موقع الهجرة النبوية :
بقلم د . احمد البصيلي :
شاع في الفترة المتأخرة على شبكات التواصل الاجتماعي في صور مكتوبة وفيديوهات لبعض مدعي العلم من المدلسين الأفاكين أن سيدي أحمد البدوي رجل شيعي باطني زنديق، وأنه أسطورة وأكذوبة، وأنه ما صلى لله ركعة …. الخ.
والذين يقولون هذا ويرددونه نخشى عليهم أن يقعوا في أذية رسول الله وآل بيته الكرام، فنبصرهم بما خفي عليهم، ونحثهم على أن يصونوا ألسنتهم عن الخوض في الصالحين.
فقد ترجم لسيدي أحمد البدوي عشرات من أهل العلم وامتدحوا صلاحه وأجمعوا على أنه من نسل سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه، وأنه حسيب نسيب شريف.
وقد ترجم له أئمة الإسلام وحفاظه ترجمات تليق بمكانته ومنزلته العظيمة، مع الشهادة له بالولاية والصلاح، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر:
العلامة سراج الدين ابن الملقن المتوفى 804 هجرية في (طبقات الأولياء 1/ 422) وقد قال عنه: “الشيخ أحمد البدوي، المعروف بالسطوحي، أصله من بني بِرِّي، قبيلة من عرب الشام، تسلك بالشيخ بِرِّي، أحد تلامذة الشيخ أبي نعيم أحد مشايخ العراق، وأحد أصحاب سيدي أحمد بن الرفاعي”. وذِكْره في طبقات الأولياء دليل ناصع على ولايته عنده.
وقال عنه الإمام ابن تغري بردي المتوفى 874هـ في (النجوم الزاهرة 7/253): “الشيخ المعتقد الصالح …. وكان من الأولياء المشهورين، وكانت له كرامات ومناقب جمة رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته”.
وقال عنه الحافظ شمس الدين السخاوي المتوفى 902هـ في عدة مواضع من كتابه “الضوء اللامع”: (سيدي أحمد البدوي).
ووصف الحافظ السخاوي له بلفظ السيادة دليل على أنه عنده ولي صالح.
ومن كذبهم وتدليسهم أنهم ينقلون عن السخاوي أنه ذكر عنه أنه ما كان يصلي والقصة مُفادها أنه رضي الله عنه كان في المسجد وكان الناس يدخلون عليه أفواجًا يتبركون به فلما حضرت الصلاة قام رجل وكشف عن عورته، وبال على ثيابه فقام الناس ولم يقم سيدي أحمد البدوي ووضع رأسه في طوقه حتى لا يرى عورة الرجل، حتى قال الحافظ السخاوي: واستمر ورأسه في طوق ثوبه وهو جالس إلى أن انقضت الصلاة ولم يصلّ.
ونص القصة بالتمام: “وَحدث المقريزي فِي عقوده عَن شَيْخه أبي حَيَّان قَالَ ألزمني الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جنكلي ابن الْبَاب الْمسير مَعَه لزيارة أَحْمد البدوي بِنَاحِيَة طنتدا فوافيناه يَوْم الْجُمُعَة وَإِذا هُوَ رجل طوال عَلَيْهِ ثوب جوخ عَال وعمامة صوف رفيع وَالنَّاس يأتونه أَفْوَاجًا فَمنهمْ من يَقُول: يَا سَيِّدي خاطرك مَعَ غنمي وَآخر يَقُول: مَعَ بقري، وَآخر مَعَ زرعي، إِلَى أَن حَان وَقت الصَّلَاة فنزلنا مَعَه إِلَى الْجَامِع وَجَلَسْنَا لانتظار إِقَامَة الْجُمُعَة فَلَمَّا فرغ الْخَطِيب وأقيمت الصَّلَاة وضع الشَّيْخ رَأسه فِي طوقه بعد مَا قَامَ قَائِمًا وكشف عَن عَوْرَته بِحَضْرَة النَّاس وبال على ثِيَابه وَحصر الْمَسْجِد وَاسْتمرّ (أي سيدي البدوي) وَرَأسه فِي طوق ثَوْبه وَهُوَ جَالس إِلَى أَن انْقَضتْ الصَّلَاة وَلم يصلِّ، نفعنا الله بالصالحين”. (الضوء اللامع 9/150).
وبعد هذا تجد من يكذبون على العلماء يدلسون فينسبون البهتان إلى الولي الصالح الذي آثر أن يؤخر الصلاة، ولا أن ينظر إلى عورة مسلم!!
