"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

سورة القيامة رقم 29 في التنزيل من تفسير البينة

(29) سورة القيامة :

Picture

التفسير بصيغة pdf :

سورة القيامة 29

صيغة ورد :

ورد في تفسير الدر المنثور :

[ أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال: نزلت سورة القيامة وفي لفظ: نزلت { لا أقسم بيوم القيامة } بمكة.

وأخرج ابن مردويه عن عبدالله بن الزبير قال: نزلت سورة { لا أقسم } بمكة.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال: حدثنا أن عمر بن الخطاب قال: من سأل عن يوم القيامة فليقرأ هذه السورة والله أعلم.

أخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: { لا أقسم بيوم القيامة } يقول: أقسم.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله: { لا أقسم بيوم القيامة } قال: يقسم ربك بما شاء من خلقه قلت: { ولا أقسم بالنفس اللوّامة } قال: من النفس الملومة. قلت: { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوّي بنانه }

ال: لو شاء لجعله خفاً أو حافراً.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { لا أقسم بيوم القيامة } قال: يقسم الله بما شاء من خلقه { ولا أقسم بالنفس اللوّامة } الفاجرة قال: يقسم بها.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: { بالنفس اللوّامة } قال: المذمومة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس { بالنفس اللوامة } قال: التي تلوم على الخير والشر تقول لو فعلت كذا وكذا.

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { بالنفس اللوامة } قال: تندم على ما فات وتلوم عليه

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { بالنفس اللوامة } قال: تندم على ما فات وتلوم عليه.

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس عن الحسن { ولا أقسم بالنفس اللوامة } قال: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه ما أردت بكلمتي ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديثي نفسي، ولا أراه إلا يعاتبها، وإن الفاجر يمضي قدماً لا يعاتب نفسه

أخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس { بلى قادرين على أن نسوي بنانه } قال: نجعلها كفاً ليس فيه أصابع.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { بلى قادرين على أن نسوي بنانه } قال: لو شاء لجعله كخف البعير أو كحافر الحمار، ولكن جعله الله خلقاً سوياً حسناً جميلاً تقبض به وتبسط به يا ابن آدم.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { على أن نسوي بنانه } قال: يجعل رجليه كخف البعير فلا يعمل بها شيئاً .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة { على أن نسوي بنانه } قال: إن شاء رده مثل خف البعير حتى لا ينتفع.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك { على أن نسوي بنانه } قال: يجعل رجليه كخف البعير فلا يعمل بهما شيئاً. – الدر المنثور للسيوطي ] .

وفي تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي :

[  القراءة :

قرأ القواس لأقسم والباقون لا أقسم ولم يختلفوا في الثاني أنه ولا أقسم وقرأ أهل المدينة بَرَق البصر بفتح الراء والباقون بَرِق بالكسر وفي الشواذ قراءة ابن عباس وعكرمة وأيوب السختياني والحسن المَفِر بفتح الميم وكسر الفاء وقراءة الزهري المِفَر بكسر الميم وفتح الفاء.

الحجة :

قال أبو علي: من قرأ { لا أقسم بيوم القيامة } كانت لا على قوله { صلة } كالتي في قوله {  لئلا يعلم أهل الكتاب- الحديد 29 } فإن قلت لا وما والحروف التي هُنَّ زوائد إنما تكون بين كلامين كقوله {  مما خطيئاتهم – نوح 25 } و {  فبما رحمة من الله   – آل عمران 159} و{  فبما نقضهم  – النساء 155} و[ المائدة 13] ولا تكاد تزاد أولاً فقد قالوا إن مجاري القرآن مجاري الكلام والواحد والسورة الواحد قال: والذي يدل على ذلك أنه قد يذكر الشيء في سورة ويجيء جوابه في سورة أخرى كقوله {  يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون-  الحجر  6 } جاء جوابه في سورة أخرى { ما أنت بنعمة ربك بمجنون  – القلم 2 } فلا فصل على هذا بين قوله لئلا يعلم وبين قوله لا أقسم فأما من قرأ لأقسم فإن اللام تجوز أن تكون اللام التي تصحبها إحدى النونين في أكثر الأمر وقد حكى ذلك سيبويه وأجازه وكما لم يلحق النون مع الفعل الآتي في لأقسم كذلك لم يلحق اللام مع النون في نحو قول الشاعر:

وَقَتِيلُ مُرَّةَ أَثْأَرَنَّ فَإنَّهُ فَرْغٌ وَإنَّ أَخاكُمُ لَمْ يُثْأَرِ

يريد لأثأرن فحذف اللام ويجوز أن يكون اللام لحقت فعل الحال وإذا كان المثال للحال لم يتبعها النون لأن هذه النون التي تلحق الفعل في أكثر الأمر إنما هي للفصل بين فعل الحال والفعل الآتي وقد يمكن أن يكون لا ردّاً لكلام وزعموا أن الحسن قرأ { لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة } وقال أقسم بالأولى ولم يقسم بالثانية وحكي نحو ذلك عن ابن أبي إسحاق أيضاً وذكر أبو علي في غير كتاب الحجة أن اللام زيادة لأن القسم لا يدخل على القسم وقال ابن جني: ينبغي أن تكون هذه اللام لام الابتداء أي لأنا أقسم بيوم القيامة وحذف المبتدأ للعلم به. وقال أبو الحسن: برق البصر أكثر في كلام العرب والمفتوحة لغة. قال الزجاج: من قرأ برق فمعناه فزع وتحيَّر ومن قرأ بَرق فهو من بريق العينين وقال أبو عبيدة: برق البصر إذا شقَّ وأنشد:

لَمّا أَتانِي ابنُ صَبِيحِ راغِباً أًعْطَيْتُهُ عَيْساءَ مِنْها فَبَرَقْ
والمفر الفرار والمَفِرّ بكسر الفاء الموضع الذي يفرُّ إليه والمَفِرّ بكسر الميم وفتح الفاء الإنسان الجيد الفرار وقال امرؤ القيس

مِكَــرٍّ مِفَــرٍّ مُقْبِــلٍ مُدْبِـرٍ مَعاً

كَجُلْمُودٍ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ

الإِعراب: { بلى قادرين } نصب على الحال والتقدير بلى بجمعها قادرين فالعامل في الحال محذوف لدلالة ما تقدَّم عليه كما في قوله

{ فإن خفتم فرجالاً- البقرة 239 }   أي فصلَّوا رجالاً ومفعول يريد محذوف تقديره بل يريد الإِنسان الحياة ليفجر ويسأل جملة في موضع الحال و لا وزر خبره محذوف وتقديره لا وزر في الوجود وقوله بل الإِنسان على نفسه من نفسه بصيرة. قيل: في تفسيره أقوال أحدها: أن المعنى بل الإِنسان على نفسه عين بصيرة والثاني: حجة بصيرة أي بينة والثالث: أن الهاء للمبالغة كما يقال رجل علامة ونسابة وقال علي بن عيسى تقديره بل الإِنسان على نفسه بصيرة أي جوارحه شاهدا عليه يوم القيامة فأَنَّث بصيرة لأنه حمل الإِنسان على النفس وجواب لو محذوف تقديره ولو ألقى معاذيره ولم ينفعه ذلك ويجوز أن يكون جوابه فيما سبق. المعنى: { لا أقسم بيوم القيامة } قيل إن لا صلة ومعناه أقسم بيوم القيامة عن ابن عباس وسعيد بن جبير. وقيل: إن لا ردّ على الذين أنكروا البعث والنشور من المشركين فكأنه قال لا كما تظنّون ثم ابتدأ القسم فقال أقسم بيوم القيامة أنكم مبعوثون ليكون فرقاً بين اليمين التي تكون جحداً وبين اليمين المستأنفة. وقيل: معناه لا أقسم بيوم القيامة لظهورها بالدلائل العقلية والسمعية. وقيل: معناه لا أقسم بيوم القيامة فإنكم لا تقرُّون بها. { ولا أقسم بالنفس اللوامة } فإنكم لا تقرّون بأن النفس تلوم صاحبها يوم القيامة ولكن أستخبركم فأخبروني هل أقدر على أن أجمع العظام المتفرقة وهذان الوجهان عن أبي مسلم. وقيل: معناه أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة أقسم بالأول ولم يقسم بالثاني عن الحسن قال علي بن عيسى وهذا ضعيف لأنه يخرج عن تشاكل الكلام والأولى أن يكونا قسمين وهو قول الأكثرين وجواب القسم محذوف تقديره ما الأمر على ما تتوهمون وإنكم تبعثون أو لتبعثن ومن قرأ لأقسم فإنه يجعلها جواب القسم وحذف النون لأنه أراد الحال وقد ذكرنا ما قيل فيه. والنفس اللوامة الكثيرة اللوم وليس من نفس برّة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها يوم القيامة إن كانت عملت خيراً قالت هلا ازددت وإن كانت عملت سوءاً قالت يا ليتني لم أفعل عن ابن عباس في رواية عطاء وقال مجاهد: تلوم على ما مضى تقول لم فعلت ولمَ لمْ أفعل. وقيل: النفس اللوامة الكافرة الفاجرة عن قتادة ومجاهد ومعناه ذات اللوم الكثير لما سلف منها. وقيل: هي النفس المؤمنة تلوم نفسها في الدنيا وتحاسبها فتقول: ماذا فعلت ولمَ قصرت فتكون مفكّرة في العواقب أيداً والفاجر لا يفكر في أمر الآخرة ولا يحاسب نفسه عن الحسن. { أيحسب الإِنسان } صورته صورة الاستفهام ومعناه الإِنكار على منكري البعث ومعناه أيحسب الكافر بالبعث والنشور يعني جنس الكفار { أن لن نجمع عظامه } أي أنه لن نعيده ما كان أولاً خلقاً جديداً بعد أن صار رفاتاً فكنّى عن البعث بجمع العظام.

ثم قال سبحانه { بلى } نجمعها { قادرين على أن نسوّي بنانه } على ما كانت وإن قلَّت عظامها وصغرت فنردّها كما كانت ونؤلّف بينها حتى يستوي البنان ومن قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر عن الزجاج والجبائي وأبي مسلم. وقيل: معناه نقدر على أن نجعل بنانه كالخلف والحافر فيتناول المأكول بفيه ولكنا مننّا عليه بالأنامل ليكمل بها المنفعة ويتهيّأ له القبض والبسط والارتفاق بالأعمال اللطيفة كالكتابة وغيرها عن ابن عباس وقتادة. { بل يريد الإنسان } أي يريد الكافر { ليفجر أمامه } هذا إخبار من الله تعالى أن الإِنسان يمضي قدماً في معاصي الله تعالى راكباً رأسه لا ينزع عنها ولا يتوب عن مجاهد والحسن وعكرمة والسدي أي فهذا هو الذي يحمله على الإِعراض عن مقدورات ربه فلذلك لا يقرُّ بالبعث وينكر النشور. وقيل: ليفجر أمامه أي ليفكر بما قدامه من البعث ويكذب به فالفجور وهو التكذيب وعن الزجاج: قال ويجوز أن يريد أنه يسوِّف التوبة ويقدم الأعمال السيئة وقال ابن الأنباري: يريد أن يفجر ما امتد عمره وليس في نيته أن يرجع عن ذنب يرتكبه. وقيل: معناه أنه يقول أعمل ثم أتوب عن عطية والمراد أنه يتعجل المعصية ثم يسوف التوبة يقول غداً وبعد غد. –  تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) ] .

وفي تفسير البرهان :

[ قوله تعالى : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ  وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } – إلى قوله تعالى – { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ 1-5}

– علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ }: يعني أقسم بيوم القيامة و { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } ، قال: نفس آدم التي عصت فلامها الله عز وجل. قوله عز وجل: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } قال: أطراف الأصابع، لو شاء الله لسواها.

قوله تعالى: { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ، قال: يقدم الذنب ويؤخر التوبة، ويقول: سوف أتوب.
– عن محمد بن خالد البرقي، عن خلف بن حماد، عن الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقرأ: ” { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } أي يكذبه “.

–  قال  : وقال بعض أصحابنا عنهم (عليهم السلام): ” أن قول الله عز و جل: { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } قال: [بل] يريد أن يفجر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، بمعنى يكيده – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

التفسير :

  • لا أقسم بيوم القيامة (1)

وهنا :

(لا أقسم)

واللا نافيه وهى ترد مقترنة بالقسم كدلالة على أن المقسوم به ظاهراً لا يحتاج إلى قسم [ وصيغة (لا أقسم) صيغة قسم، أدخل حرف النفي على فعل (أقسم) لقصد المبالغة في تحقيق حرمة المقسم به بحيث يوهم للسامع أن المتكلم يهم أن يقسم به ثم يترك القسم مخافة الحنث بالمقسم به فيقول: لا أقسم به، أي ولا أقسم بأعز منه عندي ، وذلك ]  كناية عن تأكيد القسم .

قال تعالى {  فلا أقسم بمواقع النجوم – الواقعة 75 } أي أنه تعالى لن يقسم بأمر لايحتاج إلى قسم لعلمكم بعظم شأنه وهى كما يعلم كل الخلق أنه خلق عظيم لذلك قال تعالى في مشارق الأرض و شمسها ومغاربها وإقبال ليلها { فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون – المعارج 40 } وقال تعالى أيضاً { فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – التكوير 15-29 } وقال تعالى مؤكداً  صعود الإنسان للسماء الأولى ليعلم الناسأنه تعالى قد أحاط بهم علماً من قبل أن يخلقهم وهو يعلم ما سيفعلون قال تعالى { فلا أقسم بالشفق وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ – الإنشقاق 16-21 } . والطبق هو الطبقة الأولى من سماء الحياة الدنيا لقوله تعالى { الذي خلق سبع سماوات طباقا – الملك } وهنا يقول تعالى أن هذا لا يحتاج إلى قسم بعد أن أخبركم الله تعالى بهذا الحدث قبل الوصول إليه بأكثر من 1440 عام .

ومالا يعلمه المخلوقين عن هذه النجوم واللليل والنهار والكواكب و ما في السماء والأرض أكبر فكيف يقسم الله تعالى بما لا يعلم عنه الخلق إلا الظواهر الواضحة على أنها خلق عظيم لن يقدر مخلوقاً على تناولة أو التحكم فيه أو عمل مثيل لها أو حتى إحاطة العلم بها  وبالتالي نفي القسم بها مبالغة لعظم شأنها وكأنها لا تحتاج إلى قسم كقولك لن أقسم على هذا العمل أو لن أحلف مثلاً  وكأنك عزمت الأمر فلا يحتاج إلى قسم وكأنه أمر مغلف بالوعيد لأنه أكثر وضوحاً قال تعالى في بيان عجز البشر عن رؤية كل شيئ يبصرونه وأشياء كثيرة لا يبصرونها أن هذا القرآن الكريم تنزيل من رب العالمين وهذا لا يحتاج إلى قسم لأن القرآن بمعجزته دالاً على نفسه أنه ليس من كلام البشر قال تعالى {فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ  تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ  – الحاقة 38- 43 } . وكذلك يوم القيامة هنا لا يحتاج إلى قسم ففيه فناء الدنيا وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات فهو يوم عظيم قال تعالى لذلك فيه هنا { لا أقسم بيوم القيامة – القيامة 1 } .

وأما :

(بيوم القيامة)

ويوم القيامة قبله علامات تشير لقرب قيامتها منها هلاك القرى والبلاد في قوله تعالى { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 } وهذه ضمن آيات سيعرفها الناس بغير علماء فيعرفونها ببصيرتهم قال تعالى { وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون – النمل 93 }

ويوم القيامة إذا قامت فهو يوم جمع الناس منذ خلق الله تعالى الدنيا إلى آخر يوم فيها قال تعالى : { الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا – النساء 87 } وفي هذا اليوم يطوي الله تعالى السماء على الأرض كما في قوله تعالى  { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون – الزمر 67 } وفي هذا اليوم يجمع الله تعالى الشمس والقمر فيلقيان في جهنم لتزداد سعيرا كما هو وارد في سنة النبي صلى الله عليه  وآله قال تعالى { يسأل أيان يوم القيامة فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ – القيامة 6-15 } .

فإذا نبأهم الله تعالى فقد وضع الله تعالى الموازين التي توزن بها أعمال الناس فقال تعالى { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين – الأنبياء 47 }

ويقول تعالى عن أعمال الناس أن كل إنسان يخرج الله تعالى له كتاب أعماله فقال تعالى { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة  كتابا يلقاه منشورا – الإسراء  13 } وقال تعالى أيضاً { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا – الإسراء 13 } وعن قدرته تعالى يبين أنه يقلب الليل والنهار ويكن أن يجعل الدنيا ليلاً بغير نهار ونهارا بغير ليل كما في قوله تعالى { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ – القصص 71-73 } ولعظم هذا اليوم وهول مافيه من أحداث يعقبها تحديد مصائر العباد بين الخلود في الجنة أو النار قال تعالى لذلك هنا { ولا أقسم بالنفس اللوامة } .

وأما :

(2) و لا أقسم بالنفس اللوامة (2)

وهنا :

(النفس)

يقول تعالى مبيناً أنه ألهم أنفس الخلق الخير والشر بغير أنبياء ولا رسل فقال تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها } ومن هذه الأنفس نفس أمارة بالسوء قال تعالى فيها { إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي } وما رحم الله هنا النفس المطمئنة التي قال تعالى فيها { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي – الفجر } ومما رحم الله تعالى هنا النفس اللوامة التي قال تعالى فيها { ولا أقسم بالنفس اللوامة } وهذه هى النفس التي تلوم نفسها إن وقعت في نعصية الله تعالى وهذها الندم توبة لنفس مؤمنة لا يمكن أن تؤمن إلا بإذن الله كالموت قال تعالى { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون – يونس 100 } ولأنه يقول تعالى عن الموت { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين – آل عمران 145 } والشاكرين هم الذين عملوا بالوصية وقدموا ولاية أهل بيت النبي وأولهم الإمام علي عليه السلام على غيرهم لقوله تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } وهؤلاء الشاكرين هم الذن تولوا الإمام علي عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله كما في آية المباهلة حيث قال تعالى { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين = آل عمران 61 }

[عَنْ دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَابِر قَالَ : قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَاقِب وَالطَّيِّب فَدَعَاهُمَا إِلَى الْمُلَاعَنَة (اي المباهلة)، فَوَاعَدَاهُ عَلَى أَنْ يُلَاعِنَاهُ الْغَدَاة قَالَ :فَغَدَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيّ وَفَاطِمَة وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَأَبَيَا أَنْ يُجِيبَا وَأَقَرَّا لَهُ بِالْخَرَاجِ قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ: ” وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَوْ قَالَا : لَا لَأُمْطِرَ عَلَيْهِمْ الْوَادِي نَارًا ” قَالَ جَابِر: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ ” نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسنَا وَأَنْفُسكُمْ “قَالَ جَابِر: “أَنْفُسنَا وَأَنْفُسكُمْ” رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب،”وَأَبْنَاءَنَا ” الْحَسَن وَالْحُسَيْن،”وَنِسَاءَنَا” فَاطِمَة.وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه عَنْ عَلِيّ بْن عِيسَى عَنْ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْأَزْهَرِيّ عَنْ عَلِيّ بْن حَجَر عَنْ عَلِيّ بْن مُسْهِر عَنْ دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد بِهِ بِمَعْنَاهُ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيح عَلَى شَرْط مُسْلِم وَلَمْ يُخْرِجَاهُ هَكَذَا . قَالَا : وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ عَنْ شُعْبَة عَنْ الْمُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ مُرْسَلًا وَهَذَا أَصَحّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْبَرَاء نَحْو ذَلِكَ . – تفسير القرآن العظيم لابن كثير – آية المباهلة ]

فيكون على ذلك الإيمان بالله تعالى تعالى ورسوله صلى الله عليه وولاية أهل بيت النبي عليهم السلام كالموت لا يتولاهم إلا من اصطفاه الله تعالى لذلك وكانت نفسه مخلوقة من طينة الجنة وهذا مالا شأن لمخلوق فيه ومن هنا أقسم الله تعالى بالنفي اللوامة فلا يمكن أن تموت على الكفر كما لا يمكن للنفس الخبيثة التي تأمر صاحبها بالسوء أن تموت على الإيمان فلا يؤمن أحد إلا بإذن الله ولذلك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين – القصص 56  } . وليس عليه صلى الله عليه وآله إلا الدعوة وتذكير الناس وعلى الله تعالى هدايتهم قال تعالى { فذكر إنما أنت مذكر – الغاشية 21 } وقال تعالى { سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى – الأعلى 10-11} ومن شاء الله تعالى له الهداية فهى إما نفس مطمئنة أو نفس لوامة قال تعالى فيها هنا { ولا أقسم بالنفس اللوامة } .

وأما :

(اللوامة)

[ لَوْم: (اسم) لَوْم : مصدر لامَلامَ : (فعل) لامَ يَلوم ، لُمْ ، لَوْمًا ، فهو لائم والجمع : لُوَّمٌ، ولُيَّمٌ وهو أَيضاً لَوَّامٌ ، ولَوَّامةٌ ، ولْوَمةٌ وذاك مَلُومٌ ، ومَلِيمٌ ، والمفعول مَلوم و لامَه :عذَله ، كدَّره بكلامٍ لما قام به من عمل أو قول غير مُلائمين، أنّبَه ووبّخه وآخَذَه – معجم المعاني الكبير ] .

قال تعالى في توبيخهم  وتكديرهم لامرأة العزيز بكلام مؤذي { فذلكن الذي لمتنني فيه – يوسف 32 } وتلاوم الرجلان : لام كل منهما الآخر قال تعالى { فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون – القلم 30 } والنفس اللوامة : التي تلوم نفسها على ماقترفته من إثم قال تعالى  هنا { ولا أقسم بالنفس اللوامة – القيامة 2 } فإن لامت نفسها تابت كما في قوله تعالى عن { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين  – الأعراف 32 } .

وهؤلاء التائبين هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و أهل بيته عليهم السلام وجاهدوا في سبيل الله و لم يخافوا لومة لائم كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ – المائدة 54-56 } وهؤلاء هم حزبه كما بينا الذين تولوه ورسوله وأهل بيته عليهم السلام لنزول آية الولاية في أمير المؤمنين علي عليه السلام لأنه تعالى عقب بآية الولاية التي نزلت في غدير خم  وهؤلاء في كل زمن ممن تولوا الله تعالى ورسله و أنبياءه ثم أهل بيته عليهم السلام وهؤلاء حتى يوم القيامة هم حزبه تعالى الغالبون . ولذلك أقسم الله تعالى بهذه الأنفس المؤمنة الموالية لله تعالى ورسوله وأهل بيته تعالى .

ثم يقول تعالى :

  • أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه (3)

وهنا :

(أيحسب الإنسان)

[ وحسب : وهنا حسب الشيئ كائناً يحسبه : ظنه كائناً يتعدى إلى مفعولين – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل السين والباء ] قال تعالى { أيحسب الإنسان أن يترك سدى – القيامة 3 }

وأما:

(أيحسب)

أي أنه يقول تعالى في هؤلاء الكفار المنكرين للبعث والنشور والحساب  { أيحسب أن لن يقدر عليه أحد – البلد 5 } وهل يحسبون أن يتركوا سدى بغير حساب كما في قوله تعالى سورةالقيامة {أيحسب الإنسان أن يترك سدى – القيامة 36 } بل هل يحسبون أن الله تعالى لا يراهم قال تعالى {  أيحسب أن لم يره أحد – البلد 7 }

و يقول تعالى لهؤلاء هل يحسبون أن الله تعالى بعدما مدهم بالمال والبنين يسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون بتبعة الحساب عن هذه النعم التي أنعمها الله تعالى عليهم ولم يؤدوا شكرها قال تعالى {  أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين بل لا يشعرون نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ  وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ – المؤمنون 55-61} .

وأما :

(الإنسان)

وهنا كأنه يقول تعالى لهذا الإنسان متعجباً من جرأته على الله تعالى وعمى قلبه عن الإبصار بحقائق خلقه و تجاهل ما أمرهم الله تعالى به من الإيمان به والعمل الصالح قال تعالى { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ  وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ – الإنفطار 6-12 } وهنا عندما خلقه عز وجل جعل له بصيرة يعرف بها الخير من الشر كما في قوله تعالى { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره – القيامة 14-15 } وجعل الله تعالى لهذا الإنسان السمع والأبصار والأفئدة لمعرفة الخير والشر وحتى لا تكون له حجة يوم القيامة قال تعالى { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا – الإنسان 2 } ويوم القيامة ينبئه الله تعالى بما قدم وأخر كما في قوله تعالى { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر – القيامة 13 } ولذلك يقول تعالى هنا { أيحسب الإنسان أن يترك سدى – القيامة 36 } .

وأما :

(ألن)

أي أنه يقول تعالى هنا هل يحسب هذا الإنسان أن لن يقدر عليه أحد قال تعالى { أيحسب أن لن يقدر عليه أحد – البلد 5 } أي أنهم ظننوا أن لن يجعل الله تعالى لهم موعداً للحساب كما في قوله تعالى { وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا  وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا  – الكهف 48-49 } [ أي : ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ، ولا أن هذا كائن – تفسير ابن كثير ] ولذلك يقول تعالى هنا في هؤلاء المجريمين { أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ – القيامة 2 } .

وأما :

(نجمع)

وجمع هذه العظام لكل هذا الخلق يطون يوم القيامة وهو يوم الجمع الذي قال تعالى فيه : { يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم – التغابن 9 } وهذا الجمع يكون يوم القيامة لقوله تعالى { قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون- الجاثية 26 } . وفي يوم القيامة يجمع الله تعالى عظامهم ليحييهم ويقومون للحساب وهذا ما أنكره الكافرون بالله تعالى كما في قوله تعالى هنا { أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ – القيامة 2 } .

وأما :

(عظامه)

وعظام الإنسان هى التي يركب فيها كل جسده كما في قوله تعالى { ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين – المؤمنون 14 } وهذا البعث من بعد الموت ضرب الله تعالى له مثلاً نبي الله عزير والذي أحياه الله تعالى بعدما نام مائة عام في قوله تعالى { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير – البقرة 259 } وهنا يبين تعالى أنه كما احيا هذه العظام فعادت للحياه كذلك يفعل الله تعالى بالخلق يوم القيامة فيحييهم للحساب على اقترفوه بالحياة الدنيا وهنا يقول تعالى لذلك : { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ  فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ– يس – 78-83 }

ثم يقول تعالى :

  • بلى قادرين على أن نسوى بنانه (4)

وهنا :

(بلى)

[  بلى : رد للنفي نحو قوله تعالى: { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة – البقرة80 – 81 } أو جواب لاستفهام مقترن بنفي نحو : { ألست بربكم قالوا : بلى – الأعراف172}. و (نعم) يقال في الاستفهام المجرد نحو: { هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا : نعم – الأعراف 44} ، ولا يقال ههنا: بلى فإذا قيل: ما عندي شيء فقلت: بلى فهو رد لكلامه، وإذا قلت نعم فإقرار منك . قال تعالى: { فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون – النحل 28 } ، { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم – سبأ 3}، { وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى – الزمر71 } ، { قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى –غافر 50} – معجم معاني كلمات القرآن الكريم لبشير أحمد سليمان يونس – الأردن ] .

وأما :

(بلى قادر)

يقول تعالى { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير – الأحقاف 33 } وخالق السماوات والأرض قادر سبحانه وتعالىأن يخلق مثلهم كما في قوله تعالى { أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – يس 81-83} وهو القادر على أن يسوي بنان بني آدم كما في قوله تعالى هنا { بلى قادرين على أن نسوى بنانه}

وأما :

(على أن)

{ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ – الواقعة 58-62 }

{ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ – المعارح 38-44 } .

وقال تعالى أيضاً { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا – الإسراء 99 } .

 

و بالتالي رب المشارق المغارب الذي خلقهم مما يعلمون ومما لا يعلمون أليس ذلك بقادر على أن يحى الموتى قال تعالى { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى – القيامة 40 }

وهو القادر على أن يرى كفار كل زمان بأسه تعالى وما توعدهم به كقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون – المؤمنون 95 } ومما سيحل بهم حال اتقلابهم وردتهم عن دين الله تعالى التفرق والإقتتال  وتسلط بعضهم على بعض حتى يقتل بعضهم بعضا كما في قوله تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 }

وأما :

(نسوى)

التسوية اكتمال الخلق لقوله تعالى { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – ص 72 } فإذا سواه عز وجل هنا ميزه عن غيرة ببنانه دوناً عن بقية بني آدم منذ خلقهم الله تعالى حتى يوم القيامة  كما في قوله تعالى هنا { بلى قادرين على أن نسوى بنانه }

 (بنانه)

[ بَنان : (اسم) ضَرَبَهُ عَلَى أطْرَافِ بَنَانِهِ : أطْرَافِ أصَابِعِهِ ]

[ البنان : الأصابع ، قيل : سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبن بها ، يريد : أن يقيم بها، ويقال: أبن بالمكان يبن (قال السرقسطي: أبن بالمكان : أقام. راجع: الأفعال 4/128)، ولذلك خص في قوله تعالى : {بلى قادرين على أن نسوي بنانه – القيامة 4 }  ، وقوله تعالى : { واضربوا منهم كل بنان  الأنفال 12 }  ، خصه لأجل أنهم بها تقاتل وتدافع ، والبنة : الرائحة التي تبن بما تعلق به. – معجم معاني كلمات القرآن الكريم لبشير أحمد سليمان يونس – الأردن ] .

قال تعالى { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان – الأنفال 12 }  و هذا البنان فيه بصمة الأصبع والتي لا تتفق واحدة مع أخرى منذ بداية الخلق إلى قيام الساعة وآخر نفس منفوسة كما بينا من قبل وبالتالي { نسوى بنانة } تميزه ببنانه عن غيره من بني جنسه والله تعالى قادر على أن يسويهم جميعا في نسخة متطابقة مكررة ولا يقدر على ذلك إلا خالقهم سبحانه وتعالى .

ثم يقول تعالى :

  • بل يريد الإنسان ليفجر أمامه (5)

وهنا :

(بل)

[حرف عطف بمعنى لكن، يدخل على المفرد وقبله نفي أو نهي فيقرِّر ما قبله ويثبت ما بعده، وإذا كان قبله إثبات أو أمر جعله كالمسكوت عنه ويثبت الحكم لما بعده “ما حضر سليم بل أخوه- ارْو لنا شيئًا من نثرك بل من شِعْرك- {وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ  – البقرة 154 }

  • حرف ابتداء، أو استئناف، يفيد إبطال المعنى الذي قبله، والردّ عليه بما بعده إذا دخل على جملة ” {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} – {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} “.
    • حرف يفيد الانتقال من معنى إلى آخر أهمّ “أنا لا أتقاعس بل أحضّ المتقاعسين على العمل”.
    • حرف عطف يفيد الإضراب تزاد قبله (لا) لتوكيد ما بعده “هو النهر الدافق في عطائه لا بل البحر الخضمّ- وجهك البدر لا بل الشمس لو لم … يقض للشمس كِسفَة أو أفُولُ”. – معجم المعاني ] قال تعالى { بل الذين كفروا في عزة وشقاق – ص 2 }

وهذه العزة والشقاق كان نصرة لما عليه الآباء والأجداد حسدا للنبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام بنزول الوحي في بيوتهم قال تعالى { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة – المدثر 52 } ولقد قالها صريحة أبو جهل  في بني عبد مناف [   كنا كفرسي رهان ننفق فينفقون ]

وهذا الحسد على الرغم من يقينهم أنه كتاب منزل و رسول مرسل من الله تبارك و تعالى لذلك قال تعالى { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون – الأنعام } وهنا أورد ابن كثير في تفسيره لهذه الآية  :

[روى الحاكم بإسناد صححه، أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: “إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئتَ به، فأنزل الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ – الأنعام 33} . أي : ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم ، كما قال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب ،

  • عن علي [ الله عنه  قال قال : أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا نكذبك ، ولكن نكذب ما جئت به ، فأنزل الله : { فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }  ورواه الحاكم ، من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه
  • وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة ، حدثنا بِشْر بن المُبَشِّر الواسطي ، عن سلام بن مسكين ، عن أبي يزيد المدني ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فصافحه ، قال له رجل : ألا أراك تصافح هذا الصابئ ؟ ! فقال : والله إني أعلم إنه لنبي ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا ؟ ! وتلا أبو يزيد : { فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } قال أبو صالح وقتادة : يعلمون أنك رسول الله ويجحدون . وذكر محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل ، هو وأبو سفيان صَخْر بنِ حَرْب ، والأخْنَس بن شريق ، ولا يشعر واحدٌ منهم بالآخر . فاستمعوها إلى الصباح ، فلما هَجَم الصبح تَفرَّقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال كل منهم للآخر : ما جاء بك ؟ فذكر له ما جاء لهثم تعاهدوا ألا يعودوا ، لما يخافون من علم شباب قريش بهم ، لئلا يفتتنوا بمجيئهم فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظَنًا أن صاحبيه لا يجيئان ، لما تقدم من العهود ، فلما أجمعوا جمعتهم الطريق ، فتلاوموا ، ثم تعاهدوا ألا يعودوا . فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضا ، فلما أصبحوا تعاهدوا ألا يعودوا لمثلها   فلما أصبح الأخنس بن شَرِيق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حَنْظَلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعتُ أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها . قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به . ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه في بيته فقال : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعت ؟ تنازعنا  نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تَجاثينا على الرُّكَب ، وكنا كَفَرَسي رِهَان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ! فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه ، قال : فقام عنه الأخنس وتركه  وروى ابن جرير ، من طريق أسباط ، عن السُّدِّي ، في قوله : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شَرِيق لبني زهرة : يا بني زهرة ، إن محمدًا ابن أختكم ، فأنتم أحق من كف عنه . فإنه إن كان نبيًا لم تقاتلوه اليوم ، وإن كان كاذبًا كنتم أحق من كف عن ابن أخته قفوا هاهنا حتى ألقى أبا الحكم ، فإن غُلِبَ محمد رجعتم سالمين ، وإن غَلَب محمد فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئا . فيومئذ سُمِّي الأخنس : وكان اسمه ” أبيّ ” فالتقى الأخنس وأبو جهل ، فخلا الأخنس بأبي جهل فقال : يا أبا الحكم ، أخبرني عن محمد : أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يسمع كلامنا . فقال أبو جهل : ويحك ! والله إن محمدًا لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهبت بنو قُصيّ باللواء والسقاية والحجاب والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله : { فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } فآيات الله : محمد صلى الله عليه وسلم – تفسير ابن كثير ] و لما تعجبوا من كتاب الله تعالى وما فيه من بلاغة و إعجاز وإثباتات أنه ليس كتاباً بشرياً قالوا (هذا شيئ عجيب) كما في قوله تعالى { ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ۖ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ -1-11 } .

