واجب الأمّة الإسلاميّة تجاه ازمة التّكفير

المؤلف :آحمد شفيعي نيا

التحديات المعاصرة،تحديات الأعداء المعاصرة،الدور المتبادل بين المقاومة والأمة،دعم الأمة الإسلامية للمقاومة،وجوب المقاومة إزاء الاعتداء على دار الإسلام، الموجز التمهيد التحديات المعاصرة اقترنت ولادة دين الإسلام منذ أوّل يوم بموجة من التحديات المتبادلة بين أنصاره وخصومه. وكانت هذه المواجهة في الأيام الأولى محدودة في منطقة ظهور هذا الدين في الجزيرة، ولكن لم يمض على ظهور الإسلام في الجزيرة العربية خمسون عاماً، حتّى اتّسعت دائرة هذه التحديات، بحيث شملت كلّ الحضارات والكيانات السياسية والحضارية القائمة يومئذ على وجه الأرض. ثمّ امتدّت هذه التحديات على امتداد العصور، عصراً بعد عصر على مساحة الأرض كلّها بين انصاره وخصومه. التحدي الإسلامي الكبير كانت كلمة (لا إله إلاّ الله) هي التحدي الكبير الذي رفعه الإسلام في أوساط الجاهلية. فقد تضمّنت هذه الكلمة بشطريها أوسع تغيير، وهدم وبناء في حياة الانسان السياسية والثقافية. تضمّن الشطر الأوّل من هذه الكلمة: الغاء كلّ سيادة وحاكميّة على وجه الأرض في جميع انحاء حياة الانسان من تشريع وتنفيذ وقضاء. وتضمّن الشطر الثاني أيضاً حصر الحاكمية والسيادة والسلطة في حياة الانسان في الله سبحانه وتعالى في المجالات الثلاثة. تحديات الأعداء المعاصرة لقد أدرك أئمّة الجاهلية يومئذ هذا العمق العجيب لهذه الكلمة فلم يتردّدوا في إعلان الحرب بوجه هذا الدين، ومواجهته ومقارعته بكلّ الوسائل والتحديات الممكنة لهم يومئذ. ولمّا عمّ الإسلام الجزيرة العربية وغيرها، وأرغم كل العناصر الذين حاربوا هذا الدين على الدخول في حوزته واعلان المبايعة لسلطانه، تحوّل مكر أعدائه وتحدياتهم إلى حالات جديدة، وفي المساحات أوسع وأكثر. الاحتلال لقد تجاوز العالم الإسلامي عصر الغزو العسكري المباشر، بعد مصيبة ومعاناة طويلة لهذه الأمة مع الغزو العسكري الكافر، وعانت منها هذه الأمة طويلا، وكافحته بعناء وعذاب، فغيّر المحتلّ الكافر منهجه، وتطوّرت أساليب الاستعمار لدول الاستكبار العالمي في المنطقة الاسلامية من الاحتلال العسكري المشهود إلى الاحتلال اللامرئي، من خلال السيطرة على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي والعسكري في البلاد المحتلة، ومن خلال الأنظمة الحاكمة التي كانت تقوم بتنفيذ سياسات دول الاستكبار العالمي، من خلال آليات سياسية واقتصادية معقّدة تؤدّي إلى هذه النتيجة بعلم وإرادة من هذه الأنظمة. نعم المناطق المحتلّة من قبل إسرائيل من الأراضي الفلسطينية واللبنانية لاتزال خاضعة للغزو الصهيوني المباشر، ولايزال العالم الاسلامي في معرض خطر تهاجم الاعداء العسكرية كالازمة التى ابتلت بها اليوم الشعب المظلوم فى السوريا. إذن، فإنّ مصيبة الأمّة الاسلاميّة مع الاحتلال في كلا صورتيه من الغزو العسكرية المباشرة، وغير المباشر، مصيبة طويلة; لاتنتهي. فلابدّ لنا من المصير إلى الاعداد والتخطيط الميداني للمقاومة، واشاعة ثقافتها في جميع أنحاء العالم الاسلامي; لأنّ مقاومة الاحتلال الموجود، ودفعاً لما نحسَّ به من مخاطر الاعداء، تحتاج الأمّة الاسلاميّة إلى جهد اسلامي شامل، ينهض به كلّ مسلم ومسلمة في جميع البلدان الاسلاميّة، شيعي وسنّي، ومن منطلق التكليف الشرعي. ولايخفى أنّ هناك تحديات أخرى نواجهها من قبل الاعداد لاسيّما الغربيين كالعولمة التي تحتاج إلى مقاومة تتناسبها قوةً وحجماً. مفردات المشروع الاسلامي لمواجهة التحديات لسنا هنا بصدد طرح المشروع الاسلامي لمواجهة التحديات، فهو حديث يطول، وبحاجة إلى جهد فكريّ، وتأمّل ودراسة كثيرة، ليس هنا موضع حاجته، ولكن نشير إلى مفردات هذا المشروع فالنأخذ مفردة المقاومة بالبحث والدراسة الفقهية. وأمّا المفردات التي هي العناصر المقوّمة لأيّ مشروع ثقافي سياسي لمواجهة التحديات الحاضرة التي تحدق بالعالم الاسلامي يمكن تجميعها في أربعة مجاميع: أ ـ المفردات التربوية الثقافية. ب ـ المفردات الحركيّة. ج ـ المفردات السياسية. د ـ المفردات الاقتصادية والعلميّة. المقاومة مفردة عامّة وإن كان كلّ من هذه المجاميع تتمثّل في أفرادها تختلف عمّا تتمثّل فيه الأخرى ولكن مفردة المقاومة بمالها من معنى واسع تتدخّل في جميع هذه المجاميع وهي ما نسمّيها اليوم بالمقاومة المسلّحة، والمقاومة السياسية والاعلامية، والمقاومة الاقتصادية، والمقاومة الثقافية، بل وغير ذلك ممّا يمكن أن نقاوم العدوّ به. والأمّة من دون المقاومة ريشة في مهبّ الرياح، وخشبة عائمة على أمواج السياسة والاعلام، والحياة صراع، والطرف الذي يبقى في ساحة الصراع ليس هو الطرف الأقوى غالباً، بل هو الطرف الأكثر مقاومة، والشواهد التاريخية على هذه الحقيقة كثيرة، ومن التاريخ المعاصر نشير إلى: * انتصار الشعب الإيراني المسلم على حكومة الطاغية بهلوي. * وانتصار الشعب الافغاني المسلم على حكومة الاتحاد السوفيتي المحتلّ. * وانتصار الشعب العراقي المسلم على حكومة الطاغية صدام. * وانتصار شباب الجنوب في لبنان على اسرائيل. * ومقاومة ثورة الحجارة وصمودها في وجه اسرائيل([i][1]). وهذه حقيقة هامّة يجب أن يعيها المسلمون اليوم في وجه العدوان والاحتلال الغربي، والمدجّج بالسلاح، والمجهّز بأعتى قوة عسكرية على وجه الأرض، والمدعوم باوسع اعلام سياسي في العالم. إنّ المواجهة المصيريّة بين المسلمين من جانب، واعداء الاسلام من جانب آخر، هو قَدَر هذه الأمّة في هذه الفترة من تاريخها، ونحن المسلمون بحكم أنّنا أمة واحدة نحتاج إلى وعي وبصيرة للحقيقة التي يؤكّدها القرآن في أكثر من موقع، على أنّها وظيفة اسلامية، لا شعبية ولا مذهبية. ونحن الآن