شفقنا- قال بلال صعب، وهو مدير الأبحاث والشؤون العامة في معهد «الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري»: «إن الولايات المتحدة دأبت على بيع الأسلحة إلى حلفائها، دون النظر في ما إذا كان هؤلاء الحلفاء قادرون على استخدام تلك الأسلحة، أم لا».

 

وأوضح صعب في تقرير مطول نشر في موقع «ناشونال إنترست» أن بغداد أرسلت قوات إلى مدينة كركوك الغنية بالنفط أواخر العام الماضي؛ بهدف استعادتها من الأكراد العراقيين الساعين للاستقلال بالجزء الشمالي من البلاد؛ فقامت قوات الأمن العراقية، المدربة والمجهزة من قبل واشنطن، بالهجوم على حليف للولايات المتحدة بمساعدة قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، التي استخدمت «الميليشيات» العراقية التي قادت الدبابات الأمريكية «أبرامز» وعربات «هامفي» في الهجوم.

 

في يونيو (حزيران) 2017، أقرّ مجلس الشيوخ تشريعًا يحظر بيع الأسلحة الذكية إلى السعودية؛ كي لا تستخدمها في حرب اليمن.

 

لطالما ارتكبت واشنطن هذا الخطأ المريع – يشدد صعب؛ ففي سوريا، وخلال أربع سنوات، أنفقت أمريكا المليارات لدعم فصيل معارض قادر على كبح جماح الجهاديين في البلاد، لكن النتيجة أتت كارثية؛ إذ لم يلتحق سوى القليل من السوريين ببرامج التدريب الأمريكية، والعديد منهم تحولوا للعمل مع «القاعدة» ونقلوا المعدات الأمريكية للمجموعة الإرهابية.

 

إن مثالي العراق وسوريا غيض من فيض – يؤكد صعب؛ فخلال جلسات الاستماع العامة والمغلقة الصاخبة في الـ«كابيتول هيل»، أعرب أعضاء الكونجرس عن مخاوفهم لمسؤولي الدفاع ووزارة الخارجية حول مشاكل حقوق الإنسان، وإساءة استخدام الأسلحة الأمريكية، أو الاستيلاء عليها من قبل الإرهابيين.

 

 

في يونيو 2017 أقرّ مجلس الشيوخ تشريعًا يحظر بيع الأسلحة الذكية إلى السعودية؛ كي لا تستخدمها في حرب اليمن. ثم ألغى دونالد ترامب برنامج وكالة المخابرات المركزية لدعم المتمردين السوريين، وأكد اعتزامه تخفيض برامج التمويل العسكري الأجنبية التي تقدمها واشنطن، وتحويل أجزاء منها إلى قروض. وكانت البداية مصر؛ إذ قررت أمريكا تقليص المساعدات العسكرية والاقتصادية بمقدار 96 مليون دولار، كما حجبت 195 مليون دولار أخرى.

 

ويرى صعب أنه يحق لأمريكا أن تعيد النظر في المساعدات العسكرية الخارجية، ولكن هذا لم يؤد إلى نتيجة فعلية. فبدلًا عن معالجة المشكلات التي اقترنت بعملية تقديم تلك المساعدات، اكتفت واشنطن بعلاج الأعراض. وقد ألقت بالمسئولية كاملة على المتلقين للمعونة الأمريكية، في حين أنها تتجاهل علاج مشكلاتها. وعلى عكس توجهات الكونجرس، فإن السؤال ليس هو ما إذا كانت الولايات المتحدة تنفق الكثير أو القليل على المساعدات المالية والعسكرية المخصصة للشركاء العرب، بل هو ما إذا كانت هذه المساعدات تساهم فعلًا في تطوير أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وإذا لم تكن كذلك، فأين يكمن الفشل، ولماذا؟ يتساءل صعب.

 

لماذا تمنح أمريكا مساعدات عسكرية؟

كان الهدف من المساعدات العسكرية دومًا هو تحقيق أهداف سياسية عديدة في الشرق الأوسط، على رأسها حماية إسرائيل، وضمان تفوقها عسكريًا على جيرانها العرب. وضمان انحياز مصر للمعسكر الغربي والتزامها بمعاهدة السلام مع تل أبيب، وعرقلة علاقات موسكو مع شاه إيران. وضمان حرية الولايات المتحدة في عبور قناة السويس والمجال الجوي المصري. كما انحازت واشنطن إلى بغداد في الحرب العراقية الإيرانية؛ حيث أمدتها بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية. ثم عملت على التصدي لصدام حسين في أعقاب حرب الخليج الثانية من خلال تسليح دول مجلس التعاون الخليجي.

