصدافة كان اسمه علي واسم أبيه أبو طالب فكُتب على قبره: هذا قبر علي بن أبي طالب). أسوة العارفين، إعداد وترجمة محمود البدري، ص221ـ 223.
     7ـ (…أما اليوم فإن بَلْخ تُعد من أجل مدن أفغانستان الحديثة، وفيها المزار العظيم المعروف بـ(مزار شريف) حيث دفن على ما يقال، الخليفة علي ويسمى شاه مردان أي ملك الرجال، وعلى قول خواند أمير: (إن هذا القبر الوهمي لعلي الشهيد قد اكتشف سنة (885هـ ـ1480م) يوم كان ميرزا بيقرا على كتاب تاريخ الكتب في أيام السلطان سنجر السلجوقي، حيث جاء فيه أن علياً مدفون في قرية خواجا خيران، وهي تبعد ثلاث فراسخ عن بلخ وبناءً على ذلك ذهب الوالي إلى تلك القرية ليتحرى الأمر فاكتشف لوحاً ما نصه بالعربية:
                (هذا قبر أسد الله ووليه علي أخي (عوضاً عن ابن عم) رسول الله(صلى الله عليه وآله)) فأقيم على هذا القبر مزار عظيم، وصار منذ ذلك الحين مكرماً عظيم التكريم لدى أهل آسيا الوسطى، وهو لازال فيها من المواضع الشريفة التي تُزار). بلدان الخلافة الشرقية، كي لسترنج، نقله إلى العربية بشير فرنسيس وكوركيس عواد، ص464ـ465.

 

                ولنا مع هذه النصوص وقفة نستجلي فيها الأمر فنكشف عن وجه الحقيقة القناع، الذي لفعتها به الأسطورة، التي سطرها الالتباس تارة ومحاولات تغيير المسلمات تارة أخرى.

 

               نلاحظ في الأقوال الأول والثاني ورود كلمتي (منسوب، يعتقد) وهذه الكلمات تعبر عن عدم إيمان الكاتب بصورة مطلقة، بوجود جثمان أمير المؤمنين في تلك البقعة، إذ المسألة فيها قول.
               أما ما ذكره أبو العينين فهي: (إن مزار شريف والنجف الأشرف يتنازعان ولاء الشيعة) فالكلام عارٍ من الصحة تماماً، ولعله لم يأت إلى النجف فيلحظ جموع الزائرين وحشود المحبين الذي قادهم الولاء والحب والشوق لزيارة أمير المؤمنين، فالأفغانيون أنفسهم يتوافدون على النجف للثم ضريحه والتشرف بتقبيل أعتابه، أضف لهم إخوانهم من المسلمين من شتى البقاع، وليس هناك أدنى مقارنة بين مزار شريف والنجف الأشرف.
               وعندما نلقي نظرة على النص الرابع نلاحظ ظهور عبارة جديدة وهي: (…ولكن الأفغانيين السُنة يقولون إن جثمان الإمام بعد أن استشهد، أخفي خشية التمثيل به، ثم وُضع على ناقة بيضاء سارت به إلى أن حطت في هذا المكان (مزار شريف) فدفن فيه…).
              إذن فالكاتب في بداية النص الذي ذكرناه في النقطة الرابعة يؤمن بأن الإمام علي استشهد في محراب مسجد الكوفة، كما يؤمن بدفن الإمام بظهر الكوفة في النجف الأشرف إلا أنه يقول إن الأفغانيين السنة دون الشيعة هم الذين يقولون بنقل الجثمان المطهر إلى أراضيهم، ولنا مع الأخوة السنة هناك أسئلة تتعلق بهذا النص وهي:
     1ـ (…أخفي خشية التمثيل به) فمن أخفاه؟ ونحن نعلم أن دفن الإمام تم بسرية شديدة وتكتم حذر للغاية، فقد اصطحب الإمام الحسن(عليه السلام) ثلة من أصحاب أبيه، المخلصين والحواريين الذي ثبتوا مع الإمام علي(عليه السلام) في أحلك الظروف وأصعب الساعات، إذن فالإمام الحسن(عليه السلام) كان قد عفى موضع قبر أبيه، ولا يعلم أحد فيه سوى هؤلاء الذين عرف الإمام(عليه السلام) موضع السر منهم، فلا إشكال ولا خوف من خشية التمثيل.
     2ـ (…ثم وضع على ناقة بيضاء سارت به إلى أن حطت في هذا المكان (مزار شريف) فدفن فيه…).
               من الذي وضع الجثمان على الناقة البيضاء؟ وكيف سارت به طول هذه المسافة الطويلة جداً؟ فمن النجف إلى بَلْخ آلاف الأميال ولو آمنا أن ذلك كان على سبيل الإعجاز، فالأولى بالإعجاز أن يتم في إخفاء قبره الذي دُفن فيه والذي ادخره له نوح(عليه السلام) قبل الطوفان.
               ثم إن الناقة التي حطت بمزار شريف، من كان ذو علم بمقدمها، وكأن النص يهيأ القارئ إلى أن هناك شخص كان باستقبال الجثمان، وهو يعرف تماماً بأن الناقة المُسيّرة سوف تأتي إلى هنا.