وحرباً على رسول الله صلى الله عليه وآله اتهموه بالشعر الجنون و الكهانة قال تعالى : { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بل جاء بالحق وصدق المرسلين – الصافات36-37}

وهنا كانت هذه الحرب على القرآن والنبي وآل بيته عليهم السلام كفراً و عناداً  تقليداً لسلفهم وأجدادهم  كما في قوله تعالى { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ  – الزخرف 21-23 } وهذا اتباعاً للهوى كما في قوله تعالى { بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين – الروم 29 } ولذلك قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله بما أوحى الله إليه تباك وتعالى { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  بل الله فاعبد وكن من الشاكرين – الزمر 64-66 }

ومن هؤلاء الكافرون بالوحي منافقون يحاربون النبي والقرآن في الخفاء وقال تعالى فيهم { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا – الفتح 12 } وهؤلاء في شك اتخذوا دينهم لهواً ولعباً  قال تعالى { بل هم في شك يلعبون – الدخان 9 }

ويظل الوضع هكذا ويتوججه نوا الإنهيار الديني وفك عرىى الإسلام في كل عصر كما قال صلى الله عليه وآله تنفك عرى الإسلام وأولها الحكم وآخرها الصلاة .. الحديث ] وهؤلاء هم المكذبون بالدين قال تعالى فيهم  { كلا بل تكذبون بالدين – الأنفطار 9 }

ومع هذا التوسع في دائرة التكذيب والترك الكفر ووالفسوق والعصيان في أرجاء المعمورة وإيثار أكثر الناس العاجلة على الآجلة والدنيا على الآخرة كما في قوله تعالى { بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى  – الأعلى 16-17 }

فيتجم صناديد كفر العالم لقتال آخر فئة مؤمنة على الأرض من ذرية النبي محمد صلى الله عليه وآله وإمامهم وهنا يبشرهم الله تعالى بالهزيمة ونصرة دين الله الحق لقوله تعالى { سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر – القمر 45 -46 } ولذلك قال تعالى هنا { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه – القيامة } أي يريد القضاء على دين الإسلام والنبي و أهل بيته عليهم السلام في المستقبل  فأهلكهم الله تعالى وأدخلهم النار وماكان ذلك إلا لعدة أسباب قال تعالى فيها

{ كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي – الفجر 17-24 } .

وأما :

(يريد)

وهنا يبين تعالى أن الإرادة لكل البشرية إرادتين إما للدنيا أو الآخرة قال تعالى لذلك { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ – هود 15-17 } وهنا من أراد الدنيا عمل وتولى رجالها ومن أراد الآخرة عمل وتولى رجالها أيضاً .

وبالتالي هنا إرفاق آية شهادة النبي صلى الله عليه صاحب البينة ثم شهادة الإمام علي  عليه السلام على الأمة بعد النبي في قوله تعالى { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منة } تبين أنه من اراد رضا الله تعالى ةالجنة فليتولى الله تعالى ثم رسوله ثم الإمام علي عليه السلام لنزول هذه الاية فيه [روى عن الإمام علي عليه السلام قوله: (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بينة من ربه، وأنا الشاهد منه). كذا رواه عنه السيوطيّ الشافعيّ في (جمع الجوامع)، والمتقي الهندي في (كنز العمال)، والفخر الرازيّ في (التفسير الكبير)، والطبريّ في (جامع البيان)، وفيه عن عبد الله بن نجيّ: قال عليّ رضي الله عنه: ما من رجل من قريش الا وقد نزلت فيه الآية والآيتان. فسأله رجل: فأنت أي شيء نزل فيك؟ فقال علي: أما تقرأ الآية التي نزلت في هود: (ويتلوه شاهدٌ منه)؟!، كذلك روى الخبر ابن عساكر الدمشقيّ الشافعيّ في (تاريخ مدينة دمشق)، والكنجيّ الشافعيّ في (كفاية الطالب)، والثعلبيّ في تفسيره (الكشف والبيان)، وفيه، عن ابن عباس في قوله تعالى:”أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ” قال: هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، “وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ” قال: هو عليّ خاصة. وروى ذلك أيضاً الحمويّ الجوينيّ الشافعيّ في مؤلفه القيم (فرائد السمطين) وابن المغازلي الشافعي في (مناقب عليّ بن أبي طالب)، وفيه عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليّاً يقول: (ما نزلت آية في كتاب الله جل وعز، إلا وقد علمت متى نزلت، وفيم نزلت. وما من قريش رجلٌ إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله، تسوقه إلى جنة أو نار!)، فقام إليه رجلٌ فقال: يا امير المؤمنين ما نزل فيك؟ فقال له: (لولا انك سألتني على رؤوس الملأ ما حدثتك، اما تقرأ: ” أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ” ؟! رسول الله على بينة من ربه، وأنا الشاهد منه أتلوه وأتبعه. وقريباً منه ما رواه الحسكاني الحنفي في (شواهد التنزيل)، وسبط ابن الجوزيّ في (تذكرة خواصّ الأمّة)، والحافظ ابو نعيم الاصفهانيّ في (حلية الأولياء)، والواحديّ في (أسباب النزول)، والقرطبيّ والماورديّ وأبو حيان في تفاسيرهم والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودّة)، وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة)، والخوارزمي الحنفيّ في (المناقب)، وقال النيسابوريّ في (تفسير غرائب القرآن): الشاهد منه: هو بعض محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يعني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال سبط ابن الجوزي الحنبلي الحنفيّ في (تذكرة الخواصّ) : “وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ” هو من كان أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ] . وبالتالي من أراد الله تعالى والدار الآخرة فليتولى أهل بيته عليهم السلام الذين أذهبالله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كما في قوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا  – ألحزاب 33 } ومن أراد الله تعالى فليكن مع ما أراده الله تعالى .

ومن أراد الدنيا والكفر والفسوق والفجور والعصيان فليخرج على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام ويتولى غيرهم .وهؤلاء سيكونون أإننياء ومترفين ولهم سعة من المال والولد ويقول تعالى لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم لأنهم سيعذبون بها لكفرهم وخروجهم على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون – التوبة 55 } .

وأما :

(الإنسان)

الإنسان هو الذي بدأ الله تعالى خلقه من طين وقال تعالى في ذلك { الذي أحسن كل شيئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين – الملك } وهذا الإنسان الذي خلقه الله تعالى وضع فيه بصيرة يعرف بها الخير والشر بغير نبي ولا كتاب حتى لا يكون له حجة عند الله تعالى قال عز وجل { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرة – القيامة } . ويقول تعالى فيمن كفروا وهم يعلمون ببصيرتهم أن هذا من الشر المهلك في الدنيا قبل الآخرة يقول تعالى لهؤلاء {  أيحسب الإنسان أن يترك سدى – القيامة 36 } .وبالتالي من كفروا ونافقوا وظلموا واستكبروا قتلهم الله تعالى بكفرهم وظلمهم قال تعالى { قتل الإنسان ما أكفره – عبس 17 } . وقيل أن هذه الآية [عن ابن عباس قال : نزلت في عتبة بن أبي لهب –القرطبي ]

وأما :

(ليفجر)    

والفجور خروج على أوامر الله تعالى وهوو عكس التقوى لقوله تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 8 } وكما ألهمها فجورها وتقواها كذلك يبين تعالى هنا أنه عز وجل أودع في هذا الإنسان بصيرة تلهمه الخير من الشر كما بينا لذلك يقول تعالى { بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ  وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ – القيامة 5-15 } وبالتالي الفاجر الكافر الظالم التارك للعمل بشرع الله الساعي نحو الشر لا حجة لهم عند الله ولا يستوون عند الله مع المتقين لقوله تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } وهؤلاء أعد الله تعالى لهم جحيماً قال تعالى فيه { وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ – الإنفطار 14 } وهذا الجحيم أعده الله تعالى لهم في سجين كما في قووله تعالى { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ – المطففين 7-17 } .

وأما :

(أمامه)

ولفظ أمامه لم يرد في القرآن إلا مرة واحدة هنا { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه } ولكنه ورد في الحديث الشريف عن فضائل وكرائم القرآن الكريم [ عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله : القرآنُ شافعٌ مشفَّعٌ ، وماحِلٌ مصدَّقٌ ، من جَعلَه أمامَه قادَه إلى الجنَّةِ ، ومن جعلَه خَلفَ ظهرِه ساقَه إلى النَّارِ – صحيح – أخرجه ابن حبان والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1855 ) باختلاف يسير

و أخرج الترمذي في “سننه” (3788) ، وابن أبي عاصم في “السنة” (1555) ، من طريق الأَعْمَش ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ] .

وبالتالي الأمام هما الكتاب والرسول و الإمام قال تعالى في الكتاب { ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين – الأحقاف 12 } وهذا الإمام له شاهد وهو النبي صلى الله عليه وآله ثم الإمام علي عليه السلام قال تعالى  { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون – هود 12 } .

وهذا يعني أن القائد المتبع الذي يجب أن يكون في الأمام ومقدماً على غيره في العمل مكاناً وزماناً هو القرآن الكريم و الرسول وسنته صلى الله عليه وإمامة عترته الطاهرة  لحديث الثقلين  [((تَركتُ فِيكم الثَّقلين، ما إن تمسَّكتُم بهما، لن تضلُّوا: كِتابَ اللهِ، وعِترتي أهلَ بيتي))

وفي تفاسير أهل البيت [ عن الحلبي قال سمعت أبا عبد الله يقرأ ” بل الإنسان يريد أن يفجر أمامه ” أي يكذبه وروى عن الأئمة ” بل الإنسان يريد أن يفجر أمامه ” قال يريد أن يفجر أمير المؤمنين عليه السلام يعني : يكيده – تفسير كنز الدقائق للقمي المشهدي ج 14 ص 35 ] .

و بالتالي من يكفر بكتاب الله تعالى ورسوله الله صلى الله عليه وسنته و إمامة أهل بيته عليهم السلام

ليكونوا أئمة وقدوة للناس بغير ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام  فهو من الهالكين قال تعالى فيهم وفي قيادتهم بعد ذكر أنبياء الله تعالى في سورة الأنعام { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ – الأنعام 78-90 }  .

وهذه الإمامة والقيادة والريادة للقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وإمامة أهل بيته عليهم السلام أباه الكثير من هؤلاء وأرادوا بأن يكون منهاجهم خارجاً على ولاية الله تعالى ومنهم من آمن ببعض وكفر ببعض ممن آمنوا بولاية الله تعالى ورسوله وكفروا بولاية أهل بيت نبيهم فالله تعالى { يحكم بينهم فيما كانوا يختلفون } ولذلك قال تعالى { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه}

ثم يقول تعالى :

  • يسأل أيان يوم القيامة (6)

وهنا :

(يسأل أيان)

[ أيان : استفهام عن زمان المستقبل- معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الياء والياء والألف والنون ج1 ص 73 ] .

و [ أيّان: (اسم) ظرف للزمن المستقبل يكون استفهامًا، : اِسْمُ شَرْطٍ للزَّمَانِ يَكُونُ مَبْنِيّاً عَلَى الفَتْحِ يَجْزِمُ فِعْلَيْنِ مُضَارِعَيْنِ للتفخيم بمعنى حين اسْمُ اسْتِفْهَامٍ لِلزَّمَانِ يَكُونُ مَبْنِيّاً عَلَى الفَتْحِ : أيَّانَ تَعُودُ إلَى البَيْتِ : مَتَى تَعُودُ – معجم المعاني ] .

يقول تعالى عن الساعة لها علامات ماقبل القيامة والتي أنكرها هؤلاء المجرمين قال تعالى : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الأعراف 187 } وقال تعالى أيضاً { يسألونك عن الساعة أيان مرساها فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا – النازعات 42-46} وبعد الساعة وقيامها يكون يوم القيامة الذي قال تعالى فيه { يسأل أيان يوم القيامة – القيامة 6 } وبعد يوم القيامة يكون يوم الدين والحساب الذي قال تعالى فيه { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ – الذاريات 12-14 } .

وأما :

(يوم القيامة)

يقول تعالى عن هذا اليوم مبيناً أنه يوم الجمع { قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون – الأنعام 12 } .وهذه القيامة لها علامات منها هلاك العالم دولة بعد دولة وقرية بعد أخرى لقوله تعالى {  وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا –الإسراء 58 } . ومنها عودة السيد المسيح عليه السلام كما في قوله تعالى { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا – النساء 159 } فإذا قامت القيامة صعق الله تعالى من في السماوات والأرض إلا المؤمنين به تعالى من رسله وأنبيائه وأئمة أهل البيت وتابعيهم ووصع الكتاب للحساب في هذا اليوم قال تعالى :  { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ  – الزمر 67-70 } .

وهذا اليوم كذب به هؤلاء المجرمين فلما سألوا فصل لهم الله تعالى ماذا سيحدث فيه من أحداث  كما في قوله تعالى هنا { يسأل أيان يوم القيامة فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ  – القيامة 6-13 } .

ثم يقول تعالى :

  • فإذا برق البصر (7)

وهنا :

(فإذا برق البصر)

أي أنه يقول تعالى هنا { فإذا برق البصر} شخصت أبصار العالمين كما في قوله تعالى { واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين – الأنبياء 97 }

وأما :

(برق البصر)

[ وإبراق البصر : تحير حتى لا يطرف أو دهش فلم يبصر والبرق هو الشرارة الكهربية التي تحدث عند الكهربة الجوية بين سحابتين أو بين سحابة والأرض – معجم الفاظ القرآن باب الباء فصل الراء والقاف ] . قال تعالى { يكاد سنا برقه يذهب بالبصار – النور 43 } وبرق البصر هنا تحيره ودهشته من شدة الأضواء والأصوات والتي تكاد تذهب بأبصارهم وهذا هو معنى قوله تعالى هنا { فإذا برق البصر } كاد أن يذهب بأبصارهم كمت في قوله تعالى { يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه – البقرة 20 } .

ثم يقول تعالى :

  • وخسف القمر (8)

وهنا :

(وخسف)

خسف القمر [خسف القمر: ذهب ضوءُه ، احتجب ضوءُه كلُّه أو بعضُه عندما تكون الأرض بينه وبين الشَّمس ، أظْلم ، – قاموس المعاني ] قال تعالى  {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ} ”. وهذا الخسف من علامات القيامة وسقوط السماء على الأرض { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين – الأنبياء 104 } وحركة القمر بعداً واقتراباً مسؤولة عن حركة السوائل والمد والجزر على الأرض من فيضانات وزلازل وتغيير أمزجة بني آدم لتاثرهم بحركته بما فيه من دم سائل قال تعالى لذلك عن شيئاً في السماء مخلوقاً ومسؤولاً  عن هلاك الظلمة { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور – الملك 16 } ومن في السماء شيئاً مخلوقاً لأن الله تعالى قال عن نفسه { ليس كمثله شيئ } والله تعالى لذلك لا يحد ولا يعد و ليس كمثله شيئ ومن في السماء هو القمر الذي أمرنا الله تعالى بالإستعاذة منه في قوله تعالى { قل أعوذ برب الفلق من شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد – الفلق } وكان صلى الله عليه وآله يشير إلى القمر قائلاً [ استعيذوا بالله من هذا الغاسق إذا وقب .. الحديث ] .

وأما عن خسوف القمر في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنه من علامات الساعة ومقدمة لأحداث القيامة :

[ عن حذيفة بن أسيد رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن السَّاعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات…(فذكر منها) : وثلاثة خسوف : خسفُ بالمشرق، وخسفُ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب (صحيح مسلم) .

– وعن أم سلمة قالت : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” سيكون بعدي خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب ” قلت : يا رسول الله ! أيُخسَفُ بالأرض وفيها الصالحون ؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا أكثر أهلها الخبث ” (رواه الطبراني في “الأوسط”؛ كما قال الهيثمي في: “مجمع الزوائد”وقال: “في الصحيح بعضه، وفيه حكيم بن نافع، وثقه ابن معين، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات) ] .

وأما :

(القمر)

أي أنه يقول تعالى عن بداية علامات الساعة و القيامة و التي تبدأ بانشقاق القمر كما حدث في زمن النبي صلى الله عليه وآله فقال تعالى { اقتربت الساعة وانشق القمر – القمر 1 } ومن علامات الساعة صعود الإنسان إلى طبقة سماء الدنيا الأولى لقوله تعالى { فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ ۩ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ – الإنشقاق 26-23 } و يوم القيامة { وجمع الشمس والقمر – القيامة 9 } وهذا تتابع علامات الساعة كنظام بال قطع سلكه ومنه خسوف القمر ومع ظهور علامات الساعة الكبرى والتي تبدأ بخسوفه كما في قوله تعالى هنا { وخسف القمر } ثم تكون العودة كما قال تعالى فيه { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم – يس 39 } .

 ثم يقول تعالى :

  • وجمع الشمس والقمر (9)

وهنا :

(وجمع)

والجمع يكون يوم القيامة لقوله تعالى : { الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا – النساء 87 } وبداية هذا اليوم حروباً وهلاك القرى وعلامات الساعة والتي تنتهي بنفخة الصعق كما في قوله تعالى { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا – الكهف 99 } فإذا نفخ في الصور وقامت القيامة جمع الله تعالى الشمس والقمر كما في قوله تعالى { وجمع الشمس والقمر – القيامة 9 }  وفي السنة النبوية المطهرة أورد السيوطي في تفسيره الدر المنثور : [ أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: { وجمع الشمس والقمر } قال: كورا يوم القيامة . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء بن يسار في قوله: { وجمع الشمس والقمر } قال: يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى.- تفسير الدر المنثور للسيوطي  ]

وأما :

(الشمس والقمر) 

وهنا :

يبين تعالى أن الشمس والقمر يجريان إلى أجل مسمى قال تعالى فيه { الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون – الرعد 2 } وهذا الأجل هو يوم القيامة حيث يجمعهما الله تعالى فيقذفان في جهنم لتزداد سعيرا قال تعالى هنا { وجمع الشمس والقمر } .

ثم يقول تعالى :

  • يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر (10)

وهنا :

(يقول)

وهنا ستكون عدة أقول للإنسان مع بداية القيامة وكأنه يسأل في استفهام عن زلزلة الأرض في قوله تعالى { إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذٍ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم – الزلزلة } وبالتالي هو يوم عسير كما في قوله تعالى {مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر – القمر 8 } وبقول ححينها أين المفر قال تعالى { يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر – القيامة } .

وأما :

 (الإنسان)

وهنا يقول تعالى { خلق الإنسان من صلصال كالفخار – الرحمن 14 } ثم يبين تعالى أن أكثر الأناسي يكفرون بالله تعالى كما في قوله عز وجل { وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور – الحج 66 } فإذا بعثهم الله تعالى من بعد الموت تذكروا ما عملوه في الحياة الدنيا قال تعالى { يوم يتذكر الإنسان ما سعى – النازعات  35 }

وهل يحسب هؤلاء أن الله تعالى لا يقدر على جمع عظامهم وإحيائهم من بعد الموت قال تعالى { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه – القيامة 3} وذلك لأنهم ظنوا أنه لا حياة من بعد الموت ولا نشور كما في قوله تعالى { ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا – مريم 66 } فقال تعالى { أيحسب الإنسان أن يترك سدى – القيامة 36 } وقال تعالى لهؤلاء { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ – الإنفطار 6-12 }

وأما :

(يومئذٍ)

ويومئذٍ هنا هو يوم القيامة لقوله تعالى فيه { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ – الحاقة 13-18 } وهنا يتذكر الإنسان ما سعيه وما عملة في الحياة الدنيا فيقول أين المفر من عمله الذي عمله وجرمه الذي أجرمه لقوله تعالى هنا { يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر – القيامة 10 }  وأما :

(أين)

{ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة  – النساء 78 } فإذا جاء الموت قيل لهم أين تذهبون كما في قوله تعالى { فأين تذهبون – التموير 26 } وهنا : { يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر – القيامة } .

وأما :

(المفر)

والفرار بمعننى الهرب وهو يكون من الموت في كتاب الله تعالى لقوله عز وجل { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون – الجمعة 8 } وما كان دخولهم النار إلا فرارهم من كتاب الله كما فعلت الأمم من قبل في قوله تعالى عن قوم نوح { فلم يزدهم دعائي إلا فرارا – نوح } ويفرون من النبي كأنهم حمير تهرب من أسد مهاجم لهمم قال تعالى { كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة – المدثر 50-51 } ولذلك يقول تعالى للمؤمنين { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين – الذاريات 50 } وهذا الفرار يكون عملاً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله حتى لا يلاقي يوماً يقول فيه هنا { أين المفر } وحينها سيفر من أمه وأبيه وأخيه قال تعالى :{فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ – – عبس 33 – 37 } .

ثم يقول تعالى :

  • كلا لا وزر (11 )

وهنا :

(كلا)

و [كَلاَّ: (حرف/اداة) حرف يفيد الردع والزجر والاستنكار، يجوز الوقوف عليه، والابتداء بعده – معجم المعاني ] .

قال تعالى { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ – التكاثر 1-8 } فإذا قامت القيامة قال تعالى فيها : { كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي – الفجر 21-24 } فإذا دكت الأرض دكا فالمستقر والمنتهى إلى الله تعالى قال تعالى هنا { كلا لا وزر إلى ربك يومئذٍ المستقر – القيامة 11-12}

وأما :

(لا وزر)

[ الوَزَر : الملجأ : يعتصم به من يخشى شيئاً وأصل الوزر الجبل المنيع يتحصن به – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الزاي والراء ] .وبالتالي لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم كما قال نبي الله نوحاً لأبنه { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم – هود 43 }  ومن رحم في الحياة الدنيا فهو الذي عمل بما أمر الله تعالى ورسوله ولا وزر يوم القيامة يحمي كل من كفر بالله تعالى ونافق قال تعالى هنا { كلا لا وزر إلى ربك يومئذٍ المستقر} .

ثم يقول تعالى :

  • إلى ربك يومئذٍ المستقر (12)

وهنا :

(إلى ربك يومئذٍ)

أي إلى الله تعالى المساق كما في قوله تعالى { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ- القيامة 26-30 } وهنا يكون المنتهى والمستقر .

وأما :

(المستقر)

[ والمستقر : القرار أو مكان الإستقرار وزمانه ] وهذا المستقر إما في الجنة لقوله تعالة فيها { خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما – الفرقان 76 } وهؤلاء في مكان خير وهى الجنة لقوله تعالى { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا – الفرقان 24 }

أو مستقراً في جهنم والعياذبالله وهى مستقر سوء قال تعالى فيه   { إنها ساءت مستقرا ومقاما – الفرقان 66 } .

ثم يقول تعالى :

  • ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر (13)

وهنا :

(ينبأ)

[ وينبأ : اي يخبرهم بما ظنوا أنه مخفي لا يعلمه أحد ] قال تعالى { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير – التحريم 3 } وبالتالي يوم القيامة ينبأ الله تعالى الباد بما عملوا لقوله تعالى { إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون – المائدة 105} وينبئهم بما كانوا يصنعون كقوله تعالى { وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون –المائدة 14 } وينبأ الله تعالى الناس فيما اختلفوا فيه لقوله تعالى {فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون – المائدة 48 } وقال تعالى أيضاً { قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون – الأنعام 164 } وبالتالي يوم القيامة ينبأ الله تعالى الناس بما قدموا وأخروا كما في قووله تعالى هنا { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم و أخر – القيامة } .

وأما :

 (بما قدم)

وما قدمه العبد هنا ما عمله في الدنيا ليقدم به على الله تعالى بعد الموت قال تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير – البقرة 110 }

والذين قدموا بغير عمل إلا عصيان الله تعالى فهؤلاء لا يوجد أظلم منهم كما في قوله تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا – الكهف 57 } وفي يوم الحساب هنا ينبئخك الله تعالىبما قدموا وأخروا كما في قوله تعالى { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر – القيامة 13 }

وهنا يقول (ياليتني كنت ترابا) كما في قوله تعالى { إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا – النبأ 40 } .

وأما :

(وأخر)

والتأخير يأت على قوم تركوا العمل بما أنزل الله تعالى وأخروه بعد أن قدموا العمل للدنيا على الآخرة وذلك لورود هذا اللفظ عليهم حال موتهم وطلبهم تأخير موتهم ليعملوا صالحا قال تعالى { وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين – المنافقون 10 } وهنا إذا مات نبأه الله تعالى بما قدم وأخر كما في قوله تعالى { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر – القيامة 13 } .

وأما :

(بما قدم وأخر)

وهنا يبين تعالى أن الإنسان سيعلم ما قدم وأخر إذا مات وقامت القيامة وبعثهم الله تعالى للحساب فمنهم من نسى ومنهم من كذب بالبعث والنشور و الحساب والكرام الكاتبين الذين أحصوا عليهم أعمالهم في الدنيا من خير وشر قال تعالى { إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ – الإنفطار 1-12} .

ثم يقول تعالى :

  • بل الإنسان على نفسه بصيرة (14) ولو ألقى معاذيره (15)

وهنا :

(بل)

[ حرف عطف للإضراب إذا سبقها خبر مثبت أو أمر وتفيد الاستدراك إذا سبقها نفي أو نهي – معجم المعاني ] .

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { بل هو قرآن مجيد البروج 21 } وفي كتاب الله تعالى بين أنه يوجد حياة بعد الموت ولكن بين تعالى أن أكثر الناس آثر الحياة الدنيا ولم يعمل  للآخرة ولو على سبيل الظن كما قال تعالى في المؤمنين { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأ،هم إليه راجعون } وهؤلاء ببصيرتهم عملوا لما بعد الموت فالعقل يقوول بأنه مادخل فيه الإحتمال بطل به الإستدلال فمادام هناك احتمال بعث ونشور وحساب فعلى العاقل الإستعدادا لهذا اليوم بالأعمال الصالحة ولكن يبين تعالى أن كثيراً من الناس لا يخافون الآخرة قال تعالى {  كلا بل لا يخافون الآخرة – المدثر 53  } وهنا يبين تعالى أنه وضع فيهم بصيرة يعلمون بها الخير و الشر بغير نبي و لا رسول فيستطيعون التمييز بعقولهم بين الخير و الشر لئلا يكون لهم على الله حجة قال تعالى { بل الإنسان على نفسه بصيرة – القيامة 14  } .

 

  وأما :

 

(الإنسان)

وهذا الإنسان هو الذي  خلقه الله تعالى من طين كما في قوله تعالى{ الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين – السجدة 7 } وقال تعالى فيه { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين –المؤمنون 12 } هذا الإنسان عندما خلقه تعالى وضع فيه بصيرة يعلم بها الخير والشر كما في قوله تعالى هنا { بل الإنسان على نفسه بصيرة -القيامة} .

 

وأما :

 

(على نفسه)

 وهنا يبين تعالى أن هذا الإنسان عندما خلقه تعالى وضع فيه بصيرة كما في الآية هنا قال تعالى فيها { بل الإنسان على نفسه بصيرة – القيامة 14} وبهذه البصيرة يلهمه الله تعالى الخير والشر الفجور ةالتقوى لقوله تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 7-8 } . ومن هذه الأنفس النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على أي ذنب أو سيئة لعلمها الحق من الباطل والخير من الشر بالبصيرة التي يلهمه الله تعالى بها قالت عالى { لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة – القيامة 2}

 

وأما :

 

(بصيرة)

 

[ والبصر بالعين : والتبصر نفاذ في القلب – ترتيب كتاب العين للفراهيدي ج1 ص 166 – إنتشارات أسوة – قم – إيران ]

والبصر بالعين لقوله تعالى { فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون – الحاقة 38-39 }

والبصيرة [ نور القلب الذي به يستبصر – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الصاد والراء ] .ولذلك يقول تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج 46 } أي أن خلقه تعالى سماءه وأرضة وما بينهما لتدل ببصيرتهم التي جعلها عز وجل إلهاماً لهم بأنه الخالق الأوحد المستحق للعبادة والطاعة .

وكدليل على أن البصر غير النظر يقوول تعالى { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون – الأعراف 198 } فإن لم يوصلهم النظر إلى البصيرة فهم عمي وبهذا الوصف وصف به الله تعالى الكفار والمنافقين قال تعالى { صم بكم عمي فهم لا يرجعون – البقرة 18 } وقد جعل الله تعالى البصائر في كتابه المنزل من عنده لممن أراد الهداية من العالمين لقوله تعالى { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ – الأنعام 104 } وقال تعالى { هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون – الجاثية 20 } .

ثم يقول تعالى :

  • ولو ألقى معاذيره (15)

وهنا :

(ولو )

وهنا كأنه يقول { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون – البقرة 103 } ويبين تعالى هنا أنه بعدما وضعه في الناس من بصيرة فلا عذر ولو افتدوا أنفسهم بكل مال الدنيا  قال تعالى { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين –آل عمران 91 } . وذلك مصداقاً لقوله تعالى هنا { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره – القيامة 14- 15} أي لا عذر لهم بعدما وضعه فيهم من عقل وبصيرة وحواس يرون بها سماءاً لا نهائية وأرضاً وخلقاً كله يتحرك ولابد للمتحرك أن يكون له من محرك ولذلك لا عذر لهم يوم القيامة .

 

وأما :

 

(ألقى)

و [ ألقاه : رماه وطرحه ] وورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين – الشعراء 32 }  دليل على أنه قول يطرح بلا فائدة ولا عذر يوم القيامة وألقى المعذرة هنا أعتذر فيكذبه الشهود وأولها حواسه { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون – النور 24 } ثم رسولهم وإمامهم و كتبة أعمالهم (رقيب وعتيد) يكذبونهم لذلك يقترن هذا اللفظ بالتكذيب في قوله تعالى { فألقوا إليهم القول إنهم لكاذبون – النحل 86 } .

 

وأما :

 

(معاذيره)

 

[ والعذر يراد به محو الإساءة وطمسها بالحجة وهى العذر يوم القيامة ] وهو لا ينفع قال تعالى { { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار – غافر 52 } وقال تعالى أيضاً { يومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون – الروم 57 } . وهنا يبين تعالى أن معاذير هؤلاء لا يتنفع يوم القيامة كما في قوله تعالى { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره – القيامة } .

[عن ابن عباس في قوله: { بل الإِنسان على نفسه بصيرة } قال: الإِنسان شهيد على نفسه وحده { ولو ألقى معاذيره } قال: ولو اعتذر.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: { بل الإِنسان على نفسه بصيرة } قال: شاهد عليها بعملها { ولو ألقى معاذيره } قال: واعتذر يومئذ بباطل لم يقبل الله ذلك منه يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره } قال: لو جادل عنها هو بصير عليها.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك { ولو ألقى معاذيره } قال: حجته.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن جبير قال: قلت لعكرمة: { بل الإِنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره } فسكت وكان يستاك، فقلت: إن الحسن قال: يا ابن آدم عملك أحق بك، قال: صدقت.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { بل الإِنسان على نفسه بصيرة } قال: إذا شئت رأيته بصيراً بعيون الناس غافلاً عن عيبه، قال: وكان يقال في الإِنجيل: مكتوب يا ابن آدم أتبصر القذاة في عين أخيك ولا تبصر الجذل المعترض في عينك؟… – تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .

 

ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله :

 

  • لا تحرك به لسانك لتعجل به (16)

 

وهنا :

(لا تحرك)

 

[ الحركة : ضد السكون وحرجه تحريكاً ضد سكنه تسكيناً ] قال تعالى { لا تحرك به لسانك لتعجل به }

وهنا :

[ يقول ابن عباس  : كان النبي إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه لحجبه إياه وحرصه على أخذه وضبطه مخافة أن ينساه فنهاه الله تعالى عن ذلك – تفسير كنز الدقائق للقمي المشهدي ج 14 ص 38 ] .