وقال عنه الحافظ السيوطي المتوفى 911هـ في (حسن المحاضرة 1/521، 522): “سيدي أحمد البدوي … وعرف بالبدوي لملازمته اللثام، ولبس لثامين لا يفارقهما، وعرض على التزويج فأبى، لإقباله على العبادة، وكان حفظ القرآن، وقرأ شيئًا من الفقه على مذهب الشافعي، واشتهر بالعطاب لكثرة ما يقع بمن يؤذيه من الناس، ثم لازم الصمت حتى كان لا يتكلم إلا بالإشارة، واعتزل الناس جملة، وظهر عليه الوله … ولازم أحمد الصيام، وأدمن عليه حتى كان يطوي أربعين يوما لا يتناول طعامًا ولا شرابًا، ولا ينام وهو في أكثر حاله، شاخص البصر إلى السماء وعيناه كالجمرتين، ثم صار إلى مصر سنة أربع وثلاثين، فأقام بطندتا من الغربية على سطح دار لا يفارقه، وإذا عرض له الحال يصيح صياحًا متصلًا … وتُؤثر عنه كرامات وخوارق، من أشهرها قصة المرأة التي أسر الفرنج ولدها، فلاذت به، فأحضره إليها في قيوده، ومر به رجل يحمل قربة لبن فأومأ إليها بأصبعه، فانقدت فانسكب اللبن، فخرجت منه حية قد انتفخت. توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وست مئة”.
وقال عنه شهاب الدين الرملي شيخ الشافعية المتوفى 1004هـ في كتابه: (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 2/292): “سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ”.
وقال العلامة محيي الدين عبد القادر العيدروس المتوفى 1038هـ في كتابه (النور السافر عن أخبار القرن العاشر صـ259): “القطب الشريف سَيِّدي أَحْمد البدوي نفع الله بِهِ”.
وقال عنه ابن العماد الحنبلي المتوفى 1089 هـ في (شذرات الذهب 7/602) في أحداث سنة 675هـ: “وفيها السّيّد الجليل الشيخ أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد ابن أبي بكر البدويّ الشّريف الحسيب النّسيب”.
وقال عنه الإمام شهاب الدين الحسيني الحموي الحنفي المتوفى 1098هـ في كتابه: (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر 4/62): “سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدَوِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِ”.
ووصفه العلامة الشيخ محمد بن أحمد بن سعيد الحنفي المكيّ المعروف كوالده بعقيلة المتوفى 1150هـ في كتابه: (الفوائد الجليلة في مسلسلات ابن عقيلة صـ86) بقوله: “الولي الشهير”.
وقال عنه شمس الدين ابن الغزي المتوفى 1167هـ في (ديوان الإسلام 1/276): “الولي المعتقد الشهير الشريف المصري أفرد الشعراني مناقبه بالتأليف”.
وقال العلامة محمد مرتضى الزبيدي المتوفى 1205هـ في (تاج العروس 33/399): “والمُلَثَّمُ، كَمُعَظَّمٍ: لَقَبُ القُطْبِ أَبِي الفَرَّاجِ سَيِّدِي أَحْمَد البَدَوِيّ قَدَّسَ الله سِرَّه، ويُقال لَهُ أَيضًا: أَبُو اللِّثامَيْنِ”.
وقال الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه (السيد احمد البدوي صـ125): “ولقد بلغت عناية السيد بالقرآن أن لم يكتف بقراءته على قراءة واحدة، وإنما تعلم القرآن بقراءاته المتعددة: لقد كان عالمًا بالقراءات، وبلغت دراسته للفقه أنه كان إذا سُئِلَ عن مسألة من علوم الفقه يفتي فيها ثم يقول: تجدونها مسطرة في الكتاب الفلاني، وبلغت إلهاماته في علم القوم أنه كان يتحدث في المسألة من علمهم من الظهر إلى العصر”.
ومن راجع كتب السير وجد أضعاف ذلك عند أهل العلم حتى أفرد سيرته بالتأليف جماعة من العلماء، ومن ذلك ما كتبه العلامة الدكتور جودة محمد أبو اليزيد المهدي عميد كلية القرآن الكريم بطنطا: “السيد أحمد البدوي إمام من أئمة أهل السنة ليس جاسوسًا ولا شيعيًّا”.
فما سند هؤلاء في الطعن إلا أقوال بعض المعاصرين ممن لا صلة لهم بالعلم فكيف يترجم له أئمة الإسلام كابن الملقن، وابن تغري بردي، والسخاوي، والسيوطي، وابن العماد، والغزي، وغيرهم من أساطين العلم ثم يأخذون بقول نكرة في العلم؟!