 

وغني عن القول أن الولايات المتحدة قد ربحت مئات من المليارات من بيع الأسلحة للشركاء العرب خلال هذه السنوات؛ مما خلق مئات الآلاف من فرص العمل في صناعة الدفاع الأمريكية وعزز الكفاءة في الميزانيات العسكرية الأمريكية عن طريق خفض تكاليف الوحدة.

 

 

ورغم هذه الفوائد السياسية والاقتصادية الهائلة – يضيف صعب – فشلت هذه المساعدات في تطوير العلاقات العسكرية مع الشركاء العرب. صحيح أن هذه المساعدة حافظت على الحد الأدنى من العلاقات وأتاحت للولايات المتحدة التواصل بسهولة مع القادة العرب، لكنها لم تبلغ مرحلة التكامل الأمني بين الجانبين – أو حتى بين العرب أنفسهم – على الرغم من الحديث كثيرًا عن السعي إلى تحقيق هذه الأهداف. قبل هجمات سبتمبر (أيلول) لم يعتبر الطرفان أن تعزيز العلاقات العسكرية أمر ملح؛ لأنه لم تكن هناك تهديدات أمنية كبيرة للمصالح الجماعية، غير أن الهجمات دفعت واشنطن إلى إعادة التفكير في أولوياتها في المنطقة. ومنذ آنذاك قضت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية بضرورة بناء القدرات العسكرية للشركاء العرب؛ حتى يتمكنوا من التصدي للتهديدات المشتركة.

 

ما تزال أمريكا مشغولة بالحرب ضد الإرهاب – ينوه صعب – إلا أن نفوذ إيران المتنامي في المنطقة أصبح مصدر قلق أكبر، خاصة بالنسبة لإدارة ترامب التي أكدت تصميمها على وقف توسع نفوذ إيران في الشرق الأوسط، لكن المساعدات الأمريكية لم يكن لها دور يذكر في السعي إلى ردع إيران. وإنما ظهرت فائدتها جزئيًا في محاربة تنظيمي «داعش» القاعدة.

 

ولعل القوة العسكرية للجيوش العربية – التي تتكون في غالبيتها من الأسلحة الأمريكية – لن يكون لها دور في ردع طهران – يشير صعب، لكن هذا لا يعني أن القادة العسكريين الإيرانيين لا يهتمون بنوعية التسليح لدى الجيوش العربية، وإنما يعني ضمنًا أن إيران تشعر بالقلق من القوات الأمريكية القوية المنتشرة في الخليج التي يمكنها التحرك بسرعة ضد طهران. وإلى أن تندمج دول الخليج العربي عسكريًا، فإن ردع إيران سيظل مسؤولية الولايات المتحدة في المقام الأول.

 

 

حقق الاقتصاد الأمريكي استفادة كبرى من بيع الأسلحة للدول العربية، لكنه لم يفعل شيئًا يذكر لوقف طهران من نشر نفوذها الإقليمي. وعلى الرغم من امتلاكها أسلحة قوية ومتطورة، إلا أن العديد من دول الخليج ما تزال تشعر بالتهديد من جانب إيران، على الرغم من تفوقهم عسكريًا عليها. وهذه المخاوف تضع ضغوطًا على السياسة الأمريكية وتثير خلافات في العلاقات الأمريكية الخليجية. وعندما تحركت الولايات المتحدة، ولو بشكل غير مباشر، للتصدي لإيران، كانت النتائج كارثية؛ إذ أقدم السعوديون على شن حرب على الميليشيات الحوثية المؤيدة لإيران في اليمن؛ لحرمان طهران من التواجد على حدودها، بيد أن اليمن تحول إلى مستنقع للتحالف العربي بقيادة المملكة.