[ أخرج الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة وكان يحرك به لسانه وشفتيه مخافة أن يتلفت منه يريد أن يحفظه فأنزل الله { لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه } قال: يقول إن علينا أن نجمعه في صدرك ثم تقرؤه { فإذا قرأناه } يقول: إذا أنزلناه عليك { فاتبع قرآنه } فاستمع له وأنصت { ثم إن علينا بيانه } بينه بلسانك، وفي لفظ علينا أن نقرأه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق. وفي لفظ استمع فإذا ذهب قرأكما وعده الله عز وجل.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن تعجل بقراءته ليحفظه فنزلت عليه هذه الآية { لا تحرك به لسانك } وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم سورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم. – الدر المنثور للسيوطي ]

 

وأما :

(به لسانك لتعجل به)

وهنا (به) يعني كتاب الله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم – المائدة 15-16 }

وقال تعالى أيضاً : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب – آل عمران 7 } .وبالتالي معنى قوله تعالى { لا تحرك به لسانك لتعجل به ) أي لا تحرك بكتاب الله لسانك قبل انقضاء وحيه .

 

وأما :

(لسانك)

[ واللسان : هو العضو الخاص بالكلام قال تعالى { واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي – طه 27 } والقرآن الكريم نزل بلسان عربي ممبين قال تعالى فيه { فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا – مريم 97 } وقال تعالى { وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين – الأحقاف 12 } وعلى ذلك يكون المعنى هنا { لا تحرك به لسانك لتعجل به} أي لا تتعجل قرأة القرآن قبل انقضاء الوحي .

 

وأما :

 

(لتعجل به)

وتعجل استعجل قال تعالى {  فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما – طه 114 } . ومادام الله تعالى قال لرسوله لا تعجل به لأن الله تعالى تكفل بحفظه وجمعه وبيانه كما في الآية هنا { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ – القيامة 16-19 } .

وأما :

(به)

وبه هنا أي بكتاب الله لأنه في مواضع من كتاب الله يعني القرآن الكريم كما في قوله تعالى { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون – البقرة 121 } وكما في قوله تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب – آل عمران 7 } .

أي لا تحرك لسانك بتلاوته قبل انقضاء الوحي { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ – القيامة 16-19 } .

ثم يقول تعالى :

 

  • إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)

 وهنا :

[  أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتر عن القرآن مخافة أن ينساه فقال الله: لا تحرك به لسانك { إن علينا جمعه } أن نجمعه لك { وقرآنه } أن تقرأه فلا تنسى { فإذا قرأناه } عليك { فاتبع قرآنه } يقول: إذا يتلى عليك فاتبع ما فيه { ثم إن علينا بيانه } يقول: حلاله وحرامه فذلك بيانه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرن تعجل بقراءته ليحفظه فنزلت هذه الآية { لا تحرك به لسانك } وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم سورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتر عن القرآن مخافة أن ينساه فقال الله: لا تحرك به لسانك { إن علينا جمعه } أن نجمعه لك { وقرآنه } أن تقرأه فلا تنسى { فإذا قرأناه } عليك { فاتبع قرآنه } يقول: إذا يتلى عليك فاتبع ما فيه { ثم إن علينا بيانه } يقول: حلاله وحرامه فذلك بيانه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فإذا قرأناه } قال: بيناه { فاتبع قرآنه } يقول: اعمل به.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: { لا تحرك به لسانك } قال: كان يستذكر القرآن مخافة النسيان، فقيل له: كفيناكه يا محمد.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { لا تحرك به لسانك لتعجل به } قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحرك لسانه بالقرآن مخافة النسيان. فأنزل الله ما تسمع { إن علينا جمعه وقرآنه } يقول: إن علينا حفظه وتأليفه { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } يقول اتبع حلاله واجتنب حرامه { ثم إن علينا بيانه } قال: بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.- الدر المنثور للسيوطي ] .

 التفسير :

(إن)

وهنا هذا اللفظ يبين تعالى من خلالة قصة الصراع بين الحق والباطل على بيان وتفسير كتاب الله تعالى فنجد :

أولا :

يرد هذا اللفظ في مواضع تحدد الموكول لهم فهم وبيان كتاب الله تعالى وهم الذين اصطفاهم الله عز وجل في قوله تعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض  – آل عمران 33 } وفي مصحف ابن مسعود وقرائته (وآل محمد على العالمين) – [ راجع تفسير البحر المحيط ج 2 ص 435 ]  بما يعني أن جمعه وبيانه لرسل الله في كل زمن موكول إليه مهمه تفسير كتب الله المنزلة وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى {  إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين – آل عمران 68 }

ثانياً :

ثم أهل بيته عليهم السلام لقوله تعالى { ذرية بعضها من بعض } .ولورد هذا اللفظ مقترناً ب(ما) في آية إذهاب الرجس عنهم في قوله تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } وهنا تتوحد كلمة الأمة على مراد الله تعالى من كتابه الكريم فقال تعالى { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون – الأنبياء 92 } وقال تعالى أيضاً { و إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون – المؤمنون 52 } و بالتالي الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله وتولوا أهل بيته عليهم السلام في الجمع والبيان لكتاب الله تعالى قال تعالى فيهم { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون – البقرة 277} والخروج على تلك الولاية في جمع القرآن وبيانه ونصرتهم ومحبتهم تفرق في الدين قال تعالى فيه { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون – الأنعام 159 }

ولما أمر الله تعالى بولاية أهل بيت النبي والوصية لأميرالمؤمنين من بعده أبت قريش ذلك مع قبولهم الإيمان ببقية الكتاب وهنا قال تعالى { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا  -الإسراء 73 } وهنا حذره الله تعالى قائلا{ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ماأنزل الله إليك }

وفي ذلك ظن وعمل بالهوى في مقابل نصوص القرآن الكريم قال تعالى فيه { وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون – يونس 36 } وقال تعالى أيضاً { و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون  – الأنعام 116 }

وهنا حذر الله تعالى من أمم سابقة أنها حرفت بيان كتاب ربها ولوت بيانه فضلوا واضلوا وأمتنا اشبه الأمم بهم كما في الحديث [ أنتم اشبه الأمم ببني إسرائيل .. الحديث ] قال تعالى

{ و إن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران 78 } .

ولخوف رسول الله صلى الله عليه وآله على أمته من الضلال والضياع قالله سبحانه وتعالى {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه – القيامة } وبالتالي جمعه وبيانه قام به النبي صلى الله عليه أهل بيته عليهم السلام ثم الصحابة المؤمنون به صلى الله عليه وآله وبيانه هو بيان القرآن بالقرآن فما أجمل في موضع فقد فصل في آخر ثم بيان النبي لكتاب الله ثم أهل بيته ورثة الوحي المنزل من عند الله تعالى الذين نزل القرآن الكريم في بيوتهم عليهم السلام .

وأما :

(علينا)

وهنا يبين تعالى أن الله تعالى عليه هداية الناس كما في قوله تعالى { إن علينا للهدى و إن لنا للآخرة والأولى – الليل 12-13} فإذا هداهم الله تعالى للإسلام فعلى الله تعالى جمع القرآن وبيانه بواسطة كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { إن عليك إلا البلاغ و علينا الحساب – الرعد 20  } .

وكل الأنبياء والمرسلين من قبل آمنوا بما نزل إليهم من ربهم فعبدوه عز وجل ووحدوه  وكفرا بما يعبد من دون الله وتحاكموا إلي كتبه تعالى ولذلك يقول تعالى فيما قاله نبي الله يوسف لصاحبي السجن { قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ – يوسف 37-38 } . ولما نزل القرآن الكريم كتاب الله الخاتم على نبي الله الخاتم أمر الله تعالى بالإيمان به وبكتب ورسل من قبلنا قال تعالى { قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ – آل عمران 84 } وقد اصطفى الله تعالى لهذا الإسلام من لدن آدم عليه السلام رسل وأنبياء وآخرهم إمامة ملحقة بخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله قال تعالى فيهم { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم – آل عمران }

وفي مصحف وقراءة ابن مسعود [ وآل محمد على العالمين – تفسير البحر المحيط لأبو حيان التوحيدي ج2 ص 435] وهؤلاء هم الموكول إليهم حفظه و جمعه وبيانه كما في قوله تعالى هنا {  إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه – القيامة 17-19 }

ولذلك يقول الإمام الصادق في الإمام علي عليه السلام وليد الكعبة وربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وحامل لواءه ومفتديه وزوج ابنته [  عن جابر بن عبد الله قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن ابي طالب والأئمة من بعده – تفسير كنز الدقائق للقمي المشهدي ج 14 ص 39 ] .

ويوم القيامة على الله تعالى حساب الخلق لقوله تعالى { إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم – الغاشية 25-26 } .

 

 وأما :

 

(جمعه)

 

[ الجمع يكون لأشياء متفرقه ]  قال تعالى { فجمع السحرة لميقات يوم معلوم – الشعراء 38 } وقال تعالى أيضاً { وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين – الأنعام 35 }

والجمع يكون في وحدة رأي وجمع كلمه وعدم التفرق لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون – يوسف 102 } ولذلك يقول تعالى في بيان أن كتاب الله تعالى فيه الهداية والعصمة من التفرق لأن القرآن الكريم فيه الحجة البالغة كما في قوله تعالى { قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين – الأنعام 149 } والهداية تكون بالإجتماع على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام قال تعالى هنا {  إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه – القيامة 17-19 } .

 

وأما :

 

(وقرآنه فاتبع قرآنه)

 

[ وقرأ الكتاب يقرؤه قراءة وقرآنا : تلاه أي نطق بكلماته المكتوبة جهراً أو سراً والماضي المبني للمجهول منه قُرئ والأمر : إقرأ والقرآن كتاب الله المعجز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وآله – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الراء والهمزة ] .

و معنى القرآن في الأصل [ هو القراءة  و هو مصدرُ قرأتُ ، أي تَلَوْتُ ، و هو المَرْوِي عن إبن عباس ، و قيل هو مصدرُ قرأتُ الشيء ، أي جَمَعْتُ بعضهُ إلى بعض – مجمع البيان للطبرسي ج1 ص 14] .

وهنا يبين تعالى أنه تلقى القرآن من الله تعالى { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم – النمل 6 } والقارئ الأول على رسول الله كان رسول الله تعالى سيدنا جبريل عليه السلام  الروح الأمين لقوله تعالى { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير – الشورى 7 }

وقد بدأ بالإستعاذة من الشيطان الرجيم لقوله تعالى ويبين تعالى أنه بدأ بالاستعاذة من الشيطان الرجيم لقوله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم – النحل 98 } ثم أمر الله تعالى بالإنصات للقرآن إذا تلى عليه لقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وللمؤمنين : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون – الأعراف 204 } ثم قرأه عليه على مكث وروية وبأحكامه المتواترة حتى قيام الساعة قال تعالى : { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا – الإسراء 106 } وفرقناه أي نزل مفرقاً منجماً على أسباب نزول ووقائع حديث وستحدث نبأه الله تعالى بها وقال تعالى له إن بيانه على الله تعالى كما في قوله تعالى هنا   {إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه – القيامة 18 } وبالتالي الأمر من الله تعالى لرسوله بعدم التعجل في قرآته قبل أن يقضى الوحي قال تعالى { فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما – طه 114 } . ولما قال تعالى { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير – الشورى 7 } .

وهنا إشارة قرآنية لكفر بعض قبائل العرب بالرسالة أووأكثرهم ومنهم الشجرة الملعونة في القرآن وهم الكثير من بني أمية لما نزل في مجرميهم من قوله تعالى { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا – الإسراء 60 } وهؤلاء لما نزل القرآنن الكريم أعلنوا ومعهم قريشاً واليهود الحرب على رسول الله صلى الله عليه وآله وكان نتاج هذه الحرب السنان واللسان نشر مكذوبات على رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى فيها في صدر الدعوة إلى الله تعالى ونزول الإسلام { فإذا برزو من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول – النساء } فلما مات النبي صلى الله عليه وآله انقلب الكثير عن دينهم ارتدوا لقوله تعالى  { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } وهنا منعوا كتابة الحديث لمدة نيف ومائة عام في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز بحجة الخوف على القرآن من أن يخالط سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا اتهام للنبي صلى الله عليه وآله بالتقصير وأنه لم يحافظ على الوحي ويدونه حفظاً للدين وهذا غير صحيح لقوله تعالى هنا { إنا عليما جمعه وقرآنه } و لما نزل في الإمام عليه عليه السلام من قوله تعالى { وتعيها أذن واعية } .

وفي حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد موته وفي وجودأهل بيت النبي عليهم السلام الذي قتلوهم شر قتلة في كل عصر ليمرروا هذه المكذوبات على النبي صلى الله عليه وآله فانتشر اختلاف الأفهام حول نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف مصداقاً لقوله تعالى { كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون – الحجر 90 -92 } . ولانتشار المكذوبات اختلفت الأفهام والتفسيرات وتفرقت الأمة لمذاهب وملل ونحل أكثرهمم ينابذ أهل البيت العداء وهم يدعون حبهم ومع تباعد الزمان قالوا بفكرة السلف الصالح وهم يلف ولا يمكن الجزم بصلاحهم جميعاً بنص قوله تعالى {و لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم } وهو نفس فكرة معتقد الأمم التي كفرت بالله من قبل وقالت بتقديم آبائهم على رسل الله وأنبيائه قال تعالى { حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا } فخرجت أجيال تقدم أراء رجالهم وأهوائهم على القرآن الكريم بحجة أنهم أفهم للنص وأعلم به من غيرهم والمفترض أن يكون القرآن الكريم حاكماً على العالم والمتعلم في وقت جعل هؤلاء رجالهم منزهون حتى عن النقض وقالوا بقدسيتهم  وهذا الأمر قد نهى الله عنه مبيناً كفر قوماً قدموا أراء وأهواء رجالهم على نصوص القرآن الكريم قال تعالى { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا – الإسراء 46 } . وقال تعالى أيضاً { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون – الزمر 45 } ولدرء هذه الفتنة قال تعالى أنه عليه عز وجل جمع القرآن وبيانه في الآية هنا {إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه – القيامة 18 } .

 

وأما :

 

(فاتبع)

 

أي أنه يقول تعالى : { واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا – الأحزاب 2 } ويأمره تعالى بالصبر على الدعوة إلى الله تعالى حتى يحكم الله كما في قوله تعالى   { واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين  – يونس 109 }

فلما جائهم بآيات الله تعالى قالوا ائت بقرآن غير هذا { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم  -يونس 15 } فلما رأوا آيات وأنذر عشيرتك الأولين وقول النبي لآل أبي طالب وآل هاشم في الإمام عي عليه السلام أنه وصيي وخليفتي من بعدي اسممعوا له وأطيعوا في أسباب نزول قوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين – الشعراء }

فلما نزلت آيات في وولاية الإمام عليه عليه السلام خشى رسول الله صلى الله عليه وآله من عدم تصديقهم له فيما نزل من قرآن فقال تعالى  { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل – هود 12 } .

والتبعية تكون بعد ذلك للأمة لله تعالى وكتابه الكريم لقوله تعالى { واتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء – الأعراف } وما نزل من عند الله ولاية الإمام علي عليه السلام بعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لآية الولاية التي قال تعالى فيها { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون – المائدة } وهنا قالوا بأفضلية الآباء والأجداد والقبائل ليقدموهم على أهل بيت النبي عليهم السلام فقال تعالى { لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  – المجادلة 22 } ولذلك يقول تعالى { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ – البقرة 170} .

