“جعلوني داعشياً”.. 5 دوافع ذهبت بمصريين لأحضان التطرف

خلال السنوات الأخيرة، شهدت مصر تحولات لذوي توجهات عديدة نحو تنظيمات إرهابية؛ ما تسبب في خسائر بشرية وأضرار مادية، ودفع الحكومة المصرية إلى اتخاذ إجراءات مشددة، أحدثها إطلاق عملية عسكرية بأنحاء البلاد.

هذه التحولات، التي برزت قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وتصاعدت منذ عام 2013، يعزوها مختصون إلى 5 أسباب محلية وإقليمية، تتمثل في: إغلاق المجال العام، وتنامي الفكر المتطرف داخل السجون، وتراجع نفوذ التيار الإسلامي، والشعور بالتهميش، واضطراب الأوضاع الإقليمية.

ولا يوجد إحصاء بعددِ مَن دفعتهم تلك الأسباب إلى التطرف، غير أن بيانات رسمية تفيد بضبط وقتل مئات من “الإرهابيين”، خلال السنوات الماضية، وهو ما يعتبره حقوقيون “تصفية جسدية”.

تيارات عديدة

قبل أيام، أُثير جدل حول “الانتماء الداعشي”، إثر ظهور عُمَر الديب -وهو نجل قيادي إسلامي- بزي عسكري، في مقطع مسجل، يوم 11 فبراير/ شباط 2018، مبايعاً أمير تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، وذلك بعد أشهر من إعلان الأمن مقتل الديب وآخرين في تبادل إطلاق نار غرب القاهرة.

وفي المقطع، ظهر عمر، نجل إبراهيم الديب، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، وهو ينتقد سلمية الجماعة، معتبراً أن “خط داعش الفكري والحركي هو الصحيح”.

عبر بيان، اعتبر الديب أن ابنه “ضحية ونموذج لجيل كامل، سُرق منهم حلمهم في ثورة يناير/كانون ثان 2011 (..)، ونظام أطاح بالتجربة الديمقراطية”.

واقعة نسبة الديب إلى “داعش” ليست الأولى في مصر؛ إذ سبقتها وقائع مشابهة لمنتمين إلى تيارات مغايرة للإسلاميين، إضافة إلى أفراد سابقين في الجيش والشرطة.

وهذه الوقائع تخص قرابة 400 شخص، بحسب تصريحات متلفزة مؤخراً للناشطة الحقوقية، المقربة من السلطات المصرية، داليا زيادة، اعتبرتهم “منتمين إلى الإخوان”.

وردَّت جماعة الإخوان، في بيان الأحد 18 فبراير/شباط 2018، قائلةً إن “من لا يلتزم بمنهج الجماعة السلمي لا يمتُّ لها بِصلة، وإن ادَّعى غير ذلك”.

وقال القيادي في الجماعة أحمد رامي، إن “التطرف لا يتفق مع نهج الإخوان، فللجماعة مدارس عدة في مواجهته، وقصْر التطرف على شباب الإسلاميين هو افتئات على الحقيقة”.

اتهام الدعشنة نال أيضاً، أواخر 2015، شاباً يُدعى عمرو محمود عبد الفتاح، كان معارضاً للإخوان، ومؤيداً لأفكار محمد البرادعي (ليبرالي)، النائب السابق للرئيس المصري، إبان ثورة 2011.

آنذاك، ظهر عمرو بكُنية “وضّاح المهاجِر” كمنفِّذ مع آخر لتفجير استهدف فندقاً يقيم به قضاة بشبه جزيرة سيناء المصرية (شمال شرق)؛ ما أسفر عن مقتل ثلاثة شرطيين وقاضيَين.

كما اتُّهم شرطيون وعسكريون سابقون بتبنِّي الفكر المتطرف، لكن لم يبرز منهم سوى اسم هشام عشماوي، وعماد عبد الحميد.

وهشام وعماد هما ضابطان سابقان بالجيش فُصلا منه، بدعوى “تشدُّدهما الديني”، قبل ثورة 2011، واتُّهما بتنفيذ عمليات عنف، لا سيما في السنوات الثلاث الأخيرة، وفق روايات صحفية متطابقة.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة، ظهرت حركات مسلحة يقودها شباب، أبرزها حركتا “حسم” و”لواء الثورة”، اللتان وضعتهما الولايات المتحدة الأميركية، الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2018)، على قائمتها لما تعتبرها تنظيمات إرهابية.

دعوات للتجنيد

منتصف الشهر الجاري (فبراير/شباط 2018)، دعا زعيم تنظيم القاعدة، المصري أيمن الظواهري، في تسجيل صوتي، الإسلاميين إلى التخلُّص مما قال إنها أخطاء الماضي، والانضمام إليه.

وجاءت هذه الدعوة، بعد 5 أيام من دعوة مماثلة موجهة من “ولاية سيناء” (التابعة لداعش).

واعتبر مراقبون هاتين الدعوتين تعكسان تراجعاً في وتيرة التجنيد بالجماعات المتشددة، في ظل تحذيرات من وقوع شباب بشباكها.

وتزامنت دعوتا “القاعدة” و”داعش” مع حملة عسكرية ينفذها الجيش المصري في أنحاء عديدة، بينها سيناء، منذ 9 فبراير/ شباط 2018.

