- خلال معركة “ردع العدوان” التي خاضتها “إدارة العمليات العسكرية” بقيادة “هيئة تحرير الشام”، صعّدت تركيا لهجتها تجاه الوحدات الكردية في شمال سوريا، إذ أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده “ستسحق المنظمات الإرهابية في أقرب وقت ممكن”. فيما شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مقابلة تلفزيونية على أن “هدف تركيا الاستراتيجي يتمثل في إنهاء وجود وحدات حماية الشعب الكردية”، معتبرا أنها أمام خيارين،” إما أن تحل نفسها أو تواجه القضاء عليها بالقوة”.
- خلال الفترة نفسها، دفعت فصائل “الجيش الوطني” السورية المدعومة من تركيا بأرتالها باتجاه مدينة “منبج” في 7 ديسمبر/كانون الأول 2024 وشنّت في اليوم التالي هجوماً اسمته “فجر الحرية”، بهدف السيطرة على المدينة بعد نجاح هذه القوات في السيطرة على مدينة “تل رفعت” اللتان كانتا تحت سيطرة قوات “قسد”.
- ويبدو أن هذا التصعيد دفع مؤخراً قوات “قسد” إلى التراجع تدريجياً عن مركز مدينة منبج تنفيذاً لاتفاق أُبرم بوساطة أمريكية تركية. حيث أعلنت الولايات المتحدة في 18 ديسمبر 2024 أنه تم تمديد هدنة بين تركيا وفصائل محسوبة عليها، وبين قوات (قسد) المدعومة من واشنطن حول مدينة منبج في شمال سوريا، حيث قال مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أن “واشطن تتفهم مخاوف تركيا الأمنية”.
- فيما قال قائد “قسد” مظلوم عبدي بأن قواته تؤكد على التزامها الثابت بتحقيق وقف شامل لإطلاق النار في كافة أنحاء سوريا. وأضاف في تغريدة على حسابه الرسمي على شبكة إكس أن “قوات سوريا الديمقراطية تعلن عن استعدادها لتقديم مقترح إنشاء منطقة منزوعة السلاح في مدينة عين العرب (كوباني)، مع إعادة توزيع القوات الأمنية تحت إشراف ووجود أمريكي”، على حد تعبيره. فيما لم تعقب تركيا على هذه التصريحات.
- وتعهدت عشائر عربية في محافظة الرقة شمالي سوريا، بتحرير واستعادة أراضيها المحتلة من قبل تنظيم “واي بي جي/ بي كي كي”، في 18 ديسمبر 2024. جاء ذلك في ختام اجتماع ممثلي العشائر العربية من الرقة في منطقة تل أبيض المحررة من التنظيم نفسه في وقت سابق، كما ذكرت وكالة الأناضول التركية.
- وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلت يوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 عن مسؤولين أمريكيين وأتراك أن تركيا وحلفاءها يحشدون قوات على طول الحدود، لتنفيذ عملية عسكرية “وشيكة” في المناطق التي يسيطر عليها الميليشيات الكردية شمال شرق سوريا.
- ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أن خطوة تركيا تثير مخاوف من هجوم كبير على أراضٍ يسيطر عليها الأكراد، وأن العملية العسكرية التركية عبر الحدود قد تكون وشيكة. وأضاف المسؤولون أن الحشد التركي مماثل لتحركات أنقرة قبل عمليتها العسكرية شمال شرقي سوريا عام 2019، وأكدوا أن الإدارة الأميركية “تضغط من أجل ضبط النفس”.
- من جهته قال القائد العسكري لـ”هيئة تحرير الشام”، مرهف أبو قصرة، إن “مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد ستُضّم إلى الإدارة الجديدة”. مؤكداً في الوقت رفض وجود أي فيدرالية في سوريا، وفقاً لما نقلته وكالة “فرانس برس”. وأشار أبو قصرة إلى أن “الشعب الكردي مكون من مكونات سوريا والإشكالية هي مع قيادة قوات سوريا الديمقراطية.. نحن نقول كلاماً مختصراً، مفاده أن سوريا لن تتجزأ ولن تكون فيها فيدراليات”.
من هم أكراد سوريا وكيف شكل بعضهم تنظيمات المسلحة؟
- بداية، الأكراد مجموعة عرقية كبيرة يعيشون بدون دولة خاصة بهم في مناطق تمتد عبر تركيا، العراق، إيران، وسوريا. وفي الأخيرة يمثل الكرد من 7-10% من سكان البلاد، وتعدادهم غير الرسمي التقريبي لهم هو 2.5 مليون إنسان ومعظمهم من المسلمين السنة، وبعضهم من اليزيديين إضافة إلى عدد قليل من المسيحيين والعلويين الكرد.
- لعقود طويلة كان نظام الأسد الأب والإبن يفرض عليهم سياسات تهميشية لعدة عقود، مما أدى إلى انعدام الهوية القومية والحقوق السياسية لديهم.
- يتركز أكراد سوريا في الشمال الشرقي للبلاد، يتمركز الكرد في سوريا في ثلاثة مناطق رئيسية تحديداً تقع على طول الحدود التركية، حيث يقطنون في شمال محافظة الحسكة وشمال شرق محافظة حلب (منطقة عين العرب) وشمال غربها (منطقة عفرين).
- مع بداية الثورة السورية في 2011، ظهرت الفرصة أمام الأكراد لتأسيس “كيان يعبر عن طموحاتهم السياسية”، وهو ما مهد الطريق لتشكيل تنظيمات مسلحة في مناطق عديدة شمال وشرق سوريا، مثل الحسكة والرقة ودير الزوق وحتى ريف إدلب وحلب وحمص.
- في السنوات التالية، برزت العديد من التنظيمات الكردية المسلحة، حيث لعبت أدواراً عسكرية وسياسية مؤثرة في هذه المنطقة الاستراتيجية بعدما حظيت بدعم غربي وأمريكي.
- يقاتل في شمال سوريا مجموعة تسمى “قسد” أو SDF وهي “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تعتبر مظلة جامعة لعدد من المجموعات المسلحة الكردية والعربية في شمال سوريا التي تشكلت في عام 2015 وذلك في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، إحدى المناطق الحدودية في شمال سوريا التي تسكنها أغلبية كردية، وكانت المسرح الرئيسي لعمليات “قسد”.
- و”قوات سوريا الديمقراطية” هي تحالف بين مقاتلين من الأكراد والعرب يحظون بدعم الولايات المتحدة، وقد أسست “قسد” أو”SDF” منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا تدعى “روج آفا” بقوة الأمر الواقع بعد طرد تنظيم “داعش” بدعم أمريكي كامل عام 2015.
- وتعرف “روج آفا” بأنها “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”؛ هي منطقة تمتدّ في شمال وشرق سوريا أُنشئَ فيها حكم ذاتي كردي بحكم الأمر الواقع تتحكم به “قوات سوريا الديمقراطية”. تشمل هذه الإدارة أجزاء من محافظات الحسكة، الرقة، حلب ودير الزور. تُعدّ هذه المنطقة منطقةً متعددة الأعراق وموطنًا لأعداد كبيرة من السكان العرب والكرد والسريان والآشوريين.
- وتتكون “قسد” من عدة مجموعات رئيسية يبلغ عدد عناصرها بحسب بعض الإحصاءات الغربية 40 ألف مقاتل. حتى مطلع ديسمبر 2024 كانت “قوات سوريا الديمقراطية” تسيطر على نحو ثلث المساحة الكلية لسوريا بدعم أمريكي.تعتبر تركيا أن وجود التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا يمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي. شنت أنقرة خلال السنوات الماضية عدة عمليات عسكرية مثل “درع الفرات”، “غصن الزيتون”، و”نبع السلام” لطرد هذه التنظيمات من المناطق الحدودية.
ما التنظيمات الكردية المسلحة النشطة في سوريا؟
1. وحدات حماية الشعب (YPG)
تعتبر وحدات حماية الشعب العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (SDF). وتأسست وحدات حماية الشعب في عام 2011 كجناح عسكري لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، الذي يعد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة ارهابیة من قبل تركيا وعدة دول غربية. أنشأت هذه الوحدات لـ”الدفاع عن المناطق الكردية في وجه الجماعات المسلحة الأخرى، وضمان الحكم الذاتي لكردستان سوريا”.
يتألف التنظيم من قوات مدربة أمريكياً تنشط بشكل رئيسي في مناطق الحسكة، الرقة، ودير الزور. وقد تمكنت من تشكيل إدارة ذاتية ديمقراطية تعتمد على فلسفة “الكونفدرالية الديمقراطية” المستوحاة من أفكار قائد تنظيم حزب العمال الكردستاني “عبد الله أوجلان” الذي تعتقله تركيا منذ عام 1999.
2. قوات سوريا الديمقراطية (SDF)
أُسست في عام 2015 كمظلة تضم مختلف الفصائل المسلحة، أبرزها وحدات حماية الشعب. تشمل أيضاً فصائل عربية، سريانية، وآشورية. قالت الولايات المتحدة إن “قوات سوريا الديمقراطية” أنشأت بهدف القضاء على تنظيم “داعش”، وضمان الاستقرار والأمن في المناطق المحررة، مع دعم مشروع “الإدارة الذاتية” الذي يديره الأكراد في شمال شرق سوريا.
كانت “قوات سوريا الديمقراطية” شريكاً رئيسياً للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في طرد تنظيم “داعش” من الرقة ودير الزور، وكوباني، والباغوز وغيرها من المناطق. لكن التنظيم ينصف كجماعة إرهابية من قبل تركيا التي ترفض الدعم الأمريكي له.
3. وحدات حماية المرأة (YPJ)
تم تشكيل وحدات حماية المرأة في عام 2013 كجناح نسائي لوحدات حماية الشعب. بهدف “تمكين المرأة الكردية من الدفاع عن مناطقها، والمساهمة في كسر القيود الاجتماعية التقليدية”. وهو تنظيم يصنف كجماعة إرهابية في تركيا أيضاً. وشاركت “وحدات حماية المرأة” (YPJ) في معارك كبرى مثل تحرير كوباني، واكتسبت شهرة دولية بفضل التغطية الإعلامية الغربية لدورها ضد “داعش”.
4. حزب العمال الكردستاني (PKK)
بالرغم من أن PKK اليساري المسلح يعد تنظيماً قادماً من تركيا في الأساس، إلا أن تأثيره يمتد إلى شمال شرق سوريا من خلال قيادته الأيديولوجية والتنظيمية لوحدات حماية الشعب وخصيصاً بعد عام 2011. حيث تعتمد PYD وأذرعها العسكرية على نهج الحزب وأفكاره. ويثير وجود PKK في سوريا توترات كبيرة مع تركيا من سنوات طويلة، التي شنت عدة عمليات عسكرية عبر الحدود لاستهداف مقاتلي الحزب و”وحدات حماية الشعب”.
يصنف “حزب العمال الكردستاني”کتنظیم ارهابی في تركيا والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية وأستراليا وكندا منذ عام 2004، وتتهمه أنقرة بشن مئات الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة آلاف المواطنين منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي.