إن (جامعة النجف الأشرف الدينية) أو (الحوزة(1) العلمية الدينية) ـ الإسم الشائع هذا اليوم لدى العلماء والمؤمنين ـ تحتوي منذ قديم الزمان على العلوم الدينية الإسلامية: من الفقه الإسلامي وتفسير القرآن واُصول الفقه، والعقائد (علم الكلام) والدراية (علم الحديث) والرجال والفلسفة الإسلامية وذلك على ضوء مذهب أهل البيت عليهم آلاف التحية والثناء. وقد وفد عليها ولا يزال من أنحاء البلاد الإسلامية رجال لطلب العلوم الدينية انطلاقاً من الآية الكريمة: (فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين وليُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)(2)حيث يقيمون في النجف الأشرف مدة قصيرة أو طويلة، حسب ظروفهم المادية والصحية ويتلقون العلوم الدينية على علمائها ومحققيها.
فمنهم من يبلغ مستوى المرجعية العامة، والقيادة للاُمة الإسلامية مثل الإمام الخميني قدّس الله نفسه، والمرجع الكبير السيد محسن الحكيم رضوان الله تعالى عليه. أو يبلغ مستوى المرجعية على صعيد دولة مثل الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمّد باقر الصذدر الّذي عمّت مرجعيته أنحاء العراق رغم صغر عمره المبارك.
ومنهم من يبدع في التدريس والتحقيق مثل آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله تعالى الشريف والشيخ المحقق ضياء الدين الأراكي(رحمه الله) الّذي لمع اسمه في العقد الرابع والخامس من القرن الرابع عشر الهجري.
ومنهم من ينصرف إلى التحقيق والتأليف مثل الشيخ آغا بزرك الطهراني صاحب الموسوعة الكبيرة (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) وكتاب (طبقات أعلام الشيعة) والشيخ عبدالحسين الأميني مؤلف كتاب (الغدير) و (شهداء الفضيلة) والشيخ ميرزا حسن النوري ذو المؤلفات الكثيرة وفي طليعتها (مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل).
ومنهم من يعود إلى بلاده ودياره أو مكان آخر لنشر الدعوة الإسلامية وتوجيه الناس من خلال المساجد والمجالس والمناسبات الدينية.
لقد تخرج من هذه الحوزة العلمية المباركة منذ تأسيسها عشرات المراجع الكبار ومئات المحققين والباحثين والمؤلفين، في شتى المجالات العلمية الدينية من الفقه والتفسير والعقائد و… من المدرسة الإسلامية.
كما تخرج آلاف العلماء المرشدين والمبلغين من هذه الجامعة المباركة، وذهبوا إلى أنحاء العالم الإسلامي، وتولّوا هداية الناس إلى الصراط المستقيم. وكلّ ذلك موضع اتفاق وتسليم وقبول لدى جميع الباحثين والمفكرين، ولكنهم
اختلفوا في تحديد المبدء التاريخي لهذه الجامعة ومؤسِسها من أنها هل تأسست على يد شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي المتوفّي عام 460 هـ الموافق 1040 الميلادي أو كانت موجودة قبل هذا التاريخ ثم انبعثت وانطلقت الحركة العلمية الدينية فيها منذ وفود شيخ الطائفة إليها؟!..
ونحن في هذه الرسالة المختصرة حاولنا مراجعة كتب التاريخ وتراجم العلماء في القرنين الثالث والرابع الهجري، لاستكشاف الواقع العلمي والفكري الّذي جرى على أرض النجف الأشرف الطاهرة في تلك الحقبة من الزمن.
ومما دفعني إلى انجاز هذا الكتالب الموجز، هو ما أقدم عليه الوجيه التقي خادم أهل البيت(عليهم السلام) الحاج جعفر الدجيلي حفظه الله تعالى(3) حيث تبنّى بالمشاركة مع جمع من العلماء والمثقفين، وضع موسوعة قيّمة عن النجف الأشرف بكلّ مظاهرها وأبعادها ومحتواها الأدبي والإجتماعي والحضاري والعلمي و… كلّ ما يمّت إليها بصلة عبر التاريخ القديم والحديث.
وكان نصيبي ـ والحمد لله ـ في هذه المساهمة المباركة والتجارة الرابحة وضع دراسة موجزة عن (الحوزة العلمية في النجف الأشرف).
ونسأل الله سبحانه أن يتقبل منا هذا الجهد النزر اليسير، وأن يرزقنا في الدنيا زيارة مرقد إمامنا عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) والرقود في فناء ساحته وفي الآخرة شفاعته يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
صور ـ جبل عامل
1/محرم 1412هـ
محمد الغروي ـ 13/7/1992
النجف:
إن «النجف» اسم لبقعة من الأرض في الوسط الغربي الجنوبي من العراق على مقربة من الحيرة والكوفة.
عن معجم البلدان عند ذكر النجف: (قال السهيلي: وهو بظهر الكوفة كالمسنّاة تمنع سيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها وبالقرب من هذا الموضع قبر أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام))(4).
وفي كتاب «البلدان» لليعقوبي بعد ذكر الكوفة ووضعها قال: (والحيرة منها على ثلاثة أميال والحيرة على النجف، والنجف كان ساحل بحر الملح وكان في قديم الدهر يبلغ الحيرة)(5).
ويتبين من كتب التاريخ مثل تاريخ الطبري وابن أثير(6) والكتب الأدبية والعلمية، أن النجف كانت قرية عامرة على ظهر الكوفة لها أهلها وأصحابها.
ففي كتاب حياة الحيوان للدميري في حرف الحاء عند ذكر الحية قال: (إن خالد بن الوليد لما تحصّن منه أهل الحيرة بالقصر الأبيض وغيره من
قصورهم نزل بالنجف وأرسل إليهم أن ابعثوا إليَّ رجلا من عقلائكم فأرسلوا إليه عبدالمسيح بن عمرو بن قيس بن حيّان بن بقيلة الغسّاني وكان من المعمرين فقاوله)(7).
كما يتّضح من الأحاديث والكلمات التالية بعد قليل أن مواراة جثمان الإمام عليّ(عليه السلام)، لم تكن في النجف، وإنما كانت على مقربة منها وفي بقعة تسمّى بالثويّة، ثم انسحب اسم النجف لشهرتها وقدمها، على البلد الّذي أنشأ من حول مثوى ومرقد الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، بعد أن هُجِرَ اسم «ثويّة» لأرضها ومسمّاها، فاشتهرت تلك الرقعة بـ «النجف». وحيث أن صاحب المرقد الطاهر، أشرف إنسان على وجه الأرض بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، سُمي بلد الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام)بـ «النجف الأشرف».
النجف ومدفن الإمام عليّ(عليه السلام):
استشهد الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) في مسجد الكوفة ليلة الجمعة من اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك عام أربعين من الهجرة النبوية الشريفة وله من العمر المبارك ثلاث وستّون عاماً على يد الخارجي عبدالرحمن بن ملجم المرادي. وتولّى تجهيزه من الغسل والكفن والدفن، ولداه الحسن والحسين(عليهما السلام) حسب وصيّة الإمام عليّ صلوات الله عليه. وكان الدفن على مقربة من مكان يسمّى بالنجف كما تقدّم.
عن محمّد بن مسلم وسليمان بن خالد قالا مضينا إلى الحيرة فاستأذنا ودخلنا إلى أبي عبدالله(عليه السلام)، فجلسنا إليه وسألناه عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) فقال إذا خرجتم فجزتم الثويّة والقائم وصرتم من النجف على غلوة أو غلوتين رأيتم ذكوات بيضاً بينهما قبر قد جرفه السيل ذاك قبر أميرالمؤمنين(عليه السلام). قالا فغدونا من غد فجزنا الثويّة والقائم وإذا ذكوات بيض فجئناها فإذا
القبر كما وصف قد جرفه السيل فنزلنا فسلّمنا وصلّينا عنده ثم انصرفنا فلما كان من الغد غدونا إلى أبي عبدالله(عليه السلام) فوصفنا له فقال أصبتم أصاب الله بكم الرشاد(8).
وفي البحار «الثويّة» بفتح الثاء وكسر الواو موضع بالكوفة، به قبر أبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة. و «القائم» كأنه بناء أو اُسطوانة بقرب الطريق. و «الذكوة» في اللغة الجمرة الملتهبة فيمكن أن يكون المراد بالذكوات التلال الصغيرة المحيطة بقبره(عليه السلام). شبّهها لضيائها وتوقدها عند شروق الشمس عليها لما فيها من الدراري المضيئة، بالجمرة(9).
إخفاء القبر الشريف:
أخفى الإمامان الحسن والحسين(عليهما السلام) بعد دفن جثمان أبيهما عليّ(عليه السلام) محل الدفن عن الناس، دون الخواص من الأصحاب. وظل القبر مخفياً طيلة تسعين عاماً ابتداءً من يوم استشهاده في 21 ـ رمضان ـ 40 هـ الواقع أيام خلافة معاوية بن أبي سفيان مروراً بأيام خلافة كلّ من ابنه يزيد بن معاوية (60 ـ 64 هـ) ومعاوية بن يزيد (64 ـ 64 هـ) ومران بن الحكم (64 ـ 65 هـ) وعبدالملك بن مروان (65 ـ 68 هـ) ووليد بن عبدالملك (68 ـ 96 هـ) وسليمان بن عبدالملك (96 ـ 99 هـ) وعمر بن عبدالعزيز (99 ـ 101 هـ) ويزيد بن عبدالملك (101 ـ 105هـ) وهشام بن عبدالملك (105 ـ 125 هـ) ووليد بن يزيد بن عبدالملك (125 ـ 126 هـ) وإبراهيم بن يزيد بن عبدالملك (126 ـ 127هـ) ومروان بن الحكم (127 ـ 132هـ) آخر خلفاء الأمويين الّذين انحسرت خلافتهم عن العالم الإسلامي عام 132 هـ الموافق 711 م عند مقتل مروان بن محمّد واستيلاء العباسيين على الاُمة الإسلامية ابتداءً بأبي العباس السفّاح أيام الإمام الصادق(عليه السلام)، وعند ذلك انكشف أمر القبر، فصنع
داود بن عليّ العباسي المتوفى عام 133 هـ 712 م صندوقاً للقبر الشريف، وأصبح المرقد الطاهر مزاراً للموالين والمحبّين لآل الرسول(عليهم السلام).
وبعد أن استلم العباسيون الأمر، وتمكّنوا من الحكم، بدأوا بملاحقة الشيعة والمحبين للعترة الطاهرة وتعذيبهم أيام خلافة المنصور ومحمّد المهدي وموسى الهادي، يقول الشاعر:
يا ليت ظلم بني مروان دام لنا *** وكان عدل بني العباس في النار
فاختفى الزائرون، وضاع القبر الشريف على الكثير من الناس، إلى أن حَانت أيام هارون الرشيد عام 170 هـ 749 م حيث خرج يوماً هارون الرشيد، من قصره في بغداد للنزهة والاصطياد، وبلغ ظهر الكوفة، ووجد كثيب رمل تتجمع عنده الغزلان والحمر الوحشية، فاستغرب ذلك، وتحرّى عن سببه. وعندما سمع إنه قبر الإمام عليّ(عليه السلام)، توضأ وزار القبر وصلّى عنده ثم بنى قُبّة على القبر، وأصبح مقاماً مباركاً للزائرين والموالين لأهل بيت الرسول(عليهم السلام) إلى يومنا هذا.
والسرّ في إخفاء قبر أميرالمؤمنين(عليه السلام) هو أن الأمويين كانوا حاقدين على آل الرسول شرّ حقد. وإن معظم الخوارج قد اُبيدوا على أيدي عليّ(عليه السلام). وأن جيش معاوية كاد أن ينهزم أمام عليّ(عليه السلام) لولا مكيدة عمرو بن العاص الّتي أنقذت معاوية من الدمار والهزيمة المروعة، وأن أصحاب عائشة والزبير كانوا يضمرون الحنق والغيظ تجاه وصي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويتربصون بالإمام(عليه السلام) حياً وميتاً، لكي ينتقموا منه ويشفوا صدورهم البغيضة منه، كلّ هؤلاء تكاتفوا على صبّ غضبهم اللئيم على الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) مهما كلّف الأمر.
قال ابن الأثير: (كان بنو اُمية يسبّون أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) إلى أن ولي عمر بن عبدالعزيز الخلاف، فترك ذلك وكتب إلى
العمال في الآفاق بتركه)(10).
و (حياة الحيوان) للدميري عند ذكر الأوز ما نصّه (وعليّ أول إمام خفي قبره، قيل ان علياً أوصى أن يخفى قبره لعلمه أن الأمر يصير إلى بني اُمية فلم يأمن أن يمثّلوا بقبره)(11).
(وقيل أن الحجّاج بن يوسف الثقفي عندما ولى العراق عام 75 هـ 654 م من قبل عبدالملك بن مروان، حفر ثلاثة آلاف قبر في النجف طلباً لجثة أميرالمؤمنين(عليه السلام))(12).
ولكنه قد تغيّر الأمر منذ عهد هارون الرشيد، حيث ارتفعت الحواجز والموانع وترك الأمر إلى الناس، فتهافت الشيعة من كلّ صوب وحدب لزيارة أميرالمؤمنين(عليه السلام) ومجاورته حياً وميتاً لِحثّ الأئمّة(عليهم السلام) مواليهم على ذلك(13).
بداية الحوزة العلمية الدينية
في النجف الأشرف
اننا قلنا بأن الشيعة قد تهافتوا على قبر وصيّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما انتشر خبر ظهور القبر وبناء القبة عليه من قبل هارون الرشيد. ولكننا لا نستطيع التحديد الدقيق لبداية الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف ولمؤسسيها بكلّ سهولة وبساطة، إذ توجد في المقام نظريتان هما:
النظرية الاُولى:
إن الحركة العلمية الدينية قد انطلقت في النجف الأشرف قبل مجيء الشيخ الطوسي إليها بأعوام كثيرة، وإن طلاب العلوم الدينية قد وفدوا على النجف الأشرف، وأقاموا نواة الحوزة العلمية، منذ الأيام الاُولى بعد تخفيف الطوق على مرقد الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وكان التحاق الشيخ الطوسي(رحمه الله) عام 448 هـ 1027 م من قبيل اطلالة بدر منير على النجوم المضيئة في السماء العلمي والديني والفكري للنجف حيث غيّر المعالم العلمية والفكرية في هذه الحوزة المباركة، وبعث فيها روحاً جديدة، وأوجد نهضة علمية في النجف الأشرف لم تعهدها من قبل.
واستدل صاحب هذه النظرية بالأدلة التالية(14):
الدليل الأول:
إن النقابة الّتي هي مركز اجتماعي مرموق كانت موجودة في النجف الأشرف منذ الأيام الاُولى من سكنى الناس حول قبر أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهي أقرب إلى المنصب الروحي والعلمي من كونها وراثيّة. وقد ذكرت الكتب التاريخية أن عدداً من الأعلام تولّوا نقابة المشهد العلوي. منهم السيد شريف الدين محمّد المعروف بابن السدرة أقام في النجف عام 308 هـ 887 م حتّى توفّى فيه. وكذلك ناصر الدين مطهر بن رضي الدين محمّد بن الحسين وقد تولّى نقابة المشهدين العلوي والحسيني(عليهما السلام)(15).
ولما كانت النجف الأشرف مدينة مقدسة لضمّها جثمان وصي رسول الله عليهما الصلاة والسلام، كانت النقابة لأولاد الزهراء سلام الله عليها، وبما أن المركز الروحي العلمي أفضل وأشرف، كانت النقابة للعالم منهم وكان نقيب الأشراف من العلماء المنحدرين من سلالة الزهراء عليها الصلاة والسلام.
مناقشة الدليل الأول:
لاريب في أن النقابة كانت تعدّ من المراكز الرفيعة بعد مقام الخلافة، وأن النقيب كان يتقدم على رجال الدولة بأسرهم حتّى الصدر الأعظم وشيخ الإسلام وأن الخلفاء العباسيّين قد عهدوا إلى نقيب الأشراف إمارة الحاج وديوان المظالم، واستمر هذا الاحترام والتكريم حتّى حلول أيام العثمانيين الأتراك، ولكننا لم نعثر في التاريخ على أنّ عالماً فاضلا قد تصدّى لهذا المركز الرفيع حتّى نقول إن النقيب في النجف الأشرف كان عالماً.
ولعل المقصود من قولهم: (وهذا المركز أقرب إلى الروحي من غيره) هو العدالة والورع والتقى، لا العلم والبحث والتحقيق، لأن هذا المنصب يحتاج إلى العدل والإنصاف تجاه الناس دون العلم والفقه والتحقيق.
يقول الرحّالة ابن بطوطة: (ونقيب الأشراف مقدم من ملك العراق ومكانه عنده مكين ومنزلته رفيعة وله ترتيب الاُمراء الكبار في سفره وله الأعلام والأطبال وتضرب الطبلخانة عند بابه مساءً وصباحاً.
وإليه حكم هذه المدينة ولا والي بها سواه، ولا مغرم فيها للسلطان ولا لغيره وكان النقيب ـ في عهد دخولي إليها ـ نظام الدين حسين بن تاج الدين الآوي نسبة إلى بلدة آوه من عراق العجم أهلها رافضة.
وكان قبله جماعة يلي كلّ واحد منهم بعد صاحبه: منهم جلال الدين بن الفقيه ومنهم قوام الدين بن طاووس ومنهم ناصر الدين مطهر بن الشريف الصالح شمس الدين محمّد الأوهري من عراق العجم وهو الآن بأرض الهند من قدماء ملكها ومنهم أبو غرّة بن سالم بن مهنى بن جماز بن شيحة الحسيني المدني)(16).
ولا نجد في هؤلاء النقباء ولا في غيرهم من النقباء نقيباً عالماً حتّى ندعي بأن النقيب في النجف الأشرف كان من سلالة الزهراء سلام الله عليها ومن أهل العلم والفضل والاجتهاد.
الدليل الثاني:
إن هناك بيوتات علمية لامعة في النجف الأشرف في قرني الرابع والخامس مثل آل شهريار وآل طحال وغيرهما، وقد تشرّفت هذه الاُسر بالعلم وسدنة الروضة الحيدرية(17). وهذا دليل على أن النجف الأشرف قد حظيت بجامعة علمية في القرن الرابع قبل وصول شيخ الطائفة إليها من خلال هذه البيوت العلميّة.
مناقشة الدليل الثاني:
لاشك في أن آل شهريار من الاُسر العلمية العريقة في النجف الأشرف ولكنها كانت في أوائل القرن الخامس ـ يقول الشيخ جعفر باقر آل محبوبة (عرفت آل شهريار ـ بالنجف واشتهرت أوائل القرن الخامس الهجري على عهد شيخ الطائفة الشيخ الطوسي)(18).
ويقول صاحب طبقات أعلام الشيعة (أحمد بن شهريار الخازن أبو النصر والد أبي عبدالله محمّد بن أحمد بن شهريار الخازن للحضرة الغروية والراوي عن الطوسي)(19) فلا نجد في هذه العائلة الكريمة شخصية تتمتع بالعلم قبل وصول الشيخ الطوسي إلى هذه البلدة الطيبة.
وكذلك آل طحّال حيث انهم أيضاً من الاُسر العلمية القديمة في النجف الأشرف. يقول الشيخ جعفر باقر آل محبوبة (آل طحّال من اُسر العلم القديمة في القرن الرابع عرفت في النجف في ذلك العصر)(20) ويستمر قائلا في ترجمة الشيخ حسن بن محمّد بن الحسين بن أحمد بن محمّد بن عليّ بن طحّال المقدادي: (كان من خدّام الحضرة العلوية وخزّانها اشترك مع والده في نقل الكرامة الّتي وقعت في نوبتهما عام 575 هـ ونقل هو كرامات دفعت في عصره من القبلة العلوية في سنة 584 وفي سنة 587 هـ )(21).
ويقول آل محبوبة في ترجمة الشيخ الأمين (الإمام العالم أبو عبدالله الحسين بن أحمد بن محمّد بن عليّ بن طحّال المقدادي هو أشهر رجال هذه الاُسرة وأبعدهم صيتاً وأكثرهم رواية وأغزرهم علماً ـ ثم يقول ـ المقدادي المجاور بمشهد مولانا أميرالمؤمنين(عليه السلام) من أكابر علمائنا ومن مشائخ
ابن شهرآشوب)(22) وعليه لا نعثر على عالم واحد من هذه الاُسرة الكريمة آل طحّال قد عاش في النجف الأشرف قبل وصول الشيخ الطوسي إليها.