الدوافع الخمسة

ووفق مختصين، فإن ثمة 5 دوافع تقود مصريين إلى التطرف؛ وهي:

1- المجال العام

تختلف أسباب الانتماء إلى داعش من شخص إلى آخر، وفق الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، أحمد مولانا.

مولانا قال إن “انسداد آفاق العمل السلمي والسياسي في دول الربيع العربي، جعل تنظيم داعش وغيره يمثِّل متنفساً للتغيير”.

واتفق مع هذا الطرح الناشط الحقوقي عزت غنيم، بقوله إن “ضيق الأفق السياسي وإغلاق منافذ العمل المدني، يصنعان التطرف”.

لكنَّ أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق قلل من أهمية هذا الدافع، قائلاً إن “أغلب المصريين غير راضين عن الوضع السياسي في البلاد، لكنهم لم يتطرفوا”.

ومقابل انتقادات داخلية وخارجية، تقول السلطات المصرية إنها تتحرك في ظرف استثنائي، حيث تواجه إرهاباً، وتشدِّد على تمسُّكها بفتح المجال العام أمام الجميع، وفقاً للقانون والدستور.

2- السجون

يقول مراقبون إن “انتهاكات” يمارسها القائمون على السجون بحق سجناء معارضين، ساهمت في تبني البعض “التكفير واستحلال الدماء”، وهو ما تردُّ عليه السلطات عادةً بالنفي، وتعتبره “تشويهاً ممنهجاً”.

ما يعزز مخاوف هذا الطرح، أن تقارير صحفية أفادت بأن سجناء سابقين نفَّذوا عمليات إرهابية، خلال العامين الماضيين، بعد خروجهم من السجن.

وحذر الحقوقي عزت غنيم “مما يحدث من تحولات لشباب داخل السجون باتجاه تبني آراء العنف”، ودعا إلى “تعاملٍ قائمٍ على احترام الحقوق المدنية”.

وخلال السنوات الأخيرة، استجلبت السجون وعَّاظاً لحثِّ السجناء على نبذ التطرف، بحسب تقارير محلية وبيانات لوزارة الداخلية.

3- تراجع الإسلاميين

“تعد إشكالية تراجع الإسلاميين عن تقديم نماذج عملية لمناهج التغيير التي تتبناها، في ظل استهدافهم، أحد أسباب التطرف، لا سيما بعد الإطاحة بمرسي (المنتمي إلى جماعة الإخوان)”، وفق الباحث مولانا.

وتقول جماعة الإخوان وحقوقيون إن السجون تمتلأ بآلاف السياسيين، أغلبهم إسلاميون، بينما تقول السلطات إنهم سجناء جنائيون.

وفرضت مصر إجراءات قضائية وأمنية ضد الإسلاميين، منها اعتبار الإخوان تنظيماً إرهابياً في 2013، ما أسهم في غلق منافذ العمل السلمي لكتلة كبيرة بالمجتمع، وفق مراقبين.

4- البحث عن دور

بحسب الأكاديمي سعيد صادق، فإن “حب المغامرة، والتهميش يدفعان إلى التطرف أحياناً”.

ومضى قائلاً إن “ظهور تنظيم داعش قوياً، عبر ما تسمي دولة الخلافة، جذب متطرفين يبحثون عن أحلام ووضع خاص، بعد أن كانوا أعضاء في جماعات أقل انتشاراً من التنظيم المتشدد”.

وأضاف صادق أن “أعمار غالبية من ينتمي إلى التنظيم المتطرف تتراوح بين 14 و28 سنة، أي بين المراهقة والنضوج، وهي مرحلة البحث عن دور”.

5- الأوضاع الإقليمية

صادق، اعتبر أيضاً أن “الأوضاع الإقليمية المضطربة ساهمت في ظهور عناصر للتنظيم، لا سيما بسوريا والعراق، قبل أن نرى منهم في مصر”.

ووافقه في هذا الطرح الباحث مولانا، بقوله إن “تبنّي التنظيم المواجهة، في ظل حملات القمع والإبادة الحالية التي تشنها أنظمة ودول كبرى، كالولايات المتحدة وروسيا ودول إقليمية مثل إيران، دفع كثيرين إلى الارتماء في أحضان داعش”.

وأعرب وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في بيان الأسبوع الماضي، عن قلق بلاده من محاولات إرهابيي “داعش” الهرب من سوريا والعراق إلى (الجارة الغربية) ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي.

مواجهة “الدعشنة”

ويعرب مراقبون عن قلقهم من احتمال تزايد عمليات تجنيد مصريين في “داعش” مستقبلاً.

لكنّ صادق قلَّل من هذه الاحتمال؛ لـ”أسباب مرتبطة بالحملات العسكرية والأمنية التي تنفذها مصر على أوكار الإرهاب، وبنْيته التحتية”.

غير أنه استدرك قائلاً: “لكن ما يحدث هو تحجيم لن يُنهي الإرهاب تماماً، وستبقى عناصر إرهابية مقلقة”.

وختم صادق حديثَه بدعوة الحكومة المصرية إلى “تدشين استراتيجية شاملة لمواجهة الفكر المتطرف”.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

مدير المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب : قيادات “داعش” وأخواتها خرجت من سراديب الاستخبارات الغربية

  Sputnik : أكد رئيس المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، جاسم محمد، أن قيادات الجماعات …

اترك تعليقاً