الخليج الجديد :
“يسمح تعدد الأقطاب المتزايد في العالم لدولة الإمارات العربية المتحدة بالعمل على طرفي نزاعات عديدة، لكن استدامة هذا النهج لا تزال غير واضحة”.. بهذه المقدمة سلط موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت” الأمريكي، المعني بالدراسات الإستراتيجية، الضوء على لعبة التوازن التي تسعى أبوظبي لاستغلالها مع صعود مؤشرات تشكل نظام عالمي جديد.
وذكر الموقع، في تقريرترجمه “الخليج الجديد”، أن تعميق الإمارات لعلاقاتها مع إسرائيل يمكنها من تفادي الضغط الأمريكي لفك الارتباط بإيران وروسيا ودول أخرى تسعى الولايات المتحدة إلى عزلها.
لكن مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وكل من إيران والفلسطينيين، قد تصبح جهود أبو ظبي للسير في مسار وسط تحديًا متزايدًا.
ففي الأسبوع الماضي، بدا أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تدعم بشكل صريح سلوك المواجهة الإسرائيلي المتزايد ضد إيران، وهو موقف من المرجح أن يزيد من مخاطر نشوب حرب بين الخصمين الإقليميين.
وفي غضون ذلك، شجعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليمينية المتطرفة، المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، حيث نفذوا عشرات الهجمات ضد الفلسطينيين، كان آخرها في نابلس وما حولها.
ورغم الاجتماع الطارئ، الذي عقد بوساطة أمريكية في نهاية الأسبوع الماضي بالأردن، والذي وافقت فيه إسرائيل والسلطة الفلسطينية على تهدئة الأزمة المستمرة، أعلن نتنياهو بعد ذلك أن توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية سيستمر بلا هوادة.
هذا التصعيد في التوترات بين إسرائيل وكل من إيران والفلسطينيين يضع الإمارات في موقف يزداد صعوبة، فإذا اندلع الصراع بين إيران وإسرائيل، قد تجد نفسها، والقاعدة العسكرية الأمريكية التي تستضيفها، في مرمى الأسلحة الدقيقة لطهران.
وفي سياق تصاعد العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، فإن استمرار القيادة الإماراتية بالانخراط في علاقات أوثق مع إسرائيل قد يصبح مشكلة على الصعيدين المحلي والعالمي، حيث لا يزال الرأي العام معاديًا للتطبيع مع إسرائيل.
ومع ذلك، يبدو أن أبو ظبي مصممة على الاحتفاظ بالعلاقات مع كل من تل أبيب وطهران وموسكو وبكين وواشنطن، على الأقل في الوقت الحالي.
وتحت قيادة الرئيس، محمد بن زايد آل نهيان، ألزمت الإمارات نفسها بسياسة “صفر مشاكل”، التي تعطي الأولوية للدبلوماسية والتجارة.
وفي مقال رأي في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، استخدم وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان شعار “السلام والتعافي والازدهار” لوصف السياسة الخارجية الحالية للبلاد.
وبعد 6 سنوات دون اتصال دبلوماسي رسمي، أعادت الإمارات سفيرها إلى طهران قبل 6 أشهر فقط. وقال أنور قرقاش، كبير المستشارين الدبلوماسيين لمحمد بن زايد، إن قرار إعادة السفير إلى طهران يتماشى مع سياسة الإمارات المتمثلة في السعي لتحقيق السلام وتعزيز العلاقات الخارجية ومتابعة مسارها الخاص، بغض النظر عن الضغوط الخارجية.
وفي السياق، يؤكد ماجد الرئيسي، المحلل السياسي الإماراتي وخبير الاتصالات الاستراتيجية، أن الإمارات ستسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية ولن تخضع للضغوط الغربية.
وتقود العلاقات التجارية والاقتصادية الأخرى مع إيران الكثير من حسابات الإمارات العربية المتحدة. كما كتب عبد الخالق عبد الله، الزميل في مبادرة الشرق الأوسط بمركز بلفر في كلية هارفارد كينيدي، الصيف الماضي، عن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإيران، والتوقيع المحتمل لاتفاق نووي، والتقليل من توترات العلاقات الإقليمية بشكل عام.
ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة حجم التجارة بين الإمارات وإيران إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويًا.
وتمثل سياسة التواصل الإقليمي، التي شملت أيضًا تركيا وقطر، نهجا جديدا إلى حد ما بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، ففي العقد الذي تلا الربيع العربي، غالبًا ما تدخلت أبو ظبي بشكل مباشر، إما من خلال مواردها المالية الكبيرة أو من خلال نشر قواتها، لإحباط الانتفاضات المطالبة بالديمقراطية ومنع الجهات الإسلامية الفاعلة من الوصول على السلطة أو السيطرة عليها.
وكان صعود الحكومات الإسلامية في مصر وتونس مصدر قلق خاص لأبوظبي، إذ أدى إلى تصعيد المخاوف الإماراتية من تشجع الإسلاميين داخل حدودها.