وهؤلاء هم قوم عملوا بالهوى والرأي في مقابل نصوص القرآن الكريم كما في قوله تعالى { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  -القصص 50 } وهذا الهوى إن لم يعتمد على نصوص من كتاب الله تعالى فهو تبعية لإبليس وظنونه كما في قوله تعالى{ ولقد صدق عليهم غبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين – سبأ 20 } ولما اتبعوه تفرقوا على كتاب ربهم وسنة نبيهم وولاية أهل بيتهم قال تعالى مبيناً أن ولاية هؤلاء هى الصراط المستقيم وحذر القرآن الكريم من اتباع هؤلاء المتفرقين المختلفين قال تعالى { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله – الأنعام – 153 } . وفي تفسير هذه الآية :

[ عن أبي وائل ، عن عبد الله – هو ابن مسعود ، رضي الله عنه – قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ، ثم قال : ” هذا سبيل الله مستقيما ” وخط على يمينه وشماله ، ثم قال : ” هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ” ثم قرأ : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .وكذا رواه الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن أبي بكر بن عياش ، به . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . –تفسير القرآن العظيم لابن كثير ] .ولكي تجتنب أمة محمد هذا التفرق والإختلاف قال تعالى بأن بيانه على الله تعالى ورسوله كما سنبين قال تعالى { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه }

 

ثم يقول تعالى :

 

  • ثم إن علينا بيانه (19)

وهنا :

(ثم)

[حرف عطف يدل على المشاركة في الحكم مع الترتيب والتراخي في الزمن ” {وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ”} – معجم اللغة العربية المعاصرة ]

فإن خلقهم الله تعالى و ماتوا حاسبهم الله تعالى عما فعلوه بالحياة الدنيا لقوله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ثمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ – المؤمنون 12-16 } وهنا يبين تعالى إذا أرادوا مرضاته تعالى فليعملوا بكتاب الله وفق بيان الله تعالى ورسوله بأن يكون القرآن حاكما على القرآن وبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى  { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه }

 

وأما :

 

(إن)

أي أنه يقول تعالى : { إن هو إلا ذكر للعالمين – ص 87 } وهذا الذكر حق من الله تعالى جاء ليزهق به الباطل كما في قوله تعالى { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا – الإسراء 81 } ومن آمن بالله تعالى فلهم جنات تجري من تحتها الأنهار قال تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم – يونس 9 } وهنا يبين تعالى استهزاء كفار قريش بالنبي وبكتاب الله تعالى كما في قوله تعالى { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون – الأنبياء 36 }

ولما توعدهم الله تعالى بعقاب في الدنيا قبل الآخرة كذبوا به فقال تعالى في عذاب ما قبل يوم القيامة { وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب – الرعد 40 }

ثم أوصاهم النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته ومودتهم في قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى- الشورى } فكذبوه فقال تعالىى { وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين – يوسف 104 } فلما كذبوه صلى الله عليه وآله فقال لهم الله عز وجل { وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون – يونس 41 }

 

وأما :

 

(علينا)

 

أي أنه كما قال تعالى { إن علينا جمعه وقرآنه } وكما أن على الله تعالى جمعه ككذلك قال تعالى أيضاً على الله تعالى بيانه قال تعالى { ثم إن علينا بيانه } وهذا حق من الله تعالى نزل على رسول أمين لا يمكن أن يكذب فيه صلى الله عليه وآله أو يتقول فيه على الله غير الحق لقوله تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ – الحاقة 40-52 }

 

وأما :

 

(بيانه)

[علي بن إبراهيم ، قال : على آل محمد جمع القرآن و قراءته { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } ، قال: اتبعوا إذا ما قرءوه { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي تفسيره. – البرهان للسيد هاشم البحراني ]

وفي تفسير الطبري [عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ثم إن علينا بيانه ) قال : تبيانه بلسانك   – تفسير الطبري ] .

و [ البيان : هو التوضيح ] و يأتي على كتاب الله تعالى كما في قوله عز وجل { ثم إن علينا بيانه –القيامة 19 } وهذا البيان بإلقاء فهما قائما من كتاب الله تعالى بإلهام وفهم من الله تعالى كقوله تعالى على نبي الله سليمان { ففهمناها سليمان – الانبياء 79}  وهذا البيان يقوم على بيان القرآن بالقرآن لأن فيه البيان وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين  -آل عمران 138 }

وبالتالي بيان القرآن يكون ببيان القرآن بالقرآن فما أجمل في موضع فقد فصل في آخر – تفسير ابن كثير المقدمة ]  .

ويأت بعد ذلك بيان النبي للأمة كما في قوله تعالى { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون –النحل 44 } وقال تعالى أيضاً مبيناً أن هذا البيان لدرأ الإختلاف حول فهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله قال تعالى { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون – النحل 64 }

ويبين تعالى أن أمير المؤمنين علي عليه السلام الشاهد على الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله على هذه البينة لما نزل فيه من قوله تعالى { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون – هود 17 }

وهنا يقول ابن عباس [ الذي على البينة سول الله صلى الله عليه وآله والشاهد علي – منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد – باب التفسير طبعة البابي الحلبي ]

[ وفيها نزل أيضا قوله سبحانه : { أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ – هود 17  } .. عن عباد بن عبد الله ، عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى  : { أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ- هود 17 } قال : هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ( هود  قال : وأنا : { شَاهِدٌ مِّنْهُ } .- رواه أيضا ابن المغازلي في الحديث : ( 318 ) من مناقبه ص 270 ط 1 ) ] .

[ .. عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله ، قال : سمعت عليا ، يقول : ما نزلت آية في كتاب الله جل وعز الا وقد علمت متى نزلت وفيهم أنزلت ، وما من قريش رجل الا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله لتسوقه إلى جنة أو نار ، فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين فما نزل فيك ، فقال : لولا أنك سألتني على رؤوس الملا ما حدثتك ، أما تقرأ   : { أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ – هود   17} – شواهد التنزيل ج 2 ص 359 ] .

[ روى الثعلبي أيضا بأسانيد في تفسير الآية الكريمة من تفسيره المسمى (‍الكشف والبيان : ج 2 / ص 239 / أ / ) قال : أخبرني : أبو عبد الله القائني ، حدثنا : القاضي أبو الحسين ، حدثنا : أبو بكر السبيعي ، حدثنا : محمد بن علي الدهان كذا والحسن بن ابراهيم الجصاص ، قالا : أخبرنا : الحسين بن الحكم ، حدثنا : حسين بن الحسن النصيبي كذا ، عن حبان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ – هود 17}  قال : هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ – هود 17 } قال : هو علي خاصة ] .

ومن ليس على بينة من ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فهو ممن اتبعو أهوائهم كما في قوله تعالى {  أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم – محمد 14 }

وبالتالي هذه البينة تأويل للقرآن الكريم يقوم على بيان القرآن بالقرآن والقرآن بسنة رسول الله وببلاغ أهل البيت وهذا البيان قبله طائفة من الصحابة المؤمنين ورفضه طائفة أخرى كبيرة منها قريش صاحبة الثأر من الإمام عي عليه السلام والذي قتل صناديدهم في بدر والغزوات ولذلك قال صلى الله عليه وآله [يا علي تقاتلهم على التأويل كما قاتلتهم على التنزيل ]

[ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيها الناس! لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا؛ يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار! ألا وإن علي بن أبي طالب أخي، ووصيي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله –  الإرشاد: ١ / ١٨٠، بحار الأنوار: ٢٢ / ٤٦ / ١٩.

 

و عنه (صلى الله عليه وآله) : يا علي، أنت… تقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل – كفاية الأثر: ١٣٥ عن سعد بن مالك، الجمل: ٨٠، بشارة المصطفى: ١٤٢ عن ابن عباس، المسترشد: ٤٢٩ / ١٤٢، عوالي اللآلي: ٤ / ٨٧ / ١٧ كلها نحوه؛ الصواعق المحرقة: ١٢٣ عن أبي سعيد الخدري.

وعنه (صلى الله عليه وآله): أنا أقاتل على تنزيل القرآن، وعلي يقاتل على تأويل القرآن  . –  الفردوس: ١ / ٤٦ / ١١٥ عن وهب بن صيفي، كنز العمال: ١١ / ٦١٣ / ٣٢٩٦٨؛ المناقب لابن شهر آشوب: ٣ / ٢١٨ عن زيد بن أرقم  – موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ – محمد الريشهري – ج ٥ – الصفحة ٤٨ ] .

وهذا التأويل يقيناً و بلا أدنى شك هو تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله لنصوص القرآن الكريم و ذلك بسبب منع كتابة الحديث بعد موت النبي صلى الله عليه وآله فما كتبت إلا في عصر الخليفة عمر بن عبد العزيز خوف الإندثار .

وأول من قال بفهم كتاب الله مجرداً عمر ابن الخطاب في حديث رزية يوم الخميس

[عن عبد الله بن عباس (ر) :  لَمَّا حُضِرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ، وفي البَيْتِ رِجَالٌ فيهم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، قالَ: هَلُمَّ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، قالَ عُمَرُ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَلَبَهُ الوَجَعُ وعِنْدَكُمُ القُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، واخْتَلَفَ أهْلُ البَيْتِ واخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَن يقولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، ومِنْهُمْ مَن يقولُ ما قالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أكْثَرُوا اللَّغَطَ والِاخْتِلَافَ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: قُومُوا عَنِّي. قالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَكانَ ابنُ عَبَّاسٍ يقولُ: إنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ ما حَالَ بيْنَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيْنَ أنْ يَكْتُبَ لهمْ ذلكَ الكِتَابَ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ ولَغَطِهِمْ. – البخاري رقم 7366 ومسلم رقم 1637 ]

ونفس القولة قالها الخليفةأبي بكر قال الذهبي : [  أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه –تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص 5 ] .

ومثل ذلك فعل الخليفة عمر ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ [ جمع الخليفة عمر الصحابة فقال من كان عنده شيئ من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله فليأتنا به فأتوه بها ظناً منهم أنه سيجمعها وإذا به يحرقها – تذكرة الحفاظ ج1 ص 2-3 ] .

وهنا حسبنا كتاب الله و إحلوا حلاله و حرموا حرامه  وفق ما سمعوه وبفهمهم واعتماداً على الذاكرة وليس التدوين من فم رسول الل هصلى الله عليه وآله ولن نتجنى على أحد لأن ذلك عدة ملاحظات :

  • اتهام للنبي صلى الله عليه آله أنه لم يكمل إتمام شرع الله تعالى ويحفظه بالتدوين فتركه لكل عابث يعبث فيه كما يشاء ز
  • ذاكرة وحفظ الناس ليست واحدة ومن هنا اختلفت الأفهام في النصوص .
  • فتح ها الموضوع باب التقول والكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله .

والغريب أن النبي صلى الله عليه وآله قال بوحيمن الله تعالى ما ذكره ابو بكر وعمر بالنص كما في الحديث

[ عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال النبي صلى الله عليه وآله : لا أُلْفِيَنَّ أحدَكُمْ متكئًا على أريكتِهِ يأتيهِ أمرٌ مما أمرتُ بهِ أو نهيتُ عنهُ فيقولُ : لا أدرِي . ما وجدنَا في كتابِ اللهِ اتبعناهُ    صحيح الترمذي حديث صحيح ] .

[ و عن المقدام بن معدي كرب قال النبي صلى الله عليه وآله : يوشِكُ أنْ يقعُدَ الرجلُ مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ ، يُحَدَّثُ بحديثٍ مِنْ حديثي ، فيقولُ : بينَنَا وبينَكُمْ كتابُ اللهِ ، فما وجدْنا فيه مِنْ حلالٍ اسْتَحْلَلْناهُ ، وما وجدَنا فيه مِنْ حرامٍ حرَّمْناهُ ، ألَا وإِنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ مثلَ ما حرَّمَ الله –   أخرجه ابن ماجه وأحمد (17194) باختلاف يسير ] .

ومع تباعد الأمة عن زمن الوحي اتسعت هوة الخلاف في فهم نصوص القرآن الكريم حتى نسبوا للإمام علي عليه السلام كل القبائح وأخفووا مناقب أهل بيت النبي وصرفوها المنافقون إلى غيرهم وهنا :

[ روى الحاكم واخرج ابن الجوزي أيضا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية فأطرق ثم قال اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيادا منهم لعلي فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما – فتح الباري – فتح الباري – ابن حجر – ج ٧ – الصفحة ٨١  باب مناقب معاوية ] .

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي : [ قال عبداللّه بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عن علي ومعاوية, فقال: إعلم أنّ عليّا كثير الأعداء, ففتّش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا, فجاؤا إلى رجل قد حاربه فاطروه كيداً منهم لعليّ. راجع: تاريخ الخلفاء ج 1 ص 33 ] .

وتتفرق الأمة ويضرب عليها الإختلاف والتقاتل كما في قوله تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 75 } .

ونجد في كتاب الله تعالى وعيد شديد من الله تعالى بتأويل آخر الزمان الذي قال تعالى فيه { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } وهذا التأويل تجهله كل الأمة وسيكذبون به أيضاً كسلفهم حتى ينزل بهم باس الله تعالى ولذلك قال تعالى  { بل كذبوا بمالم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله – يونس }

وهذا التأويل هو بينة آخر الزمان الذي قال فيها تعالى { وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى – طه 133} وبينة الصحف الأولى أي أن هناك بينة الصحف الآخرة لكتاب الله الخاتم وهى التي توعد الله تعالى بها الناس آخر الزمان قال تعالى { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة – البينة 4 } .

وهذه البينة على منهاج ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فكما قاتلهم الإمام علي على التأويل كذلك سيكون تأويل آخر الزمان في زمن القائم عليه السلام وننبي الله عيسى عليه السلام .

وهو تأويل يقوم على بيان القرآن بالقرآن وبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله و بفهم ورواية نقل أهل بيت النبي عليهم السلام وذلك معنى قةله تعالى هنا { إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه – القيامة } وهذا هو البيان الذي يحقق مراد الله تعالى وتنزل به وبسببه ملائكة من السماء لنصرة المسلمين المقاتلين لدجال آخر الزمان ويرون به العجائب مما لم تراه الأمة من قبل ويكون ذلك من علامات الساعة .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • كلا بل تحبون العاجلة (20)

وهنا :

(كلا بل)

أي أنه يقول تعالى { كَلَّا ۖ بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ – المدثر 53 } و هنا يبين تعالى أنهم عملوا للدنيا فقط حباً لها كما في قوله تعالى { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة – القيامة 20-21 } فلما أحبوا الدنيا عملوا بها دون خوف من الله تعالى والحساب والعقاب في الآخرة  .

 

وأما :

 

(تحبون)

 

وهنا حب العاجلة حب الدنيا كما في قوله تعالى { وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ – إبراهيم 2-3 } وهؤلاء لما أحبوا الدنيا أحبوا رجالها وكل ما يؤدي إليها من متع بغير حق ومن هنا كانت مبادئ كل من حاربوا أهل بيت النبي عليهم السلام الدعاة إلى الله تعالى والدار الآخرة ومناوءتهم ومعاداتهم ةفي كثير من الأحوال قتلهم وسجنهم ولذلك نهى الله تعالى من ولاية الآباء والأجداد إن استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وهو كفر اللهو واللعب الذي قال تعالى فيه { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف 50-51 } وهؤلاء نهى الله تعالى عن ولاية رجالهم ولو كانوا ىبائهم أو إخوانهم قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون – التوبة 23 } وهؤلاء حكم الله تعالى بكفرهم لتقديمهم العمل للدنيا وترك طاعة الله تعالى فلا عذر لهم عند الله تعالى قال تعالى { مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ – النحل 107-109 } .

 

(العاجلة)

والعجلة عند الأنبياء تكون في العمل الصالح لقوله تعالى في نبي الله موسى عليه السلام { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى – طه 83-84 } وقال تعالى في رسول الله صلى الله عليه وآله { فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما – طه 114 }

وأما طلاب الدنيا فالعجلة لديهم في طلب الإستمتاع بالحياة الدنيا دون أداء حق الله تبارك وتعالى فيها وما أرادها فالله تعالى سييسرها له ومن أراد الآخرة سييسرها أيضاً له قال تعالى { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا – الإسراء 18 } وهذه العاجلة التي أحبوها وتركوا العمل للآجلة وهى العمل لما بعد الموت قال تعالى { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا -الإنسان 27 }

وهؤلاء دائماً لا يصدقون بعذاب الله تعالى فيستعجلون العذاب كما في قوله تعالى { ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب – الرعد 6 } وهذا العذاب وعد من الله تعالى لن يخلفه كما في قوله تعالى {

ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون – الحج 47 } وهذا العذاب له أجل مسمى عند الله تعالى قال فيه { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون – العنكبوت 53 } ويبين تعالى أنه لن يؤخر هذا العذاب وجزء منه سيكون بعد موت النبي صلى الله عليه وآله { قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون – النمل 72 } والبعض الآخر آخر الزمان أي أنهم بين عذابين الأول رديف النبي والثاني آخرالزمان وقال تعالى في هذين العذابين بموضع آخر من كتاب الله { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة }

فلما نبأهم النبي صلى الله عليه وآله بعاقبة كفرهم و نفاق المنافقين منهم قالوا استهزاءاً (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) وذلك كما في قوله تعالى{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ  وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ  -الأنبياء 37-40 } .

وهذا العذاب العظيم هو اليوم الثقيل والذي يبدأ بموتهم .كما في قوله تعالى هنا { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوماً ثقيلا -القيامة } .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • ويذرون الآخرة (21)

 

وهنا :

(ويذرون)

ويذرون بمعنى يتركون ورائهم قال تعالى { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا – الإنسان 27 } وهنا ورائهم أي بعد مماتهم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى  { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ – البقرة 240}  أي أن هؤلاء لم يعدوا العمل الصالح لحياتهم بعد الموت فعملوا للدنيا ونبذوا كتاب ربهم والعمل للدار الآخرة وراء ظهورهم .

