الدستور المصرية : كيف تورطت الجماعة الإسلامية في محاولة اغتيال السيسي بالحرم؟

 كيف تورطت الجماعة الإسلامية في محاولة اغتيال السيسي بالحرم؟

رغم الأهمية الكبيرة لمبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة الإسلامية عام ١٩٩٧، فى أعقاب مراجعات فكرية أجراها قادتها وأعضاؤها، فإن كثيرا من «أمراء الدم» التابعين للجماعة، اتخذوا من هذه المبادرة فرصة لالتقاط الأنفاس.

وظل «أمراء الدم» هؤلاء فى مكامنهم وأوكارهم حتى جاءت «٢٥ يناير» التى منحتهم قُبلة الحياة، فعادوا لإرهابهم، وحوشا فى ثياب آدمية، وأعادوا ثلاثيتهم المقدسة: «التكفير والتدمير والتفجير».

«أمراء الدم» عندما يتحدثون لا يمزحون؛ لذا يجب أن نكون على حذر دائم منهم، فدائما ما يكون وراء كلامهم مخطط أحكموا تدبيره، أو مصيبة يعدونها، وكان من بين هذه المخططات والمصائب محاولة اغتيال الرئيس عبدالفتاح السيسى، تلك القضية التى تحقق فيها النيابة العسكرية تحت رقم «١٤٨ لسنة ٢٠١٧ عسكرية». وتضم قضية «محاولة اغتيال الرئيس السيسى» ٣٠١ متهم من عناصر تنظيم «ولاية سيناء»، وتقول تفاصيلها إن ٥ متهمين بقيادة «سعيد عبدالحافظ»، واسمه الحركى«أبوأسماء» خطط لاغتيال «السيسى» أثناء تواجده بالمملكة العربية السعودية.

فتوى العملية بدأت بتصريحات «السيسى يحارب الإسلام» و«كل الاحتمالات واردة»

جمعنى لقاء بعد أحداث قصر الاتحادية مع أحد كوادر الجماعة الإسلامية فى دمياط، سألته عن رأيه فى الطريقة المثلى لإصلاح أحوال البلاد، فقال: «الحل أن تصبح مصـر أفغانستان»، سألته: «يعنى إيه؟»، فرد: «كل جماعة تكون ميليشيا مسلحة كأفغانستان، ويحسم الصـراع بينها بالقوة».
قلت له: «إذا قررتم بدء مخططكم هذا من دمياط فكيف ستنفذونه بعددكم القليل؟»، أجاب: «سنذهب إلى معاقلنا فى الصعيد».
منذ سمعت حديثه أيقنت أن هناك شرا يدبرونه، وبالفعل بعدها بقليل نظمت الجماعة عرضا عسكريا فى أسيوط، وقدمت مشروعا لتقنين اللجان الشعبية لإعطاء جناحها العسكرى صبغة قانونية. من يومها أيقنت أن القتلة لا يمزحون، وكل ما يُروج على أنهم يمزحون، وأننا لا ينبغى أخذ كلامهم على محمل الجد، هو بمثابة «تخدير» يجب أن نحذر منه جيدا. ولعل ما يثبت وجود من يروجون لفكرة «أنهم يمزحون» ما كتبه الدكتور ناجح إبراهيم بعد وفاة أمير أمراء الدم عصام دربالة: «وكان مشهورا بألعابه وفوازيره مع الأطفال ومن الطريف أن هذه الفوازير قد سببت لى وله ولأسرتينا مشكلة أمنية فى التسعينيات إذ قال لابنى فزورة فى إحدى زيارات السلك فسمعتها مخبرة معروفة بسواد قلبها، فأسرعت إلى أحد الضباط وقلت له إنه يعطى تكليفا لابنى لكى ينقله».
تخيل معى، فى التسعينيات، خلال أوج حقبة الإرهاب الدموى التى قادتها الجماعة، وكانت التكليفات تخرج من السجون، تسمع مخبرة ألغازا تقال من أحد قادة الإرهاب من وراء سلك فى زيارة قصيرة الوقت، فتذهب لقائدها تخبره بما سمعته.
لكن ما تفعله هنا لا يعجب «إبراهيم» الذى اعتبرها من وجهة نظره «سوداء القلب»، لأن «عصام دربالة يمزح». وفى هذا السياق، جاء آخر وقال إن تهديد طارق الزمر بـ«سحق المصريين فى ٣٠ يونيو» هو مجرد «تصريح سياسى»، وهكذا يُراد منا الاعتقاد بأنهم ليسوا وحوشا آدمية، بل هم «خفيفو الظل» يمزحون ولا يقصدون تهديدا، وذلك من أجل تخديرنا، لتمرير مخططهم لهدم الدولة.
عندما صرح مفتى الدم أسامة حافظ بأن «السيسى يحارب الإسلام منذ ٣ يوليو» -تاريخ تحرير مصر من الاحتلال الإخوانى- أيقنت أنه لا يمزح، وأن هذا التصريح التكفيرى الكارثى يعطى مشروعية لمخطط كبير يتم الإعداد له فى الظلام، خاصة أن «حافظ» أصبح الآن هو أمير أمراء الدم فى الجماعة الإسلامية.
وازداد الأمر وضوحا عندما أدلى المتحدث باسم حزب «بناء وتنمية الإرهاب»، الذراع السياسية للجماعة، أحمد الإسكندرانى، بتصريح لجريدة «الجريدة» الكويتية، يوم السبت ٣ مايو ٢٠١٤، قال فيه إن «اغتيال المشير عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع السابق، المرشح لرئاسة الجمهورية، أمر وارد جدًا، وجميع الاحتمالات مفتوحة فى هذا السياق».
وأضاف «الإسكندرانى» متحدثا عن «السيسى»: «قد تكون نهايته على يد أحد حراسه ظروف البلاد حاليًا مقدمة لثورة أعنف من ٢٥ يناير، ستكون أكثر دموية، لوجود أصحاب دم مبيت من الإخوان وغيرهم»، حسب قوله.
هذا التصريح مرعب، وأحمد الإسكندرانى لمن لا يعلم هو أمير من أمراء العنف، وصاحب قرار بدء موجة الإرهاب الدموى التى طالت مصر فى التسعينيات، وصاحب فتوى استهداف الكنائس.
ولأن التصريح كان صريحا بأن جميع الاحتمالات مفتوحة، والرسالة للإرهابيين واضحة بأن الجماعة تدعم مخططكم، صرحت وقتها وصرخت: «هذا التصريح يخبئ وراءه مصائب جمة»، إلا أن الإعلام والمراقبين لم يعيروا اهتماما لهذا التصريح الكاشف عما تضمره الجماعة للرئيس السيسى.
ومضت الأيام، وصدق ظنى، فهؤلاء القتلة لا يمزحون، وصدر قرار المدعى العام العسكرى بإحالة القضية رقم «١٤٨ لسنة ٢٠١٧ جنايات شرق عسكرية»، التى تضم مجموعة «أبوأسماء»، المخططة لـ٣ عمليات لاغتيال الرئيس السيسى.