ولو سلمنا جدلا بأن المتصدي للخزانة العلوية من الاُسرتين آل شهريار وآل طحال كانوا من ذوي العلم والفضيلة، لما كان هذا دليلا على أنهم تعلموا وتفقهوا في الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف إذ يمكن أن تكون دراستهم في الكوفة أو بغداد من المدن الّتي احتضنت الجامعات الدينية العلمية آنذاك، ثم جاؤوا إلى النجف واستقروا فيها وأصبحوا من علماء البلاد.
الدليل الثالث:
أنشد الشاعر أبو عبدالله الحسين بن أحمد المعروف بابن الحجّاج عندما زار النجف الأشرف في أواخر القرن الرابع الهجري قصيدة مطلعها:
يا صاحب القبة البيضا على النجف *** من زار قبرك واستشفى لديك شفي
وفيها:
وقل سلام من الله السلام على *** أهل السلام وأهل العلم والشرف(23)
فيقال بأن المعنيِّ من قوله «أهل العلم» العلماء والمحدّثون الّذين كانوا في النجف الأشرف قبل حلول الشيخ الطوسي فيها.
مناقشة الدليل الثالث:
إنّ أبا عبدالله الحسين بن أحمد المعروف بابن الحجاج المتوفّى عام 391 هـ 970 م من الشعراء العراقيين المعروفين وأنه أنشد قصائد كثيرة في الجد والهزل. كما أنشد قصائد في مدح أهل البيت(عليهم السلام) منها الأبيات المذكورة وفيها:
إذا وصلت إلى أبواب قبته *** تأمل الباب تلقى وجهه وقف
وقل سلام من الله السلام على *** أهل السلام وأهل العلم والشرف
إني أتيتك يا مولاي من بلدي *** مستمسكاً من حبال الحقّ بالطرف(24)
فتعرف من سياق هذه الأبيات أن الشاعر يخاطب صاحب القبة الإمام عليّ(عليه السلام)وهو أهل السلام والشرف والعلم دون سكان النجف الأشرف من العلماء والفقهاء.
الدليل الرابع:
إننا نجد في التراجم علماء انتموا إلى النجف الأشرف قبل أيام الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى. منهم:
أ ـ أحمد بن عبدالله الغروي، يروي عن أبان بن عثمان من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)(25) وهو من المنتسبين إلى الغري الّذي هو النجف الأشرف. ومن الواضح أن من يروي عن أبان بن عثمان يكون في أواخر القرن الثاني أو بداية القرن الثالث، في حين أن الشيخ الطوسي قد ولد في أواخر القرن الثالث فيكون أحمد بن عبدالله الغروي من العلماء والمحدّثين النجفيين قبل الشيخ الطوسي.
ب ـ شرف الدين بن عليّ النجفي، وقد وصفه الشيخ الطوسي بقوله: «كان صالحاً فاضلا»(26).
وتوصيف الشيخ الطوسي لشرف الدين النجفي بالفضل والصلاح، دليل على أن مدينة النجف كانت تحتوي على علماء وفضلاء قبل حلوله فيها عام 448 هـ .
جـ ـ أبو طاهر عبدالله بن أحمد بن شهريار، أبو طاهر: كان معاصراً للشيخ المفيد، يروي عنه أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، والنجاشي في كتاب الإمامة(27) ويعد الشيخ المفيد من مشائخ الشيخ الطوسي، فيكون عبدالله بن أحمد بن شهريار المعارص للشيخ المفيد في طبقة متقدمة على الشيخ الطوسي.
د ـ أحمد بن شهريار، وهو يختلف عن والد أبي طاهر المتقدم ـ أبو نصر الخازن للحضرة الغروية كان من رجال العلم وحملة الحديث معاصراً للشيخ الطوسي(28).
ومن المعلوم أن أحمد بن شهريار كان معاصراً للشيخ الطوسي، كما أن عبدالله كان معاصراً للشيخ المفيد المتوفي عام 413 هـ 992 م وهما شاهدان على احتضان النجف الأشرف للعلم والعلماء قبل القرن الرابع أو على الأقل قبل النصف الثاني من القرن الرابع سنة وفود الشيخ الطوسي إلى النجف الأشرف.
مناقشة الدليل الرابع:
إذا دققنا النظر في كلّ واحد من الرجال المذكورين، لعلمنا بأن هؤلاء ليسوا من طبقة متقدمة على الشيخ الطوسي(رحمه الله).
وإليك تفصيل ذلك:
أ ـ إن أحمد بن عبدالله الغروي لا ينتمي إلى الغري بالغين المعجمة وإنما ينتسب إلى القروي بالقاف. بمعنى القرية، كما يصرّح بذلك السيد الخوئي في (معجم رجال الحديث): (أحمد بن عبدالله القروي روى عن أبان بن عثمان وروى عنه الحسين بن سعيد)(29).
ب ـ إن شرف الدين بن عليّ النجفي الموصوف ـ حسب الدعوى ـ لدى الشيخ الطوسي بالفضل والصلاح لمّا يتأكد تقدمه على الشيخ الطوسي، كما انه لم يتأكد صدور الأوصاف منه في شرف الدين بن عليّ النجفي يقول السيد
الخوئي حفظه الله: (شرف الدين بن عليّ قال الشيخ الحرّ في تذكرة المتبحرين الشيخ شرف الدين بن عليّ النجفي كان فاضلا محدّثاً صالحاً له كتاب الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة)(30) حيث ينقل السيد الخوئي حفظه الله بأن الشيخ الحر العاملي هو الّذي وصفه بالأوصاف المذكورة، وعليه لا يوجد دليل قطعي على أن شرف الدين بن عليّ كان موجوداً قبل الشيخ الطوسي. بل هو متأخر عنه راجع أعيان الشيعة(31).
ثم إنه إذا فرضنا بأن الشيخ الطوسي قد وصفه بتلك الأوصاف، فلا برهان على أنه تعلم في النجف الأشرف، إذ يمكن أنه تعلم في حوزة علمية اُخرى غير النجف الأشرف ثم استقر فيها.
جـ ـ أما أبو طاهر عبدالله بن شهريار وأحمد بن شهريار، فهما وإن كانا من اُسرة آل شهريار ولكن يرد:
أولا: لم يقدّم التاريخ شاهداً واحداً على أن رجالا من هذه الاُسرة المشهورة قد سبقوا الشيخ الطوسي في تشييد الحوزة العلمية في النجف الأشرف.
ثانياً: إذا فرضنا أن بعض الأفراد من هذه الاُسرة الجليلة قد تفقهوا وبلغوا مستوىً رفيعاً من العلم نتيجة دراستهم في النجف الأشرف، فإنّ من الجائز أنهم أخذوا العلم وطلبوه في مكان آخر ثم استقروا في مشهد الغري.
ثالثاً: إن أحمد بن شهريار الخازن أبو النصر في طبقة متأخرة عن الشيخ الطوسي حيث يروي عن أبي جعفر الطوسي. ففي طبقات أعلام الشيعة أحمد بن شهريار الخازن أبو النصر والد أبي عبدالله محمّد بن أحمد بن شهريار الخازن للحضرة الغروية والراوي عن الطوسي(32).
كما وأنني لم أعثر على اسم أبي طاهر عبدالله الخازن بن أحمد بن شهريار في كتب الرجال المعتبرة من الطبقات والرياض والروضات وفهرست منتجب الدين وأمل الآمل. ولعل الاسم هو أبي عبدالله محمّد بن أحمد بن شهريار وهو صهر الطوسي على ابنته وتلميذه(33).
الدليل الخامس:
ذكر السيد ابن طاووس غياث الدين عبدالكريم بن أحمد(34) أن فناخسرو الملقب بعضد الدولة الّذي كان وزير الطائع لله أبو الفضل عبدالكريم العباسي عندما قام بزيارة المشهد العلوي الطاهر عام 371 هـ وتصدّق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم كان نصيب الفقراء والفقهاء، ثلاثة آلاف درهم.
فتوزيع الأموال على الفقهاء عام 371 هـ 951 م خير دليل على تواجد الفقهاء والعلماء في النجف الأشرف وتكوين الحوزة قبل وفود شيخ الطائفة عليها بنصف قرن تقريباً.
مناقشة الدليل الخامس:
كان عضد الدولة من البويهيين الشيعة الموالين لأهل البيت(عليهم السلام)، والفقهاء والمحدّثين المنتهجين لمنهج آل الرسول(عليهم السلام)، وكانوا يبذلون في هذا السبيل أموالا طائلة. يقول الدكتور حسين أمين عند ذكره لعضد الدولة (وكان ينفق كلّ جمعة عشرة آلاف درهم على الضعفاء والأرامل ويصرف كلّ سنة ثلاث آلاف دينار ثمن أحذية للحفاة من الحجاج وعشرين ألف درهم كلّ شهر لتكفين موتى الفقراء واستحدث ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء ـ إلى أن قال ـ، وكان يحب العلم والعلماء، ويجري الأرزاق على الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين والمفسرين والنحاة والشعراء والنسابين والأطباء والحُسّاب والمهندسين، وأفرد لأهل الإختصاص من العلماء والحكماء موضعاً يقرب من مجلسه(35).
ومن كان هذا عطائه كيف نقول بأنه يزور النجف الأشرف وينفق على مجموع فقرائها وفقهائها ثلاثة آلاف درهم؟!…
ولعلّ المقصود من الفقهاء علماء البلد الّذين يتصدّون للشؤون الدينية في المجتمع الإسلامي من إقامة صلاة الجماعة وإجراء عقد النكاح والتحكيم بين الناس لفضّ الخصومات، وبيان المسائل الشرعية وهم قليلون جداً.
الدليل السادس:
صدرت إجازات لنقل الحديث من عالم لآخر في مدينة النجف الأشرف وقرأت فيها روايات على بعض العلماء والمحدّثين قبل وفود الشيخ الطوسي على هذه البلدة المباركة. وإليك أمثلة على ذلك:
أولا: إن محمّد بن عليّ بن موسى بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق(رحمه الله) قد سمع من شيخه محمّد بن عليّ بن الفضل الكوفي عام 354 هـ في مشهد أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو في طريقه إلى الحج(36).
ثانياً: قال النجاشي(37) في ترجمة الحسين بن أحمد بن المغيرة (أبو عبدالله البوشنجي) كان عراقياً مضطرب المذهب وكان ثقة فيما يرويه. له كتاب «عمل السلطان» أجازنا بروايته أبو عبدالله بن الخمري (الحسين بن جعفر بن محمّد المخزومي المعروف بابن الخمري الكوفي) الشيخ الصالح في مشهد مولانا أميرالمؤمنين(عليه السلام) سنة أربعمائة عنه)(38).
فسماع الشيخ الصدوق(رحمه الله) من شيخه في مشهد أمير
المؤمنين(عليه السلام) عام 354 الهجري. وصدور الإجازة من أبي عبدالله الخمري للنجاشي في المشهد العلوي عام 400 بعد الهجرة خير شاهد ودليل على أن الحوزة العلمية كانت قائمة، والعلماء كانوا يتداولون الأبحاث العلمية والدراسات الفقهية قبل ولادة الشيخ الطوسي، حيث انه ولد عام 385 هـ 964 م وقبل أن يلقى عصا رحله في النجف الأشرف عام 448 هـ .
مناقشة الدليل السادس:
إن مجرد استحصال النجاشي لإجازة نقل الرواية من أبي عبدالله بن الخمري في الغري، واستماع الشيخ الصدوق للأحاديث من شيخه بن الفضل في المشهد العلوي(عليه السلام)، لا يكون شاهداً على أن البلد الّذي يحتضن اللقاء العلمي والفكري يكون مركزاً علمياً، ومحلا لتجمع العلماء. وذلك إننا نعثر على شخصيات علمية كبيرة التقوا بأندادهم، وتبادلوا الروايات والأحاديث المأثورة عن أهل البيت(عليهم السلام)، أو استجاز أحدهم الآخر لنقل كتاب علمي أو رواية شريفة، في أماكن لا تكون محلا للنشاط العلمي والفكري والروائي أبداً. وإليك أمثلة على ذلك:
أولا: أن أبا الحسن عليّ بن بابويه والد الصدوق المتوفى عام 329 هـ 1082 م رحمة الله عليهما، قد روى عن شيخه إبراهيم بن عمروس الهمداني في همدان(39). كما أن محمّد بن عليّ بن بابويه القمي قد كتب إجازة لفضل بن الفضل بن العباس بهمدان(40) عام 354 هـ 933 م مع أن مدينة همدان لم تكن آنذاك مركزاً للعلم والعلماء، رغم أنها حظيت بوكلاء نوّاب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه حيث كان كلّ من القاسم بن محمّد بن عليّ بن إبراهيم الهمداني ووالده محمّد وجده عليّ بن إبراهيم وكلاء لنواب الإمام المهدي(عليه السلام) في هذا البلد(41) أيام الغيبة الصغرى.
ثانياً: قرأ الشيخ الصدوق على شيخه الحسين بن محمّد الأشنائي الرازي العدل في مدينة بلخ(42). ولم نعهد في التاريخ أنّ هذه المدينة كانت محلا لتجمع العلم والعلماء وخاصة علماء الشيعة في القرن الرابع الهجري.
ثالثاً: روى جعفر بن محمّد بن إبراهيم عن أبي الحسين بحلب(43). ولم تقم شواهد تاريخية على وجود تجمع للعلماء وحوزة علمية في حلب في القرن الرابع الهجري الّذي عاش فيه جعفر بن محمّد بن إبراهيم.
وعليه نقول ان مدينة النجف الأشرف لم تتمتع بحركة علمية قبل وفود شيخ الطائفة إليها، رغم حصول بعض الإجازات لنقل الرواية، وحصول إستماع بعض الروايات من كبار العلماء والمحدّثين في مشهد إمامنا ومولانا عليّ بن أبي طالب(عليه السلام). لقد كانت ولا تزال مدينة النجف الأشرف ملتقى العلماء والمحدّثين القادمين من البلاد المختلفة وذلك ببركة مرقد إمام المتقين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، حيث أن المؤمنين وخاصّة العلماء يتهافتون على زيارة المرقد الطاهر لا سيّما في المناسبات الخاصّة ويوصون أولادهم بدفن جثمانهم عند قبر عليّ بن أبي طالب(عليه السلام). ومن الطبيعي أن تتم لقاءات كثيرة في هذا المشهد المبارك بين العلماء، وأن تصدر الإجازة من بعضهم لآخر على نقل حديث أو استماع بعضهم لقراءة حديث الآخر. كما كان الأمر كذلك في مكة لدى موسم الحج. حيث ورد في ترجمة حياة عليّ بن عثمان بن خطاب (كتب عنه أحاديث أميرالمؤمنين(عليه السلام) من المصريين والشاميين والبغداديين وغيرهم ممن حضر موسم مكة سنة 309 هـ 888 م أيام المقتدر)(44) فكلّ ذلك شاهد ودليل على أن النجف الأشرف لم تحتضن الحوزة العلمية قبل وفود الشيخ الطوسي إليها رغم اللقاءات المتكررة بين العلماء وصدور الإجازات في نقل الحديث والكتاب في هذا المشهد الكريم.
هذا كلّه بالنسبة إلى النظرية الاُولى الّتي تقول بأن النجف الأشرف كانت مدينة علم وحوزة للعلماء يقدم إليها طلاب العلوم الدينية ويدرسون فيها ويتخرجون منها. ولكننا قد ناقشنا الأدلة والشواهد المطروحة واستخلصنا من كلّ ما تقدم أنه لا يوجد دليل يدعم هذه النظرية المذكورة.
النظرية الثانية:
إن الجامعة العلمية الدينية في المشهد العلوي قد تكونت على يد شيخ الطائفة الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي بعد هروبه من فتن بغداد والنزاعات الطائفية الّتي أدّت إلى إحراق مكتبته وكرسيّه لتدريس علم الكلام ووفوده إلى النجف عام 448 هـ 1028 م. واستدل أصحاب هذه النظرية بالألة التالية.
الدليل الأول:
كانت الكوفة ناشطة في مجال العلم والحديث والفكر في القرن الثاني والثالث والرابع الهجري، وكانت مَجْمعاً للعلماء والمحدّثين، ومهوىً لطلاب العلوم الإسلامية والراغبين في الأحاديث الشريفة. ومن الصعوبة جداً أن تتاح الفرصة، وتلتئم الظروف لتأسيس مركز علمي في النجف الأشرف الواقعة على بعد كيلومترات عشرة من حوزة علمية فاعلة ونشيطة في الكوفة.
وإليك نبذة يسيرة عن تأسيس الكوفة ومركزها العلمي ورجالاتها الفكرية، ومستوى تحرّك العلماء من مختلف أرجاء العالم الإسلامي نحو هذه المدينة المباركة.
الكوفة:
اختار سعد بن أبي وقّاص عام 17 هـ 596 م أرض الكوفة للعسكر، وأنشأ مسجد الكوفة وبيوتاً للعساكر والجند. وعرفت بـ (كوفة الجند)(45) ثم نزلت القبائل فيها وتحوّلت إلى محطة تجارية كبرى بين بلاد الفرس والهند وبلاد الروم واليونان(46) ثم دخلها عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بعد الانتهاء من حرب الجمل في البصرة عام 36 هـ 615 م وجعلها عاصمة خلافته حتّى يوم استشهاده عام 40 هـ 619 م فتحوّلت (كوفة الجند) إلى (كوفة القبائل) ومن بعدها إلى (كوفة العلم والأدب)(47) لأن عدداً كبيراً من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والتابعين الحاملين للأحاديث النبوية الشريفة قد انتقلوا من المدينة إلى الكوفة. كما أن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)، أيام أبي العباس السفّاح العباسي قد حلّ في الكوفة لمدة سنتين. ففي ظل هذا العدد الكبير من المحدّثين والصحابة والتابعين ازدهر العلم وتوسعت الدراسات، وتعمقت الأبحاث وخاصّة عندما وفد عليهم الإمام الصادق(عليه السلام). يقول محمّد بن معروف الهلالي مضيت إلى الحيرة إلى جعفر بن محمّد(عليه السلام) فما كان لي فيه حيلة من كثرة الناس، فلما كان يوم الرابع رآني فأدناني وتفرّق الناس منه(48). فهذا التهافت من قبل الناس عليه، شاهد على أن عدد أهل الحديث والعلم كان كثيراً وكانوا يتحلّقون حول الإمام الصادق(عليه السلام) ويستفيدون منه. وإليك تصويراً عن الحوزة العلمية الدينية في الكوفة منذ أواسط القرن الأول حتّى أواخر القرن الثالث الهجري، وذلك من خلال التاريخ.
قال صاحب تاريخ الكوفة مستنداً إلى أوثق المصادر وخاصة طبقات ابن سعد: (إن عدداً كبيراً من صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد انتقلوا إلى الكوفة وقطنوا فيها وعدّد مائة وسبع وأربعين شخصاً:
منهم أبو مسعود الأنصاري، وسليمان بن صرد الخزاعي وخزيمة بن ثابت ومالك بن عبدالله الخزاعي و…(49).
وأورد ابن سعد في طبقاته ترجمة ثمانمائة وخمسين تابعياً ممن سكن الكوفة(50) قال الحسن بن عليّ بن زياد الوشا ـ عاش في النصف الثاني من القرن الثاني وهو من أصحاب الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) ـ لأحمد بن محمّد بن عيسى إني أدركت في هذا المسجد ـ مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد(عليه السلام)(51).
ثم ان أبان بن تغلب بن رباح الّذي يكون من أصحاب الإمام عليّ بن الحسين والإمام أبي جعفر والإمام أبي عبدالله(عليهم السلام)، قد بلغ درجة من العلم حتّى قال له الإمام الباقر(عليه السلام) (اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك). وقال فيه الإمام الصادق(عليه السلام) عندما بلغه نعيه: (أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان)(52) إن مثل هذا الرجل قد غدا نزيل كندة من الكوفة وتوفي فيها عام 141 هـ 721 م.
وعندما نلقي نظرة عابرة على (كتاب طبقات أعلام الشيعة ـ نابغة الرواة في رابعة المئات) نجد العشرات بل المئات من العلماء والمحدّثين قد عاشوا في الكوفة، ونقلوا الأحاديث الشريفة إليها وأجازوا فيها لزملائهم وتلاميذهم بالتحدّث عنها.
كما نرى بأنّ عدداً كبيراً من العلماء في القرن الرابع الهجري كانوا يتركون بلادهم ويشدّون الرحال إلى الكوفة للإستزادة من العلم والحديث، والإستماع على الرواة والمحققين. منهم على ما ذكره صاحب طبقات أعلام الشيعة في موسوعته القيمة الطبقات:
أ ـ حسن بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم العجلي وقد رآه النجاشي، بعد أن
هاجر من الري، إلى الكوفة وقال إنه من وجوه أصحابنا وأبوه وجدّه ثقتان(53).
