الخليج الجديد :
كانت روسيا تعتبر مجموعة العشرين للاقتصادات الرائدة بمثابة المنتدى التعاوني الرئيسي في العالم، لكن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لم يحضر قمة 15-16 نوفمبر/تشرين الثاني في بالي، ما جعل هذه القمة فرصة لتعزيز عزلته من خلال الإدانات المباشرة من القادة الغربيين.
ولا يعني ذلك أن روسيا ليس لديها أصدقاء، لكن بالطبع تراجع عدد هؤلاء الأصدقاء منذ إطلاقها الحرب الشاملة على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي.
على سبيل المثال، يقال إن كوريا الشمالية تقترب من الكرملين من خلال إمدادات المعدات العسكرية، فيما تعززت علاقة إيران بروسيا بشكل أكبر، ما يحمل تداعيات خطيرة على الشرق الأوسط وملف عدم الانتشار النووي وكذلك قضية التهرب من العقوبات.
ويمكن إدراك مدى استفادة الكرملين من هذه العلاقة مع مشهد الطائرات الانتحارية الإيرانية وهي تضرب البنية التحتية المدنية في أوكرانيا والوصول المزعوم للصواريخ الباليستية الإيرانية لتعزيز الموقف العسكري الروسي (مع عدم اكتراث طهران بالإضرار بسمعتها).
ويأتي الدفء في العلاقات بعد عقود، إن لم يكن قرون، من عدم الثقة. وكان هذا الشك المتبادل سمة مميزة للعلاقات الثنائية، مع شعور بعدم الاطمئنان دائمًا ما كان يطارد تعاونهما الذي يتم التباهي به كثيرًا.
لقد أتاح العدوان الروسي على أوكرانيا وفشل موسكو في تحقيق نصر سريع فرصًا كبيرة لإيران لاستغلال نقاط ضعف روسيا، ودفع نظام “بوتين” إلى الانخراط في تعاون أوسع في المجالين الاقتصادي والعسكري وكذلك عزز طموحات إيران النووية.
وقبل الحرب في أوكرانيا، اعتبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها انخراط روسيا في محادثات استعادة الاتفاق النووي أمرا مهما لتقويض قدرة طهران على بناء أسلحة نووية. وفي عدة مناسبات، ضغط الكرملين على إيران للامتناع عن اتخاذ مزيد من الخطوات نحو الحصول على أسلحة نووية. وكانت الحسابات الروسية واضحة، فقد عارضت انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وهي منطقة تعاني بالفعل من عدم الاستقرار.
وتعاونت إيران وروسيا منذ فترة طويلة في العديد من القضايا من جنوب القوقاز إلى بحر قزوين، لكن طبيعة النظام الإسلامي وإصراره على دعم وتوجيه مجموعة متنوعة من الميليشيات، جعلت موسكو تتخوف من حصول طهران على السلاح النووي.
قد تغير الحرب في أوكرانيا كل هذه الحسابات، وبالفعل هناك مجموعة متزايدة من الأدلة تشير إلى أن هذا يحدث حاليا. أولاً، منذ الأيام الأولى للحرب عندما أصبح العزم الغربي على معارضة روسيا واضحًا، لجأ الكرملين إلى الابتزاز، مهدّدًا بإفشال مفاوضات الاتفاق النووي في فيينا.
وعندما أيدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا يطالب بتعاون إيران مع الأمم المتحدة، صوتت روسيا ضده. كما التزمت الصمت عندما أغلقت إيران عدة كاميرات تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في المواقع النووية. وتبدو لعبة روسيا واضحة. إنها مهتمة بشدة بحربها ضد أوكرانيا وتلاعب الغرب اعتمادا على اهتمامه ببرنامج إيران النووي.
وتتناسب هذه المقايضة الجيوسياسية مع نهج “بوتين” في الشؤون الخارجية، وحاول الغرب بالفعل التعامل مع هذا الابتزاز، لكن الوقت يمر حيث تقترب إيران بشكل خطير من لحظة الاختراق التي سيكون من المستحيل بعدها عكس تقدمها نحو الأسلحة النووية.
في المقابل، لا تزال الشكوك قائمة في العلاقات الإيرانية الروسية رغم التقارب الأخير، فالإيرانيون بشكل عام متشككون في أهداف روسيا الاستراتيجية ومصالحها في الشرق الأوسط، حتى إن السياسيين الإيرانيين منقسمون بشدة حول خطوة تقديم طائرات بدون طيار إلى روسيا وسط حربها على أوكرانيا.
علاوة على ذلك، ينظر الإيرانيون إلى روسيا على أنها قوة إمبريالية ألحقت الضرر ببلدهم على مدى قرون بشكل لا يقل عن الغرب. ومع ذلك، لا ينبغي المبالغة في هذه الرواية عن عدم الثقة.
وتشير التطورات طويلة المدى إلى نمو نطاق التعاون العسكري والاقتصادي. على سبيل المثال، تخطط إيران وروسيا لتوسيع التجارة الثنائية وإدخال نظام “مير” للمعاملات التجارية. ويمكن أن يصل حجم التجارة، الذي بلغ 4 مليارات دولار في عام 2021، إلى 6 مليارات دولار “في المستقبل القريب”.
كما أن روسيا حريصة على معرفة كيف تمكنت إيران من التعامل مع نظام العقوبات على مدى عقود، فقد طورت الجمهورية الإسلامية شبكة واسعة من الشركات الخارجية لإخفاء أنشطتها التجارية عن جهات تنفيذ العقوبات الغربية.
وتتوقع إيران أن ترد روسيا الجميل حيث أنها تمتلك طائرات مقاتلة متهالكة تم شراؤها منذ عدة عقود من الاتحاد السوفييتي والغرب. وقبل عام 2022، كانت روسيا مترددة في تزويد إيران بأحدث الطائرات المقاتلة “سو35” لكن التلميحات في وسائل الإعلام الإيرانية تشير إلى أن الحسابات الروسي قد تتغير.
علاوة على ذلك، ذكرت وكالة أنباء “نور” الإيرانية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أن سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي “نيكولاي باتروشيف” زار طهران لترتيب شراء صواريخ باليستية إيرانية.
ويمكن القول إن العقوبات الغربية كانت السبب الرئيسي وراء الاصطفاف الروسي الإيراني فكلاهما يسعى إلى طرق للتهرب من هذه القيود.
وتتمثل إحدى الوسائل لتحقيق ذلك في إدخال تحسينات على طريق التجارة بين الشمال والجنوب لربط الموانئ الجنوبية لخليج المياه الدافئة لإيران بروسيا عبر أراضي أذربيجان. لا يزال نجاح الممر غير مؤكد، لكن الحرب في أوكرانيا ووجهة نظر روسيا المتغيرة تجاه الجمهورية الإسلامية شجعت الكرملين على إيلاء اهتمام أكبر لهذه القضية.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، كانت هناك فورة من النشاط الدبلوماسي بين موسكو وطهران للإسراع في استكمال البنية التحتية للسكك الحديدية والطرق. وقد غطت رحلة “بوتين” إلى طهران في يوليو/تموز الماضي هذه المواضيع بشكل كبير.