 

نجاحات وإخفاقات

إن معاناة الولايات المتحدة من أجل الوفاء بأولوياتها في الشرق الأوسط ليس له سبب محدد. لذا فإن إلقاء اللوم على المساعدات الأمنية الأمريكية فقط هو تبسيط مبالغ فيه.

 

كان الدعم الأمريكي للشركاء العرب في مجال مكافحة الإرهاب أكثر نجاحًا – يضيف صعب – فبفضل المساعدات الأمريكية، نجح العراق باقتدار في معركته ضد داعش، وقامت وحدات النخبة الأردنية، وهي واحدة من قوات الرد السريع الأكثر كفاءة في المنطقة، بتدريب القوات العربية غير النظامية في شراكة مع الجيش الأمريكي لمكافحة الإرهاب؛ ونجح الجيش اللبناني في حماية الحدود الشمالية للبلاد وطرد المتطرفين السنة.

 

وقامت السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع جيش الدفاع الإسرائيلي والشين بيت على مدى العقد الماضي؛ وقامت قوات العمليات الخاصة في الإمارات بمهام عسكرية بالاشتراك مع القوات الخاصة الأمريكية ضد تنظيم القاعدة في اليمن؛ وأخيرا، قام جهاز مكافحة الإرهاب السعودي بسحق تمرد تنظيم القاعدة في المملكة في منتصف العقد الأول من القرن العشرين، وحرم داعش من موطئ قدم في البلاد.

 

 

لكن الحال ليس ورديًا دومًا، فعلى الرغم من أنها تتلقى 1.3 مليار دولار سنويًا من المساعدات العسكرية من واشنطن منذ أواخر السبعينات، إلا أن مصر لا تزال تعاني من الإرهاب في الداخل، وتنخرط في حرب ضد المتمردين الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء، وتعمل على تأمين حدودها مع ليبيا وغزة. أما تونس، فقد تلقت زيادة هائلة في المساعدات الأمنية الأمريكية منذ عام 2011 لتصل إلى 100 مليون دولار، وتعتبرها واشنطن كحليف رئيس، إلا أن البلاد بؤرة للإرهاب الإسلامي.

 

تشير التقديرات إلى أن التونسيين هم أكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى داعش. وفي الأردن عملت أجهزة الأمن بشكل جيد لمنع تسلل داعش من سوريا بمساعدة الأموال والمعدات الأمريكية، غير أن الهجمات الإرهابية التي قام بها داعش زادت في الأردن في السنوات الأخيرة، وأصبح التطرف الشبابي مشكلة خطيرة. ومثل تونس انخرط الآلاف من شباب الأردن في صفوف داعش. ويرى صعب أن معاناة الولايات المتحدة من أجل الوفاء بأولوياتها في الشرق الأوسط ليس له سبب محدد. لذا فإن إلقاء اللوم على المساعدات الأمنية الأمريكية فقط هو تبسيط مبالغ فيه.

 

إن ثمة اختلافًا في وجهات النظر بين العرب وأمريكا حيال التهديدات والأولويات الأمنية، الأمر الذي سيؤثر حتمًا على فعالية المساعدة الأمنية الأمريكية. كما أن لكل شريك عربي سياقًا اجتماعيًا وسياسيًا فريدًا. وقد تعامل كل منهم مع تحدياته الأمنية بشكل مختلف، حسب تصوراته وأولوياته وموارده.

 

فبالنسبة إلى ردع إيران – يواصل صعب كلامه – لا يتفق العرب حول الكيفية التي يجب التعامل بها في هذا الصدد. فبالنسبة إلى البعض تشكل إيران تهديدًا وجوديًا. وبالنسبة إلى البعض الآخر الأمر مقلق، ولكن يمكن التحكم فيه. وثمة قسم ثالث ينظر إلى سياسات طهران الإقليمية بلا مبالاة. ولا يمكن للأسلحة والأموال والتدريب الأمريكي أن يغير هذه الحقائق.

 

ويكشف صعب عن أن الاختلافات السياسية والثقافية بين الولايات المتحدة وشركائها العرب هي السبب في استخدام هؤلاء الشركاء للمساعدات الأمريكية بطرق تبدو – من وجهة نظر واشنطن – غير حكيمة أو فعالة. يعتقد المسئولون الأمريكيون أن العديد من الشركاء العرب يشترون أسلحة أمريكية متطورة لا يمكنها التصدي للمتطلبات الأمنية الملحة؛ فالطائرات النفاثة والدفاعات الصاروخية المتقدمة أقل أهمية بالنسبة لحرب إيران غير النظامية، أو مكافحة الإرهاب من طائرات الهليكوبتر الهجومية، والطائرات المسيرة، وطائرات البحث والإنقاذ.

