إرهابيو ليبيا … “داعش” الجديد يتشكّل
* إن ما تعيشه ليبيا هذه الأيام، من صعود ملحوظ لجماعات التطرّف الديني، مع اتّساع لمساحة حركتها، يُنبئ أن ثمةَ وقائع جديدة تتشكّل على الأرض، في صمتٍ، وبعيداً عن ضجيج بلاد الشام، وصراعات الدمّ والنار الدائرة فيها منذ سبع سنوات؛ لا نبالغ، إذ قلنا إننا سنصبح أمام داعش جديد يتشكّل على الأرض الليبية، مُستفيدة من حال الفوضى والانقسام التي تعيشها الجغرافيا الليبية منذ سقوط نظام القذافي نهايات عام 2011؛ ولن تقلّ خطورة، جماعة داعش الليبية، وعالمية خطرها، وتنوّع مكوّناتها، عن داعش السورية/العراقية، فأغلب العائدون من سوريا والعراق ومن الجنسيات العديدة المشكّلة لهم، سيكونون هناك، في ليبيا وإن تحت لافتات وأسماء جديدة، لكنهم في القلب داعشيون وفي الفعل، سيكونون أشدّ شراسة من الآباء المؤسّسين لداعش في بلاد الشام، سواء على أهل ليبيا أو على دول الجوار في مصر وتونس والجزائر.
* وإن هذه الحال من الفوضى.. والتشكّل الجديد، لإرهابيي ليبيا تستدعي فتح الملف، ومحاولة الاقتراب العلمي والمعلوماتي من الظاهرة، مع دقّ نواقيس الخطر إزاء إرهابها القادم خاصة إذا علمنا أن هناك 20 مليون قطعة سلاح في أيدي تلك الجماعات، كما صرّح الأسبوع الماضى المبعوث الدولي لدى ليبيا غسان سلامة.
***
أولاً: وفي البداية فإن ما توافر لدينا من معلومات عن خريطة توزيع الجماعات المسلّحة في ليبيا يقول لنا أن ثمة عدّة مئات من التنظيمات المسلّحة تنتشر هناك، بعض المصادر الإعلامية يصل بالعدد إلى الألف والبعض الآخر ينزل به إلى المائة وعشرين، وفي كل الأحوال، نحن أمام ظاهرة تشظٍ للمجتمع الواحد وانتشار لتنظيمات الإرهاب فيه، وهي تنظيمات جعلت من ليبيا المكان الأكثر دموية والأكثر ملاءمة من أي مكان آخر في المنطقة العربية، لانتقال ومن ثم استقرار داعش والقاعدة وأخواتهما، حيث لا توجد هناك دولة بالمعنى المُتعارَف عليه قانونياً، وسيادياً، هذا وتتوزّع خريطة التنظيمات الإرهابية المسلّحة في ليبيا تحت عناوين ذات رنين إسلامي وهي أبعد ما تكون في جوهرها عن الإسلام وسماحته، ويمكن إيجاز خريطة أهم وليس كل تلك التنظيمات في الآتي:
1 – درع ليبيا: وهو تحالف ميليشيات من مدن ساحلية من شرق وغرب طرابلس وتحديداً من منطقة الزاوية في الغرب ومصراته في الشرق، وكان المؤتمر الوطني العام الليبي المحسوب على الإخوان المسلمين قد قام بنقل درع ليبيا إلى طرابلس تحت دعوى تعزيز الأمن، رغم أنها جماعة إرهابية شديدة التطرّف وهي تعتبر نفسها بمنزلة جيشٍ احتياطي، بينما يرى معارضوها أن لها توجّهاً إسلامياً مُتطرّفاً يجعلها خطراً على الأمن الداخلي والخارجي لليبيا خاصة بعد ضمّ غرفة عمليات ثوار ليبيا إليها.
2 – ميليشيات مصراته: وهي تمتلك الكثير من العتاد العسكري ما يجعلها تتفوّق على القوّة العسكرية لحكومة طرابلس وتنتشر ترسانتها العسكرية في مناطق واقعة على مشارف مدينة مصراته، وتُنسَب إليها أحداث إرهابية عديدة منها أحداث منطقة “غرغور” في طرابلس والتي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
3 – اللجنة الأمنية العليا: وهي تحظى بنفوذ في شرق ليبيا وتعمل كقوّة مُتحالِفة مع درع ليبيا في مواجهة ميليشيات “الزنتان” القبلية.
4 – ميلشيات “الزنتان”: وهي ميليشيات قبلية تنحدر من منطقة “الزنتان” الصحراوية، ووجّهِت إليها اتهامات بارتكاب أسوأ التجاوزات التي شهدتها ليبيا مؤخراً من قطْع الطرق وحوادث الاختطاف.
5 – جماعات سلفية مُتشدّدة: وتضمّ تلك الجماعات أعضاء سابقين من الجماعات الجهادية في ليبيا ومن بينها أعضاء في المؤتمر الوطني، وكان بعض مقاتليها قد شاركوا في حرب العراق وأفغانستان بين صفوف القاعدة. وقام أحد أهم فصائلها وهي جماعة أنصار الشريعة بالهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي والذي تمخّض عن مقتل القنصل الأميركي حين ذلك، وهذه الجماعات هي امتداد للجماعة الليبية المُقاتِلة التي كان يقودها عبدالحليم بلحاج.
6 – لواء شهداء 17 فبراير: ويمثل أكبر ميليشيات شرق ليبيا ويتألّف من 12 كتيبة على الأقل ويمتلك مجموعة كبيرة من الأسلحة ومراكز التدريب ويتراوح عدد أعضائه ما بين 1500 و3500 فرد، ونفّذ العديد من المهام الأمنية الإرهابية في شرق وجنوب ليبيا. وهو يُعدّ الجناح المسلّح لحركة الإخوان المسلمين في ليبيا، أما الجناح السياسي فهو حزب العدالة والبناء، والذي يعاني منذ انهيار تجربة إخوان مصر وتونس وسقوط حكمهم، من تفكّك داخلي مؤثّر.
7- كتائب رأف الله السحاتي: يبرز نشاطها في مدينة بنغازي شرق البلاد، وتحتفظ بعددٍ كبيرٍ من المعسكرات والأسلحة، وتُعتبَر من أبرز الميلشيات التي دخلت في أول مواجهة مع المشير “حفتر” قائد الجيش في بداية عملية “كرامة ليبيا” والتي كان قادها الجيش الوطني، وهي متحالفة مع جماعة غرفة ثوّار طرابلس التي تمارس إرهابها ضد أهالي طرابلس وضد جيش حفتر، وتموّلها قطر والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
8- جماعة أنصار الشريعة: والتي سبقت الإشارة إليها، وهي تنتمي إلى تنظيم القاعدة، وقد تلقت ضربات موجِعة من الجيش المصري ومن جيش حفتر بعد العمليات الإرهابية ضدهم ومنها قتْل العمال المسيحيين المصريين في 15/2/2015، وهي تُعتبَر من كبرى الجماعات المسلّحة ذات التوجّه الإرهابي في ليبيا، وتضمّ مجموعة من المُقاتلين الأجانب التي تتنوّع جنسياتهم من المغرب العربي وبعض الدول الإفريقية، والتي قادت عدداً من عمليات التصفية والاغتيالات، ويتردّد أن فريقاً منها قد أصدر بياناً بحل الجماعة بعد خسائرها العديدة، لكن الواقع في شرق ليبيا، يقول العكس وأنها لاتزال حاضرة وبقوّة.
***
القاعدة وأذرعها المسلّحة: ينتشر تنظيم القاعدة في ليبيا، وله العديد من الجماعات المسلّحة المنضوية مباشرة تحت لوائه ومنها ما سبق الإشارة إليه مثل -أنصار الشريعة- إلا أن ثمة تنظيمات أخرى أشدّ تطرّفاً ومن أبرزها: جيش تحكيم الشريعة الذي يُعدّ من الأذرع الرئيسة لتنظيم القاعدة، وهو نتاج عدد كبيرة من التنظيمات التي توحّدت في تنظيمٍ واحدٍ حمل هذا الإسم، وضلع هذا التنظيم في عدد من العمليات الإرهابية، إذ استهدف “الكتيبة 21 صاعقة” التابعة للقوات الخاصة الليبية في 29 أبريل 2014 في مدينة بنغازي شرق البلاد، وغيرها من الأحداث الدامية، ويضمّ التنظيم عشرات من العناصر الإرهابية من كلٍ من تونس والجزائر، وآخرين عائدين من سوريا، ويعتمد في تمويله على أموال منهوبة من مؤسّسات الدولة الليبية أثناء المؤامرة على القذافي والتي أسماها البعض ثورة!
* ولتنظيم القاعدة أيضاً جماعة تُسمّى جماعة (شهداء بوسليمى) وهي تمثل جماعة إرهابية صغيرة تابعة للقاعدة، وزعمت مع بداية تشكيلها عدم صلتها بتنظيم القاعدة بزعم أنها كتيبة مسلّحة مستقلّة، ولكن على أرض الواقع تُعتبَر أحد الأذرع التابعة للقاعدة، وهي تتكون من معتقلي الجماعة الليبية المقاتِلة سابقاً في سجن أبو سليم، ممن لم يلتزموا بمراجعات الجماعة لعام 2008، ومازالوا يحملون الأفكار القاعدية المُتطرّفة، ويتركّز نشاطها في مدينة درنة.
* ويوجد لتنظيم القاعدة – كذلك – جماعة تسمّى (كتيبة الفاروق) وهي من الجماعات المسلّحة الأشدّ إجراماً وهي متواجدة في مصراته وشاركت في القتال، بعدما قصف طيران الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر أهدافاً للمتطرّفين في مدينة مصراته.
***
جماعات “داعش”: ينضوي تحت لواء تنظيم داعش، العديد من الجماعات المسلّحة في ليبيا، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، جماعة مجلس شورى شباب الإسلام وهو يُعدّ من أبرز التنظيمات التي أعلنت انتماءها لتنظيم “داعش”، عبر «إنشاء محكمة إسلامية. وشرطة إسلامية»، والتي قادت عمليات إعدام وجَلْد علنية، كما واصلت ارتكاب جرائم قتْل جرت غالبيتها في بنغازي ودرنة ومع غياب ضبط الحدود البرية مع مصر والدول الأخرى، بالإضافة إلى الاقتتال الداخلي بين القبائل، كل ذلك ساهم في تدهور وتفاقُم الوضع الأمني وسمح باستمرار الاتّجار بالبشر والمُخدرات والأسلحة عبر الحدود الليبية مع تشاد، والسودان، ومصر، والجزائر، ويتمركز التنظيم في منطقة درنة في شرق ليبيا.
* وهناك جماعة أخرى تُسمّى كتائب السجين الشيخ عمر عبد الرحمن وهو المفتي السابق للجماعة الإسلامية في مصر والذي مات في السجون الأميركية وكانت فتاويه سبباً في قتْل السادات، وهذه الجماعة الليبية كانت مسؤولة عن سلسلة الهجمات التي وقعت في بنغازي، أبرزها الهجوم الذى شنّته على اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بهجوم بقنبلة ضدّ القنصلية الأميركية، وعلى موكب السفير البريطاني.
