العين :
هاني رياض – مصر
أمرت بتشييده والدة الخديوي إسماعيل خوشيار هانم
يرجع بناء جامع الرفاعي بمنطقة الخليفة لعهد الأسرة العلوية في مصر، ويكتسب شهرته كونه يضم رفات عدد من أشهر ملوك وأميرات مصر في الفترة الخديوية من تاريخ مصر، ومن اللافت في نقوش هذا المسجد هو تجاور الصلبان داخله مع الآيات القرآنية والزخرفة الإسلامية التي عرفت بها مساجد القاهرة التاريخية الأثرية طوال عصوره التاريخية.
تاريخ تشييد الجامع:
يقول دكتور محمود أحمد محمد، أستاذ العمارة الإسلامية كلية الآداب جامعة عين شمس، في تصريحات خاصة لـ”لعين الإخبارية” إن: “الجامع يعكس الكثير من الظواهر الاجتماعية المهمة في هذه الحقبة التاريخية، فقد أنشأته والدة الخديوي اسماعيل السيدة خوشيار، عرف بسيدي علي الرفاعي الشهير بأبي شباك المدفون به، وكان زاوية صغيرة تعرف بزاوية الرفاعي وبالزاوية البيضاء، وكان بها عدة قبور، فأزيلت تلك الزاوية والبيوت المجاورة لها وعدة حارات، وكان الخديوي إسماعيل رائد التطور والتغيير الفني من بين كل أحفاد هذه الأسرة العلوية، فجاء فنانو النهضة وصمموا الكثير من أقسامه”.
ويضيف أستاذ العمارة الإسلامية” أن خوشيار أمرت الأمير حسين باشا فهمي المعمار وكيل ديوان الأوقاف بأن يعد لها تصميماً لجامع به ضريح لسيدي علي الرفاعي، وآخر لسيدي يحيى الأنصاري، ومدافن لأسرتها في سنة 1286هـ- 1870م، وقد صرف على مواد بنائه قرابة 440 ألف جنيه مصري، مما أزعج الخديوي إسماعيل لشدة الأزمة المالية في ذلك الوقت”.
جدير بالذكر أن الجامع يرجع في الأصل إلى مسجد صغير من العصر الفاطمي يسمى “مسجد الذخيرة”، أنشأه المـلك “جـعفر” والي القاهرة في عام 516هـ، حيث تقول الدكتورة سعاد ماهر في موسوعتها “مساجد مصر وأولياؤها الصالحون”، أنه على الرغم من أن فكرة إنشاء الجامع ترجع إلى “خوشيار هانم”، إلا أنه لم ينسب لها بل نسب إلى “جعفر” حيث كانت هناك زاوية صغيره تسمى” الزاوية البيضاء” أو “الزاوية الرفاعية”، وقامت هي بنقل رفات مشايخ الطريقة الرفاعية، وقامت بتجـديد زاوية الرفاعـي عام1869م، وضمت لها بعض الأراضي المجاورة له، واشتهر الجامع بعد ذلك باسم “الرفاعي” نسبة لسيدي علي الرفاعي”.
أوكلت خوشيار هانم “حسين باشـا فهمي” وكيل الأوقاف آنداك بنـاء مسجد كبير بدلاً من المسجد الصغير ليكون مدافن لها ولأسرتها، بالإضافة إلى قبتان للشيخ “علي بن أبي شـباك”، والشيخ “يحيى الأنصاري”، بدأ “حسين باشـا فهمي” العمل في المسجد، ولكن توقف عام 1885 م بسبب وفاة خوشيار هانم، وقام “هوتس باشا” باستكمال بنائه عام 1905، وتم افتتاح المسجد عام 1330هـ- 1912م.
ويحرص المصريون على أداء صلاة التراويح في شهر رمضان في هذا المسجد، حيث ينفرد تصميمه المتميز الذي يضفي أجواء روحانية في شهر رمضان.