والمنتسبون إلى السنة في زماننا ممن يسمون أنفسهم (سلفية) لا يستندون في طعنهم هذا إلا على كتاب بعنوان: “السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة” لأحمد صبحي منصور، وأحمد صبحي منصور كان أزهريًا وفُصل من الأزهر الشريف في الثمانينيات لأقواله الشاذة وهو من منكري السنة الشريفة، فكيف يعتمدون على رجل مفصول من أكبر جامعة علمية في العالم ويعادي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء قوم تنقصهم الخشية من الله تعالى أو ينقصهم العلم فيخوضون فيما لا يعلمون، نسأل الله لنا ولهم الهداية والسداد آمين.
د.أحمد البصيلي
د.البصيلي يكتب..وقفات مع حياة سيدي أحمد البدوي
وُلد أحمد بن علي بن يحيى (البدوي) الحسيني الشافعي، في “فاس” ببلاد المغرب العربي عام (596 هـ/1199 م) وتوفي رضي الله عنه “بطنطا” عام (675 هـ/1276 م)، عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاما تقريبا..
إنه ثالث أقطاب الولاية الأربعة، وإليه تنسب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء. ولُقّبَ “بالبدوي” لأنه كان دائم تغطية وجهه باللثام مثل أهل البادية، وله الكثير من الألقاب، والتي تبلغ نحو الأربعين لقبا، أشهرها شيخ العرب، والسطوحي (لأنه كان يسكن في غرفة متواضعة فوق سطح بيت صديقه الشيخ ركين)، وفتى الفتيان.
ينتهي نسبه من جهة أبيه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب. على نحو ما حققه أعلام المؤرخين كالمقريزى والمرتضى الزبيدى وغيرهما.. ووُلد البدوي بمدينة فاس المغربية، وهاجر إلى مكة مع عائلته في سن سبع سنوات، واستغرقت الرحلة أربع سنوات، منهم ثلاث سنوات أقاموها بمصر. وتعلم الفروسية فكان أشجع أهل مكة، حتى صار عَلَمَ الجهادين الأكبر والأصغر.! واعتراه الزهد منذ نشأته فعرف بأحمد الزاهد. ولبس اللثامين وأقبل على الله تعالى بالعبادة. وتسلك على الشيخ “بَرّي” من أتباع القطب الرفاعي رضى الله عنه، ولزم الخلوة بجبل أبى قبيس ولازم الصيام والقيام ولاحت له إشراقات الأنوار وتجليات جده المختار صلوات الله وسلامه عليه ، وجاءه الفتح الرباني. وأخذ يصعد في معاريج الولاية حتى صار نادرة زمانه وفرد أوانه.
وعندما بلغ الثمانية والثلاثين من عمره، سافر إلى العراق مع شقيقه الأكبر حسن، ورجع بعد عام واحد إلى مكة، ثم قرر في نفس عام رجوعه إلى مصر، وتحديداً إلى مدينة طنطا، لتكون موطن انتشار طريقته. ودخل أبو الفتيان طنطا سنة 635هـ وأقام فيها أربعين سنة حتى وفاته سنة 675هـ.
وفي طنطا كان تأسيس (جامعة الدعوة السطوحية الأحمدية) كما تحدث عنها الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود فى كتابه عن السيد البدوي فكانت جامعة للعلم والسلوك الصوفي ، وتخرج منها أئمة الدعاة الأولياء ينشرون أنوارها فى أقطار العالم الإسلامي.
وفى مقر (جامعة السطح) استقبل القطب البدوي علماء الإسلام ومنهم العلامة سيدى عبد العزيز الدرينى، وقاضى القضاة شيخ الإسلام ابن دقيق العيد.. وأذعنوا لولايته وإمامته بعد أن قصدوا اختباره وظهر لهم بعرفانه وتحققه ووصفوه بأنه
(بحر لا يدرَك له قرار) !! فتتلمذوا على يديه وصاروا من أتباعه.
وقد أعلن دستور طريقته الأحمدية بقوله (طريقتنا هذه مبنية على الكتاب والسنة والصدق والصفاء وحسن الوفاء وتحمل الأذى وحفظ العهود). فعلى هذه المبادئ السامية تربى فحول الأولياء.. فلا عجب أن أحبه الناس لله، وتفرعت من الدوحة الأحمدية طرق فرعية كالشناوية والحلبية والبيومية والمرازقة والشعيبية والمعالفة والكناسية والجعفرية وغيرها ينشرون الأنوار الأحمدية.
