قالت صحيفة EurAsia Daily، إن ضربات بصواريخ “غراد” استهدفت قاعدة حميميم الروسية العسكرية في سوريا وتسببت في تدمير 7 طائرات ومقتل طيارين، وإن نظام الدفاع الجوي بانتسير-إس1، اعترض العديد من الصواريخ.

وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أكد أن “نظام الدفاع الجوي قد تمكَّن من اعتراض الهجمات، كما دمر 16 طائرة دون طيار و53 قذيفة”، وفق صحيفة EurAsia Daily الروسية.

وأضاف شويغو قائلاً “لن نتسامح مع أي انتهاك لأمن القواعد العسكرية في طرطوس وحميميم”. ومن جهتها، أكدت وزارة الخارجية الروسية أن الهجوم الواقع، في 27 ديسمبر/كانون الأول 2017، فيه استفزاز سافر ضد القوات الروسية في سوريا، لكنه لم يتحدث عن الهجوم الذي وقع ليلة رأس السنة.

هجوم ليلة رأس السنة

وهجوم رأس السنة كان الأكثر خطورة. وحسب ما تداولته الصحف الروسية، فقد أدى الهجوم لتدمير 7 طائرات عسكرية، فضلاً عن تفجير مستودع للذخائر، إلا أن وزارة الدفاع الروسية نفت هذه المعلومات، واقتصرت على الإعلان عن مقتل طيارين.

وتوجهت أصابع الاتهام إلى تنظيم الدولة الإسلامية حتى بعد هزيمة التنظيم، خاصة في شرقي سوريا. ويشهد شمال محافظة حماة، وجنوب محافظة إدلب معارك شرسة، بين القوات الحكومية وقوات المعارضة “هيئة تحرير الشام”، التي كانت سابقاً تلقّب “بجبهة النصرة”، فضلاً عن مجموعات أخرى.

ووفقاً للخبير العسكري، يوري ليامين، تقدم روسيا مساعدة نشطة للقوات الحكومية السورية، ومن الواضح أن هذا سبب كافٍ حتى يرغب أعداء الأسد في الانتقام. وأضاف الخبير أن المسلحين حاولوا سابقاً قصف القاعدة الجوية الروسية، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق هدفهم، أما هذه المرة فقد نجحوا في تنفيذ الهجوم، من مسافة فشل نظام الدفاع الروسي في التصدي لها.

من أين قصفوها؟

وفق الصحيفة تبتعد مواقع المسلحين عن القاعدة الجوية حميميم مسافة بين 20 و50 كيلومتراً، والرادع الوحيد بين المسلحين والقاعدة الروسية هي الجبال التي تمتد على طول الساحل. ويؤكد يوري ليامين أن محاولات المسلحين باءت بالفشل، نتيجة تواجد القاعدة الجوية في أكثر الأماكن أمناً في سوريا، إلا أنه من الواضح أنهم تمكنوا أخيراً من التسلسل إلى مسافة أقرب مكنتهم من إطلاق قذيفة هاون على القاعدة الروسية بنجاح. ولسوء الحظ، شهد النظام الأمني السوري إخفاقات مشابهة من قبل، إلا أنها المرة الأولى التي تتأثر فيها قاعدة جوية روسية بهذا الإخفاق، وذلك وفقاً للخبير يوري ليامين.

في الواقع، لم تعلن أي جماعة تحمّلها مسؤولية الهجوم ضد القاعدة الروسية. ولكن الخبراء يعتقدون أن “هيئة أحرار الشام” المتهم الأول في تنفيذ هذا الهجوم، لكنهم في نفس الوقت يقرون بأنه من الممكن أن تشاركها في ذلك المعارضة المسلحة.

وحيال هذا الشأن، توجد العديد من الاحتمالات حول الطرف المتورط في هذه المسألة. فمن الممكن أن تكون مجموعة مستقلة صغيرة من السكان المحليين، أو مجموعات خاصة تابعة لجماعة أحرار الشام، التي لديها خبرة واسعة في مثل هذه الأنشطة في اللاذقية.

