يبدو أن التحقيقات التي يقوم بها روبرت مولر مع مستشار ولي عهد الإمارات جورج نادر، حول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد اتخذت منحاً جديداً وأكثر إثارة تجاه ترامب، وعلاقته بالشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي ونظيره السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وبحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في 21 آذار 2018، فإن جورج نادر، الأميركي من أصل لبناني، والذي يعد أحد الشهود المتعاونين في تحقيق المستشار مولر الخاص لأكثر من عام، عمل على تحويل أحد أكبر جامعي التبرعات لحملة لترامب إلى أداة تأثير في موقف البيت الأبيض من زعيمي المملكة العربية السعودية والإمارات.
وتكشف مئات الصفحات من المراسلات بين نادر وإليوت برويدي نائب رئيس المالية في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، عن جهدٍ نشط لاستمالة ترامب نيابةً عن المملكتين العربيتين الغنيتين بالنفط، واللتين تعدان من حلفاء الولايات المتحدة المقربين.
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإنه على رأس جدول أعمال الرجلين، كان المستشار السياسي لمحمد بن زايد وبرويدي، يدفعان البيت الأبيض إلى إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ويدعمان موقفه المعادي لإيران وقطر، ويضغطان بصفةٍ متكررة، على الرئيس لعقد اجتماعٍ خاص خارج البيت الأبيض مع ولي عهد أبوظبي.
والأربعاء 21 آذار 2018، نقلت صحيفة ديلي ميل البريطانية عن مصادر خاصة قريبة من ولي العهد السعودي، أن بن سلمان وبن زايد وراء إقالة وزير الخارجية الأميركي من منصبه؛ بسبب مواقف تراها كل من أبوظبي والرياض، غير متماشية مع سلوك الرئيس الأميركي.
والأسبوع الماضي، أقال ترامب وزير خارجيته تيلرسون، وتبنى الرئيس الأميركي مواقف صارمة تجاه كلٍ من إيران وقطر.

 كيف أغرى نادر برويدي؟

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن جورج نادر أغرى برويدي، جامع الأموال، باحتمالية إبرام عقودٍ تساوي أكثر من مليار دولار أميركي مع شركته الأمنية الخاصة (Circinus)، وساعد على إتمام صفقات تزيد قيمتها على 200 مليون دولار مع الإمارات.
ومدح نادر، برويدي بخصوص «تعامله الجيد مع الرئيس»، في إشارةٍ إلى ترامب، وذكر لصديقه، الذي تربطه علاقاتٌ برجال السلطة في الولايات المتحدة، مراراً، أنَّه أخبر الحاكمَين الفعليَّين في السعودية والإمارات عن «الدور السحري المحوري الأساسي الذي تلعبه لمساعدتهما»، بحسب «نيويورك تايمز».
وتعطي محاولة نادر كسب برويدي لصالحه والتي ذُكرت في وثائق مقدَّمة إلى صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، دراسة حالة عن الطريقة التي سعت بها الإمارات والسعودية للحصول على نفوذٍ داخل البيت الأبيض في ظل حكم ترامب. ووفقاً لأشخاصٍ مطلعين على المسألة، مُنِحَ نادر الحصانة في اتفاقٍ عُقِدَ مقابل تعاونه مع المحقق الخاص روبرت مولر، وربما تُلمِّح علاقته ببرويدي كذلك إلى سير الأمور في هذا التحقيق.
وذكر أحد الأشخاص المطلعين على المسألة، هذا الأسبوع، أنَّ نادر استُدعيَ من الخارج لتقديم شهادةٍ إضافية. سأل محققو مولر بالفعل شهوداً آخرين عن تواصل نادر مع كبار المسؤولين بإدارة ترامب، وعن دوره المحتمل في نقل الأموال الإماراتية للتأثير في جهود ترامب السياسية، فيما يعد إشارةً إلى توسيع التحقيق لدراسة دور الأموال الأجنبية في إدارة ترامب، بحسب الصحيفة الأميركية.

 ماذا تحوي الوثائق؟

تحتوي الوثائق على أدلةٍ -لم يسبق أن أُعلنت من قبلُ – تشير إلى أنَّ نادر أدى دور الوسيط أيضاً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي التقى ترامب، يوم الثلاثاء 20 آذار 2018، بالمكتب البيضاوي، في مطلع زيارته للولايات المتحدة، بهدف الاجتماع مع القادة السياسيين ورجال الأعمال.
وبحسب الصحيفة الأميركية، التقى الرجلان لأول مرة في أثناء تجمُّع الأحزاب والفعاليات الأخرى المحيطة بتنصيب ترامب رئيساً. برويدي، (60 عاماً)، وهو جامع تبرعات للحزب الجمهوري منذ فترةٍ طويلة ونائب رئيس اللجنة الافتتاحية لجمع الأموال، بدأ عمله بصفته محاسباً، ثم مدير استثمار لغلين بيل، مؤسِّس شركة تاكو بيل الأميركية.
أما نادر (58 عاماً)، وهو مواطن أميركي وُلد في لبنان، فكان يعمل سابقاً بصحيفةٍ مقرها واشنطن تُدعى Middle East Insight، ومبعوثاً غير رسمي إلى سوريا في عهد إدارة كلينتون. ووفقاً لسيرةٍ ذاتية قصيرة مذكورة برسائل البريد الإلكتروني، عمل في وقتٍ لاحق لدى نائب الرئيس ديك تشيني، بحسب الصحيفة الأميركية.
أصبح الاثنان صديقين سريعاً، وبحلول شباط، كانا يتبادلان الرسائل حول العقود المحتملة لشركته الأمنية مع كل من الإمارات، والسعودية، وكذلك حول الأهداف السعودية والإماراتية في واشنطن؛ مثل إقناع الإدارة الأميركية باتخاذ إجراءاتٍ ضد جماعة الإخوان المسلمين، أو ممارسة الضغط على حليفتها الإقليمية قطر.
في وقتٍ مبكر من إدارة ترامب، مدح الرجلان منع آن باترسون -السفيرة السابقة في القاهرة- من شغل منصب كبير بـ «البنتاغون»؛ بسبب ما يقوله الإماراتيون والسعوديون بأنها تعاطفت أكثر من اللازم تجاه الرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، في أثناء سنته الأولى بالمنصب، قبل أن يطيح به الجيش عام 2013.
وتربط السعوديين والإماراتيين علاقاتٌ دافئة، خاصة بإدارة ترامب. وبدا أنَّ ترامب يؤيد في بعض الأوقات البلدين، في مخالفةٍ لمواقف وزراء إدارته، وضمن ذلك، بالنزاع الإقليمي المرير ضد قطر المجاورة. اتخذ ترامب أيضاً، بالتنسيق مع السعوديين والإماراتيين، موقفاً أكثر تشدداً بكثير تجاه إيران من أيٍ من أعضاء إدارته، أو الرئيس السابق باراك أوباما، مهدِّداً بـ «تمزيق» الاتفاق النووي الإيراني الذي توسط أوباما للوصول إليه في عام 2015، بحسب الصحيفة الأميركية.

 الضغط على قطر والإخوان المسلمين

وبحسب الوثائق التي اطَّلعت عليها «نيويورك تايمز»، فإنه في 25 آذار 2017، أرسل برويدي لنادر بريداً إلكترونياً يحوي جدولاً يوضح الحملة المقترحة للضغط والعلاقات العامة في واشنطن ضد كلٍ من قطر والإخوان المسلمين. بلغت التكلفة الإجمالية للحملة المقترحة 12.7 مليون دولار.

وقال الشخصان المقربان من برويدي، إنَّ طرفاً ثالثاً وضع الخطة لتوزيعها على المانحين الأميركيين ذوي التفكير المماثل، وإنَّه لم ينفذ سوى بعض بنودها فقط.
إلا أنَّ نادر قدم دفعةً تبلغ 2.7 مليون دولار لبرويدي؛ من أجل «الاستشارات والتسويق والخدمات الاستشارية الأخرى المقدمة»، للمساعدة في دفع تكاليف المؤتمرات بمركزي أبحاث في واشنطن، وهما معهد هدسون ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، التي وجَّهت انتقاداتٍ شديدة إلى قطر والإخوان المسلمين.
تحظر سياسات معهد هدسون التبرعات من الحكومات الأجنبية التي لا تتبنى نهجاً ديمقراطياً، بينما تحظر مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التبرعات من جميع الحكومات الأجنبية؛ لذا فربما كان دور نادر -بصفته مستشاراً للإمارات- سيُثير المخاوف إذا قدم الأموال بصورةٍ مباشرة، بحسب الصحيفة الأميركية.
وتشير المستندات التي اطلعت عليها الصحيفة الأميركية، إلى أنَّ دفعة نادر صدرت من شركة مقرها الإمارات كان يديرها، وهي شركة جي إس للاستثمارات، ووصلت إلى شركة غامضة مقرها في فانكوفر بكولومبيا البريطانية يديرها برويدي، وهي «زيمن إنترناشونال». وقال شخص مقرب من برويدي إنَّ شركةً كندية مررت الأموال بناءً على طلب نادر، ولم نتمكن من تحديد سبب مسارها الملتفِّ.
ويبدو أيضاً أنَّ الوثائق توضح أنَّ محامي برويدي ناقشوا معه إمكانية الاتفاق مع نادر على مشاركة جزءٍ من أرباح الجولة الأولى من العمل الذي قدمته شركته للسعوديين والإماراتيين، وهو ما يعكس بصورةٍ واضحة، دور نادر المتكامل في مساعدة الشركة والتفاوض على عقود الأمن المربحة.
وفي بيانه، قال برويدي إنَّ نادر «ليس من المساهمين، أو المسؤولين، أو المديرين، أو الموظفين في أي من شركاتي».
وأضاف أنَّه «لم يحصل على أي رسوم ابتدائية، أو أي رسوم أخرى فيما يتعلق بهذه الأمور».