يُنسب إلى البدوي العديد من الكرامات، أشهرها أنه كان ينقذ الأسرى المصريين من أوروبا الذين تم أسرهم في الحروب الصليبية، ولذلك انتشرت مقولة في التراث الشعبي المصري “الله الله يا بدوي جاب اليسرى”، أي أن البدوي قد جاء بالأسرى.
يروي لنا أمير المؤمنين فى الحديث الشريف الحافظ ابن حجر العسقلاني وتلميذه الحافظ السيوطي: أن امرأة أسر الفرنج ولدها فلاذت به فأحضره الله تعالى إكراما له فى قيوده على رؤوس الأشهاد.. وتكررت هذه الكرامة في الحروب الصليبية.
وليس المراد هنا استقصاء كرامات الرجل، فلا يلتفت إلى ذلك كُمّلُ الرجال، وإنما المراد التعرف على شخصية وحياة الشيخ ومنهجه، ولعل أعظم كرامة له، أن ربَّى رجالا أوفياء وحملة أذكياء وأولياء أصفياء، حملوا مشاعل الهداية، ومصابيح العناية، وقوانين النجاة لكل العالمين.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولعله من نافلة القول أن نقرر هنا –وأشكلُ المشكلات توضيحُ الواضحات – أن عقيدة الإمام البدوى هى عقيدة أهل السنة والجماعة كما أن تصوفه مبنى على دعائم المذهب السنى، فلم يؤثر عنه فى أى مصدر علمى أنه خرج عن مذهب اهل السنه بقول او فعل، بل لقد انضوى تحت لوائه أعلام أهل السنة فى عصره من المحدثين والفقهاء كالقاضى ابن دقيق العيد، وابن اللبان، والشيخ عبد العزيز الدرينى، وغيرهم كثير!.
والسيد البدوى شافعى المذهب –مع تعمقه في مذهب مالك- وقد صرح بذلك أئمة عديدون منهم الإمام برهان الدين الحلبى إذ قال فى سيرة السيد أحمد البدوي ما نصه: ( واشتغل بالفقه على مذهب إمامنا الشافعى رضى الله عنه) ومن بدهيات العلم أن المذاهب الأربعه سنية ولا يعترف بها الشيعة، فالمنتمى لأحدها يكون رميه بالتشيع الباطنى ضِربا من العبث لا يعتد به بأى حال من الاحوال، يبدو أن خبلا في أدمغة شانئي أحمد البدوي، ألا فالصمت أولى بالجهلاء، ليريحوا ويستريحوا.!!
وتذكر لنا كتب التاريخ أن الظاهر بيبرس كان شديد الولاء والمحبه للسيد البدوى، قبل وأثناء توليه حكم البلاد.. والظاهر بيبرس عرف ببغضه الشديد للشيعة وحربه عليهم ومطاردته لهم، فكان يجله ويحترمه وبلغ من اعتقاده فى الامام البدوى الى الحد الذى عبرت عنه دائرة المعارف الإسلامية فى ترجمتها للسيد ما نصه: (……. ويقال إن معاصره الظاهر بيبرس كان يقدسه، ويقبّل قدميه) وهذا عكس ما زعمه المتخرصون من اضطهاد الظاهر بيبرس للصوفيه وللسيد رضى الله عنه ، وعكس ما زعموه من “أسطورية” سيرة ومسيرة البدوي، وأنه شخصية مصطنعة لاستعادة وبعث الدولة الباطنية الشيعية تحت ستار التصوف وآل البيت..! كيف ذلك..؟! وماذا يعني اشتهاره بتدريس الفقه والتصوف الاسلامى؟! حيث كان للإمام البدوى مجالسه العلمية التى كانت تعقد بدار “الشيخ ركين” (صديقه الذي كان يسكن الشيخ معه في بيته)، ثم فى دار ابن شحيط (شيخ البلد) بعد وفاة “ركين”، وكان الإمام البدوى يدرس الفقه على المذهب الشافعي.
ومن أقوال الإمام البدوى: ما أورده الإمام نور الدين الحلبى، من قول الإمام البدوى لخليفته السيد عبد العال:
“يا عبدالعال: طريقتنا هذه مبنيه على الكتاب والسنه والصدق والصفاء وحسن الوفاء وحمل الاذى وحفظ العهود “.
وقوله: “ياعبد العال، إياك وحب الدنيا، فإنه يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل”.
ثم إن اقطاب التصوف والولاية المعاصرين للإمام البدوي واللاحقين له – وهم جميعا من أعلام أهل السنة – قد شهدوا له بالولاية الكبرى والقطبانية العظمى .
فهؤلاء الأفذاذ الذين أجمعت الأمة على سمو مكانتهم فى عالم الولاية كالإمام إبراهيم الدسوقي “المعاصر للسيد البدوي”، والقطب المتبولى، والحافظ السيوطى، والإمام أبوالعزائم، والإمام الشعرانى… وغيرهم ، قد شهدوا للإمام البدوى وهم أهل الكشف والعرفان بأنه من أكابر الأولياء حتى لقد قال فيه الامام الدسوقى رضى الله عنه : (إن ابن العم السيد أحمد البدوي هو الأسد الكاظم) وكان ينشد:
فضل الله علينا عم *** كل الجماعة تبع والسيد عم
ومن المشهور جدا، تلك الصلة الروحية الوثيقة بين السيد البدوي بطنطا، وسيدي الدسوقي بدسوق، عن طريق مريدي كل منهما، إذ كانوا يقومون بتبليغ ما يُطلب منهم، فيترددون ما بين دسوق وطنطا.. ومن أقوى الأدلة على تلك العلاقة الوثيقة بين القطبين (البدوي والدسوقي)، اشتمال الحزب الدسوقي الكبير على ألفاظ من حزب السيد البدوي، وبعيد جدا تلك المشابهة بين الحزبين بدون وجود رابطة روحية قوية بين هذين القطبين..
ومما أُثر من اعتراف علماء عصره بعلمه وفقهه، ما أورده الإمام الشعرانى فى طبقاته الكبرى قائلا:
“وواقعة قاضى القضاه ابن دقيق العيد وامتحانه لسيدى أحمد البدوى مشهورة: وهى أن الشيخ ابن دقيق العيد أرسل إلى الشيخ عبد العزيز الدرينى وقال له امتحن لى هذا الرجل (يعني البدوي) الذى اشتغل الناس بأمره، عن هذه المسائل، فان اجابك عنها فهو ولى لله تعالى .
فمضى إليه الشيخ عبد العزيز واستأذن على البدوى فسلم عليه، فرد عليه السلام وقال له يا عبد العزيز من وصل إلى مقام التسليم فاز برياض النعيم، جئت تسأل عن العلم وفى كمك كتاب الشجرة، واستعاذ السيد البدوى بالله من الشيطان الرجيم وقرأ الكتاب من أوله إلى آخره وقال سلنى عما شئت فإنى أجيبك.! وقل لقاضى القضاة يصحح مصحفه؛ ففيه غلطتان، واحدة فى (يس) والأخرى فى سورة (الرحمن) !! فقال الشيخ عبد العزيز أستغفر الله يا سيدى، واعتذر بين يديه. وأعلمَ قاضيَ القضاة بذلك. وكشفوا عن المصحف فوجدوا الغلطتان كما قال الشيخ رضى الله تعالى عنه).
ولقد مدَحَه الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم رضى الله عنه فى أكثر من قصيدة من مواجيده العرفانيه فيقول فيه :
عبدت الرب بالحال العليه *** ايا بدوى قد نلت العطيه
عبدت الرب بالعلم اللدنى *** فَنيتَ عن الأيادى والمَزيّه
وُهِبتَ الحال بعد الكشف حتى **** رأيتَ الكون بالذات العليه
حباك المصطفى منه بحال *** سقاها من مُدام عيسويه
فقِهتَ مقام أهل الكشف جذبا *** جُذِبتَ فنلتَ أسرارا عليّه
على البدويّ أحمدَ فى مثولى *** سلام عاطر يعطى هديه
والسيد البدوى لم يعرف عنه بأى حال أنه اشتغل بالسياسه طوال حياته . فقد أمضى نصف عمره فى المغرب والحجاز والعراق ولم يثبت عنه أدنى اتصال بالملوك أو الساسه خلال هذه الفتره . ولما قدم إلى مصر سنة 635 هجريه أمضى الشطر الآخر من حياته متفرغا تماما للدعوة إلى الله وتربية الرجال والجهاد فى سبيل الله تعالى.. وقد أكدت مصادر التاريخ اشتراكه بنفسه وبأتباعه ومريديه فى الحروب الصليبيه سنة 1248ميلاديه وذلك فى أبرز معركه صليبيه قرب المنصورة.
رضي الله عن سيدي البدوي، وألحقنا به غير خزايا ولا مفتونين، ولا محرومين، ووفق الله الجميع لما فيه عز البلاد وصلاح العباد.
ياربنا استعملنا في خدمة الدين والوطن على الوجه الذي يرضيك عنا، ولا تحرمنا خير ما عندك لسوء ما عندنا.
كتبه أحمد البصيلي الأزهري
المفتى ردا على المشككين: السيد البدوى من أولياء الله الصالحين