الطراز المعماري للمسجد وأهميته الأثرية:
وعن تخطيط المسجد وطرازه المعماري، يضيف أحمد “المسجد في ضخامته يواكب كنائس آية صوفيا والكاتدرائيات المسيحية في روما؛ والتقسيم الثلاثي الذي طغى على أغلب أجزاء المسجد فنجده في تخطيط بيت الصلاة، والواجهات قسمت كل منها إلى ثلاثة أقسام، وجدار القبلة، وحتى دكة المبلغ حملت على ثلاثة أعمدة، لهو بالطبع انعكاس لفكرة تقسيم البازيلكا الذي بدأ في العمارة الإسلامية منذ العصر الأموي”.
يعتبر المسجد متحفاً مفتوحاً يعكس تاريخ العمارة الإسلامية في مصر، وقد أراد المعماري استعراض مهارته وفنونه فعكس كل العناصر المعمارية والفنية التي كانت موجوه في سجل العمارة الإسلامية، مناطق انتقال القباب، المقرنصات البديعة التي تحملها، تيجان الأعمدة الشاهقة، الدخلات والصدور المقرنصة في الواجهة، الأعتاب والعقود المزررة أو المعشقة التي تتخذ أشكالاً وريقات نباتية متداخلة تعلو فتحات الأبواب والمداخل والتي ميزت الفن المملوكي”.
ويعد محرابه الخشبي قطعة فنية تحكي قصة الفن المملوكي بالذوق الفني الخاص بالقرن التاسع عشر، فشكّل من قطع خشبية متناهية الصغر يطلق عليها الفنانون طريقة الحشوات المجمعة ” المجموعة” كونت أطباقاً نجمية متجاورة شغلت ريشتي المنبر ومقدمته، فطعمت ترساته وكنداته ولوذاته بقطع من العاج والصدف، وكذلك تجد الذوق المملوكي في أسقفة التي قسمت إلى مربوعات وتماسيح وكسيت بطبقة اللازورد الأزرق، فأسقف المسجد يمكنك أن تجد فيها التطور الكبير في ضخامة القبة التي تجدها تقليداً لقباب آية صوفيا جنباً إلى جنب مع الأسقف الخشبية المملوكية.
مقابر الأسرة العلوية وسر الصلبان بداخلها:
كان الغرض من تشييد الجامع ليضم مقابر الأسرة العلوية، حيث دفن به كما يقول أحمد ” زينب هانم، وتوحيدة هانم، وعلي جمال الدين، وإبراهيم حلمي، والسلطان حسين كامل ابن الخديوي إسماعيل، والملك فؤاد، وكذلك دفنت به خوشيار هانم، وابنها الخديوي إسماعيل، كما دفنت به زوجات الخديوي إسماعيل الأميرة شهرت فزا، والأميرة جنانيار، والأميرة جشم آفت، والأميرة فادية الابنة الصغرى للملك فاروق، وأخيراً الأميرة فريال أم الملك فؤاد التي توفيت عام 2009 بناء على طلبها”، كما دفن بالمسجد شاه إيران “محمد رضا بهلوي”، زوج الأميرة فوزية شقيقة الملك.
والملفت للانتباه هو أن قبر جنانيار هانم زوجة الخديوي إسماعيل المصمم على الطراز المسيحي، يعلوه صليب وأسفله آيات قرآنية، ويرجع أحمد تلك الصلبان إلى أنها “مجرد زخارف في نظر الفنان يقسم بها المساحات الهندسية، والتحليل المعماري لأشكال الصلبان الكبيرة التي شكلت على واجهات المسجد الشاهقة الارتفاع، هو طراز معماري للنوافذ القوطية، وهي من الناحية الإنشائية تشير إلى نظرية توزيع الأحمال خاصة مع هذا الارتفاع الشاهق لجدرانه الخارجية، وقد قبلها الذوق المصري خاصة أن وجود الصلبان في العمارة الإسلامية تاريخ طويل، فنجدها في تيجان الأعمدة في جامع الناصر محمد بالقلعة، وكانت انعكاس لاستخدام مواد بنائية من عمائر قديمة”.