 علاقات مؤثرة

وبعد شهور، عندما كان برويدي يستعد لعقد اجتماع المكتب البيضاوي مع ترامب، ضغط عليه نادر في محاولةٍ لعقد اجتماع خاص خارج البيت الأبيض بين ترامب ومحمد بن زايد، الذي أشار إليه بـ «الصديق»، بحسب الصحيفة الأميركية.
وكتب نادر إلى برويدي، في 1 تشرين الأول: «أخبره بأن صديقاً يودُّ أن يأتي في أسرع وقت ممكن لمقابلتك خارج الموقع الرسمي في نيوجيرسي»، أو كامب ديفيد، الملاذ الرئاسي بماريلاند.
وأضاف: «مراراً وتكراراً، حاوِل رجاءً أن تكون أنت من يرتب موعداً للـ(صديق) في أثناء إقامتك هناك إذا كان ذلك ممكناً».
بعد 6 أيام، فعل برويدي ذلك بالضبط، وضغط على ترامب أكثر من مرة للقاء ولي العهد الإماراتي في مكانٍ «هادئ» خارج البيت الأبيض، ربما بنيويورك أو نيوجيرسي، وذلك وفقاً لتقريرٍ مفصل عن الاجتماع، أرسله برويدي لنادر بعد فترةٍ وجيزة. وأفاد برويدي بأنَّ مستشار الأمن القومي لترامب، الجنرال هربرت ماكماستر، أعاق تحقيق طلبه، كما تقول الصحيفة الأميركية.
وفي مذكرةٍ مبعوث بها إلى نادر عن اجتماع المكتب البيضاوي في 6 تشرين الأول 2017، ذكر برويدي أنَّه حث ترامب شخصياً على إقالة تيلرسون، الذي يرى السعوديون والإماراتيون أنَّه غير قاسٍ بما يكفي على إيران وقطر.
في وقتٍ لاحق من الخريف، اشتكى نادر من أنَّ جهاز الخدمة السرية قد منعه من التقاط صورته مع ترامب في فعاليةٍ لجمع التبرعات. على الرغم من عدم وضوح الأسباب التي أبقته بعيداً عن الرئيس، كان نادر قد اعترف بأنَّه مُذنب في عام 1991 بتهمة اتحادية؛ لحمله مواد إباحية عن الأطفال، وخدم 6 أشهر في مبنى التسريح المشروط، بعد العثور على أشرطة فيديو بحقائبه عندما وصل إلى مطار واشنطن دالاس الدولي من رحلته إلى ألمانيا، وذلك وفقاً لسجلات المحكمة التي نُشرت الأسبوع الماضي. في عام 2003، حُكم عليه بالسجن سنة واحدة في الجمهورية التشيكية بعد إدانته في 10 حالات من الاعتداء الجنسي على القاصرين، وفقاً لما ذكرته وكالة أسوشييتد برس نقلاً عن متحدثة باسم المحكمة.
كان برويدي في حيرةٍ من اعتراضات الخدمة السرية؛ إذ كان نادر – بصفته مستشاراً لـ«بن زايد» – قد التقى عدة مرات كبار المسؤولين الإداريين في البيت الأبيض خلال الأسابيع الأولى من تولي ترامب المنصب.
لكن، يبدو أن برويدي كان قادراً على الوفاء بوعده؛ ففي 14 أيلول 2017، أرسل بريداً إلكترونياً إلى نادر مرفقاً بصورة يبتسم فيها ابتسامة عريضة إلى جانب ترامب.

 خلافات بين دول الخليج وترامب

وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين البيت الأبيض ودول الخليج، كانت هناك بعض الخلافات بينهما بين الحين والآخر، وفي كانون الثاني 2018، أرسل نادر رسالتين بالبريد الإلكتروني إلى صديقه يطلب أمراً حساساً آخر: طلب الزعيم الإماراتي أن يتصل ترامب بولي العهد السعودي، في محاولةٍ لتهدئة المشاعر السيئة المحتملة التي أنتجها كتاب «نار وغضب» الذي ألفه مايكل وولف. وكتب نادر: «صوَّر الكتاب الطريقة التي يرى بها الرئيسُ الأميرَ السعودي بصورةٍ غير مستساغة»، بحسب «نيويورك تايمز».
وكتب نادر: «فكِّر فيما يمكنك أن تثيره أو تفعله، ويمكننا أن نناقشه شخصياً»، مؤكداً مرةً أخرى «الرغبة الحقيقية» لـ»بن زايد» في الاجتماع بترامب وحده.
بعد أيام، كتب نادر لصديقه أنَّه يتطلع إلى رحلةٍ مقبلة للولايات المتحدة. كان برويدي يرتب له حضور حفل عشاء في منتجع مار-آلاغو، مقر الرئيس في فلوريدا، للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لترامب بعد توليه منصب الرئيس، وكان الرجلان يفكران في رحلةٍ إلى السعودية؛ لمحاولة إقناع ولي العهد السعودي القوي الشاب بالموافقة على عقد قيمته 650 مليون دولار مع شركة برويدي الأمنية، كما تقول الصحيفة الأميركية.
لكنَّ هذه الخطط الكبرى توقفت. ففي أثناء رحلته تلك إلى الولايات المتحدة، وبينما كان يتنقل في مطار دالاس، استقبل نادر وكلاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي يعملون لصالح مولر.