* وتوجد أيضاً لتنظيم داعش ذراع مسلحة مهمة إسمها جماعة مجاهدي ليبيا وهي جماعة تخصّصت في قتْل المصريين وآخرها حادث قتْل أقباط المنيا 16/5/2017، وهذه الجماعة تنتشر في ثلاث مناطق هي برقة – فزان – طرابلس، وارتكبت العديد من الجرائم الإرهابية، وأخيراً هناك جماعة مجلس شورى درنة والذي وجّه إليه الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر ضربات موجِعة الأسبوع الماضي (فبراير/شباط 2018) بعد تحديد 136 هدفاً لهذا التنظيم في منطقة درنة وحدها!
***
* هذه الجماعات الإرهابية – وغيرها كثير – تمثّل مجتمعةً عنواناً كبيراً، إسمه جماعات الإرهاب المسلّح، وهم يشتركون معاً في قِيَم ومفاهيم إرهابية داعشيّة الرؤية والمُنطلَق، وإن لم تنضوِ كلها – كما لاحظنا – تحت إسم “داعش”، إلا أننا نتوقّع أن تلتقي جميعاً على أهداف استراتيجية واحدة، أهمها استمرار تفكيك ليبيا، واستمرار جعلها مصدراً رئيساً للخطر المسلّح على الأمن القومي لدول الجوار وخاصة مصر، وإذا ما علمنا أن هذه الجماعات، عَبْر عناصر مسلّحة لها، ارتكبت أربعاً من أهم أحداث الإرهاب ضد المصريين فإننا نتوقّع منها المزيد، وتلك الأحداث هي:
(1) حادث ذَبْح 21 مسيحياً مصرياً غرب طرابلس بالقرب من سرت لدرجة تلوين مياه البحر المتوسّط بدمائهم وذلك في 15/2/2015.
(2) حادث قَتْل 28 ضابطاً وجندياً مصرياً في منطقة الفرافرة في الصحراء الغربية، في 19/7/2014.
(3) حادث قتل 29 مسيحياً وجرح 24 وأغلبهم نساء وأطفال في محافظة المنيا.
(4) قتل 16 ضابطاً وجندياً مصرياً وإصابة العشرات في حادث الواحات الشهير يوم 20/10/2017.
هذه الأحداث إذا أضفنا إليها التمويل الواسع لتنظيم ولاية سيناء بالسلاح المنهوب من مخازن الجيش الليبي بعد سقوط القذافي شاملاً الصواريخ المُضادّة للطائرات، فإنها مثّلت بذلك، ولاتزال تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري ونفس الحال في تونس والجزائر.
***
إن داعش الجديدة، في ليبيا، ستكون جامعة لتنظيمات عديدة أخرى بأسماء مختلفة، ولكن بروحٍ إرهابية واحدة تقوم على الدمّ وبه تتعمّد، وتلك الجماعات معاً ستشكّل عنواناً، للإرهاب المسلّح الدامي، في ليبيا، خلال الشهور والسنوات القادمة، داخل البلاد وخارجها، وإذا لم ينتبه أولي الأمر في ليبيا، خاصة الجيش الوطني بقيادة حفتر وخارجها خاصة مصر، فإن الدمّ والفوضى والإرهاب سيتدفّق عبر الحدود ولن تحول دون ذلك وصفات غسان سلامة: المبعوث الدولي، لإجراء انتخابات برلمانية ودستور ومصالحة كما قال قبل أسبوع مضى، لماذا؟ .. لأن ليبيا، باتت مُستعصية على العلاج التقليدي كما يقدّمه غسان سلامة وأممه المتحدة!، فجماعات الإرهاب وداعميها الاقليميين خاصة قطر وتركيا وبعض الدول الأوروبية، لا يُرَدّ عليهم سوى بوسائل غير تقليدية؛ فهذا الإرهاب المسلّح، لا يُرَدّ عليه سوى بالمقاومة المسلّحة له، وباستحضار الشعب في المواجهة، ووفق استراتيجية، أعمق وأبعد مما تقدّمه الأمم المتحدة، ومَن لفّ لفّها وبشأن هذه الاستراتيجية فإن أهل ليبيا وجيرانها أدرى بشِعابها! والله أعلم.