Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

المقابر الجماعية في العراق.. ذاكرة معلّقة بين عدالة معطّلة ومهمة منتهية

بينما يواصل العراق نبش ماضيه المثقل بالدماء، تفتح فرق الطب العدلي ومديرية المقابر الجماعية مواقع الإعدام التي خلّفها نظام صدام حسين، والحروب الطائفية، وتنظيم داعش.

لكن، مع انتهاء مهمة فريق التحقيق الأممي UNITAD، تواجه جهود العدالة تحديات حاسمة تهدد بكتم أصوات الضحايا مرة أخرى، وسط ضعف التنسيق، ونقص الموارد، وتضارب المؤسسات.

عمل مستمر رغم المعوّقات

منذ عام 2003، تم فتح ما يقارب 290 مقبرة جماعية، بينها 159 مقبرة تعود إلى عهد صدام حسين، و130 لمجموعة داعش الإرهابية. ويعمل العراق بواسطة مديرية حماية وشؤون المقابر الجماعية ومؤسسة الشهداء ووزارة الصحة (دائرة الطب العدلي)، على تحديد هوية الضحايا وجمع الأدلة اللازمة.

في عام 2024 وحده، أجريت عمليات فتح لـ14 مقبرة في محافظات صلاح الدين ونينوى وذي قار والنجف والأنبار، حسب تصريح مدير عام شؤون وحماية المقابر الجماعية، ضياء كريم طعمة، لموقع «ميدل إيست آي».

وتؤكد الدكتورة ياسمين منذر صديق، نائبة مدير عام الطب العدلي، أن الجهود بدأت بعد 2009، وتم فحص أكثر من 12,500 رفات، لكن لم يطابق الحمض النووي سوى لـ2,500 ضحية فقط. النسبة المحدودة تعود لصعوبات التلوث، وقلّة عينات الحمض النووي من ذوي المفقودين.

انتهاء تفويض UNITAD… فراغ قانوني

أسست الأمم المتحدة فريق التحقيق التابع لها (UNITAD) في عام 2017، بطلب من بغداد، للتحقيق في جرائم داعش. وجمع الفريق، بقيادة كريم خان ثم كريستيان ريتشر، أدلة من مقابر جماعية، ووثّق شهادات ناجين، ونسخ آلاف الوثائق التي صودرت من داعش بعد استعادة المدن.

لكن عمل الفريق انتهى رسميًا في أيلول 2024، بطلب من الحكومة العراقية، التي رفضت استمرار بعثة لا تشارك نتائجها القضائية. ذلك لأن الأمم المتحدة تحظر استخدام أدلة UNITAD في المحاكمات التي تنتهي بالإعدام، وهو ما يتعارض مع التشريعات العراقية.

ورغم انتهاء المهمة، احتفظت UNITAD بالبيانات خارج العراق، الأمر الذي اثار انتقادات من ناشطين وأهالي الضحايا، مطالبين بإعادتها إلى المؤسسات العراقية.

بير علُو عنتر… مقبرة معلّقة

يعد موقع «بير علُو عنتر» في تلعفر أحد أكبر المواقع التي عملت عليها UNITAD، حيث أعدم فيه المئات من التركمان الشيعة والإيزيديين على يد داعش. تم استخراج 162 رفاتًا فقط من أصل عدد مجهول.

وتعذر استكمال الحفريات بسبب قلة التمويل والدعم الفني بعد انسحاب الأمم المتحدة. في شباط 2025، عاد عبد الغفور محمد، أحد أقارب الضحايا، إلى الموقع لتقديم عينة حمض نووي، على أمل مطابقتها مع الجثث المستخرجة، لكنه غادر دون نتيجة. قال: «نريد دفنهم، لا أكثر».

في محاولة لمواكبة التحديات، شكّل العراق لجنة وطنية للمفقودين في عام 2023، تتضمن جهات من مجلس الوزراء ومؤسسة الشهداء ومفوضية حقوق الإنسان. لكن اللجنة الجديدة تعاني من ضعف في التنسيق مع المديرية العامة للمقابر الجماعية، ما خلق ازدواجية في الصلاحيات.

وحتى اليوم، لا يوجد سجل وطني موحد للمفقودين، وتفتقر الدولة لقانون يعرّف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة، ما يعقّد عملية محاكمة المتهمين أو استخدام أدلة UNITAD قضائيًا.

دور المجتمع المدني في سد الفراغ

بعض المنظمات، مثل «يزدا»، باشرت بتسجيل ضحايا الإبادة الإيزيدية، وجمعت آلاف عينات الحمض النووي من الشتات الإيزيدي حول العالم، لا سيما من ألمانيا، حيث يعيش أكثر من 100 ألف لاجئ.

لكن، بعد إقرار قانون العفو العام في العراق عام 2025، عبّر ناشطون عن خشيتهم من أن يطلق سراح متورطين بجرائم داعش بحجة «عدم وجود دليل مباشر». ويقول علي البياتي، مؤسس مؤسسة إنقاذ التركمان، إن «المجتمع الدولي تخلى عنا، والضحايا تركوا في المنتصف دون إنصاف».

تجربة UNITAD، كما يقول خبراء العدالة الانتقالية، كشفت أن العمل بدون توافق قانوني وطني، ومشاركة محلية فعالة، يجعل الجهود عرضة للفشل أو الاستغلال السياسي.

ويواجه العراق اليوم خيارين: إما تطوير مؤسساته لمواصلة المهمة بشكل مستقل، أو طلب شراكات جديدة قائمة على احترام سيادته. لكن، دون تمويل حقيقي، وسجل وطني موحد للمفقودين، وضمانات قانونية للمساءلة، ستظل المقابر الجماعية شاهدة على جريمة بلا عقاب.