نريد أن ندرس هذه الحقيقية القرآنية، والمهمّة الإسلامية، دراسة فقهيّة، لنقف على أنّها وظيفة عامّة للمسلمين، وانجع وسيلة للوصول إلى اتحاد العالم الاسلامي. الدور المتبادل بين المقاومة والأمّة إنّ كلّ ظاهرة اجتماعيّة كما تتولّد من فعل أوردّ فعل أفراد المجتمع فرديّاً وغير فردي، كذلك المجتمع نهائياً يتأثر من الظاهرة المتولّدة منه. فهذه المقاومة التي تحدّثنا عنها ظهرت نتيجة وعي ديني ونهضة جماعي، بهدف الدفاع عن الاسلام عندما تتعرّض لخطر المحو من قبل الأنظمة والحكومات الملحدة والكافرة، وعن المسلمين تجاه هجوم الكفار على بلاد المسلمين ومحاولة السيطرة عليها، وعن نظام العدل والأمن في المجتمع الإسلامي تجاه البغي والاستبداد الذي يهدّد العدل والأمن، وعن المظلومين والمستضعفين عندما يفقدون القدرة على المقاومة، والحركة مع ارادتهم للحرية، وعن النفس والعرض والمال عندما يتعرّض الانسان الى التهديد والخطر. هذا، ومن جانب آخر، أنّ المقاومة بمالها من المكانة الدينية العالية، والجذور الاجتماعية الأصيلة، والمخاطرات التي تخلقها أمام النظامات الكافرة، والحكومات الطاغية المستبدة، لها دور عظيم، وتأثير اعجازي في ايجاد الحركات الثورية، وإنهاض الأمّة بأسرها لمواجهة الأخطار، وتقديم مسيرتها في هذه المواجهة. وما للأمّة الإسلاميّة من المجد والعزّة لم تكن لتتحصّل عليها إلاّ في ظلّ المقاومة. ولولاها لاحتلّ العدو جميع بلادنا الإسلاميّة، وقضى على الإسلام وأهله; لأنّ هدفه الأساسي هو محاولة محو الإسلام، وبسط نفوذه على اصقاع البلاد الإسلامية ليسيطر على ثرواتها ومنافعها. وأمّا الآن نريد أن ندرس دور الأمّة الايجابي والسلبي بعد أن ظهرت المقاومة وحدثت، في استدامتها أو اضمحلالها; لأنّ لمساهمة الأمّة واسنادها ودعمها للمقاومة، له أثر كبير في تحقيق أهداف المقاومة في اقامة الحق، والعدل، والاستقلال، والعزّة، والكرامة، والحرية، والوصول إلى النصر والحفاظ على الهوية الأصيلة الاسلامية. كما أن مسامحة الأمة وغفلتها وإعراضها عن المقاومة، تقضي عليها، وتبترها عن الوصول إلى نتائجها الكبيرة التي بدونها لايمكن ايجاد مجتمع اسلامي مستقل. دعم الأمّة الإسلاميّة للمقاومة ربما لايتوفّر للانسان أن يكون في الصفّ الأوّل من العمل الجهادي، فيكون مقاوماً سياسياً أو قتالياً بنفسه، ولكن يمكن أن يكون له دور اساسي آخر في المقاومة، وهو الدعم والاسناد للمقاومة. فإنّ هناك عدّة أنواع من الدعم يمكن للأمّة أن تقدّمها للمقاومة وهي: الأوّل: الدعم المعنوي: وهو أن تعرّف الأمة الاسلامية المقاومة للناس بمضمونها الإسلامي، وأهدافها المقدّسة الانسانية، كما يمكن أن تعرّفها باشخاصها، بصمودهم، وصبرهم، وتضحياتهم، وإيمانهم بالله تعالى، وقيامهم بواجبهم الشرعية، وأنّ هؤلاء ينطلقون من هذه المنطلقات الاسلاميّة الأخلاقيّة الانسانيّة، ولاينطلقون من المصالح الخاصّة، أو من أجل التسلّط على رقاب الآخرين، أو الوصول إلى مطامعهم الدنيويّة. وأن تعرّف الأمة الاسلامية المقاومة بحقيقتها الجهادية، وأنّها قامت بالدفاع عن حقّها الواجبة المسلوبة، وعن شعبها المظلوم المستضعف، تجاه ظلم وعدوان الآخرين، وليست حركة ارهابيّة كما عرّفها الأعداء بها، بل على الأمّة فضح مخطّطات العدو المتجاوز، المحارب تجاه المقاومة، وما أحدثه من الظلم والقتل ضدّ الأبرياء والضعفاء الذين لايرون لأنفسهم حيلة ولا مسرحاً. إذن فعلى الأمة توضيح الحقائق للجميع، لاسيما للاوساط الخاصّة المؤثّرة في حركة الأمّة التي بيدها امكانات وقدرات، لتدافع عن المقاومة بدلا من الدفاع عن العدو المعتدي المحتلّ. الثاني: الدعم المادي: وهذا يتحقق في عدة محاور: 1 ـ القتال: وهو أن نساهم المقاومين بالقتال ضدّ العدو المحارب. 2 ـ الدعم المالي: بأن نقدّم من أموالنا شيئاً لدعم المقاومة، ورفع حوائجها. 3 ـ تقديم الملجأ: ليلجأ إليه المقاومون في الأحيان تحتاج المقاومة أو أفرادها إلى الملجأ. أدلّة وجوب دعم المقاومة عندما نتناول دراسة فقهية لمثل هذه الموضوعات الحسّاسة ذات العلاقة بالأمة الاسلامية في أصقاع البلاد الاسلاميّة، لانريد الاستغراق في القضيّة السياسيّة وحدها، بل نريد معرفة الموقف الشرعي والاسلامي تجاه مثل هذه القضايا الرئيسيّة والاساسيّة; لأنّ الإسلام دين له رؤية وموقف تجاه جميع الأحداث والقضايا التي تعيشها الساحات الانسانيّة، ولاسيما الإسلاميّة التي تعرّضت لهجمة الأعداء المتجاوزين، وأحتلّها الأعداء المحاربون الغاصبون. ففي ما يأتي نشير إلى الأدلّة الدالّة على وجوب دعم المقاومة على الأمة الاسلاميّة وحكوماتها إزاء أحداث مؤلمة حدث في البلاد الإسلاميّة التي وقعت مورداً لهجمة الأعداء. وهو في حين يذبح ويقتل الآلاف والملايين من المسلمين المظلومين، تتعرّض نواميسهم للهتك، وأموالهم للنهب، وبلادهم للتخريب والتدمير، نرى بعض الدول الاسلاميّة، لايتكلّمون ولو بكلمة ليغيظ بها العدوّ، بل يستقبلون الأعداء المتجاوزين كأنّهم ابطال، فلندرس أدلّة دالة على وجوب دعم المقاومة على جميع الأمة الاسلاميّة وحكوماتها ونظاماتها. الدليل الاول: وجوب الدفاع عن دار الإسلام تمهيدات 1 ـ أثر الحرب في تقسيم الدنيا تعتبر قضيّة الأرض أو الدار التي ينطلق منها القتال ضدّ العدو على قدر كبير من الأهميّة; وذلك لأنّ الأحكام الشرعيّة تختلف نظراً لنوعيّة الأرض، فما يجوز في هذه الأرض قد لايجوز في غيرها. فنرى جمهور فقهاء المسلمين يقسّمون الدنيا إلى دارين: دار اسلام ودار حرب، ويعتبرون للحرب اثراً في هذا التقسيم; حيث يتغيّر وصف الدار تبعاً لحالة الفتح من انتصار أو هزيمة بين المسلمين أو غيرهم. والذي يهمّ بالذكر: أنّ الإسلام لايعترف