وفي هذا الإطار، أرسلت الإمارات قوات إلى البحرين لمساعدة حكومتها في قمع الانتفاضات هناك في عام 2011، كما دعمت أيضًا الحملة العسكرية الفاشلة للجنرال خليفة حفتر 2019-2020 للاستيلاء على ليبيا من حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا والإسلاميين. كما أرسلت أبو ظبي قوات مرتزقة إلى اليمن لمحاربة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
ويعكس تركيز الإمارات في الآونة الأخيرة على إعادة بناء العلاقات مع خصوم سابقين مثل تركيا وإيران نجاحها جزئياً في إحباط طموحات الجهات الإسلامية الفاعلة في جميع أنحاء المنطقة.
وبعد هزيمة التهديد المتصور، يبدو أن محمد بن زايد قد خلص إلى أن توسيع التجارة يوفر ربحًا أكثر من شن الحرب، وذلك رغم المخاوف الأمريكية بشأن بعض الشركاء التجاريين للإمارات.
ففي الشهر الماضي فقط، زار كبار مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية أبو ظبي لتحذير المسؤولين الإماراتيين من مساعدة إيران وروسيا على التهرب من أو تحدي عقوبات واشنطن.
وعلى وجه التحديد، استهدفت واشنطن شركتي نقل جوي مقرهما الإمارات لتعاونهما مع شركة إيرانية خاضعة للعقوبات من خلال نقل طائرات مسيرة وموظفين إيرانيين من إيران إلى روسيا. كما عملت الإمارات كوسيط للطائرات الصينية المسيرة التي يتم شحنها إلى روسيا لنشرها في أوكرانيا.
ولم يكن لدى أبوظبي أي مخاوف بشأن العمل مع روسيا عندما يخدم ذلك مصالحها. وعقد محمد بن زايد وبوتين اجتماعات ثنائية في أكتوبر/تشرين الأول 2022، كجزء من استراتيجية الإمارات لإبقاء جميع السبل مفتوحة مع الشركاء المحتملين.
إن مشاهدة اليخت الفاخر Madame Gu، المملوك للقطب الروسي المدان، أندريه سكوتش، في مرسى دبي، يقدم مثالاً حديثًا على استعداد الإمارات لمساعدة الروس في التهرب من العقوبات.
ولا يمكن للولايات المتحدة أن تشتكي ذلك بصوت عالٍ، بالنظر إلى استعداد الإمارات لتولي زمام المبادرة في تطبيع العلاقات الوثيقة مع إسرائيل وتطويرها بموجب اتفاقيات إبراهيم لعام 2020.
وسلطت مذكرة وزعتها السفارة الإماراتية بواشنطن، في أبريل/نيسان 2022، الضوء على تجارتها البالغة 6.5 مليار دولار مع إسرائيل، والاتفاقيات الجديدة للتعاون الثنائي في مجال الطاقة والذكاء الاصطناعي، وتعاونها مع إسرائيل في المساعدة الإنسانية.
وتعمل الإمارات، وباقي الدول الموقعة على اتفاقيات إبراهيم، على توسيع نطاق الاتفاقيات لتشمل الأمن السيبراني من أجل “معالجة التهديدات المشتركة، بما في ذلك استهداف الدولة للبنية التحتية الحيوية وهجمات برامج الفدية واسعة النطاق”، ولذا ترى أبوظبي أن اتفاقيات إبراهيم خدمت المصالح الإماراتية بشكل جيد حتى الآن.
ورغم إدانة الإمارات للعنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين في يناير/كانون الثاني، قاد سفير الإمارات لدى الأمم المتحدة إلغاء مسودة قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب إسرائيل بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل فوري وكامل.
وبينما أشاد قرقاش، الأسبوع الماضي، فقط بدعم الإمارات لبيان رئاسي منفصل لمجلس الأمن الدولي، يدين بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، أغفلت تغريدته الإشارة إلى أن أبوظبي تتماشى مع الجهود الأمريكية لمنع تحول الإدانة إلى أداة قانونية أقوى.
ومن خلال الموافقة على المساعدة في منع التصويت على قرار مجلس الأمن، فضلاً عن السعي إلى علاقة أوثق مع إسرائيل بشكل عام، تشعر الإمارات بأنها قادرة على عزل نفسها عن الضغط الأمريكي على الجبهات الأخرى، ولا سيما التعامل مع خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا وإيران.
وفي الوقت نفسه، ومن خلال صياغة بيان الإدانة والترويج له، تمكنت الإمارات حتى الآن من عزل نفسها عن الرأي العام المحلي والإقليمي المؤيد للفلسطينيين. ويوضح أداؤها كيف يمكن أن تلعب على كلا الجانبين.
تؤكد الإمارات أنها تسعى إلى إقامة صداقة مع جميع الدول، مع السعي وراء مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، ومن المرجح أن يصبح سلوكها في دعم السياسات الأمريكية أو إحباطها أكثر شيوعًا في السياق الجيوسياسي للتعددية القطبية.