 

وأما :

(الآخرة)

 

وهنا يبين تعالى أن من أراد الدنيا والعاجلة فسيعجل الله تعالى له فيها مايشاء ومن أراد الآخرة فسيؤتيه منها وسيمد الله تعالى هؤلاء وهؤلاء وما كان عطاءه تعالى محظورا قال تعالى { مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا  كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا –الإسراء 18-20 }

وهؤلاء العاملين للدنيا بين تعالى أنهم لا يخافون الآخرة وما توعدهم الله تعالى به كما في قوله عز وجل { كلا بل لا يخافون الآخرة – المدثر 53} وهؤلاء نهى الله تعالى عن ولايتهم كما في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور – الممتحنة 13 } وهنا النهي عن ولايتهم لأنهم يعملون للدنيا ورجالها وبالتالي بغضوا وقاتلوا العاملين للداار الآخرة ولذلك نهى الله تعالى عن ولايتهم وجعلها لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة } .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • وجوه يومئذٍ ناضرة (22)

وهنا :

(وجوه يومئذٍ)

 

{وجوه يومئذ ناضرة – القيامة 22 } أي  أنها وجوه في ذلك اليوم مستنيرة قال تعالى { وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة – بس 38-39 } وهذه الوجوه هنا ناضرة تنتظر ثواب الله تعالى وما أعده تعالى لهم من نعيم مقيم في جنة عالية قال تعالى فيها {وجوه يومئذ ناعمة لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ – الغاشية 8-16 }

 

وأما :

(ناضرة)

وناضرة من نضر أي حسنة وكانت على رونق وطراءه – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الضاد والراء ] قال تعالى { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ  يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ – المطففين 18-28 }

 

ثم يقول تعالى :

 

  • إلى ربها ناظرة (23)

 

وهنا :

 

(إلى ربها)

أي أنه يقول تعالى { قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون – الأنعام 164 } فإذا رجعوا إلى الله تعالى بأعمال صالحة فهم ينظرون رحمة الله تعالى كما في الاية هنا { وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة } وفي هذا اليوم يقول تعالى { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه صلى – الأعلى 14-15} .

وأما :

 

(ناظرة)

وناظرة بمعنى منتظرة لقوله تعالى { وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون – النمل 35 }

[ وهنا يقول امير الممؤمنين (عليه السلام) وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات : فأما قوله (وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة) فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقاً فيذهب عنهم كل قذى ووعث ثم يؤمرون بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ومنه يدخلون الجنة فذلك قوله في تسليم الملائكة عليهم { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله { إلى ربها ناظرة} إنما يعني بالنظر إليه : النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى  – وفي كتاب الإحتجاج للطبرسي ص 243 مثله وفيه بعد قوله (ناظرة) والناظرة في بعض اللغة (المنتظرة) ألم تسمع قووله تعالى { فناظرة بم يرجع المرسلون } أي منتظرة بم يرجع المرسلون – تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 41 ] .

 

ثم يقول تعالى :

  • ووجوه يومئذٍ باسرة (24)

وهنا :

(ووجوه يومئذٍ)

أي في هذا اليوم تبيض وجوه وتسود وجوه كفرت بالله تعالى ونافقت قال تعالى { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – آل عمران 106 } وهذه الوجوه  مظلمة مسودَّة عليها غبرة تغشاها ذلَّة.كما في قوله تعالى { ووجوه يومئذ عليها غبرة تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ – عبس 40-42 } وهنا يظنون يقيناً أن داهية ستقع بهم قال تعالى فيها { ووجوه يومئذ باسرة تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ – القيامة 24-25 } أي عابسة كالحة [ تتوقع أن تنزل بها مصيبة عظيمة , تقصم فَقَار الظَّهْر – التفسير الميسر ]

 

وأما :

 

(باسرة)

[ وباسرة : نظرت بكراهة شديدة أو كلح وتغير وجهه فهو باسر وهى باسرة – معجم ألفاظ القرآن بب الباء فصل السين والراء ] قال تعالى { ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبرواستكبر فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر – المدثر }  أي أن عبوسه ونظرته الباسرة في الدنيا لشدة كراهيته للقرآن الكريم و الرسول وأهل بيته والمؤمنين سودت وجهه يوم القيامة وكلحته وأنزل الله تعالى بهم فاقرة قال تعالى { ووجوه يومئذٍ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة } .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • تظن أن يفعل بها فاقرة (25)

 

وهنا :

 

(تظن)

 

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء كانوا في الدنيا كما قال تعالى  { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية – آل عمران 154} ومنهم الدهريين الذين قال تعالى فيما اعتقدوه بالحياة الدنيا  { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون – الجاثية 24 } ومنهم المنافقين والمشركين الذين قال تعالى فيهم { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا – الفتح 6 } وهؤلاء  كما ظظنوا بالله ظن السوء كذلك ظنوا بالنبي صلى الله عليه ووآله و المؤمنين حيث كانوا يخفون في انفسهم أمنية القضاء على النبي صلى الله عليه وآله و المؤمنين كما في قوله تعالى { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا – الفتح 12 } . فلما ماتوا وبعثوا للحساب اسودت وجوههم وهنا ظنوا أن داهية ستقع بهم كما في قوله تعالى هنا { ووجوه يومئذٍ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة } .

 

وأما :

 

(يفعل بها)

وهنا يبين تعالى ما فعلوه فيا لدنيا من كفر وفسوق وعصيان وكبائر وقال تعالى فيها { و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما – الفرقان 68 } .ويبين تعالى أن هؤلاء اتبعوا الظن بغير علم أو نص من كتاب الله كما في قوله تعالى {  وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون – يونس 36 } ويبين تعالى أن ذلك سيكون سبب نزول عذاباً في الدنيا على قريشاً ومن تقلد بهم من العرب حتى يرجعوا إلى الله تعالى قال تعالى { وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون – يونس 46 }

ويقول تعالى فيمن كفروا بالله تعالى ونافقوا { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا – النساء 30 } ومن عمل للدنيا وألهته أمواله وأولاده عن ذكر الله تعالى والعمل بما أنزل الله فهو من الخاسرين قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون – المنافقون 9 }

ومن تولى هؤلاء في الدنيا فليس من الله في شيئ لأن عملهم للدنيا وولايتهم لأهل الدنيا وجاهدوا في سبيلها فقاتلوا وظلموا قال تعالى { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير – آل عمران 28 } وهؤلاء في الآخرة تسود وجوههم وتقع بهم فاقرة قال تعالى فيها { ووجوه يومئذٍ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة } .

 

وأما :

 

(فاقرة )

[ والفاقرة :  :  داهية أو مُصيبة تكسر فَقَار الظَّهر من شدَّة هولها وجمعها فواقر ] قال تعالى { تظن أن يفعل بها فاقرة – القيامة 25 } واللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله تعالى .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • كلا إذا بلغت التراقي (26)

وهنا :

(كلا )

وهذا اللفظ ورد في قوله تعالى { كلا إنها لظى نزاعة للشوى – المعارج 15-16 } ولظى عذاب من الله تعالى يبدأبرخوج الروح من الجسد كما في قوله تعالى { كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق } .

 

وأما :

 

(إذا بلغت)

 

أي أنه يقول تعالى { فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم  -الواقعة 83-89}  والحلقوم هو مابن عظمتي الترقوتين قال تعالى { كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق } .

 

وأما :

 

(التراقي)

 

و هذا اللفظ مما ليس له مرادف في كتاب الله و [ الترقوة : وهو العظم المكتنف تغر النحر عن يمين و شمال وجمعها تراقى –  معجم ألفاظ القرآن باب الراء فثل القاف والواو ] قال تعالى : { كلا إذا بلغت التراقي – القيامة 26 }  والحلقوم بين هاتان العظمتان وهما عظمتا الترقوة .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • وقيل من راق (27)

وهنا :

(وقيل)

وهنا يبين تعالى أن جريمتهم في الدنيا كانت رفض ألوهيته تعالى وحكمه والعمل بشرعته وكتابه الكريم قال تعالى { إنهم كانوا إذا قيل لهم لاإله إلا الله يستكبرون – الصافات 35 } فمنهم من كفروا بالله صراحة وقالوا في كتاب الله اساطير الأولين قال تعالى { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين – النحل 24 }

ومنهم الذين قال تعالى فيهم {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم ياذن به الله- الشورى } فقدموا  آبائهم وأجدادهم و سلفهم الصالح بالرأي في مقابل النص القرآني لضرب الخط الرسالي للأنبياء والمرسلين وأهل بيت النبي عليهم السلام وولايتهم قال تعالى هنا { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون – المائدة 104 } ومنهم المنافقين الذين قال تعالى فيهم { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا – النساء 61 } وهؤلاء إن ماتوا على ذلك وشعروا باقتراب الأجل كما في قوله تعالى { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ – القيامة 26-30 } وهنا يقبلون على الجحيم الذي أعده الله تبارك وتعالى لهم قال تعالى { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ  فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ – الشعراء 90-101}

ويقال للمشركين بالله { ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون – غافر 73 } وأما مقلدة الآباء والأجداد الذين عملوا بالراي في مقابل نصوص القرآن الكريم قال تعالى فيهم وفي { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين  -الأعراف 73 }

 

وأما :

 

(من راق)

[ وراق : من رقى المريض يرقيه رقياً عوذه فهو راق  – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل القاف والياء ] قال تعالى { وقيل من راق – القيامة 27} [ ورقى في السلم ورقيه ورقى إلى الشيئ رقياً : علا وصعد ] قال تعالى { أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه – الإسراء 93 }

أي أن المعنى هنا { من راق} أي رفعت روحه و ارتقت عن جسده و هو مسجى وهل يقدر على ذلك احد غير الله تعالى كما في قوله تعالى {  وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ( أي نياط القلب وهو عرق متصل به إذا قطع مات صاحبه)  فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ – الحاقة 44-47 } وهنا كأنه يبين تعالى أن بداية الموت قطع نياط القلب ثم هدم الدورة الدموية في الجسد الإنساني وتوقفها عن العمل ثم صعود الروح وهنا يقول تعالى {من راق} اي [هل مِن راق يَرْقيه ويَشْفيه مما هو فيه؟ ] وها يقدر على إحيائه إلا الله تعالى { فمامنكم من أحد عنه حاجزين  -الحاقة 47} .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • وظن أنه الفراق (28)

وهنا :

( وظن)

وأغلب الظن هنا لا يكون إلا برؤيتهم عذاب الله عياناً وهو ما كانوا يكذبون به في الحياة الدنيا و هؤلاء لشدة قساوة قلوبهم لا يصدقون الشيئ  ويؤمنون بغيب إلا إذا رأوه مشاهدة عيانا كما في قوله تعالى   يقول تعالى { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا – الكهف 53 }

وهنا أيضاً لما رأوا ملائكة قبض الأرواح أيضاً عياناً ظنوا يقيناً أنه فراق الدنيا و ما فيها قال تعالى { وظن أنه الفراق – القيامة 28 } .

وأما :

(أنه)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون -الأعراف 171} وهؤلاء لم يصدقوا بعذاب الله تعالى إلا بعدما رفع فوقهم الجبل ورأوه كذلك لن يؤمن هؤلاء ومن على شاكلتهم إلا عندما يرون الملائكة و العذاب قبلا قال تعالى { وظن أنه الفراق } ويقول تعالى لهؤلاء { ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم  -التوبة 63 }  ويبدأ هذا الخي والعذاب بموتهم كما في قوله تعالى { وظن أنه الفراق –القيامة }وهنا سيعلمون يقينا بأن الله تعالى هو المحيي المميت وماكان لهم أن يكفروا به تعالى ويعصونه قال تعالى { وأنه هو أمات وأحيا – النجم 44 } .

 

وأما :

 

(الفراق)

 

والفراق : مفارقة الأهل والأحباب قال تعالى {قال هذا فراق بيني وبينك – الكهف78 } ويبدأ فراق الأهل والأحبة هنا بالموت كما في قوله تعالى { وظن انه الفراق } فإذا قامت الساعة تفرقوا أكثر لمعسكرين مؤمن  وكافر كما في قوله تعالى { ويوم تقوم الساعة يومئذٍ يتفرقون – الروم 14 } وهنا يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه قال تعالى { ﴿فَإِذَا جَاۤءَتِ ٱلصَّاۤخَّةُ یَوۡمَ یَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِیهِ وَأُمِّهِۦ وَأَبِیهِ  وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَبَنِیهِ لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ شَأۡنࣱ یُغۡنِیهِ – عبس 33-37 } وهنا يكون الخسران المبين كما في قوله تعالى { وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم – الشورى 45 }

 

ثم يقول تعالى :

 

  • والتفت الساق بالساق (29)

وهنا :

 

(والتفت)

 

[ والتف الشيئ : من لفف بمعنى انضم إليه والتوى عليه – معجم ألفاظ القرآن اب اللام فصل الفاء والفاء ] قال تعالى في التفاف أغصان الشجار { وجنات ألفافا – النبأ 16 } وبالتالي المعنى هنا { والتفت الساق بالساق} التوى بعضها على بعض .

 

وأما :

 

(الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق) 

 

[ والساق : مافوق القدم إلى الركبة ] قال تعالى { قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها – النمل 44 } وهذا يعني هنا أن العبد إذا مات مجرماً التفت ساقه بعضها ببعض كما في قوله تعالى { والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق } وإلى ربك هنا تعني إلى جهنم لقوله تعالى { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين – الزمر 71 } وهيبين تعالى أن خزنة جهنم وملائكة العذاب يسحبونهم على وجوههم قال تعالى { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر – القمر 48 } .

 

وأما :

(إلى ربك يومئذٍ)

أي أنه يقول تعالى { إلى ربك يومئذ المستقر – القيامة 12 } فإذا كان المستقر عند الله تعالى فهؤلاء ماتوا على كفرهم ونفاقهم فأخذتهم الملائكة وقد التفت الساق بالساق كما في الآية هنا { والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق } وهنا الويل لهم كما قال تعالى { ويل يومئذٍ للمكذبين – المرسلات 19} ويبين تعالى انهم محجوبون عن الله تعالى ورحمته لقوله تعالى { كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون – المطففين 15 } وبداية حجبهم عن رحمة الله تعالى تبدأ بموتهم وبشارة الملائكة لهم بالنار قال تعالى { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا – الفرقان 22 } فإذا أختهم الملائكة غلتهم بالسلاسل  إلى الجحيم كما في قوله تعالى { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ  ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ – الحاقة 30-37 }

 

وأما :

(المساق)

والمساق هنا بالموت لقوله تعالى { يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون – الأنفال 6 } وهنا يبين تعالى السوق إلى اموت يكون بالتفاف الساق بالساق قال تعالى { والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق } .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • فلا صدق ولا صلى (31)

[ ورد في تفسير قوله تعالى: [ { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } – إلى قوله تعالى – { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } 31-  40 القيامة ] .

أنه كان سبب نزولها أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) دعا إلى بيعة علي (عليه السلام) يوم غدير خم، فلما بلغ الناس و أخبرهم في علي (عليه السلام) ما أراد الله أن يخبرهم به، رجع الناس، فاتكأ معاوية على المغيرة بن شعبة و أبي موسى الأشعري، ثم أقبل يتمطى نحو أهله و يقول: و الله لا نقر لعلي بالولاية أبدا، و لا نصدق محمدا مقالته فيه، فأنزل الله جل ذكره { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } العبد الفاسق، فصعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) المنبر و هو يريد البراءة منه، فأنزل الله عز و جل:{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ – القيامة 16 } فسكت رسول الله (صلى الله عليه و آله) و لم يسمه.
– قال الباقر (عليه السلام) : ” قام ابن هند و تمطى [و خرج] مغضبا ، واضعا يمينه على عبد الله بن قيس الأشعري ، و يساره على المغيرة بن شعبة ، و هو يقول : و الله لا نصدق محمدا على مقالته ، و لا نقر عليا بولايته ، فنزل : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } الآيات، فهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يرده فيقتله ، فقال له جبرئيل (عليه السلام) : {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ  – القيامة 16 }  فسكت عنه رسول الله (صلى الله عليه و آله) “. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

 

وهنا :

(فلا صدق)

وهنا صدق وتقدمها على الصلاة تعني التصديق وليس الصدقة وذلك لأن الصلاة مقدمة في كتاب الله على الزكاة والصدقات قال تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين –البقرة 43 } .

وقال تعالى في الصدقات { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم – التوبة 60 }

وبالتالي صدق هنا من التصديق وليس الصدقات قال تعالى { فلا صدق ولا صلى }

أي : [فلا آمن الكافر بالرسول والقرآن، ولا أدَّى لله تعالى فرائض الصلاة – التفسير الميسر ] .

وهنا يبين تعالى اأن رسول الله صلى الله عليه وآله صدق المرسلين من قبل كما في قوله تعالى {

بل جاء بالحق وصدق المرسلين – الصافات 37 }

 

ويبين تعالى أن المؤمنين صدقوا الله تعالى ورسوله فيما بلغه عن ربه تبارك وتعالى قال عز وجل

{ ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما – الأحزاب 22 } ولما جاء بالصدق كان أو من آمن وأسلم وصدق به الإمام علي عليه السلام لذلك نزل فيه قوله تعالى { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون –الزمر 33 }

[ – ابن مردويه ، عن علي (عليه السلام) قال: الصدق ، ولايتنا أهل البيت .