من تقسيمه العالم إلى دارين، بانقسامه الى دول متعدّدة ذات سيادة وقانون مختلف، فمع أنّ الإسلام مقرّ بوجود دول مختلفة في هذا العالم من الناحية الواقعيّة، لكنّه يرى الجميع محكوماً بحكم الإسلام، ومجريً لأحكامه الساميّة. 2 ـ تحديد مصطلحي دار الإسلام ودار الحرب أ ـ دار الإسلام ولعلّ أوّل من استعمل مصطلح دار الإسلام هو خالد بن الوليد لأهل الحيرة، حيث قال: «وجعلت لهم (أي أهل الذمة) ايّما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدّقون عليه، طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين وعياله، ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام»([ii][2]). ولقد عرّفه الفقهاء بتعاريف زبدتها هي: أنّ كلّ ما دخل من البلاد في محيط سلطان الإسلام، ونفذت فيها أحكامه، واقيمت شعائره، ويأمن من فيها بأمان المسلمين، سواء أكانوا مسلمين أو ذمّيين. فدار الإسلام تضمّ جميع البلاد الإسلاميّة، فتدخل فيه جزيرة العرب والبلاد التي افتتحها المسلمون، والتي تخضع لسيادة الاسلام وسلطانه وتسري فيها النُّظَم الاسلامية([iii][3]). وكما بيّن ابن تيمية: «بلاد الإسلام كلّها بمنزلة البلدة الواحدة»([iv][4]). ب ـ دار الحرب وأمّا دار الحرب، فهي كلّ مكان لاتطبق فيها أحكام الإسلام الدينيّة والسياسيّة لوجودها خارج نطاق السيادة الإسلاميّة، ولايوجد بينها وبين المسلمين عهد أو ميثاق. وتسمّى عند الإباضية «دار الشرك» لجريان الأحكام الشركيّة فيها، ويقابلها عندهم «دار التوحيد»، والمستفاد من الجميع: أنّها دار تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة([v][5]). وجوب المقاومة إزاء الاعتداء على دار الإسلام إذا استولى الكفّار على بقعة من دار الاسلام، واعتدوا عليها وجب على المسلمين أن يدافعوا عنها وجوباً كفائياً بقدر الحاجة وإلاّ فوجوباً عينيّاً، رجالا ونساءً، صغاراً وكباراً، أصحّاء ومرضى، ولايجوز تمكين غير المسلمين من دار الإسلام، ويأثم جميع المسلمين إذا تركوا المقاومة مع قدرتهم عليها، حتّى لو استولى الكفار عليها لايرفع عنهم وجوب القتال لاستردادها وإن طال الزمان، ويجب تطهيرها من الأجنبي الدخيل. وهناك نشير إلى جملة من كلمات بعض الفقهاء. قال كاشف الغطاء: «رابعها: الجهاد لدفعهم عن بلدان المسلمين وقراهم وأراضيهم، واخراجهم منها بعد التسلّط عليها، واصلاح بيضة الاسلام بعد كسرها، واصلاحها بعد ثلمها، والسعي في نجاة المسلمين من أيدي الكفرة الملاعين. ويجب على المسلمين الحاضرين والغائبين ـ إن لم يكن في الثغور من يقوم بدفعهم عن أرضهم ـ أن يتركوا عيالهم وأطفالهم وأموالهم، ويهاجروا إلى دفع أعداء الله من أولياء الله. فمن كان عنده جاه بذل جاهه، أو مال بذل ماله، أو سلاح بذل سلاحه، أو حيلة أو تدبير صرفها في هذا المقام; لحفظ بيضة الاسلام وأهل الاسلام عن تسلّط الكفرة اللئام. وهذا القسم أفضل أقسام الجهاد، وأعظم الوسائل الى ربّ العباد، وأفضل من الجهاد لردّ الكفّار الى الاسلام، كما كان في أيّام النبي (عليه وآله أفضل الصلاة والسلام). ومن قتل في تلك الأقسام يقف مع الشهداء يوم المحشر، والله هذه هو الشهيد الأكبر»([vi][6]). قال الشيخ محمد حسن النجفي: «وقد تجب المحاربة على وجه الدفع من دون وجود الإمام ولا منصوبة، كان يكون بين قوم يغشاهم عدوّ يخشى منه على بيضة الإسلام، أو يريد الاستيلاء على بلادهم، أو أسرهم وأخذهم مالهم»([vii][7]). فنرى أنّه ذكر البلاد الإسلاميّة بجانب بيضة الإسلام في عداد ما يجب المحاربة دفعاً عنها يشير إلى أنّ البلاد بنفسها أخذت على نحو الموضوع في وجوب الدفاع. وإليك نماذج من النصوص الأخرى لاعلام أهل السنة: ففي شرح الأزهار: «لا خلاف في كونه ]الجهاد[ فرض عين إذا قصد الكفّار ديار المسلمين»([viii][8]). وعن النووي: «الضرب الثاني: الجهاد الذي هو فرض عين، فإذا وطئ الكفّاربلدة للمسلمين أو أطلوا عليها ونزلوا بها قاصدين ولم يدخلوا، صار الجهاد فرض عين»([ix][9]). وعن آخرين كالحجاوي والشربيني: «الحال الثاني: من حال الكفّار أن يدخلوا بلدة لنا مثلا، فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين»([x][10]). وقال الدمياطي: «يتعيّن الجهاد، أي يكون فرض عين،… إذا دخلوا بلدنا، أي: بلدة من بلاد المسلمين، ومثل البلدة القرية»([xi][11])، وقال القاساني: «إذا عمّ النفير: بأن هجم العدوّ على بلد، فهو فرض عين يفترض على كلّ واحد من آحاد المسلمين ممّن هو قادر عليه»([xii][12]). ملاحظة: مدار الحكم، خوف صيرورة دار الاسلام دار حرب ولايخفى على الخبير بفقه الجهاد، أنّ المهمّ في وجوب حفظ دار الاسلام هو الخوف على بيضة الإسلام، بأن لاتعطّل الأحكام الشرعية والشعائر الإسلامية، بحيث انقلبت دار الإسلام دار كفر أو دار شرك، أو دار حرب على مختلف التعابير. وهنا نشير الى كلمات بعض الفقهاء، ليتضح الأمر أكثر وضوح. قال الشيخ محمد حسن النجفي: «نعم، قد يمنع من الوجوب ]وجوب الحرب[،بل قد يقال بالحرمة لو أراد الكفّار ملك بعض بلدان الإسلام، أو جميعها في هذه الأزمنة من حيث السلطنة مع ابقاء المسلمين على إقامة شعائر الإسلام، وعدم تعرّضهم في أحكامهم بوجه من الوجوه; ضرورة عدم جواز التغرير بالنفس من دون اذن شرعيّ، بل الظاهر اندراجه في النواهي عن القتال في زمن الغيبة مع الكفّار في غير مااستثني… نعم لو أراد الكفّار محو الإسلام، ودرس شعائره، وعدم ذكر محمّد (صلى الله عليه وآله) وشريعته، فلا اشكال في وجوب الجهاد حينئذ ولو مع الجائر، لكن بقصد الدفع عن ذلك لا اعانة السلطان الجائر»([xiii][13]). وقال الدسوقي: «بلاد الاسلام لاتصير دار حرب بمجرّد استيلائهم عليها، بل حتّى تنقطع إقامة شعائر الإسلام