خطط التنفيذ: تفجير الموكب الرئاسى استخدام بنادق «القناصة» وتفجير الحرم المكى
المتهم الرئيسى فى القضية هو «سعيد عبدالحافظـ أحمد عبدالحافظ»، البالغ من العمر ٤٦ سنة، الذى حمل رقم ٣٠ فى قرار الإحالة، وهو مدرس بالأزهر، ويعد أمير الجماعة الإسلامية فى مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية.
«عبدالحافظ» تم سجنه ١١ سنة من ١٩٩٤ إلى ٢٠٠٥، وبعد خروجه من السجن تم تعيينه مدرسا فى الأزهر، وذلك ضمن أعداد كبيرة من الجماعة الإسلامية، تم تعيينهم بعد مبادرة وقف العنف، وبالمناسبة لا يزال الأزهر ممتلئا بهم.
بعد فض الاعتصامين المسلحين فى «رابعة» و«النهضة»، أعد «عبدالحافظ» برنامجا لتدريب عناصر خليته فكريا، لترسيخ قناعتهم بالأفكار الإرهابية التكفيرية المعادية لمؤسسات الدولة عن طريق عقد لقاءات تنظيمية لهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى، لتجنب الرصد الأمنى.
وكلف «عبدالحافظ» كلًا من أحمد الطحاوى وعلى إبراهيم، بالخضوع لبرنامج تدريبى، لتعلم صناعة المواد المتفجرة على يد المتهم محمد فهمى عبداللطيف.
بعد ذلك تم الاتفاق على وضع ٣ خطط لاغتيال «السيسى»، الأولى والثانية تنفذان عن طريق عناصر الخلية فى مصر، وهم ضباط الشرطة الملتحون الذين تم فصلهم من وزارة الداخلية، أما الخطة الثالثة فعن طريق باقى عناصر الخلية الموجودين فى المملكة العربية السعودية.
واعتمدت الخطة الأولى على تفجير الموكب الرئاسى، باستخدام سيارة «مفخخة» وتركها فى طريق موكب الرئيس، بعد إجراء الجهات الأمنية عمليات التمشيط، على أن يتم استخدام سيارة حديثة فى هذه العملية حتى لا تثير الشكوك.
الخطة الثانية تمثلت فى استخدام بنادق «القناصة» لاستهداف الرئيس، خاصة أن أفراد الخلية المكلفين بتلك الخطة جميعهم ضباط «أمن مركزى»، وعلى دراية تامة باستخدام الأسلحة، ويمتلكون مهارات التصويب والرماية.
وكشفت تحقيقات النيابة العسكرية أن الخلية لم تخطط فقط لاستهداف الرئيس السيسى، وإنما خططت أيضا لاغتيال وزير الداخلية، ومساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزى، فى أوقات متفرقة، إلا أن أجهزة الأمن نجحت فى إحباط هذه المخططات.
أما الخطة الثالثة فاستهدفت اغتيال الرئيس بتنفيذ تفجير بالحرم المكى، أثناء زيارته إياه لأداء العمرة، ولضمان نجاح هذه الخطط سافر «أبوأسماء» إلى السعودية عام ٢٠١٤ والتقى أعضاء خليته هناك وهم:
١- أحمد عبدالعال بيومى الطحاوى، ٣٥ سنة، الذى يعمل مدير الإشراف الداخلى بفندق «سويس أوتيل مكة» ببرج الساعة بالمملكة العربية السعودية، والذى كلفه بتعلم تصنيع المواد المتفجرة، كما ذكرنا قبل ذلك.
ويعد أحمد الطحاوى هو الشقيق الأصغر لضابط الاحتياط مدحت الطحاوى عضو الجماعة الإسلامية الذى صدر له تكليف من مسئول الجناح العسكرى فى ١٩٩٤ أحمد حسن، الشهير بـ«الأستاذ»، بوضع عبوات ناسفة فى مطار سيدى برانى لاستهداف الرئيس الأسبق حسنى مبارك والعقيد القذافى والوزير صفوت الشريف، وتم الكشف عن هذا المخطط بالمصادفة، وإبطال مفعول العبوات الناسفة، وإعدام الضابط رميًا بالرصاص.
٢- محمود جابر محمود، الذى يعمل فى الفندق ذاته.
٣- باسم حسين.
٤- ميرفت يوسف حسن فتحى، طبيبة، زوجة أحمد الطحاوى.
٥- حنان بسيونى عبدالله، والتى كانت تتولى عمليات التمويل للتنظيم، سواء فى السعودية أو مصر.
وأصدر «أبوأسماء» تكليفا للمتهم الثالث الإرهابى باسم حسين، برصد تحركات الرئيس السيسى أثناء أدائه مناسك العمرة فى ٢٠١٥، لتحديد كيفية استهدافه أثناء أداء المناسك، ورصد مهبط طائرات الأسرة الحاكمة بالسعودية فى الفندق، تمهيدا لاستهدافه.
كما كلف الإرهابيين، أحمد الطحاوى وكنيته «أبوجعفر»، ومحمود جابر محمود، بشراء بعض المواد الكيميائية المستخدمة فى تصنيع المتفجرات «نترات الأمونيوم» من أحد المتاجر بمنطقة سوق «الكعكية» فى مكة المكرمة.
ووجههما بتخزين تلك المواد فى الطابق ٣٤ بالفندق داخل المكانس الكهربائية المخصصة لنظافة الفندق محل عملهما، تمهيدا لصنع العبوات المفرقعة، وإعداد حزام ناسف يرتديه أحد المتهمين وتفجير نفسه حال أداء الرئيس السيسى مناسك العمرة.
كما أصدر تكليفا للإرهابيتين حنان بسيونى عبدالله، وميرفت فتحى يوسف، بإدخال المواد المتفجرة إلى الحرم المكى، نظرا لعدم التدقيق فى عمليات تفتيش السيدات، بمعاونة مجموعة أخرى من المتهمين لتفجير الحرم، وتنفيذ عملية الاغتيال أثناء وجود الرئيس وولى العهد السابق الأمير محمد بن نايف.
لكن الله سلم، فقد كانت هناك عيون ساهرة ترصد تحركاتهم وقبضت عليهم قبل تنفيذ المخططات الثلاثة.
إذًا كما قلت فإن القتلة لا يمزحون فتلك حقيقة يجب ألا تغيب عنا ونحن نحاربهم، فلو نظرت لمخططهم الإجرامى لتفجير الحرم المكى وتفجير المعتمرين والمصلين فيه وتخيلته، لاقشعر بدنك من هول ما يخطط له هؤلاء الوحوش الآدمية.
ولعلك تتساءل معى الآن: لماذا لم يتم التحقيق مع مفتى الدم أسامة حافظ الذى أصدر فتوى الاغتيال ومع أحمد الإسكندرانى الذى صرح بالمخطط؟، ولماذا لا تدرج الجماعة الإسلامية حتى الآن فى القوائم الإرهابية رغم إدراجها من قبل دولة الإمارات فى قوائم الكيانات الإرهابية؟!.
وحتى أجد وتجد معى إجابة لهذه الأسئلة دعنا نردد قول المولى عز وجل فى سورة الحج: «إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ، وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ».

 

 

نقلا عن الدستور

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

RT : بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل والأجهزة المختصة أيضا …

اترك تعليقاً