ب ـ عليّ بن سليمان الرازي الكوفي أي رازي الأصل وكوفي المسكن(54).
ج ـ محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق المتوفي عام 381 هـ حيث قدم إلى الكوفة وسمع من شيخه حسن بن محمّد السكوني في الكوفة بعض الأحاديث(55).
د ـ هارون بن موسى التلعكبري، قد توجّه إلى الكوفة للإستفادة من كبار الفقهاء والمحدّثين مثل الحسن بن محمّد الحسن أبو القاسم السكوني الكوفي حيث سمع منه في داره بالكوفة عام 344 هـ 1067 م(56).
هـ ـ عبدالله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع أبو العباس الحميري شيخ القميين ووجههم، قدم الكوفة في نيف وتسعين ومائتين(57).
و ـ عليّ بن الحسن بن عليّ فضّال، عاش في الكوفة وكان من كبار العلماء والفقهاء في القرن الرابع على ما ذكره صاحب طبقات أعلام الشيعة. لقد قال فيه محمّد بن مسعود العباسي ما رأيت فيمن لقيت بالعراق وناحية خراسان أفقه ولا أفضل من عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال(58).
ز ـ محمّد بن الهيثم العجلي الرازي وهو من مشائخ النجاشي وقد رآه حين جاور الكوفة رغم كونه من الري(59).
ح ـ جعفر بن شهريار المعروف بأبي محمّد المؤمن. قال النجاشي شيخ من أصحابنا القميين ثقة، انتقل إلى الكوفة وبها مات 340 هـ(60).
ط ـ أحمد المعروف بابن عقدة مات بالكوفة 333 مع أنه بغدادي(61).
وعلى أي حال هذا غيض من فيض نقلناه من كتاب طبقات أعلام الشيعة لبيان وتوضيح أن مدينة الكوفة في القرن الثاني والثالث والرابع كانت تعجّ بالعلم والفكر والحديث الشريف. وفي ظلّ هذا الملتقى العلمي نشأ واحد وعشرون اُسرة علمية مثل آل أعين وبنو الياس البجلي وآل أبي شعبة الحلبيون وآل حيان و… على ما في تاريخ الكوفة وجلّهم من أصحاب الإمام الصادق والباقر(عليهما السلام) فإنهم قدموا إليها من المدينة(62).
وخلاصة الكلام بعد هذا العرض المسهب عن الكوفة وعلمها وعلمائها ومركزها الرفيع من ناحية احتوائها على عدد كبير من أصحاب الحديث والرواية، هي أن مدينة الكوفة ـ كما قلنا ـ أصبحت حوزة علمية دينية في القرن الثاني والثالث والرابع ومن الصعوبة بمكان تكوين حوزة علمية دينية اُخرى إلى جنب الاُولى على مسافة بضع كيلومترات في النجف الأشرف.
نعم قد خف النشاط العلمي في الكوفة في أواخر القرن الرابع وبداية القرن الخامس كما ألمحنا إليه من خلال الإحصاء والأرقام، وبعد مراجعة سريعة وإستقصاء مستعجل للأعلام والمحدّثين في كتب رجال النجاشي وفهرست الشيخ الطوسي ورجال الكشي ترى بأن في القرن الثاني الهجري اشتملت الكوفة على مائة وسبع وخمسين عالماً ومحدثاً. وفي القرن الثالث الهجري على مائة وواحد وثمانين رجلا فيهم العالم الفاضل والروائي الورع وفي القرن الرابع قد هبط هذا العدد إلى سبع وعشرين عالماً ومحدّثاً ولم نجد فيهم نوعية
عالية إلاّ القليل(63). بعد أن نشطت الحركة العلمية في كلّ من بغداد وقم وري وبعد ظهور أعلام كبار في هذه البلاد مثل عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه وعليّ بن إبراهيم القمي ومحمّد بن يعقوب الكليني وجعفر بن محمّد بن قولويه و…
وعليه فعندما حلّ شيخ الطائفة في النجف الأشرف أسس الحوزة العلمية الدينية فيها بعد أن كانت خالية من حلقات البحث والتدريس والاستفادة.
الدليل الثاني:
إن الأوضاع السياسية الحاكمة آنذاك في القرن الثاني والثالث والرابع لم تسمح بظهور النجف الأشرف مدينة علمية فكرية دينية لأن الخلفاء الأمويين والعباسيين كانوا يحاربون عليّاً وأولاده المعصومين(عليهم السلام). وكانوا يمنعون الناس من الالتفاف من حولهم.
إن موقف معاوية من الإمامين عليّ ونجله الحسن السبط(عليهما السلام)، وموقف يزيد بن معاوية من الإمام الحسين(عليه السلام) وموقف الأمويين والعباسيين في مطاردتهم وملاحقتهم للأئمّة المعصومين وأتباعهم وشيعتهم والبحث عنهم تحت كلّ حجر ومدر للقضاء عليهم، خير شاهد على أن السياسة الأموية والعباسية كانت متفقة على منع ظهور دور فعّال وقوي لأهل البيت(عليهم السلام) وللمدن الّتي يرقدون فيها.
فمن هذا المنطلق لم يسمح الساسة الحاكمون في العراق في القرن الثاني والثالث والنصف الأول من القرن الرابع لمدينة عليّ(عليه السلام) بالظهور بالعلم والتجمع البارز المكشوف للعلماء المعتنقين لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) حول قبورهم.
الدليل الثالث:
ما ذكره الشهيد السيد محمّد باقر الصدر رضوان الله عليه حيث قال في مقدمة كتابه (المعالم الجديدة): (إن مؤرخي هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف لم يشيروا إطلاقاً إلى أن تلامذة الشيخ الطوسي في بغداد رافقوه أو التحقوا به فور هجرته إلى النجف. وإذا لاحظنا إضافة على ذلك قائمة تلامذة الشيخ الّتي يذكرها مؤرخوه نجد أنهم لم يشيروا إلى مكان التلمذة إلاّ بالنسبة إلى شخصين جاء النص على أنهما تلمذا على الشيخ في النجف وهما الحسين بن المظفر بن عليّ الحمداني والحسن بن الحسين بن الحسن بن بابويه القمي)(64) ولو كان هناك تلاميذ وحوزة علمية في النجف لما كان جدوى في ذكر التلميذين ومكان التلمذة.
الدليل الرابع:
إن الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى قد مارس عمله العلمي في مهجره بعيداً عن حوزة علمية (وفرق كبير بين المبدع الّذي يمارس ابداعه العلمي داخل نطاق الحوزة، ويتفاعل معها باستمرار، وتواكب الحوزة ابداعه بوعي وتفتح، وبين المبدع الّذي يمارس ابداعه خارج نطاقها وبعيداً عنها)(65).
ويستشهد السيد الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه على ذلك بقوله: (ولهذا كان لابد ـ لكي يتحقق ذلك التفاعل الفكري الخلاّق ـ أن يشتد ساعد الحوزة الفتية الّتي نشأت حول الشيخ في النجف حتّى تصل إلى ذلك المستوى من التفاعل من الناحية العلمية، فسادت فترة ركود ظاهري بانتظار بلوغ الحوزة الفتية إلى ذلك المستوى، وكلف ذلك العلم أن ينتظر قرابة مائة عام ليتحقق ذلك)(66).
الدليل الخامس:
يقول السيد الشهيد الصدر: (ومما يعزز إحتمال حداثة الحوزة الّتي تكوّنت حول الشيخ في النجف، الدور الّذي أداه فيه ابنه الحسن المعروف بأبي عليّ فقد تزعم الحوزة بعد وفاة أبيه، ومن المظنون أن أبا عليّ كان في دور الطفولة أو أوائل الشباب حتّى هاجر أبوه إلى النجف، لأن تاريخ ولادته ووفاته وإن لم يكن معلوماً ولكن الثابت أنه كان حياً في سنة 515 هـ… فإذا عرفنا أنه خلف أباه في التدريس والزعامة العلمية للحوزة في النجف بالرغم من كونه من تلامذته المتأخرين في أغلب الظن استطعنا أن نقدّر المستوى العلمي العام لهذه الحوزة، ويتضاعف الاحتمال في كونها حديثة التكون)(67) فلو لم تكن الحوزة فتية، والدراسة حديثة والجامعة في أيامها الاُولى لتزعمها شخص آخر متقدم عليه في العمر والعلم.
الهوامش:
(1) الحوزة في اللغة بمعنى الناحية، وبمعنى الموضع الّذي تتخذ حواليه مسنّاة لمنعه وتحصينه ضد المياه. وتسمية الجامعة العلمية بالحوزة إمّا من جهة أن العلوم الدينية في ناحية من المدينة. أو أنها بمثابة المسنّاة الّتي تحصل بها لدى الناس المناعة والحصانة ضد الكفر والفسق.
(2) سورة التوبة، آية 124.
(3) الحاج جعفر الدجيلي من العراقيين المقيمين في بيروت عام 1980 ومن الدعاة إلى الإسلام من خلال مؤسسة دار الأضواء لطباعة الكتب الإسلامية ونشرها في العالم.
(4) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 7.
(5) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 6.
(6) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السادس ص 135.
(7) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 18.
(8) بحار الأنوار، المجلد 100 ص 237 الحديث الخامس.
(9) بحار الأنوار، المجلد 100 ص 237 .
(10) الكامل في التاريخ، المجلد الرابع، ص 154، دار الكتاب العربي بيروت.
(11) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 37.
(12) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 39.
(13) راجع كتاب، فرحة الغريين لابن طاووس.
(14) ذكرت هذه الأدلة في كتاب موسوعة العتبات المقدسة المجلد السابع ص 11.
(15) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع ص 13.
(16) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع، القسم الأول ص 175.
(17) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع، القسم الثاني ص 12.
(18) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الثاني، ص 399.
(19) النابس في القرن الخامس ص 16.
(20) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الثاني، ص 423.
(21) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الثاني، ص 424.
(22) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الثاني، ص 425.
(23) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع، ص 15.
(24) أعيان الشيعة: المجلد الخامس ص 433 ط دار التعارف بيروت.
(25) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع، القسم الثاني ص 14.
(26) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع، القسم الثاني ص 14.
(27) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع.
(28) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع.
(29) معجم رجال الحديث ـ المجلد الثاني ـ ص 14.
(30) معجم رجال الحديث ـ المجلد التاسع ـ ص 16.
(31) أعيان الشيعة ـ المجلد السابع ص 337 ط دار التعارف بيروت.
(32) النابس في القرن الخامس ص 16.
(33) النابس في القرن الخامس ص 84 .
(34) فرحة الغري، ص 113 ـ 114.
(35) دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ـ المجلد الثاني ـ ص 496 ـ دار التعارف.
(36) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع، ص 12.
(37) هو أحمد بن عليّ بن أحمد بن العباس النجاشي صاحب كتاب (رجال النجاشي) ولد عام 372 وتوفاه الله عام 450 هـ .
(38) رجال النجاشي، في ترجمة حسين بن أحمد بن المغيرة.
(39) نوابغ الرواة في رابعة المئات، طبقات أعلام الشيعة، ص 4.
(40) نوابغ الرواة في رابعة المئات، طبقات أعلام الشيعة، ص 217.
(41) أعيان الشيعة، المجلد التاسع، ص 160، طباعة دار التعارف بيروت.
(42) نوابغ الرواة في رابعة المئات، طبقات أعلام الشيعة، ص 118.
(43) نوابغ الرواة في رابعة المئات، طبقات أعلام الشيعة، ص 73.
(44) نوابغ الرواة في رابعة المئات، طبقات أعلام الشيعة، ص 192.
(45) مقدمة الشيخ محمّد رضا المظفر على تاريخ الكوفة للبراقي.
(46) تاريخ الكوفة، للسيد حسين البراقي، ص 147.
(47) مقدمة الشيخ محمّد رضا المظفر على تاريخ الكوفة للبراقي.
(48) تاريخ الكوفة للبراقي ص 425.
(49) تاريخ الكوفة للبراقي ص 397.
(50) تاريخ الكوفة للبراقي ص 410 و424.
(51) معجم رجال الحديث ـ المجلد الخامس ـ ص 35.
(52) معجم رجال الحديث ـ المجلد الأول ـ ص 144.
(53) طبقات أعلام الشيعة، نوابغ الرواة في رابعة المئات ص 40.
(54) طبقات أعلام الشيعة، نوابغ الرواة في رابعة المئات ص 186.
(55) طبقات أعلام الشيعة، نوابغ الرواة في رابعة المئات ص 100.
(56) طبقات أعلام الشيعة، نوابغ الرواة في رابعة المئات ص 98.
(57) طبقات أعلام الشيعة، نوابغ الرواة في رابعة المئات ص 153.
(58) طبقات أعلام الشيعة، نوابغ الرواة في رابعة المئات ص 306.
(59) طبقات أعلام الشيعة، نوابغ الرواة في رابعة المئات ص 313.
(60) طبقات أعلام الشيعة، نوابغ الرواة في رابعة المئات ص 70.
(61) طبقات أعلام الشيعة، نوابغ الرواة في رابعة المئات ص 46.
(62) تاريخ الكوفة: للبراقي.
(63) حصلنا على هذه الأرقام من خلال الكمبيوتر المطبوع فيه أعلام الرجال من الكتب التالية: رجال النجاشي، فهرست الطوسي، رجال الكشي، طبقات أعلام الشيعة، الفوائد الرضوية، معجم رجال الحديث وتاريخ بغداد للخطيب.
(64) المعالم الجديدة للاُصول، ص 64، طباعة دار التعارف.
(65) المعالم الجديدة للاُصول، ص 66، طباعة دار التعارف.
(66) المعالم الجديدة للاُصول، ص 66، طباعة دار التعارف.
(67) المعالم الجديدة للاُصول، ص 65، طباعة دار التعارف .
را بط :
http://www.haydarya.com/maktaba_moktasah/21/book_29/01.htm