عنها، وأمّا ما دامت شعائر الإسلام، أو غالبها قائمة فيها، فلاتصير دار حرب»([xiv][14]). الدليل الثاني: وجوب نصرة المظلوم مبدء نصرة المظلوم مبدء نصرة المظلوم والدفاع عن حقوق الانسان من المبادئ التي يحكم بوجوبه العقل والفطرة الانسانيّة، وهذا ممّا جاء به القرآن الكريم في كثير من آياته، حيث قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ…)([xv][15]) فأمر سبحانه بالعدل والاحسان، ونهى عن العدوان على كرامة الانسان ونفسه وماله وعرضه، ولايخفى من ظهور مادّة الأمر في الوجوب، ومادّة النهي في الحرمة. وهذه مهمّة يجب تحقيقها على كلّ مسلم ومسلمة يعتقد بالقرآن الكريم، بل بحكم العقل والفطرة يجب على كل انسان في المجتمع أن يقوم بهذه المهمّة. والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الداعي إلى هذه المبادئ الانسانيّة، نراه يعمل على الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم، كفرد في المجتمع، وكنبي مبلّغ للرّسالة، وكحاكم منفّذ للشريعة والقانون. فيوماً يحضر حِلف الفضول كفرد من مجتمع ـ وقد جاوز العشرين ـ لأنّه لم يكن إلاّ تجمّعاً انسانيّاً تنادت فيه المشاعر الانسانيّة، لنصرة المظلوم، لم تحدّثه سلطات، ولا قوى دوليّة، بل أنشأته قوى اجتماعيّة بدوافع انسانيّة. وفي موقع آخر يجسّد تلك المبادئ سلوكاً وعملا، والرسول يومها نبيّ يحمل الدعوة الى الناس، وينادي فيهم: «بالعدل قامت السموات والأرض»([xvi][16]). وجوب الدفاع عن المظلوم في القرآن قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَتُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً)([xvii][17]) تقريب الدلالة ظاهر الآية التوبيخ على ترك القتال، والاشعار بأنّ لزومه مرتكز في عقولهم وفطرتهم، ولعلّ قوله تعالى: (فِي سَبِيلِ اللّهِ) يراد به بسط التوحيد، واعلاء كلمة الإسلام، وقوله تعالى: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) يراد به الدفاع عن القسط والعدالة عند الهجوم، فاشتملت الآية أيضاً على الجهاد الابتدائي والدفاعي معاً([xviii][18]). هذا، ومن جهة أخرى حثّ على القتال في سبيل المستضعفين من بني الانسان، وسمّاه قتالا في سبيل الله([xix][19])، فهذا دليل على وجوب نصرة المظلوم مسلماً كان أو غير مسلم، وبعبارة أخرى هذا دليل على أنّه واجب عقلي وفطري، لاتختصّ بالمسلمين في قبال الآخرين منهم. وكما قلنا أن القرآن الكريم أيضاً يؤكّد على مبدء نصرة المظلوم، والدفاع عن حقوق الانسان، فيطلب من المسلمين بحكم أنّهم مسلم الجهاد في سبيل الله، ويطلب منهم أيضاً بحكم أنّهم انسان الدفاع عن المستضعفين المظلومين، غير مقيّد إيّاه بشيء، الذي نفهم منه وجوب الدفاع عن جميع المظلومين في أصقاع العالم. فكأنّها، حماية المظلوم، والدفاع عنه في مقابل عدوان الظالمين مبدء من مبادئ الإسلام الساميّة يجب العمل به، فالإسلام لايرضى للمسلمين أن يسكتوا أمام ظلم الظالمين في أنحاء العالم. واليوم نرى نتيجة لغفلة المسلمين ورؤساؤهم، كثرة هجمات الاعداء يوماً فيوماً على الإسلام والمسلمين، واحتلال البلدان الإسلامية كقدس الشريف وغيرها، والآلاف من الآلام والأذى يلحقها الأعداء بالمسلمين، وما هذه إلاّ ثمار مُرّ نتجتها غفلة المسلمين وحكوماتهم عن الدفاع عن المظلوم قبال الظلم والعدوان. هذا وقد ناصر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) خزاعة على قريش في هدنة الحديبية بعد أن استنصروا به. ولايخفى من عدم كون هذه الحالة تدخّلا في شؤون الغير; لأنّها دفاع عن الحق وعن الانسانيّة، وازهاق للباطل الذي يحكم به العقل والفطرة، وما هذا إلاّ لكون نصرة المظلوم من المبادئ الانسانية، وهي أحد مبادئ الاسلام أيضاً، كما نرى التصريح بها في حديث عبدالرحمن بن عون، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «شهدت حلف بني هاشم وزهرة وتيم، فما يسرّني أن نعطيه وليّ حمر النعم، ولو دعيت له اليوم لأجبت على أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأخذ المظلوم من الظالم»، وفي ما روي عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «انصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً»، فقال الرجل: يارسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً، كيف أنصره؟ قال: «تحجزه، أو تمنعه من الظلم، فإنّ ذلك نصره»([xx][20]). الدليل الثالث: وجوب المناصرة لمن يطلبها من المسلمين أفتى الفقهاء بوجوب دفاع كلّ شخص عن نفسه وماله وعرضه ودينه، الذي يسمى الأوّل والثاني والثالث بالدفاع الشخصي الذي يبحث عنه في كتاب الحدود، والأخير منها بالمقاومة في سبيل الله، وفي هذا الدفاع يكتفي بما أمكن فالأمكن. فمثلا لو اندفع الخصم بالصياح اقتصر عليه، وإن لم يندفع عوّل على اليد، فإن لم تغن فبالعصا، فإن لم تكف فبالسلاح. ثم ذهب بعضهم إلى عدم البعد في وجوب الدفاع عن المؤمن وماله وعرضه إذا امكن ذلك ولم يتوجّه إلى المدافع ضرر، ولاسيّما إذا استغاث به لقول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): «من سمع رجلا ينادي: يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»([xxi][21]). آراء الفقهاء عن العلاّمة الحلي: «ولو قدر على الدفع عن غيره فالأقوى الوجوب مع أمن الضرر، ويجب اعتماد الأسهل، فأن اندفع الخصم بالكلام اقتصر عليه، ولو لم يندفع فله ضربة بأسهل ما يعلم أنّه يندفع به،… ولو افتقر في الضرب إلى العصا ساغ له، فإن لم يكف جاز السلاح، ويذهب دمه هدراً، سواء كان جرحاً أو قتلا، وسواء كان الدافع حرّاً أو عبداً، وكذا المدفوع. ولو قتل الدافع كان شهيداً وضمنه المدفوع». ونحوه عن الفاضل الهندي([xxii][22]) وعن صاحب الجواهر أيضاً لكنّه يستشكل في الكيفية المرتبة قائلا: «مقتضى اطلاق النصوص عدم الترتيب المذكور، خصوصاً في المحارب، واللّص المحارب والمطلع على عيال غيره، بل مطلق الدفع، فإن لم يكن اجماعاً أمكن المناقشة فيه، بل لعل السيرة على خلافه»([xxiii][23]). عن محمّد بن أحمد الشربيني: «(وقيل يجب) الدفع عن غيره (قطعاً); لأنّ له الإيثار بحقّ نفسه دون غيره، وبه جزم البغوي وغيره، وفي مسند أحمد: «من أذلّ عنده مسلم فلم ينصره وهو قادر أن ينصره أذلّه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة،… (ويدفع الصائل بالأخف) فالأخف إن أمكن…»([xxiv][24]). الدليل الربع: تحريم مناصرة المقاومة يضعّف الإسلام النهي عن القاء المودة إلى الأعداء وممّا لايخفى على من له اطّلاع بالأنباء، وخبرة بما في نفوس الأعداء من الحيل والفتن: أنّ الاجتهاد في مسألة مناصرة المقاومة، أو تحريم مناصرتها، لها أبعاد سياسيّة يجب ألاّ تخفى على الفقيه المجتهد. ومن ذلك تسعى الأعداء إلى مجتمعات إسلاميّة خاليّة عن المقاومة، والوعي الإسلامي، وبالتالي خالية عن الإسلام من خلال القضاء على المقاومة الجهاديّة; لأنّ المقاومة الجهادية تتمثّل ضغطاً يحول بينهم وبين ما يريدون بعد تخاذل الحكام الإسلاميّة واعلامهم: أنّهم لن يدخلوا حرباً مع إسرائيل، بل ما رأينا من بعض الدول الإسلاميّة من تخذيلهم المقاومة عمليّاً من الافتاء بتحريم مناصرة حزب الله، ورميهم بأنّهم فرقة كافرة، مع أنّ عدم التكفير مقدّم على التكفير، لأنّ خطأ المجتهد في تكفير المسلم أشدّ من حكمه على الابقاء على الإسلام، وأنّ المقرّ بالتوحيد والرسالة وهو من أهل القبلة فهو مسلم. وما هذه جميعاً إلاّ تخذيل للمقاومة الإسلاميّة، واعزاز للأعداء، وهو لايجوز بأيّ حال من الأحوال، ولايحكم به أيّ عالم من أيّ مذهب من المذاهب الإسلامية; لأنّه مخالفة صريحة للقرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَتَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)([xxv][25]) وفي معناها آيات أخرى كثيرة([xxvi][26]). ولايخفى كما نصّ عليه فقهاء الفريقين من ظهور النهي في الحرمة، لاسيّما مع هذه التأكيدات المصرّحة بها في الآية الكريمة، فنراهم يفتون بتحريم الوصية لهم، أو الوقف عليهم، أو ما شاكلهما; لأنّ الجميع نوع محبّة لهم. فقال المحقق ا لبحراني: «وأنت خبير بما فيها من التسجيل على النهي عن المودّة لهم على أبلغ درجة وآكده، ولاريب أنّ الوصية لهم نوع محبة كما لايخفى» وأيضاً قال: «ولاريب أنّ الوقف عليه ]الكافر[ إنّما ينشئ من المحبّة والمودّة، وهو موكّد لها، والحال أنّه منهي عن المودّة التي نشأ منها الوقف»([xxvii][27]). وعن الإمام أحمد المرتضى: «الحاصل من ذلك أنّ موالاة الكافر، وموالاة الفاسق فسق مطلقاً، أي سواء انضمّ إليها معاداة المؤمنين أم لا»([xxviii][28]). نعم إن كان مراده من الموالاة، هي التلبّس بما لبسه الكفار اعتقادياً فهو، وإلاّ فتصرح الآية: (وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) أي قد عدل من الحق، وجاز عن طريق الرشد، وفي الآية دليل على أنّ مرتكب الكبيرة لايخرج عن الإيمان كما أنّ حاطب بن أبي بلتعة الذي نزلت فيه الآية لم يقل أحد بأنّه خرج من الإيمان([xxix][29]). وعن الشيخ الطوسي: «تجده تعالى ما أخبر أنّه عدوّنا إلاّ لعلمه تعالى بأنّنا لانعاديهم بمعاداته تعالى وحده لنقص ديننا وإيماننا، فقال: وعدوّكم حتّى لايبقى لنا عذر في محبّتهم وهو كلام نفيس»([xxx][30]). تنبيهات حول الاستدلال بالآيات 1 ـ التعبير بعدوّى وعدوّكم وممّا ينبغي للمسلمين أن يلاحظوه بالدقة هو تعبير الآية عن الذين نهت عن القاء المودة اليهم بعدوّ الله وعدوّ المسلمين هو بيان لشدّة عداوتهم بحيث لايرضون عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم الكافرة، وإنّما عبّر عنهم في الآيات الأخرى باليهود والنصارى، ولم يعبّر بأهل الكتاب في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَتَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء)([xxxi][31]); وذلك لما في التعبير بأهل الكتاب من الاشعار بقربهم من المسلمين نوعاً من القرب يوجب إثارة المحبّة فلايناسب النهي عن اتّخاذهم أولياء، وأمّا ما في هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَتَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء)([xxxii][32])، من وصفهم بإيتائهم الكتاب مع النهي عن اتخاذهم أولياء فتوصيفهم باتخاذ دين الله هزواً ولعباً يقلّب حال ذلك الوصف من المدح إلى الذم، فلذا اردفهم بالكافرين([xxxiii][33]). 2 ـ الجمع بين هذا النهي ومداراة الكفّار إلى هنا قلنا: بأنّ الإسلام لشدّة اهتمامه باستقلال المسلمين، ومجدّهم وعزّهم، وأن لايستولي عليهم الكفّار، أو يستغلّوهم، أو يجدوا عليهم سبيلا للاضرار بهم ولو باتّخاذهم الحيل كالتظاهر بالصداقة والتعطف، نهى عن تولّي الكفار واتّخاذهم بطانة، وعن القاء أيّ مودّة إليهم، ولكن هذا لاينافي مداراة الكفار، ودعوتهم إلى الإيمان، والبرّ والاحسان إليهم، وتأليف قلوبهم ليرغبوا في الإسلام، كما هو أحد مصارف الزكاة الواجبة، ولكن جميع ذلك إذا كان فيه مصلحة الإسلام والمسلمين، مع رعاية جانب الاحتياط. فلذا نرى في الآيات التي نهت عن تولّي الكفّار يقول سبحانه وتعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْم بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ)([xxxiv][34]) وأيضاً قال في سورة الممتحنة في الآيات التالية لآية الناهية عن القاء المودة الى الكفار: (لاَيَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)([xxxv][35]). هذا، وقد عاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشركي مكة ويهود المدينة ونصارى نجران وغيرهم. بل أحكام أهل الذمّة والمعاهدات العديدة في الشرع المقدس دليل على هذا المقال. 3 ـ حكم حالة التقيّة بعد أن نهى الله تعالى عن اتّخاذ عدوّه وعدوّ المسلمين وليّاً، وعدم القاء المودّة اليهم، استثنى منه مقام التقيّة فقال سبحانه وتعالى: (لاَّيَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْء إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ)([xxxvi][36])، ففي مقام التقيّة، إلقاء المودّة اليهم واتّخاذهم أولياء جائز بعد أن كان منهيّاً عنه بحسب حكمه الأوّل، ولاشكّ أنّ المراد من «تقاة» هنا التقيّة وهما بمعنى واحد، بل قرء بعضهم كالحسن والمجاهد «تقية». وقال الطبرسي: «والمعنى: إلاّ أن يكون الكفّار غالبين والمؤمنين مغلوبين، فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم ولم يحسن العشرة معهم، فعندئذ يجوز إظهار مودّتهم بلسانه ومداراتهم تقية منه ودفعاً عن نفسه من غير أن يعتقد»([xxxvii][37]). ونحوه عن الجصّاص في قوله: «يعني أن تخافوا تلف النفس وبعض الأعضاء فتتقوهم باظهار الموالاة من غير اعتقاد لها، وهذا هو ظاهر ما يقتضيه اللّفظ وعليه الجمهور من أهل العلم»([xxxviii][38]). نعم: هذا الحكم من جواز مداراة الكفّار عند الخوف يختصّ بالجهاد الابتدائي، وأمّا المقاومة الجهادية كما قلنا، أنّها لايشترط فيها شيء ممّا هو شرط في الجهاد الابتدائي; لأنّها مقاومة في قبال اعتداء العدوّ فيجب على الجميع التضحية بانفسهم لدفع الخطر عن الإسلام والمسلمين وبلادهم، ونهاية ما يشترط في المقاومة هي القدرة على المقاومة، والمراد بها هي القدرة الشرعيّة التي شرط عام لعامّة التكاليف الشرعيّة. فالمقاومة إزاء العدو والتنفر عنه في العقيدة والعمل واجب شرعاً حتّى ينتهي عن عدوانه واعتدائه([xxxix][39]). لفت نظر حول الأماكن المقدسة إنّا وإن قلنا بعدم الخصوصية في البلدان الاسلامية، بل المعيار هو الدفاع عن بيضة الإسلام، ولكن لاينبغي التأمّل في أنّ الشارع قد جعل بعض الأقاليم الجغرافيّة بقاعاً متبركة، ومنطقة حرام. فلم يسمح للكفّار أن يدخلوها ولو بالامتيار والاجتياز كالمساجد ومنها المسجد الحرام ومسجد النبي مع ما فيها من اختلاف الأقوال والفتاوي. أو منع استيطان الكفّار واقامتهم فيها بشكل مطلق كجزيرة العرب مع ما فيها من الاختلاف في تحديد حدودها. ولعل العلاقة الموجودة بين هذه الأماكن المقدسة، (ومثلها الأشياء والأشخاص والازمنة المقدسة، كالقرآن الكريم، والله تبارك وتعالى ونبيّه، والاشهر الحرم ونحوها) وبين الشريعة الحنفيّة هي العلّة في التحريم والمنع. فإهانة هذه المقدّسات، وهتك حرمتها، وعدم رعاية مالها من الشؤون والأحكام في الحقيقة هتك للشريعة الاسلامية; وذلك لأن هتكها يؤل الى هتك الشريعة التي يجب حفظها عمّا يضرّها. فالالتزام بهذا الحكم يوجب على المسلمين الدفاع والتضحية بانفسهم وبذل اموالهم لدفع الكفّار عن هذه البلدان المقدّسة ولو لم ينجرّ الى صيرورتها دار حرب. تلخيص المقال اقترنت ولادة دين الإسلام منذ أوّل يوم بموجة من التحديات المتبادلة بين أنصاره وخصومه. وكانت هذه المواجهة في الأيام الأولى محدودة في منطقة ظهور هذا الدين في الجزيرة، ولكن لم يمض على ظهور الإسلام في الجزيرة العربية خمسون عاماً، حتّى اتّسعت دائرة هذه التحديات، بحيث شملت كلّ الحضارات والكيانات السياسية والحضارية القائمة يومئذ على وجه الأرض. ثمّ امتدّت هذه التحديات على امتداد العصور، عصراً بعد عصر على مساحة الأرض كلّها بين انصاره وخصومه. كانت كلمة (لا إله إلاّ الله) هي التحدي الكبير الذي رفعه الإسلام في أوساط الجاهلية. فقد تضمّنت هذه الكلمة بشطريها أوسع تغيير، وهدم وبناء في حياة الانسان السياسية والثقافية. ولقد أدرك أئمّة الجاهلية يومئذ هذا العمق العجيب لهذه الكلمة فلم يتردّدوا في إعلان الحرب بوجه هذا الدين، ومواجهته ومقارعته بكلّ الوسائل والتحديات الممكنة لهم يومئذ. ولمّا عمّ الإسلام الجزيرة العربية وغيرها، وأرغم كل العناصر الذين حاربوا هذا الدين على الدخول في حوزته واعلان المبايعة لسلطانه، تحوّل مكر أعدائه وتحدياتهم إلى حالات جديدة، وفي المساحات أوسع وأكثر. لقد تجاوز العالم الإسلامي عصر الغزو العسكري المباشر، بعد مصيبة ومعاناة طويلة لهذه الأمة مع الغزو العسكري الكافر، وعانت منها هذه الأمة طويلا، وكافحته بعناء وعذاب، فغيّر المحتلّ الكافر منهجه، وتطوّرت أساليب الاستعمار لدول الاستكبار العالمي في المنطقة الاسلامية من الاحتلال العسكري المشهود إلى الاحتلال اللامرئي، من خلال السيطرة على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي والعسكري في البلاد المحتلة، ومن خلال الأنظمة الحاكمة التي كانت تقوم بتنفيذ سياسات دول الاستكبار العالمي، من خلال آليات سياسية واقتصادية معقّدة تؤدّي إلى هذه النتيجة بعلم وإرادة من هذه الأنظمة. إذن، فإنّ مصيبة الأمّة الاسلاميّة مع الاحتلال في كلا صورتيه من الغزو العسكرية المباشرة، وغير المباشر، مصيبة طويلة لاتنتهي. فلابدّ لنا من المصير إلى الاعداد والتخطيط الميداني للمقاومة، واشاعة ثقافتها في جميع أنحاء العالم الاسلامي; لأنّ مقاومة الاحتلال الموجود، ودفعاً لما نحسَّ به من مخاطر الاعداء، تحتاج الأمّة الاسلاميّة إلى جهد اسلامي شامل، ينهض به كلّ مسلم ومسلمة في جميع البلدان الاسلاميّة، شيعي وسنّي، ومن منطلق التكليف الشرعي. ومفردة المقاومة بمالها من معنى واسع تتدخّل في جميع المجاميع وهي ما نسمّيها اليوم بالمقاومة المسلّحة، والمقاومة السياسية