"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

مخطوطات عربية في المكتبات الألمانية

وأوضحت الدراسة التي أصدرها مركز “دراسة ثقافات المخطوطات” بالتعاون مع جامعة هامبورغ، أن نحو 40 ألف مخطوطة عربية استقرت في ثلاث من أكبر المكتبات الألمانية: مكتبة ولاية برلين، ومكتبة بافاريا في ميونخ، ومكتبة غوثا للأبحاث. وتنوعت طرق وصولها ما بين الهدايا الدبلوماسية والغنائم الحربية والمشتريات الموجهة من المستشرقين، إلى جانب بعض أعمال النهب خلال فترات الحروب الكبرى.
وأشارت الدراسة إلى أن المخطوطات الشرقية دخلت أوروبا منذ العصور الوسطى، عبر قنوات الاتصال بالإمبراطورية العثمانية، فيما كان النبلاء الأوروبيون والكنائس يمتلكون آنذاك أهم المجموعات الإسلامية. وقد أسهم الاستشراق الأوروبي وتطوّر العلاقة مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من القرن السابع عشر إلى التاسع عشر في إثراء هذه المجموعات.

وخلال الحرب العالمية الثانية، اتبعت السلطات الألمانية سياسة توزيع المقتنيات الثقافية خوفًا من السرقة أو التدمير، وهو ما أدى إلى انتقال عدد كبير من المخطوطات إلى القلاع والأديرة، بل حتى إلى أراضٍ في الاتحاد السوفياتي. لكن بعض تلك المجموعات أُعيد لاحقًا إلى ألمانيا، كما حصل مع أكثر من 3 آلاف مخطوطة تابعة لمكتبة غوثا التي عادت من موسكو عام 1956.
ومن اللافت أن بعض المخطوطات كانت تخرج من البلاد العربية والإسلامية عبر عمليات نهب صريحة. فقد ضمت المجموعات الألمانية مخطوطات تم الاستيلاء عليها خلال معارك مثل حصار بودا عام 1686، وحصار تونس عام 1535، ومعركة ليبانتو البحرية عام 1571. كما ساهم القراصنة الإسبان في جلب آلاف المخطوطات العربية من المغرب إلى أوروبا بعد الاستيلاء على سفينة السلطان مولاي زيدان عام 1611.
وفي العصر الحديث، أصبحت هذه المخطوطات تمثّل ذخيرة معرفية وثقافية ذات قيمة علمية وتاريخية كبرى، حيث تحتضنها اليوم رفوف المكتبات الألمانية، وتخضع لرعاية بحثية دقيقة. وتضم مكتبة برلين وحدها أكبر مجموعة مخطوطات شرقية في البلاد، كما تحتفظ مكتبة بافاريا بنسخ نادرة من القرآن الكريم من ضمن 4200 مخطوطة إسلامية.
وتكشف هذه الرحلة الطويلة عن جانب مهم من التفاعل التاريخي بين الشرق والغرب، حيث تداخلت مسارات السياسة والثقافة والحرب في تشكيل واحدة من أغنى مجموعات المخطوطات العربية في الغرب، التي ما تزال شاهدة على فصول معقدة من العلاقات بين العالم الإسلامي وأوروبا.