– ابن مردويه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه في قوله تعالى: (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه) قال: هو من رد قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  في علي . و قوله تعالى : (والذي جآء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون – الزمر 33)

–  ابن مردويه، عن أبي هريرة: (والذي جآء بالصدق) قال: رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (وصدق به) قال: علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). –  الدر المنثور، ج 5، ص 328. ورواه ابن مردويه كما في روح المعاني (ج 24، ص 3) وأرجح المطالب (ص 60).ورواه ابن المغازلي في مناقب علي بن أبي طالب (ص 269، ح 317)، قال: أخبرنا علي بن الحسين – إذنا -، قال: حدثنا علي بن محمد بن أحمد، حدثنا عبد الله بن محمد الحافظ، حدثنا الحسين بن علي، حدثنا محمد ابن الحسن، حدثنا عمر بن سعيد، عن ليث، عن مجاهد في قوله تعالى: (والذي جآء بالصدق وصدق به) قال: جاء به محمد (صلى الله عليه وآله)  وصدق به علي بن أبي طالب (عليه السلام) ورواه القرطبي في تفسيره (ج 15، ص 256)، قال: عن مجاهد أن المراد بالذي جاء بالصدق: النبي، وأن المراد بمن صدق به: علي (عليه السلام) ورواه أبو حيان الأندلسي في تفسيره المسمى بالبحر المحيط (ج 7، ص 428)، قال: وقال أبو الأسود ومجاهد وجماعة : الذي صدق به علي بن أبي طالب  – مناقب علي بن أبي طالب (ع) وما نزل من القرآن في علي (ع) – أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الأصفهاني ص٣١٤ ] .

وروى أنهم المؤمنون ويدخل فيهم كل من تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وهذا وجه من وجوه التفسير ذكره بعض المفسرين .

وهؤلاء هم الذين آمنوا واتقوا وصدقوا بالحسنى كما في قوله تعالى { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ  وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ– الليل 5-11 } .

هنا يبين تعالى أن هؤلاء لما كذبوا بالحسنى أصبحوا من أشد الناس ظلماً كما في قوله تعالى { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه – الزمر 32 } وظلمهم هنا كان بتصديقهم ظن إبليس   وهو الهوى والرأي في مقابل نصوص القرآن الكريم لقوله تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين – سبا 20 } ومن صدقه تعالى ورسوله وتولى أهل بيته عليهم السلام فأولائك هم المتقون لقوله تعالى { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون – الزمر  33 }

[ روى ابن عساكر حديث رقم 295 والحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل ج 2 ص 178 ط مجمع إحياء الثقافة الإسلامية أن الآية نزلت في أمير المؤمنين علي عليه السلام ” عن ابن عباس : نزلت الاية في أمير المؤمنين ] . وعلى ذلك { فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى –القيامة 31-32 } أي كذب بالقرآن والنبي وخرج على ولاية أهل بيته عليهم السلام الذين أمر الله تعالى باتباعهم ونصرتهم وولايتهم وأن يكون المؤمنين في معيتهم ومودتهم قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين – التوبة 119 } .

ومن تولى غير الصادقين فهو من أهل النار حيث بين تعالى سبب دخولهم النار في قوله عز وجل { فلا صدق ولا صلى } فإذا بعثهم الله تعالى من بعد الموت تيقنوا أنه يوم القيامة و الحساب  قال تعالى { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون – يس 52 } .

وأما :

(ولا صلى)

وهنا يبين تعالى أن شرط قبول الصلاة العمل بما أمر الله تعالى والإنتهاء عما نهى كما في قوله تعالى { اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون – العنكبوت 45 } .

وبالتالي هؤلاء لم يصدقوا ولم يأتمروا بما أمر الله تعالى والتحذير هنا للمنافقين الذين يدعون الإسلام ولا يعملون بما أمر الله تعالى وكذلك الذين يصلون ولا ينتهون عن ارتكاب الكبائر و المنكرات . ولذلك يقول تعالى عن المجرمين وسبب دخولهم سقر قال تعالى { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ – المدثر 38-47 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • ولكن كذب وتولى (32)

{ إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى – طه 48 }

{ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ – الليل 8-16}

{ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ – العلق 6-18 } .

وهنا :

(ولكن)

وهنا يبين تعالى أنه أرسل رسوله للناس كافة في قوله تعالى { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون  – سبأ 28 } وقد أوحى الله تعالى له صلى الله عليه وآله الكتاب والإيمان كما في قوله تعالى { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم  -الشورى 52 }

ومن أراد أن يكون مسلماً على الحنيفية الإبراهيمة فليتبع النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وليلعم العالم أن إبراهيم ماكان يهوديا ولا نصرانيا قال تعالى { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين  آل عمران 67 } . ومن أراد أن يكون على الحنيفية السمحة فليؤمن بالله تعالى و يسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله ولو آمن أهل القرى لبارك الله تعالى معايشهم ولكن كذبوا فأخذهم الله تعالى بذنوبهم قال تعالى { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون – الأعراف 96 } . والله تعالى ذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون كما في قوله تعالى { وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون  -النمل 73 } و هؤلاء الذين لم يؤمنوا توعدم الله تعالى بالعذاب وأوله عند الموت التفاف الساق بالساق كما في قوله تعال هنا { والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى – القيامة } .

 

وأما :

(كذب)

والتكذيب يكون بكتاب الله تعالى  :

كما في قوله تعالى { الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون – غافر 70 }

والتكذيب يكون بآيات الله ومعجزاته المتلوة والمشاهدة :

قال تعالى {  والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين – الحج 57 } وهذا تكذيب بالحق لما جائهم كما في قووله تعالى { بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج – ق 5 } .

 

و التكذيب يكون بالسعة ولقاء الله تعالى :

كما في قوله تعالى { بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا – الفرقان 11 } وقوله تعالى أيضاً

{ ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين – يونس 45 }  .

وبالتالي التكذيب تبعية غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله تركاً للحق و عملا بالهوى كما في قوله تعالى { وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر – القمر 4 } .

ولذلك وصف الله تعالى قوماَ زعموا الإسلام وتركوا العمل بكتاب ربهم بأنهم مكذبين بآيات الله قال تعالى { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين – الجمعة 5 } .

ومن هؤلاء المكذبين قوماَ افتروا على الله تعالى ورسوله الكذب وهم يزعمون الإسلام قال تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين  -الصف  7 } وهؤلاء لهم عذاب مهين قال تعالى فيه  { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين – الحج 57 } .

من هؤلاء المكذبين قوماً لن يؤمنوا بتأويل إمام آخر الزمان الذي قال تعالى فيه { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين  – يونس 39 } وهو تأويل قال تعالى أن فيه نصرة الإسلام والمسلمين وعذاباً على الكافرين والمنافقين قال فيه تعالى { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون  – الأعراف 53 } . وهؤلاء توعدهم الله تعالى بعذاباً قال فيه تعالى هنا { والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى – القيامة }  .

 

وأما :

(وتولى)

والتولي عن كلام الله تعالى تركاً له قال تعالى { وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون – النمل 10} وبالتالي من عصى الله تعالى ورسوله فقد تولى كما في قوله تعالى { من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا –النساء 80 } .

وهؤلاء المجرمين يبين تعالى أنهم لما سمعوا آيات الله تعالى تولوا عنها كأنهم لم يسمعونها قال تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ – لقمان 6-7 } و هؤلاء الويل لهم كما في قوله تعالى { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ – الجاثية 7-10} .

وهؤلاء هم الذين شاقوا الله تعالى ورسوله وخرجوا على ولايته الحق كما في قوله تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا – النساء 115 } ويبين تعالى أن من هؤلاء قوماً من قريش قال تعالى فيهم { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد – البقرة 204-205 } وقال تعالى فيهم ايضا { { عبس وتولى – عبس 1 }

ومنهم منافقين يعملون بكتاب الله ما وافق أهوائهم مؤمنين ببعضه كافرون ببعضه  عاملين بما تهواه أنفسهم قال تعالى : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ – النور 47-52 }

ومن هؤلاء قوماً عملوا للحياة الدنيا فقط وهؤلاء كُثُر كما في قوله تعالى { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا – النجم 29 } . وهؤلاء جميعاً توعدهم الله تعالى بالعذاب والذي يبدأ بموتهم في قوله تعالى  { والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى – القيامة }  .

ثم يقول تعالى :

  • ثم ذهب إلى أهله يتمطى (33)

وهنا :

(ثم)

 

أي أن هذا الذي تولى عن ذكر الله تعالى ذهب مستكبراً إلى أهله فقال تعالى في كل من كفر بالله تعالى على العموم { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَر وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ  – المدثر 11-30 } .

 

وأما :

(ذهب)

وهذا اللفظ ورد على منافقين في قوله تعالى { أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا – الأحزاب 19 } أي أن الذي ذهب لأهله يتمطى ماشياً متبتختراً فرحاً فخوراً من هؤلاء وهؤلاء المنافقين منهم وهم الأحزاب الذين قال تعالى فيهم

{ يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا – الأحزاب 21} وهؤلاء كانوا يظنون أنهم على معتقد الطريقة المثلى كما قال تعالى عن فرعون ولئه لعنهم الله {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى – طه 63 } . وجاء خلف هؤلاء ليختلفوا على أهل بيت نبيهم إكمالا لطريق سلفهم ويكونوا قد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا من نفس باب الولاية ورفضهم لولاية النبي وأهل بيته عليهم كما في قوله تعالى { وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون –المائدة 61 } ولذلك تفرقوا واختلفوا وقد حذر الله تعالى من ذلك في قوله عز وجل {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين – الأنفال 46 } .

وهذا التنازع كان مع أهل بيت النبي عليهم السلام الذين قال تعالى فيهم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } وهؤلاء يقول تعالى فيهم ولكل الخلق { فأين تذهبون– التكوير 26 } .

وأما :

(إلى أهله)

 

أي أن هؤلاء كانوا يرجعون إلى أهليهم فرحين متفاخرين كما في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ – المطففين 29-31 } . ولذلك قال تعالى في هؤلاء هنا : { ثم ذهب إلى أهله يتمطى } .

ويقول تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا – النساء 58 } وهذه هى أمانة الحكم بما أنزل الله تعالى    والتي قال تعالى فيها { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا  – الأحزاب 72} وهذه الأمانة جعلها الله تعالى في رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام الذين قال تعالى فيهم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب } .

 

وأما :

 

(يتمطى) 

 

[ ويتمطى : ومطوت الشيئ أمطوه مطواً : مددته ويقال : مطوته فتمطى أي مددته فامتد ويقال من هذا تمطى الرجل : تبختر في مشيته كأنه يتمدد إذ يمد خطوه ويديه ويوسع ذراعه – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الطاء والواو ] . وهذه مشية نهى الله تعالى عنها في قوله تعالى { ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا  -الإسراء 37 } وقال تعالى أيضاً { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور – لقمان 18} وهنا بين تعالى أن هؤلاء كانوا يقعون في نفس الفعل الذي نهى الله عنه من المشي مرحاً والتمطي والمفاخرة على من حولهم من أهلهم قال تعالى : { ثم ذهب إلى أهله يتمطى – القيامة 33} .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • أولى لك فأولى (34) ثم أولى لك فأولى (35)

 

[ وأولى : أَفعل تفضيل بمعنى الأَحقِّ والأَجدرِ والأَقرب ]

  • وهنا تكرار أولى لك فأولى دليل على أنهما أوليتان أحق وأجدر بالتبعية الأولى لسيدنا إبراهيم عليه السلام والثانية لسيد ولد آدم وخاتم النبيين فقد قال تعالى في هاتان الأوليتان { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا – آل عمران 68 } . ولذلك قال تعالى هنا { أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى – القيامة 34-35}

وأما :

(ثم)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى عن آية الميثاق حيث أخذ الله تعالى الميثاق على كل الأنبياء والمرسلين للإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وآله ونصرته قال { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 } والأولوية هنا باتباع النبي الخاتم صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى {أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى – القيامة 34-35} .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • أيحسب الإنسان أن يترك سدى (36)

وهنا :

(أيحسب)

أي أنه يقول تعالى { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون – المؤمنون 115 } فإذا رجعوا إلى الله تعالى هل ظن هؤلاء أن لا يجمع الله عظامه كما في قوله تعالى  { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه – القيامة 3} وهل يحسب أن لا يقدر عليه أحد قال تعالى { أيحسب أن لن يقدر عليه أحد – البلد 5 } وهل يحسب أن يترك سدى بغير حساب ولا عقاب ولا جزاء قال تعالى { أيحسب الإنسان أن يترك سدى – القيامة 36 } .

 

وأما :

(الإنسان)

أي أنه يقول تعالى في هذا الإنسان الذي خلقه الله تعالى من طين { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ماشاء ركبك – الإنفطار 6-7 } وبغرور هذا الإنسان ظن أنه لا حساب ولا عقاب قال تعالى { أيحسب الإنسان أن يترك سدى –القيامة 36 } .

وأما :

 

(أن يترك)

 

{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ – الشعراء 141-150 } أي هل حسب هؤلاء أن ينعمهم الله تعالى في الدنيا ويتركهم سدى بلا فتنة أو اختبار كقوله تعالى {  أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون – العنكبوت 2 } .

أي هل يحسب هؤلاء أن يتركوا سدى كما في الآية هنا { أيحسب الإنسان أن يترك سدى – القيامة 36 } .

 

وأما :

(سدى)

[ وأسدى الإبل يسديها : أهملها وهو سدى مهمل يستوي فيه الواحد وغيره – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الدال والياء  ] قال تعالى { أيحسب الإنسان أن يترك سدى – القيامة 36 } .

ثم يقول تعالى :

  • الم يك نطفة من مني يمنى (37)

وهنا :

(ألم)

أي أنه يقول تعالى { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 20-24 } وهذا الماء المهين هو النطفة التي قال تعالى فيها هنا { ألم يك نطفة من مني ثم كان علقة فخلق فسوى }

وأما :

(يك)

ويك مثل يكن قال تعالى { ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم – الأنفال 53 } وقال تعالى أيضاً { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون – غافر 85 }

وأما :

(نطفة من مني يمنى)

[ والمني الماء الذي يخرج من فرج الرجل والمرأة عند ثوران الشهوة وسمى بذلك لأنه يمنى ويقذف ويصب – معجم ألفاظ القرىن باب الميم فصل النون والياء ] قال تعالى { وَأَنَّهُۥ خَلَقَ ٱلزَّوۡجَیۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰ مِن نُّطۡفَةٍ إِذَا تُمۡنَىٰ – النجم 45-46 } .

 

ثم يقول تعالى :

 

  • ثم كان علقة فخلق فسوى (38)

أي أنه يقول تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ – المؤمنون 12-16 } وعلى ذلك يبين الله تعالى لنا أن النطفة هى مني يمنى أودعه الله تعالى في قرار مكين بين الذكر والأنثى وبخلطهما يتحولا إلى المرحلة الثانية من مراحل الخلق وهى العلقة ثم إلى المرحلة الثالثة من مراحل الخلق وهى المضغة . والمضغة : اللحم يمضغه مضغاً أي حركه في فمه وعالجه بأسنانه وهى المرحلة الثالثة من مراحل الخلق في رحم الأم  .

 

وأما :

(فسوى)

[ وسواه عدله وجعله لا عوج فيه ] قال تعالى في اكتمال خلق الإنسان على احسن وجه خلقه الله تعالى  { يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ماشاء ركبك – الإنفطار6-8 } ولذلك يقول تعالى فيمن كفروا بالله تعالى { قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا – الكهف 37 } . أي أكمل خلقه على أحين صورة .

ثم يقول تعالى :

  • فخلق منه الزوجين الذكر والأنثى (39)

وهنا يقول تعالى في بيان هذه الآية { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ – النجم 45-47 }

ثم يقول تعالى :

  • أليس ذلك بقادر على أن يحى الموتى (40)

وهنا :

(أليس)

أي أنه يقول تعالى {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – الأحقاف 34 } ثم يبين تعالى في استفهام أليس خالق السماوات والأرض بقادر على أن يخلقه مثلهم قال تعالى { أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم – يس 81 } وهو هنا قادر على إحيائهم كما في قوله تعالى { أليس ذلك بقادر على أن يحىى الموتى – القايمة 40 } .

 

وأما :

 

(ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)

 

أي أنه يقول تعالى هنا { إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا – النساء 133 } وقال تعالى أيضاً { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ – الأحقاف 33-35 } .

هذا وبالله التوفيق

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة في

25 محرم الحرام سنة 1421هـ الموافق 30 أبريل سنة 2000 م

الشريف

خالد محيي الدين الحليبي