القاهرة- “القدس العربي” :
تشهد مباحثات القاهرة مع صندوق النقد الدولي تعثراً بسبب بطء الحكومة المصرية في تنفيذ شروط برنامج الإصلاح الاقتصادي، خاصة شرطي التخارج من ملكية الشركات العامة، وإلغاء الدعم.
وأعلنت مديرة الاتصال في صندوق النقد الدولي، غولي كوزاك، الجمعة، أن المدفوعات المقررة لمصر لن تُصرف إلا بعد إتمام إجراءين إصلاحيين، دون أن تفصح عن ماهيتهما.
ويشكل هذا القرار تحديا جديدا للحكومة المصرية التي تقع بين متطلبات الصندوق وضغوط الواقع الاجتماعي والاقتصادي الداخلي، خاصة مع استمرار تحديات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
وكانت كوزاك قالت إن كل إجراء يرتبط بدفعة قدرها نحو 137 مليون دولار، على أن يتم تقييمهما خلال المراجعة الأولى للبرنامج في الخريف المقبل، بالتزامن مع المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج تسهيل الصندوق الممدد.
وربط الصندوق صرف 274 مليون دولار لمصر، ضمن برنامج الصلابة والاستدامة، بتنفيذ إجراءين إصلاحيين يتمثلان فى اتخاذ خطوات جديدة وحاسمة ببرنامج الطروحات الحكومية، وخفض دعم الوقود الذي ستنظر فيه لجنة تسعير المنتجات البترولية الشهر المقبل.
وتعتزم الحكومة خفض دعم المواد البترولية (بنزين وسولار) خلال العام المالي المقبل 2025-2026 بنسبة 51.4% إلى 75 مليار جنيه، مقابل 154.4 مليار جنيه في السنة المالية الحالية 2024-2025.
وتخطط الحكومة لرفع أسعار الوقود خلال العام الجاري ليتم رفع الدعم نهائيا بنهاية ديسمبر 2025، وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي المُبرم مع صندوق النقد الدولي بقرض بقيمة 8 مليارات دولار.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في مؤتمر الحكومة الأسبوعي، أن الحكومة تتبع نهجا متدرجا في إصلاح قطاع الطاقة، لافتا إلى أن الزيادات في أسعار المواد البترولية ستتم بشكل تدريجي حتى نهاية العام، مع استمرار دعم السولار في إطار هذه الإصلاحات.
وأعلنت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في بيان سابق، أنه تم تعديل دورية انعقادها لتصبح نصف سنوية بدلًا من ربع سنوية.
وكان آخر اجتماع للجنة قد انعقد في 11 أبريل/ نيسان الماضي، ما يعني أن الاجتماع المقبل سيكون خلال الأسبوع الأول من الشهر المقبل.
وكانت الحكومة أعلنت في وقت سابق عن نيتها جمع مليارات الدولارات من بيع حصص في قطاعات الطاقة والخدمات والبنوك، لكن التقدم ظل محدوداً، ما دفع الصندوق للربط المباشر بين هذه الخطوة وصرف الدفعات المستقبلية.
ويتزامن ذلك مع مساعٍ حكومية للاكتفاء بالبرنامج الحالي المقرر أن ينتهى فى أكتوبر/ تشرين الأول 2026، بدون التفاوض على برنامج جديد مع الصندوق.
وتستعد الحكومة لإطلاق رؤية اقتصادية تمتد حتى عام 2050 تحت عنوان “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية”، على أن يُكشف عن تفاصيلها خلال الأيام المقبلة وتُطرح للحوار المجتمعي لمدة شهرين قبل إقرارها بنهاية العام.
وتوصلت الحكومة فى مارس/ آذار 2024، لاتفاق مع صندوق النقد لزيادة برنامج الدعم من 3 إلى 8 مليارات دولار، ما مكّنها من جذب تمويلات واستثمارات ساهمت فى دعمها للخروج من الأزمة الاقتصادية منذ مطلع 2022، وصرف الصندوق لمصر 1.2 مليار دولار في مارس الماضي بعد إتمام المراجعة الرابعة لبرنامج تسهيل الصندوق الممدد، ليرتفع إجمالي ما حصلت عليه القاهرة إلى 3.2 مليار دولار.
وبعد الكشف عن تعثر المفاوضات مع الصندوق، اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس السبت، مع مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وحسن عبدالله، محافظ البنك المركزي، والفريق أحمد الشاذلي، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون المالية.
وبحسب بيان للرئاسة، فإن الاجتماع تناول مستجدات تعزيز أداء القطاع المصرفي، والجهود المبذولة لزيادة الحصيلة الدولارية، ولاسيما من الموارد المحلية، إلى جانب إطلاع السيسي على المؤشرات الخاصة بتدعيم احتياطات الدولة من النقد الأجنبي.
وذكر السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، أن السيسي تابع خلال الاجتماع تطورات جهود خفض معدلات التضخم، والإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تنفذها الحكومة في إطار تحسين المؤشرات المالية والاقتصادية، كما تابع تطور الديْن الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبحسب المتحدث باسم الرئاسة، فإن محافظ البنك المركزي بيّن أن تلك النسبة تعتبر ضمن المستويات الآمنة، مؤكدًا في ذات السياق أن الموارد المحلية من العملة الأجنبية سجلت مستوى قياسيًا خلال شهر أغسطس/ آب الماضي، بما يكفل تغطية كافة الالتزامات المحلية وتحقيق فائض فعلي.
وبيّن المتحدث الرسمي أن الرئيس أكد أهمية التركيز على زيادة مستويات الاحتياطي من النقد الأجنبي، وتلبية الاحتياجات التمويلية اللازمة لتعزيز الجهود التنموية، مع الاستمرار في إتاحة الموارد الدولارية بشكل كافٍ بما ينعكس بصورة إيجابية على توفير مخزون مُطمئن من السلع المختلفة، والعمل على خفض المديونية الخارجية، كما أكد ضرورة الاستمرار في العمل بنظام سعر صرف مرن.
وأعلنت الحكومة المصرية، الأربعاء الماضي، أنها لا تعتزم رفع أسعار الكهرباء في هذه المرحلة “في إطار جهودها للسيطرة على معدلات التضخم، وتجنب أي زيادات إضافية في الأسعار قد تثقل كاهل المواطنين”.
ويأتي هذا القرار في وقت يشهد فيه التضخم السنوي بالمدن المصرية تراجعا للشهر الثالث على التوالي ليسجل 12%، وهو أدنى مستوى منذ مارس/ آذار 2022، مدفوعا بانخفاض أسعار المواد الغذائية والمشروبات التي تمثل المكون الأكبر في سلة السلع والخدمات نتيجة تباطؤ وتيرة ارتفاع أسعار الأسماك ومنتجات الألبان والخضروات، إلى جانب انخفاض معدل تضخم السلع غير الغذائية بمقدار 2.2 نقطة مئوية.
ويتزامن قرار تثبيت أسعار الكهرباء مع اقتراب موعد الاجتماع السادس للجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري في 2 أكتوبر/ تشرين الأول، والمقرر أن يحسم توجهات أسعار الفائدة بعد سلسلة من التخفيضات التي بلغت 5.25% منذ بداية العام، ليصل سعر عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية إلى 22.00% و23.00% و22.50% على التوالي، ويعكس هذا التوجه توازنًا بين الحفاظ على استقرار الأسعار ودعم النشاط الاقتصادي، في ظل مساعي الدولة لتعزيز الانضباط المالي وتخفيف الضغوط التضخمية.
وأثار قرار صندوق النقد ردود فعل حملت الحكومة المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية وتدخل صندوق النقد في السياسات الاقتصادية المصرية.
وقال الكاتب والأديب عمار علي حسن، إن صندوق النقد الدولي يطالب الحكومة المصرية الآن برفع سعر الوقود، والأفدح هو تسريع بيع أصول الدولة. وهكذا، وكلما حان موعد سداد قرض أو فوائده، تبيع الدولة لحمها الحي، حتى لا يبقى منه شيء.
وأضاف: “كان بوسعنا تجنب هذا المسار المُهلك بعدم الإفراط في الاقتراض، وكان يمكن تخفيف الأثر، وتحويل العبء إلى ميزة، لو أن الديون توجهت إلى الإنتاج، شرط أن يدير روافده ومنابعه أكفاء مهرة على نزاهة وإخلاص للبلد، كل في اختصاصه”.
وزاد: “كان يمكن أن نعاني بعض الوقت ثم نتعافى لو تمت المزاوجة بين مشروعات البنية التحتية والمشروعات الإنتاجية الحقيقية المدروسة جدواها، وفق قاعدة الميزة النسبية”.
وواصل: “حدثونا قبل عقد من الزمن عن تثبيت أركان الدولة التي اضطربت، وها نحن نجدهم يدفعون الأوتاد إلى الفراغ، ويضعون الدولة في مهب الريح”.
إلى ذلك هاجم إعلاميون موالون للسلطة صندوق النقد، وقال أحمد موسى، ن مصر لن تنفذ شروط الصندوق في الوقت الحالي، متسائلًا: “كل هذه الضغوط من أجل 274 مليون دولار؟”.
ولفت موسى إلى أن الحكومة المصرية سبق أن نفذت تحركات متعددة في أسعار الوقود، متابعًا: “الصندوق كان في البداية يتعاون معنا بشكل جيد، لكنه الآن يضغط علينا بطريقة غير مبررة”، مؤكدًا أن الشعب المصري يقف خلف بلده ولا حاجة لمزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطنين.
وأكد أن مصر يجب أن تركز على تطوير الصناعة والتصدير بدلاً من الانصياع لشروط خارجية تزيد الأعباء، قائلاً: “ربنا هيكرمنا بعيد عن الصندوق، لو يرفضون منحنا الشريحة، يا سيدي مع السلامة”.
وشدد على ضرورة أن يكون رد الحكومة المصرية قويًا وحازمًا تجاه هذه الضغوط، معتبرًا أن صندوق النقد الدولي ليس من حقه إدارة الاقتصاد المصري أو فرض سياساته على البلاد.