والاعلامية، والمقاومة الاقتصادية، والمقاومة الثقافية، بل وغير ذلك ممّا يمكن أن نقاوم العدوّ به. والأمّة من دون المقاومة ريشة في مهبّ الرياح، وخشبة عائمة على أمواج السياسة والاعلام، والحياة صراع، والطرف الذي يبقى في ساحة الصراع ليس هو الطرف الأقوى غالباً، بل هو الطرف الأكثر مقاومة. ونحن المسلمون بحكم أنّنا أمة واحدة نحتاج إلى وعي وبصيرة للحقيقة التي يؤكّدها القرآن والسنة في أكثر من موقع، على أنّها وظيفة اسلامية، لا شعبية ولا مذهبية. ونحن الآن نريد أن ندرس هذه الحقيقية القرآنية، والمهمّة الإسلامية، دراسة فقهيّة، لنقف على أنّها وظيفة عامّة للمسلمين، وانجع وسيلة للوصول إلى اتحاد العالم الاسلامي. دعم الأمّة الإسلاميّة للمقاومة ربما لايتوفّر للانسان أن يكون في الصفّ الأوّل من العمل الجهادي، فيكون مقاوماً سياسياً أو قتالياً بنفسه، ولكن يمكن أن يكون له دور اساسي آخر في المقاومة، وهو الدعم والاسناد للمقاومة. فإنّ هناك عدّة أنواع من الدعم يمكن للأمّة أن تقدّمها للمقاومة وهي: الأوّل: الدعم المعنوي: وهو أن تعرّف الأمة الاسلامية المقاومة للناس بمضمونها الإسلامي، وأهدافها المقدّسة الانسانية، كما يمكن أن تعرّفها باشخاصها، بصمودهم، وصبرهم، وتضحياتهم، وإيمانهم بالله تعالى، وقيامهم بواجبهم الشرعية، وأنّ هؤلاء ينطلقون من هذه المنطلقات الاسلاميّة الأخلاقيّة الانسانيّة، ولاينطلقون من المصالح الخاصّة، أو من أجل التسلّط على رقاب الآخرين، أو الوصول إلى مطامعهم الدنيويّة. وأن تعرّف الأمة الاسلامية المقاومة بحقيقتها الجهادية، وأنّها قامت بالدفاع عن حقّها الواجبة المسلوبة، وعن شعبها المظلوم المستضعف، تجاه ظلم وعدوان الآخرين، وليست حركة ارهابيّة كما عرّفها الأعداء بها. الثاني: الدعم المادي: وهذا يتحقق في عدة محاور لسنا حاليا بصدد بيانها. أدلّة وجوب دعم المقاومة عندما نتناول دراسة فقهية لمثل هذه الموضوعات الحسّاسة ذات العلاقة بالأمة الاسلامية في أصقاع البلاد الاسلاميّة، لانريد الاستغراق في القضيّة السياسيّة وحدها، بل نريد معرفة الموقف الشرعي والاسلامي تجاه مثل هذه القضايا الرئيسيّة والاساسيّة; لأنّ الإسلام دين له رؤية وموقف تجاه جميع الأحداث. ففي ما يأتي نشير إلى الأدلّة الدالّة على وجوب دعم المقاومة على الأمة الاسلاميّة وحكوماتها إزاء أحداث مؤلمة حدث في البلاد الإسلاميّة التي وقعت مورداً لهجمة الأعداء. الدليل الاول: وجوب الدفاع عن دار الإسلام ان جمهور فقهاء المسلمين يقسّمون الدنيا إلى دارين: دار اسلام ودار حرب. والذي يهمّ بالذكر: أنّ الإسلام لايعترف من تقسيمه العالم إلى دارين، بانقسامه الى دول متعدّدة ذات سيادة وقانون مختلف، فمع أنّ الإسلام مقرّ بوجود دول مختلفة في هذا العالم من الناحية الواقعيّة، لكنّه يرى الجميع محكوماً بحكم الإسلام، ومجريً لأحكامه الساميّة. فإذا استولى الكفّار على بقعة من دار الاسلام، واعتدوا عليها افتي الفقهاء الاسلامی بوجب على المسلمين أن يدافعوا عنها وجوباً كفائياً بقدر الحاجة وإلاّ فوجوباً عينيّاً، رجالا ونساءً، صغاراً وكباراً، أصحّاء ومرضى، ولايجوز تمكين غير المسلمين من دار الإسلام، ويأثم جميع المسلمين إذا تركوا المقاومة مع قدرتهم عليها، حتّى لو استولى الكفار عليها لايرفع عنهم وجوب القتال لاستردادها وإن طال الزمان، ويجب تطهيرها من الأجنبي الدخيل. الدليل الثاني: وجوب نصرة المظلوم مبدء نصرة المظلوم والدفاع عن حقوق الانسان من المبادئ التي يحكم بوجوبه العقل والفطرة الانسانيّة، وهذا ممّا جاء به القرآن الكريم في كثير من آياته، حيث قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ…)([xl][40]) فأمر سبحانه بالعدل والاحسان، ونهى عن العدوان على كرامة الانسان ونفسه وماله وعرضه، ولايخفى من ظهور مادّة الأمر في الوجوب، ومادّة النهي في الحرمة. وهذه مهمّة يجب تحقيقها على كلّ مسلم ومسلمة يعتقد بالقرآن الكريم، بل بحكم العقل والفطرة يجب على كل انسان في المجتمع أن يقوم بهذه المهمّة. والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الداعي إلى هذه المبادئ الانسانيّة، نراه يعمل على الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم، كفرد في المجتمع، وكنبي مبلّغ للرّسالة، وكحاكم منفّذ للشريعة والقانون. فيوماً يحضر حِلف الفضول كفرد من مجتمع ـ وقد جاوز العشرين ـ لأنّه لم يكن إلاّ تجمّعاً انسانيّاً تنادت فيه المشاعر الانسانيّة، لنصرة المظلوم، لم تحدّثه سلطات، ولا قوى دوليّة، بل أنشأته قوى اجتماعيّة بدوافع انسانيّة. وفي موقع آخر يجسّد تلك المبادئ سلوكاً وعملا، والرسول يومها نبيّ يحمل الدعوة الى الناس، وينادي فيهم: «بالعدل قامت السموات والأرض»([xli][41]). فاوجب سبحانه وتعالی الدفاع عن المظلوم في قرآنه حيث قال: (وَمَا لَكُمْ لاَتُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً)([xlii][42]) الدليل الثالث: وجوب المناصرة لمن يطلبها من المسلمين أفتى الفقهاء بوجوب دفاع كلّ شخص عن نفسه وماله وعرضه ودينه، الذي يسمى الأوّل والثاني والثالث بالدفاع الشخصي الذي يبحث عنه في كتاب الحدود، والأخير منها بالمقاومة في سبيل الله. ثم ذهب بعضهم إلى عدم البعد في وجوب الدفاع عن المؤمن وماله وعرضه إذا امكن ذلك ولم يتوجّه إلى المدافع ضرر، ولاسيّما إذا استغاث به لقول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): «من سمع رجلا ينادي: يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»([xliii][43]). الدليل الربع: تحريم مناصرة المقاومة يضعّف الإسلام وممّا لايخفى على من له اطّلاع بالأنباء، وخبرة بما في نفوس الأعداء من الحيل والفتن: أنّ الاجتهاد في مسألة مناصرة المقاومة، أو تحريم مناصرتها، لها أبعاد سياسيّة يجب ألاّ تخفى على كل مسلم فضلا عن كل فقيه مجتهد. ومن ذلك تسعى الأعداء إلى مجتمعات إسلاميّة خاليّة عن المقاومة، والوعي الإسلامي، وبالتالي خالية عن الإسلام من خلال القضاء على المقاومة الجهاديّة; فما نري من بعض الدول الإسلاميّة من تخذيلهم المقاومة عمليّاً من الافتاء بتحريم مناصرة حزب الله، ورميهم بأنّهم فرقة كافرة، مع أنّ عدم التكفير مقدّم على التكفير، لأنّ خطأ المجتهد في تكفير المسلم أشدّ من حكمه على الابقاء على الإسلام، وأنّ المقرّ بالتوحيد والرسالة وهو من أهل القبلة فهو مسلم. وما هذه جميعاً إلاّ تخذيل للمقاومة الإسلاميّة، واعزاز للأعداء، وهو لايجوز بأيّ حال من الأحوال، ولايحكم به أيّ عالم من أيّ مذهب من المذاهب الإسلامية; لأنّه مخالفة صريحة للقرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَتَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)([xliv][44]) وفي معناها آيات أخرى كثيرة([xlv][45]). ( ) التحديات المعاصرة ومشروع المواجهة الاسلامية (مع تصرف): 25 ـ 42 و77 ـ 105. ( [2]) مجلّة الشريعة والدراسات الاسلاميّة 57: 356، الخراج لأبي يوسف: 144. ( [3]) آثار الحرب في الفقه الاسلامي: 169، بدائع الصنائع 7: 130، حاشية ابن عابدين 3: 253، المبسوط للسرخسي 10: 114. ( [4]) مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية 57: 356. ( [5]) آثار الحرب في الفقه الإسلامي: 171. ( [6]) كشف الغطاء 2: 381. ( [7]) جواهر الكلام 21: 14. ( [8]) شرح الازهار 4: 526. ( [9]) روضة الطالبين 7: 416. ( [10]) الحجاوي 2: 212، الشربيني 4: 219. ( [11]) اعانة الطالبين 4: 206. ( [12]) البدائع والصنائع 7: 98. ( [13]) جواهر الكلام 21: 47. ( [14]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2: 188. ( [15]) النحل: 90. ( [16]) عوالي اللئالي 4: 103، الفتح السماوي 3: 1020، فيض القدير شرح فتح القدير 2: 314، التفسير الأصفى 2: 1241، تفسير ابن عربي 2: 242، عجائب الآثار 1: 14، الأسرار الفاطمية: 150. ( [17]) النساء: 75. ( [18]) دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الاسلامية 1: 116، 212، 710، نظام الحكم في الإسلام: 426، فقه السنّة 2: 614. ( [19]) الفتاوي الواضحة: 592. ( [20]) آثار الحرب في الإسلام: 93، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 2: 28، الايمان والكفر: 102، مقارنة الأديان للإسلام: 198. ( [21]) الكافي 5: 164 ح5، تقريرات الحدود والتعزيرات لآية الله الگلپايگاني: 173. ( [22]) تحرير الأحكام 5: 385، كشف اللثام 10: 649. ( [23]) جواهر الكلام 41: 651. ( [24]) مغني المحتاج 4: 196. ( [25]) الممتحنة: 1 و2. ( [26]) آل عمران: 118، 119، النساء: 144: 149، 150، المائدة 51، 52، 57. ( [27]) الحدائق الناضرة 22: 523 و194، بلغة الفقيه 4: 127، تعوق أهل الذمّة في الفقه الإسلامي: 31. ( [28]) شرح الأزهار 4: 596. ( [29]) العهود المحمديّة: 584. ( [30]) التبيان 9: 577. ( [31]) المائدة: 51. ( [32]) المائدة: 57. ( [33]) الميزان (مع تصرف) 5: 372. ( [34]) النساء: 90. ( [35]) الممتحنة: 8. ( [36]) آل عمران: 28. ( [37]) القواعد الفقهيّة لمكارم الشيرازي 1: 391، مجمع البيان 2: 354. ( [38]) أحكام القرآن 2: 12. ( [39]) الصهيوني هو العدو الأكبر ممّا ثبت على أرض الواقع أنّ مجموعات من السنّة تحارب مع حزب الله في لبنان، ومع اختلافهم الشديد في بعض الاعتقاديّات والأفكار والمرجعيّات، اتّحدت كلمتهم من تأجيل الخلاف والاتّحاد ضدّ العدو الصهيوني. فليس من الفقه ولا من الشرع أن يقال: إنّ المشروع الشيعي أكبر خطراً على الأمة الإسلاميّة من المشروع الصهيوني، فالشيعة كما قلنا سابقاً من الأمة الإسلاميّة (لاعتقادهم بالتوحيد والرسالة، وصلاتهم إلى قبلة المسلمين وما اليها)، مع الخلاف بينهم وبين أهل السنّة، هذا من جانب. ومن آخر، القرآن وإن اعتبر اليهود أهل كتاب، لكنّه فرّق بينهم، فجعل اليهود أشدّ عداوة للمؤمنين من النصارى، فقال سبحانه وتعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَيَسْتَكْبِرُونَ). (المائدة: 82). بل نرى القرآن الكريم سمّى المسلمين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولايوادّون من حادّ الله ورسوله بحزب الله كما قال سبحانه وتعالى: (لاَتَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِْيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوح مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). (المجادلة: 22). ولايخفى على الخبير المنصف من أنّ أقصى سعى حزب الله في لبنان هو المقاومة ضدّ العدو الصهيوني الذي لايفكر إلاّ في محو الإسلام عن أساسه، وتدمير بلاد المسلمين وقتلهم، وهل هذا إلاّ أنّه العدوّ الأكبر للمسلمين في أقصى البلاد الإسلاميّة، فكيف يتّهمون المقاومة بأنّها من الفرقة الكافرة، ولا أدري كيف تدافع فرقة كافرة لحفظ الإسلام، وحفظ مجتمعات المسلمين عن المحو والتدمير؟! ( [40]) النحل: 90. ( [41]) عوالي اللئالي 4: 103، الفتح السماوي 3: 1020، فيض القدير شرح فتح القدير 2: 314، التفسير الأصفى 2: 1241، تفسير ابن عربي 2: 242، عجائب الآثار 1: 14، الأسرار الفاطمية: 150. ( [42]) النساء: 75. ( [43]) الكافي 5: 164 ح5، تقريرات الحدود والتعزيرات لآية الله الگلپايگاني: 173. ( [44]) الممتحنة: 1 و2. ( [45]) آل عمران: 118، 119، النساء: 144: 149، 150، المائدة 51، 52، 57 معلومات الكتاب: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية