RT :
أثار توقيع اتفاقية للدفاع الاستراتيجي المشترك بين المملكة العربية السعودية وباكستان، تساؤلات عربية حول إمكانية انضمام دول عربية جديدة لهما لمواجهة تحديات المنطقة تحت مظلة نووية.

تعليقات إسرائيلية وغربية على أثر اتفاق الدفاع السعودي-الباكستاني
ووقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك خلال زيارة رسمية لشريف إلى المملكة، لتعلن أن “أي عدوان على أحد البلدين يعتبر عدوانا على الآخر”، مما يشكل تطورا هاما في التعاون الأمني بين الدولتين اللتين تربطهما روابط إسلامية وتاريخية عميقة.
ووصف الخبير العسكري والمستشار بكلية القادة والأركان المصرية اللواء أركان حرب أسامة كبير، الاتفاقية السعودية الباكستانية بأنها: “امتداد للعلاقات الوثيقة بين السعودية وباكستان” وبمثابة “نقلة في مسارات التعاون العسكري والأمني بينهما حتى أنها تعتبر أن أي عدوان على أحد البلدين يعتبر عدوانا على الآخر.
وقال الخبير العسكري المصري في حديثه لـ RT Arabic إن العلاقات بين السعودية وباكستان تمتد إلى أكثر من سبعة عقود، حيث كانت السعودية أول الدول التي اعترفت بباكستان بعد استقلالها في أغسطس 1947، وفي عام 1951، وقع البلدان “معاهدة الصداقة” التي وضعت الأساس للتعاون الاستراتيجي والسياسي والعسكري والاقتصادي.
ومنذ توقيع “معاهدة الصداقة” بين السعودية وباكستان تطورت الشراكة لتشمل جوانب أمنية متقدمة، حيث تدربت القوات السعودية لدى الجيش الباكستاني منذ عام 1967، وتم تدريب أكثر من 8000 جندي سعودي حتى الآن، وفي عام 1982 عزز البلدان تعاونهما عبر اتفاقية تضمن “إرسال عناصر من القوات المسلحة الباكستانية وتدريب عسكري” في السعودية، مما أدى إلى إجراء تمارين مشتركة منتظمة مثل “السَمْسَام”.
وأوضح المستشار بكلية القادة والأركان أن توقيع الاتفاقية جاء في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة في قطر الأسبوع الماضي، الذي أثار مخاوف الدول الخليجية من تراجع الضمانات الأمنية الأمريكية، والذي يعد “استمرارا لتوسع بقعة الصراع في المنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة” وذلك منذ أكتوبر 2023.
ووفقا لبيان مشترك صادر عن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني والمملكة العربية السعودية تهدف الاتفاقية إلى “تطوير جوانب التعاون الدفاعي وتعزيز الردع المشترك ضد أي عدوان”، كما أكدت أنها “تعكس التزام البلدين المشترك بتعزيز الأمن وتحقيق السلام في المنطقة والعالم”.
وأشار الخبير العسكري إلى ان تلك الخطوة جاءت في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتعدد مراكز القوة، حيث باتت المنطقة تشهد سباقاً لبناء منظومات دفاعية جديدة وتحالفات تتجاوز الأطر التقليدية، حيث تنص الاتفاقية على أن أي اعتداء على أحد البلدين يعتبر اعتداء على كليهما، مما يعكس التزام البلدين بتعزيز أمنهما.
وتوقع الخبير الاستراتيجي أن تنضم دول عربية جديدة لهذا الاتفاق مع دولة باكستان في ظل ما يربطها من علاقات متميزة في مختلف المجالات، ضاربا مثالا بمصر التي يربطها تعاون وثيق مع دولة باكستان عسكريا واقتصاديا وتجاريا، وفي ظل وجود علاقات قوية بين القيادة السياسية في البلدين، في ظل التهديدات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، وتوسع بقعة الصراع بسبب السياسات والممارسات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وتسأل اللواء كبير، عن لماذا لا يتم تشكيل تحالف عسكري كبير بين مصر والسعودية وباكستان وتركيا باعتبارهما أكبر القوى العسكرية في الدول العربية والإسلامية في ظل تزايد التهديدات التي تواجه العالم العربي والإسلامي، مشيرا إلى أنه في حال حدوث هذا التحالف الكبير سيغير رسم الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حيث يعزز من قوة التحالف الإسلامي أمام التهديدات الإقليمية.
تحول استراتيجي في موازين القوى
من جانبه يرى أستاذ القانون الدولي الدكتور أيمن سلامة أن الاتفاقية تجسّد تحولا استراتيجياً عميقا في موازين القوى بالشرق الأوسط، في ظل التوترات المتصاعدة والتوسع العسكري الإسرائيلي، وأنها تأتي كخطوة مفصلية لردع أي عدوان محتمل، معززةً بذلك الأمن الإقليمي للبلدين، معتبرا هذه الشراكة ليست وليدة اللحظة، بل ترتكز على تاريخ طويل من التعاون العسكري، حيث قدّمت القوات المسلحة الباكستانية دعما دفاعيا للسعودية منذ استقلال باكستان.
وأكد خبير القانون الدولي المصري في حديثه لـ RT Arabic أن القوة الحقيقية لهذه الاتفاقية تكمن في الرادع النووي الباكستاني، وأن القوة النووية الباكستانية تمثل حجر زاوية في هذه الشراكة في ظل منطقة مليئة بالصراعات، إذ توفر للسعودية مظلة حماية غير مباشرة ضد التهديدات الخارجية، خاصة في ظل النص الصريح على أن “أي عدوان على إحدى الدولتين يعد عدواناً عليهما كلتيهما”، معتبرا هذا النص يبعث برسالة واضحة وقوية لأي طرف يفكر في تهديد مصالح أي منهما.
واعتبر الدكتور سلامة هذه الاتفاقية بمثابة تحالف استراتيجي من الناحية الجيوسياسية، يهدف إلى مواجهة التحديات المتغيرة، وأنها ليست مجرد اتفاقية دفاعية، بل هي تعبير عن رؤية مشتركة للأمن والاستقرار الإقليمي، حيث تدمج السعودية، كقوة اقتصادية وعسكرية إقليمية، مع باكستان، كقوة عسكرية ونووية.
واختتم خبير القانون الدولي حديثه بأن هذه الاتفاقية تخلق توازنا جديدا، وتقلل من فرص التصعيد غير المحسوب، وبمثابة دليل على أن التحالفات الدفاعية في العصر الحديث تتجاوز الحدود التقليدية، وتعكس حاجة الدول لضمان أمنها في بيئة مضطربة، وتؤكد على أن الردع الاستراتيجي سواء كان تقليدياً أو نوويا يبقى الأداة الأقوى للحفاظ على السلام.
المصدر: RT