 

               ننتقل للنص الخامس الذي يقول: (في عهد الإمام الصادق وأوائل الحكم العباسي كانت هناك مؤامرة لتخريب قبر الإمام)، وهنا يمكن القول بأن معالم القبر لم تكن بارزة آنذاك بل كان مخفياً ولا يزور القبر سوى الخواص، لننظر إلى هذا النص ونمعن فيه: (فعن محمد بن مسلم قال: مضينا إلى الحيرة فاستأذنا ودخلنا على أبي عبد الله(عليه السلام) فجلسنا إليه وسألناه عن قبر أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال:
          إذا خرجتم فجزتم الثوية والقائم وصرتم من النجف على غلوة وغلوتين رأيتم ذكوات بيض بينهما قبر، جرفه السيل فذاك قبر أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال فغدونا من غد فجزنا الثوية والقائم وإذا ذكوات بيض فجئنا فإذا قبر كما وُصف قد جرفه السيل فنزلنا وسلمنا وصلينا عنده ثم انصرفنا له(عليه السلام).
              فقال(عليه السلام): أصبتم أصاب الله بكم الرشاد)(1). وعندما أُحصيت زيارات الإمام الصادق(عليه السلام) لقبر جده(عليه السلام) فكانت تسعة مرات(2) فكيف يزور قبراً خالياً؟!.
             وخلال أوائل حكم بني العباس، فإنهم كانوا مشغولين بتدعيم أسس دولتهم الفتية التي ظهرت على أنقاض دولة بني أمية، تلك الدولة التي حكمت بالمسلمين وجعلتهم عبيداً، فسلبت إرادتهم وحريتهم ومقدراتهم، ولا ينسى بنو العباس أتباع علي(عليه السلام) وأولاده الذين دعوا للرضا من آل محمد، فأين بنو العباس من قبر أمير المؤمنين(عليه السلام) وهم كما قلنا منهمكين بتأسيس دولتهم وتشييدها.
             (فأمر الإمام الصادق(عليه السلام) أبا مسلم الخراساني بنقل جثمان الإمام علي(عليه السلام) إلى مكان آمن بعيداً عن متناول يد العباسيين).
             وهذا الكلام هراء، فالإمام الصادق(عليه السلام) أبعد ما يكون عن أبي مسلم الخراساني، القائد الموالي لبني العباس والذي وقف مناهضاً لمن يطلب جعل الخلافة في بني علي(عليه السلام)، بل هو الممهد الأساس لدولة العباسيين فكيف أمره الإمام(عليه السلام) بذلك؟
             ومتى تم اللقاء بينهما؟
           وقد ذكر اليعقوبي قولاً وهو: (أما أبو مسلم الخراساني فقد كتب إلى الإمام الصادق(عليه السلام) قائلاً، إني دعوت الناس إلى موالاة أهل البيت، فإن رغبت فأنا أبايعك، فأجابه الإمام(عليه السلام) أما أنت فليس من رجالي ولا الزمان زماني)(3)
             وفي بعض الروايات (أن أبا مسلم أرسل كتاباً إلى الإمام الصادق(عليه السلام) يدعوه فيه، قال(عليه السلام) ليس لكتابك جواب، اخرج عنا)(4).
             وأما عن أفعال أبو مسلم مع العلويين فمنها (قبض أبو مسلم على عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار، الذي ثار أواخر أيام الأمويين واستولى على بعض مدن الجبال وفارس، ثم أمر بقتله أو كما قيل مات في سجنه)(5).
            وحينما ذهب أبو مسلم إلى الحج، أراد التوبة لأنه كان يائساً من رحمة الله حيث قال: إني نسجت ثوب ظلم لا يبلى مادامت الدولة لبني العباس فما من صارخة إلا ولعنتني عند تفاقم الظلم)(6).
            وهل يمكن لرجل بهذه المواصفات أن يكون محلاً لثقة الإمام الصادق(عليه السلام)؟! والإمام(عليه السلام) ذاك الحكيم الذي ينظر إلى الأمور بمنظار العالم، نظرة شمولية يتعرف من خلالها على سلوك الشخص والتزامه، فكيف يأمر(عليه السلام) أبا مسلم بنقل الجثمان إلى مكان آمن بعيداً عن متناول يد العباسيين، وأبو مسلم عبدٌ طائع وموالٍ تمام الموالاة لبني العباس؟!.

 

              أما النص السادس فقد سردت تمام القصة لأن في ذلك توضيح لم تتم به النهاية والذي يهمنا من النص أنه قد أثبت أن المدفون في مزار شريف هو شخص يدعى علي بن أبي طالب، وكما قال: (…ومن باب المصادفة كان اسمه علي واسم أبيه أبو طالب فكتب على قبره هذا قبر علي بن أبي طالب) ثم يردف مؤكداً (وهذا المكان هو نفسه المزار الشريف الموجود بأفغانستان) وهنا بدأت الحقيقة تظهر وهي الإشارة الأولى.

 

               بالنسبة للنص السابع والأخير فمن خلاله سنتحقق من معرفة الصواب من كلمة مؤرخ أفغانستان الشهير خواند امير (وهي القبر الوهمي لعلي الشهيد)، وهي تدل على توهم ونسبة دون تمحيص، معتمدين على القول الذي أشرنا إليه آنفاً من أن الإمام الصادق(عليه السلام) طلب من أبا مسلم نقل الجثمان المطهر من النجف إلى بَلْخ، فقام بنقله ودفنه في قرية خيران الواقعة في الطرف الشرقي من مدينة بَلْخ. يذكر الأستاذ محمد عمر فرزاد في كتابه (إجمالي از تاريخ آرامياه حضرة شاه ولايت مآب در ولايت بلخ) ما هو تعريبه:
            (…في أيام خلافة هارون الرشيد (170ـ193هـ) قام الخليفة العباسي هارون الرشيد شخصياً بالتفحص الواسع والتنقيب في النجف الأشرف والتحقيق من معمري رجال الكوفة باحثاً عن موضع قبر علي حتى تمكن من العثور على حفرته التي نُقل منها رفات الإمام علي(عليه السلام) بواسطة أبي مسلم الخراساني إلى بلخ فنصب على تلك الحفرة عمارة لاتزال معروفة في النجف حتى اليوم)(7).
               فعلق عليها عبد الحسين الصالحي قائلاً: وهذه الرواية أسطورة من الأساطير التي لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، وإلا فلو علم هارون بقبره في بَلْخ لكان أولى بأن يعمره بدلاً من تعمير حفرة كان بها جسده الطاهر.

 

     كشف حقيقة القبر المنسوب في مزار شريف

              يذكر الأستاذ عبد الحسين الصالحي في بحثه القيم قول ابن عنبة النسابة صاحب عمدة الطالب المتوفى عام 838هـ في كتاب أنساب آل أبي طالب المكتوب باللغة الفارسية، أنه دخل المزار المعروف ببَلْخ بعنوان مزار علي بن أبي طالب، وقرأ على الصخرة فوق القبر تحت الصندوق في الروضة الشريفة وفيه:
             (هذا قبر أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبيد الله بن علي بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن علي السجاد بن الحسين السبط(عليه السلام)) فعلم أنه من بني الحسين(عليه السلام) الذي ملكوا تلك البقاع وكانوا أمراء في بَلْخ، والاشتراك في اللقب والكنية والاسم واسم الأب هو الذي أوجب الالتباس والاشتباه على عوام الناس كما صرح ابن عنبة في كتابه الفصول الفخرية الفارسي أيضاً:
              (إن جملة من بني الحسين الذين كانوا أمراء ونقباء وملوك في بلخ ومنهم المدفون في قرية خيران من ضواحي بلخ والمعروف حالياً بالمزار الشريف والذي ينسب قبره إلى الإمام علي(عليه السلام)، وكان عالماً، فاضلاً نقيب العلويين في بلخ ويسمى أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبيد الله)(8).
                وهذا ما أكده النسابة السيد عبد الرزاق كمونة النجفي في كتابه موارد الإتحاف في معرفة الأشراف في ذكر نقباء مدينة بَلْخ فبعد أن ساق نسب السيد علي بن أبي طالب الممتد إلى الحسين بن علي بن الحسين الشهيد(عليه السلام)، قال: (قلت: وهو صاحب المزار المشهور بقبر علي بن أبي طالب هناك)(9).
               أما الأستاذ الصالحي فيسرد تعليقاً في غاية الدقة قائلاً: (إن قرية خيران الواقعة في ضواحي مدينة بَلْخ من أملاك هذا السيد الجليل العظيم الشأن العالم الفاضل نقيب النقباء في بَلْخ وبعد وفاته دفن بها، وكتب لقبه وكنيته واسمه ونسبه المشابهة كلها كما هو معروف عن علي بن أبي طالب على الصخرة التي وضعت على قبره،
               وظلت مقبرته مقصداً للزائرين والوافدين ومع مرور الزمان اشتبه الأمر على الأجيال، والسبب في هذا الالتباس هو التشابه الواضح الذي ذكرناه وربما لم يتمكنوا من قراءة باقي نسبه أو لم يعلنوا ذلك سهواً وربما بعضهم عمداً وأخذوا ينسجون تلك الأساطير مثل نقل رفات الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) بواسطة أبي مسلم الخراساني من النجف الأشرف إلى بَلْخ)(10).
              سلام عليك يا أبا الحسن، يا من يتمنى كل شعب أن تحتضن أرضه جثمانك المبارك، يا من سكن القلوب حبه وافتخرت النفوس بالانتماء إليه، اللهم ثبتنا على ولايته ما بقينا، وأمتنا على حبه يوم نفارق دنيانا، واجعله ولينا يلقنا الحجة عند وفاتنا وهو القائل(عليه السلام) للحارث الهمداني:

 

      يا حار همدان من يمت يرني                  من مؤمن أو منــــــافق قُبـــلاً

 

نشرت في العدد 8

——————————————————


المصادر:
(1) فرحة الغري، ابن طاووس، ص100.
(2) مقتل الإمام علي، رسول عبد السادة، ص215.
(3) تاريخ اليعقوبي، 2/ 49.
(4) الكافي، الكليني، 8/ 274.
(5) الكامل، المبرد، 58 ـ الكامل، ابن الأثير، 5/ 372.
(6) الزمخشري2/ 827.
(7) دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، بحث الأستاذ عبد الحسين الصالحي، 8/ 315.
(8) المصدر السابق، ص316.
(9) موارد الإتحاف، 1/ 69.
(10) دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، 8/ 313.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

مشهد مرد الشمس للإمام علي بن أبي طالب(ع)

 ينابيع :  بقلم خليل إبراهيم المشايخي               على بعد كيلوين …