 

 

ويبدي صعب تعجبه من عدم اهتمام معظم دول الخليج العربي بتطوير قدرات حرس السواحل، وقوات العمليات الخاصة، ومختلف وكالات إنفاذ القانون المحلية؛ للتصدي لأنشطة إيران السرية في بلدانهم. وبدلًا عن تطوير قدرات إزالة الألغام لمنع الإيرانيين من التنقيب في مضيق هرمز، تسعى بعض دول الخليج العربي إلى الحصول على أحدث جيل من الطائرات المقاتلة الأمريكية إف-35، على الرغم من أنها تمتلك بالفعل قوة جوية كبيرة، لكن بعض الشركاء العرب قاموا بعمليات شراء أكثر ذكاء في الآونة الأخيرة، وباتوا يدركون – على نحو متزايد – أهمية وضع استراتيجيات فعالة في حيازة الأسلحة، وأهمية التعليم والتدريب العسكريين، لكن هذا التفضيل العام للمظاهر، بدلًا عن الفعالية والتكامل، ليس من المرجح أن يزول في أي وقت قريب.

 

وكثيرًا ما يتخذ العرب قرارات سياسية فيما يتعلق ببعض مبيعات الأسلحة التي لا علاقة لها بالأمن القومي. على سبيل المثال: قد يشتري أحد القادة العرب أفضل الأسلحة، ويأذن بأفضل تدريب لخدمة عسكرية معينة «مثل القوات الجوية»، ولكنه يترك الجيش بلا تسليح جيد. ويرجع ذلك إلى الديناميات السياسية المرتبطة بتصوره، أو تصور الأسرة الحاكمة لاستقرار النظام، أو حتى البقاء على قيد الحياة.

 

يرفض العرب أحيانًا التعاون مع واشنطن في الشؤون الأمنية الحساسة. فالأمن الداخلي هو قرار سيادي ينطوي على أسرار الدولة الأكثر حساسية. ورغم متانة العلاقات بين الجانبين، فإن هناك ميلًا قويًا من جانب العرب لإخفاء أشياء مختلفة عن سياساتهم ومجتمعاتهم. ويزداد هذا الميل كلما واجهت العلاقات مع واشنطن اضطرابات سياسية، كما كان الحال خلال رئاسة أوباما. إن المساعدة الأمنية الأمريكية هي في نهاية المطاف مهمة العلاقات الثنائية. وكلما زادت قوة العلاقات، ستكون المساعدة الأمنية الأمريكية أكثر فعالية. وإذا نظرنا إلى تجربة أمريكا في مجال المساعدة الأمنية لحلفائها في حلف شمال الأطلسي، فسنجد أن عملية التشاور والتنسيق بشأن الشؤون الأمنية والدفاعية أكثر تنظيمًا، وبالتالي فعالية من نظيرتها مع الشركاء العرب.

 

مشكلات لدى الجانب الأمريكي

ليس هناك تفسير واضح حول لماذا تقدم أمريكا المساعدة الأمنية لشركائها العرب؛ فعلى الرغم من جنيها بعض الفوائد السياسية والاقتصادية من وراء ذلك، إلا أنه في المسائل العسكرية يبدو الأمر أقل وضوحًا بكثير.

 

لكن اللائمة لا تقع على العرب وحدهم في عدم تحقيق المساعدات العسكرية الأمريكية الأهداف المرجوة – يستدرك صعب؛ إذ تكمن العلة أيضًا في عدم فعالية سياسة الولايات المتحدة تجاه الدولة المتلقية للمساعدة. أصبحت المساعدات الأمريكية غاية، وليست وسيلة؛ مما يأتي بنتائج عكسية. ولطالما اكتوى القادة العسكريون من انتقادات الكونجرس، عندما يتبين أن أحد برامج المساعدات العسكرية لم يحقق أهدافه. ولكن الحقيقة هي أن هؤلاء القادة ينفذون الأوامر فحسب، ولا شأن لهم باتخاذ القرارات، ووضع السياسات.

 

إن المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر تأتي على حساب التغاضي عن القمع السياسي الذي يسهم في تأجيج التطرف الإسلامي. وفي سوريا كان يجب إزاحة الأسد، لكن العالم لم يفعل ما يذكر لتحقيق ذلك. وتُركت سوريا في قبضة إيران وروسيا التي ضمنت تدخلاتهما بقاء الأسد. وفي العراق وقفت أمريكا متفرجة على نمو تأثير طهران المتزايد على بغداد. وسمحت بانتشار الميليشيات الشيعية التي يسيطر عليها الحرس الثوري التي استخدمت مؤخرًا المعدات الأمريكية لاستعادة كركوك. وفي اليمن ساهم الدعم السياسي والعسكري للتحالف ضد الحوثيين في انحراف البوصلة عن معركة داعش والقاعدة، فضلًا عن ظهور تأثير إيران في اليمن الذي لم يكن موجودًا من قبل. وبدلًا عن تغيير هذه السياسة – يؤكد صعب – فقد أهدر المزيد من المال على هذه المشكلات، أو جرى تسييس العملية.

 

 

وقد تسبب عدم وضوح السياسة تجاه البلد المتلقي في تضارب القرارات الأمريكية في عملية منح المساعدة الأمنية. أوضح مثال على هذا هو التنافس بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، الذي هو أمر شائع في أية حكومة، ولكن هذا ليس دائمًا السبب. فقد يكون السبب الرئيس، ولا سيما في سياق المساعدة الأمنية، هو الافتقار إلى سياسة فعالة تجاه البلد المتلقي. لم يكن السبب وراء هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان هو أن المجاهدين في الماضي كانوا محاربين، أو أفضل من المتمردين العرب الحاليين، أو لأن أمريكا زودت الأفغان بصواريخ ستينجر. وإنما لأن السياسة الأمريكية آنذاك كانت واضحة ومتسقة وفعالة.

 

أجرى الكونجرس محاولات حثيثة لتنسيق الجهود بين وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين في ملف المساعدات العسكرية – ينوه صعب – ولكن جميع المناقشات انحرفت عن هدفها المنشود. ما من شك في أن بعض التحسینات في التنسیق بین الوکالات قد تحققت في السنوات الأخیرة، وخاصة منذ حادث بنغازي عام 2012، عندما قام الإرھابیون بمهاجمة وحرق البعثة الأمریکیة في لیبیا. هناك الآن تشريع – القسم 333 من قانون الترخيص الوطني للدفاع عن السنة المالية 2017، يدعو إلى التنسيق والتخطيط المشترك بين الوزارتين. وقد أنشئت لجنة توجيهية جديدة للإشراف على هذا الأمر. علاوة على ذلك، بات على وزير الدفاع الآن أن يسعى للحصول على موافقة وزير الخارجية قبل إطلاق بعض برامج المساعدة الأمنية.

 

بيد أن غياب سياسة عملية تجاه البلد الذي يتلقى المساعدة سيقلل من فعالية التنسيق. كما يجب على وزارة الخارجية علاج أوجه القصور في القيادة والتنظيم. واليوم، تلوح فرصة كبيرة أمام وزارة الخارجية للانخراط أكثر في هذه العملية؛ إذ منح كل من الكونجرس ووزارة الدفاع الموارد اللازمة لوزارة الخارجية لقيادة هذه العملية. ويرى صعب أنه سيكون من العسير العثور على وزير دفاع يقدر ويؤيد التنسيق بين الوكالات أكثر من جيمس ماتيس. ومع ذلك يعتقد الكثيرون في البنتاجون والكونجرس أن وزارة الخارجية غير مستعدة بعد لتولي مسؤوليات أكبر في هذه العملية. وهذا يضر بشكل خاص بمستقبل برنامج المساعدة الأمنية.

 

ليس هناك تفسير واضح حول لماذا تقدم أمريكا المساعدة الأمنية لشركائها العرب؛ فعلى الرغم من جنيها بعض الفوائد السياسية والاقتصادية من وراء ذلك، إلا أنه في المسائل العسكرية، يبدو الأمر أقل وضوحًا بكثير. فمجرد إدراج مصطلح بناء القدرات المحلية للشركاء العرب في محاضر برامج المساعدة لا يجيب على سؤال: لماذا تتواصل هذه الأنشطة المرهقة والمكلفة والمثيرة للجدل. على سبيل المثال، هل ينبغي تطوير القدرات العسكرية الشاملة للشركاء العرب، أم فقط قدرات محددة لتحقيق أهداف أمريكية؟ قد يبدو الهدفان متماثلان إلى حد كبير، ولكنهما عمليًا واستراتيجيًا متعارضان. يفترض الأول أن مثل هذه العملية سوف تساهم بشكل افتراضي في تحقيق مصالح الولايات المتحدة. أما الثاني فهو أكثر تعمقًا نحو تحقيق النتائج النهائية. وحتى الآن اعتمدت أمريكا أكثر على النهج الأول.

 

إن غياب سياسة واضحة ليس المشكلة الوحيدة التي تقوض المساعدة الأمنية – يشير صعب – إذ لم يتم ربط المساعدة الأمنية بالأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط. كما أن العديد من القوانين والإجراءات القديمة هي المتحكمة في عملية المساعدة الأمنية ويتعين تحديثها. وُضعت تلك القوانين إبان الحرب الباردة للتصدي للتهديدات التقليدية، وهي تركز على التعامل مع الدفاع الخارجي، بدلًا عن عملية أمنية شاملة، لكن صعب يرى أن التركيز على الدفاع الخارجي ليس مشكلة، عندما يتعلق الأمر بحلفاء الولايات المتحدة في الديمقراطيات المستقرة، حيث تنحسر المخاوف بشأن الإرهاب وحركات التمرد، ولكن في حالة الشركاء العرب، حيث لا توجد ديمقراطية حقيقية، فإن التهديدات الرئيسة تنبع من الداخل.

 

بيد أن الأمر يتطلب أكثر من مجرد سياسة واضحة، فتقديم المساعدة الأمنية للشركاء العرب الضعفاء سياسيًا وعسكريًا يتطلب قدرًا كبيرًا من العمل الشاق على مدى فترة طويلة من الزمن. ومن الأسهل بيع الأسلحة إلى الشركاء العرب، دون الاهتمام بمساعدتهم على بناء قدرات عسكرية استراتيجية متكاملة. فامتلاك أسلحة متطورة لا يعني أن تكون القدرات العسكرية متطورة أيضًا. وهناك أدلة وفيرة من الشرق الأوسط على أن المعدات العسكرية الأمريكية تصدأ بسبب عدم الاستخدام.

 

ولا بد أن يترافق مع بناء القدرات العسكرية المتكاملة عملية إعادة هيكلة سياسية وقانونية للبلاد العربية، وهو ما لا تهتم به واشنطن كثيرًا. ويرى صعب أن مساعدة البلدان العربية على إنشاء أنظمة وسلطات قانونية هو أمر ضروري لأداء الخدمة العسكرية دورها.

 

 

كما تفتقر الحكومة الامريكية إلى المختصين الذين يمتلكون خبرة في عملية منح المساعدة الأمنية. يمكن لوزارة الخارجية استخدام الدبلوماسيين المحاربين الذين يمتلكون خبرة في مجال الأمن، ويمكن لوزارة الدفاع الاستعانة بالجنرالات الذين هم على دراية بثقافات الدول الأخرى، وهذا أمر مهم بشكل خاص فيما يتعلق بالمساعدة الأمنية الأمريكية؛ لأن هناك أسبابًا ثقافيةً وتاريخيةً لعدم نجاح التكامل الأمني ​​مع الولايات المتحدة. ومما يزيد الأمور سوءًا عدم وجود عملية منتظمة لاستخلاص المعلومات والدروس المستفادة من تجارب الموظفين عند إكمال مهامهم في الشرق الأوسط؛ إذ يميل هؤلاء الموظفون إلى الانتقال إلى المهمة التالية، والتواري مع الأشياء التي تعلموها.

 

منذ عهد جيمي كارتر، كان لكل رئيس أمريكي طريقته في التعامل مع ملف المساعدات العسكرية – يضيف صعب. اعتقد كارتر أن من الأفضل التقليل من مبيعات الأسلحة الخارجية خشية إطلاق سباق تسلح، بينما رأى ريجان العكس، حيث اعتقد أن زيادة مبيعات الأسلحة إلى الحلفاء سيسهم في التصدي للشيوعية. وفي عهد أوباما، اتبعت أمريكا نهجًا أكثر تدقيقًا في عمليات نقل السلاح الأمريكي. وقد حظي هذا التحول بتأييد البنتاجون. ومع ذلك – يستطرد صعب – ارتفعت مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الشرق الأوسط في عهد أوباما، دون الاهتمام بما قاله الرئيس وفريق الأمن القومي. وعلاوة على ذلك، لم يكن هناك تنسيق بشأن المساعدة الأمنية بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع؛ لأن وزير الخارجية جون كيري، ووزير الدفاع أشتون كارتر، لم تكن علاقتهما ببعضهما جيدة، واختلفا على معظم ملفات السياسة الخارجية.

 

أما ترامب فقد أبدى انزعاجه من أن الولايات المتحدة تنفق كثيرًا على المساعدات الخارجية، وأن عليها بدلًا عن ذلك بيع المزيد من الأسلحة لتعزيز الاقتصاد الأمريكي، ولهذا قام بخفض ميزانية بعض برامج المعونة الأجنبية، وأبرم المزيد من صفقات الأسلحة الضخمة. ومن المؤكد أنه من الجيد مراجعة برامج التمويل للشركاء العرب؛ للتحقق مما إذا كان بالإمكان وقف النفقات عديمة الفائدة، ولكن الادخار الاقتصادي لا ينبغي أن يكون محرك السياسة الأمريكية، فثمة طرق أخرى في الميزانية الأمريكية لفعل ذلك. وينبغي أن يكون المقياس لنجاح المساعدة الأمنية الأمريكية إسهامها المباشر في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة.

 

حلول مقترحة

يجب ربط المساعدة الأمنية باستراتيجية متكاملة في الشرق الأوسط ترتبط بشكل مباشر بأهداف السياسة الأمريكية المحددة في المنطقة، والتي تركز حاليًا على ردع العدوان الإيراني ومكافحة التطرف، وكلها تتطلب العمل مع الشركاء العرب ومساعدتهم على تطوير أنظمتهم السياسية. ويجب أن تشارك مختلف الوكالات الأمريكية في وضع هذه الاستراتيجية.

 

ويتعين على مجلس الأمن القومي أن يتصدر زمام المبادرة، وأن يبدأ بالتخلي عن نهج المساعدة الأمنية من القاعدة إلى القمة، وذلك لصالح استراتيجية تتم صياغتها على أعلى المستويات وإبلاغها إلى مختلف البعثات الدبلوماسية؛ وذلك لأن أكثر الشؤون العسكرية صرامة في المنطقة لها آثار سياسية من الدرجة الأولى والثانية والثالثة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وهو ما لا يمكن القيام به إلا من خلال التنسيق السليم بين الوكالات. كما يجب أن تكون هناك إرشادات عملية للتخطيط لتحديد قدرات الشركاء العرب فيما يتعلق بالأهداف الاستراتيجية المعلنة. وإحدى الطرق للقيام بذلك هي العودة إلى الهدف التشريعي الأصلي للمساعدة الأمنية كأداة للسياسة الخارجية.

 

 

وفي حين أن التشريع الجديد يعد خطوة مفيدة في هذا الصدد، فإنه يحتفظ بالمسؤولية عن العديد من برامج المساعدة الأمنية بين يدي وزارة الدفاع. ويمكن للنهج الذي يضع السياسة الخارجية في قلب استراتيجية المساعدة الأمنية والتخطيط والتنفيذ – مثل نقل السلطة لتمكين وزارة الدفاع من توجيه مساعداتها من الدولارات عن طريق جهاز تقرير السياسات في وزارة الخارجية – المساعدة في تحقيق ذلك.