إلى جانب ذلك، من الممكن أن يقف وراء الهجوم “فيلق الشام”، الذي يضم ثماني جماعات مسلحة، الذي يرتبط بشكل مباشر مع قوات “الجيش السوري الحر”، علماً أن هذه الجماعة تعمل بنشاط على نشر الرسائل والصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، التي توثق عمليات قصف مواقع القوات الحكومية في شمالي سوريا.

السعودية أو أميركا!

تضيف الصحيفة: لوحظ أن لدى هؤلاء المسلحين ذخائر وأنظمة صواريخ جديدة، لذلك من الواضح أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تقومان بتزويد المسلحين بكافة أنواع الأسلحة، مما يعني أن الإمدادات العسكرية لم تتوقف.

وفي الوقت الراهن، تعتبر إدلب المعقل الأخير القوي للمعارضة المعتدلة. والمثير للاهتمام أن هذه المحافظة لا تسمح لدمشق بالحديث عن النصر في الحرب ضد الإرهاب، خاصة أن ذلك يقلل من قيمة النجاحات المعلنة للولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة.

من هذا المنطلق، لا يمكن القول إن الهجوم على القاعدة الروسية نُفذ مباشرة من قبل مسلحين من القواعد العسكرية الأميركية في سوريا، لأن ذلك قد يكون ضرباً من الغباء. ووفقاً لما نشره فرانز كلينتسيفيتش على صفحته على الفيسبوك، لقد تلقَّى منفذو الهجوم تدريباً جيداً من قبل الأميركيين.

وفي هذا الصدد، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن “موسكو تعتبر هذا القصف استفزازاً يهدف إلى عرقلة عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري، المزمع عقده في سوتشي، في 29-30 يناير/كانون الثاني”.

دولة ليست في المؤتمر

وتقول صحيفة vzgliad الروسية أن المؤتمر الذي اتفق عليه رؤساء روسيا وتركيا وإيران، قد أقصى الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بمسألة حل الصراع السوري، وهو ما لم يعجب واشنطن.

في واقع الأمر، تتمتع القواعد العسكرية الروسية في سوريا، في كل من طرطوس وحميميم، بنظام دفاع يحميها من الهجمات الصاروخية البرية والبحرية، لكن ذلك لا يعني أنها ليست عرضة لأي هجوم من قبل الجماعات المسلحة. ولحماية القواعد الروسية تم إنشاء ثلاث مناطق تغطية دفاعية. لكن ذلك لم يمنع من تنفيذ هجوم بقذائف الهاون على القاعدة العسكرية الروسية حميميم، في 31 ديسمبر/كانون الأول. ووفقاً لوزارة الدفاع، قُتل طيارون نتيجة هذا الهجوم، بالإضافة إلى تدمير 7 طائرات عسكرية روسية.

ولضمان حماية القاعدة العسكرية الروسية يتطلب الأمر جهوداً خاصة، ولكن وفقاً للقائد السابق لقوات الدفاع الجوي والجيش الرابع في القوات الجوية الروسية، الفريق فاليري غوربينكو، “ليس من السهل حماية القاعدة العسكرية بنسبة مائة في المائة، خاصة أنها تشغل مساحة شاسعة”، مشيراً إلى تكاليف ذلك. ومن أجل ضمان التغطية براً داخل مساحة دائرية قطرها 10 كيلومترات، أو حتى خمسة كيلومترات، فإنها تحتاج إلى عدد كبير من الجنود.

ووفقاً للنائب الأول لرئيس الأكاديمية الجيوسياسية والدكتور في العلوم العسكرية، النقيب كونستانتين سيكوف، هناك 3 مناطق تغطية في القاعدة العسكرية الروسية. وتوفر المنطقة الأولى التغطية من الهجمات القادمة من الأسلحة الصغيرة على مدى مسافة تصل إلى خمسة كيلومترات. أما المنطقة الثانية أو الوسطى فتحمي من الأسلحة الثقيلة والمشاة وقذائف الهاون، وتوفر الحماية على مسافة أقصاها 10 كيلومترات. أما المنطقة الثالثة، فتحمي من الأسلحة الثقيلة والأنظمة المدفعية طويلة المدى، وتوفر الحماية على مسافة 30-40 كلم.

واستناداً إلى الأحداث الأخيرة، يمكن القول إن منطقة التغطية الثالثة محمية جيداً بلا أدنى شك، ولكن المنطقة الوسطى تعاني من بعض الثغرات الخطيرة التي سمحت للعدو بتنفيذ القصف بقذائف الهاون على القاعدة العسكرية.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك أدلة على أن طائرة عسكرية من صنف إليوشن إي أل-76 الروسية الصنع، قد حلقت فوق حميميم، إلا أنها لم تتمكن من الهبوط. وهذا يشير إلى أن الهجوم لم يقتصر على قذائف الهاون، وإنما على الهجمات المدفعية التي أدت إلى تدمير المدرج في القاعدة العسكرية، ما منع الطائرة من الهبوط، وذلك وفقاً لسيفكوف.

وبناء على هذه المعطيات، يعتبر هذا الهجوم خطيراً جداً على عمل القوات الروسية في القاعدة، إذ لن تتمكن الطائرات في خط المواجهة سو-24 وسو-25 وسو-34 وسو-35 من العمل بنشاط، نتيجة تضرر المدرج. ونوه الخبير بأن قاعدة طرطوس تعاني من الوضع نفسه دفاعياً، مما يعني أنها عرضة للهجمات.

أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي إس-300 وإس-400 ليست فعالة

وفي الواقع، أثبتت أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي إس-300 وإس-400، فاعلية كبيرة في الدفاع. ولكن أظهر الوضع أنها ليست فعالة بما فيه الكفاية، خاصة إذا ما تطلَّب الأمرَ الحماية من أعمال الجماعات المسلحة المختلفة والأعمال الاستطلاعية.

بالإضافة إلى الثغرة الدفاعية على مستوى منطقة التغطية الثانية، فإن قاعدة حميميم محمية من الهجمات الصاروخية، التي قد يتم إطلاقها من مسافة خمسة كيلومترات أو أكثر، وفي المقابل، هي عرضة للخطر في حال تم تنفيذ الهجوم من مسافة أقل. ووفقاً لسيفكوف “يمكن للعديد من أنواع الأسلحة أن تسبب أضراراً جسيمة على القاعدة الروسية”.

ومن ناحية أخرى، يبدو أن الخطر لا يحدق فقط من مسافة خمسة كيلومترات، وإنما قد يكون أبعد من ذلك، وبالتالي يجب أن يكون هناك نظام دفاعي قادر على حماية القاعدة لمسافة تصل إلى 10 كيلومترات على الأقل. علاوة على ذلك، من الضروري القيام بدوريات على طائرات الهيلوكوبتر الحربية، التي تحتوي على نظام استخباراتي متقدم يسمح بالكشف المبكر لاقتراب العدو، وقادر على توجيه ضربة وقائية ضده.

كما كشف الهجوم الأخير عن وجود ثغرات على مستوى الدفاع. وعلى الرغم من تدمير تنظيم الدولة، فإن الجماعات المسلحة الأخرى التي كانت تعمل في صفوف التنظيم ما زالت تنشط في سوريا.

ووفقاً للخبير يوري ليامين “ليس من الممكن، أو من المستحيل، تنفيذ مثل هذا الهجوم دون دعم من الخدمات الخاصة الأجنبية، وخاصة الأميركيين”، كما “يبدو أن الولايات المتحدة تحاول طرد روسيا من سوريا عن طريق دعم بعض الميليشيات”. ولتفادي بعض الثغرات الدفاعية التي سمحت بتنفيذ هجوم على القاعدة الروسية، يجب تحسين إجراءات الحماية.

وبعد القصف الأخير ضد القاعدة الروسية حميميم، بات الخبراء على يقين من أن وزارة الدفاع الروسية ستعمل على تحسين نظام حماية القواعد العسكرية الروسية الموجودة في سوريا. ومنذ انطلاق العملية العسكرية الروسية في سوريا، لم تتعرض القوات الروسية إلى أي قصف مماثل، ولكن هذا الهجوم يعد بمثابة فرصة للقيادة الروسية حتى تكشف عن نقائص نظامها الأمني والدفاعي وتحاول استخلاص النتائج وتتمكن من سد الثغرات.