 

ويؤكد صعب على ضرورة صياغة سياسات أوضح تجاه الشركاء العرب قبل ضخ المساعدات العسكرية. ولا بد من وجود سبب مقنع لالتزام الولايات المتحدة بهذا المسعى. ولم يعد كافيًا بالنسبة لـ«وكالة الدفاع والأمن والتعاون (D.S.C.A)» أن تعلن بشكل غامض أن بيع أسلحة معينة للمنطقة يسهم في الاستقرار الإقليمي، وتحقيق مصالح الولايات المتحدة. وعليها أن تشرح للكونجرس – بشكل أوضح – لماذا يجب تقديم مساعدات عسكرية، وكيف يتوقع أن تسهم في تحقيق أهداف الولايات المتحدة.

 

ولا بد أن تقدم وزارتي الدفاع والخارجية تقارير دورية إلى لجنة في مجلس النواب معنية بمراقبة الأمر، على الرغم من أن هذا ينطوي على وضع المزيد من العراقيل. في الوقت الحالي تقدم الوزارتان تقارير إلى لجان منفصلة، وتستخدمان لغة ومقاييس مختلفة لتقييم المساعدة الأمنية. وإذا لم يتم تنسيق نظم الإشراف والإبلاغ، فقد لا يكون هناك أي فرق.

 

ويجب على الإدارة الأمريكية إطلاع الكونجرس على تفاصيل هذه العملية؛ ليس فقط لأن هذا الأخير له سلطة إقرار الموارد، ولكن لأن المساعدات الأمنية حدث يمس الوطن، وخاصة إذا ما زادت أمريكا مساعداتها إلى الشركاء العرب للحد من تدخلها العسكري في الشرق الأوسط. وهذا يتطلب إشراك كبار الموظفين في كابيتول هيل، الذين عادة ما يعرفون عن القضايا أكثر من زعمائهم.

 

وفي المقابل يحتاج أعضاء الكونجرس إلى إشراك زملائهم في دائرة الهجرة ووزارتي الخارجية والدفاع بشكل أكثر فعالية من خلال تثقيف أنفسهم أكثر حول المساعدة الأمنية، وطرح الأسئلة الصحيحة، وعدم تسييس المسألة. ليس هناك عذر للجهل عندما تخطر وزارة الخارجية أعضاء الكونجرس مقدمًا عن جميع مبيعات الأسلحة الرئيسة والمساعدات الأمنية.

 

 

ويشدد صعب على أنه يتعين على واشنطن فهم وجهات نظر شركائها العرب حول أمنهم القومي. صحيح أن بعض الشركاء العرب يهدرون موارد كثيرة في سياسة الدفاع والأمن، ولكن ليس كل ما يفعلونه خاطئًا. ويجب على المسؤولين الأمريكيين تشجيع هؤلاء الشركاء على إجراء تقييمات مشتركة للتهديدات الاستراتيجية وتخطيط القدرات مع نظرائهم الأمريكيين، وتقديم المشورة بشأن متطلباتهم الأمنية الأساسية.

 

لطالما باعت أو منحت الولايات المتحدة الأسلحة إلى الأصدقاء والحلفاء، دون أن تضع في الاعتبار قدرة المتلقين على استخدامها. لم يكن هذا الأمر مصدر قلق في الماضي؛ لأن واشنطن كان لديها أهداف سياسية تبدو أكثر أهمية أو ملحة من بناء أو تعزيز القدرات العسكرية للأصدقاء والحلفاء.

 

ومع ذلك فقد تغيرت أولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فهي تواجه اليوم شبكة أكثر تعقيدًا من الخصوم، وبعضهم متخفون، ويلجأون إلى تكتيكات الحرب غير النظامية. إن دعم الشركاء العرب أمر حيوي للتصدي لهذه التهديدات بشكل فعال. هناك قيمة هائلة في مواصلة إبرام صفقات الأسلحة التي تعود بالفائدة على الاقتصاد الأمريكي، وتحافظ على الأهداف الأمريكية الدائمة في المنطقة، بما في ذلك دعم قواعد الولايات المتحدة العسكرية، والوصول إلى الأراضي والمجال الجوي العربي، فضلًا عن الحفاظ على معاهدة «كامب ديفيد» للسلام. غير أن الوضع الراهن لم يعد مقبولًا، وأصبح باهظ التكلفة. وعلى الرغم من حجمها الهائل، فإن المساعدة الأمنية يجب إعادة دمجها في السياسة الخارجية الأمريكية.

مترجم عنWhat Does America Get for Its Military Aid?

 

عبدالرحمن النجار