"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

تنافس خليجي على تعزيز النفوذ في آسيا.. لماذا؟

  الخليج الجديد :

لم تعد سياسة “التوجه غرباً” من قبل العديد من القوى الآسيوية الصاعدة صوب المنطقة العربية، وتحديداً تجاه دول الخليج العربية، مجرد شعار يرفع ليؤكد ثوابت العلاقات التاريخية والسياسية والاقتصادية الممتدة بين الطرفين منذ قرون بعيدة.

بل باتت انعكاساً لمجموعة من التحولات الجيواستراتيجية والجيواقتصادية تمر بها منطقة الشرق الأوسط وقارة آسيا، وسط تفاعل مشترك من دول الخليج التي بدأت تتحرك شرقا، لتعزيز تعاونها مع القوى الآسيوية.

إن هناك اتجاهاً عاماً من قبل القوى الآسيوية يشير إلى سعيها ليس فقط نحو حماية مصالحها في منطقة الخليج، والتي تتركز في توفير الطاقة وتأمين إمداداتها والحصول على فرص استثمار متبادل.

وإنما يُؤطر كذلك إلى أن السنوات المقبلة تحمل مؤشرات عديدة على إمكانية تعزيز الارتباط بين بعض هذه القوى وبين دول الخليج في المجالات الأمنية والعسكرية، في ظل إشارات إلى تراجع تدريجي ومنظم بدأته الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة من منطقة الشرق الأوسط.

وبالتزامن مع مرور 55 عاماً على تأسيس “رابطة دول آسيان” التي تضم 10 دول آسيوية، وخلال اجتماع وزراء خارجية الرابطة في عاصمة كمبوديا الذي عُقد أخيراً، وقعت 3 دول خليجية، هي الإمارات وقطر وعمان، على معاهدة الصداقة والتعاون مع دول “آسيان” لتوطيد علاقات التعاون.

ويتماشى توقيع 3 دول خليجية على الاتفاق مع اتجاه عدة دول خليجية أخرى إلى الوجهة الآسيوية ودول رابطة جنوب شرق آسيا.

 

 

وأعربت الإمارات عن أن توقيع اتفاق الصداقة والتعاون هو تمهيد للطريق من أجل عقد شراكة حوارية قطاعية تستهدف تقوية العلاقات الاقتصادية ومعالجة القضايا الإقليمية المشتركة، معلنة رغبتها في تعميق العلاقات مع دول “آسيان”.

فيما جمع “مجلس التعاون الخليجي” و”رابطة جنوب شرق آسيا” اجتماعات ثنائية عدة كان آخرها في سبتمبر/أيلول 2019.

ويرجع التواصل الأول بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة جنوب شرق آسيا إلى عام 1990، ومنذ ذلك الحين اتفق الجانبان على عقد لقاءات سنوية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووقع الجانبان مذكرة تفاهم في يونيو/حزيران 2009 في البحرين التي تعد أساس التعاون والعلاقات بين الكتلتين.

وتنامت العلاقات السياسية بين دول مجلس التعاون الخليجي و”آسيان” في الآونة الأخيرة خصوصاً مع الرياض، إذ يرى مراقبون أن السعودية اتخذت أخيراً خطوات واسعة في التقارب مع دول الرابطة، مما قد يجعلها بوابة الخليج العربي إلى تكتل الشرق الآسيوي.

ويتضح ذلك من خلال دعوتها 3 دول من الرابطة خلال رئاستها لمجموعة الـ20 في عام 2020، حيث حلت سنغافورة وفيتنام ضيفتين على المنتدى العالمي، إلى جانب إندونيسيا أحد أعضاء المجموعة.

كذلك شهد الخليج العربي والشرق الآسيوي زيارات مكثفة رفيعة المستوى خلال جائحة “كورونا”وبعدها، ثم زيارة وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” إلى إندونيسيا وماليزيا في يونيو/حزيران الماضي.

 

 

علاوة على ذلك شهدت أزمة العلاقات التايلاندية السعودية انفراجة هذا العام بزيارة رئيس الوزراء التايلاندي “برايوت تشا أوتشا” إلى الرياض في يناير/كانون الثاني الماضي، أعقبتها زيارة محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي “ياسر الرميان” إلى العاصمة التايلاندية، بهدف تعميق العلاقات السعودية مع دول منطقة جنوب شرقي آسيا، ومن ثم زيارة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” إلى تايلاند وتوقيع مذكرات واتفاقيات اقتصادية.

كما زار وزير الدفاع الماليزي السعودية غير مرة، وحسب معلومات مؤكدة فإن هناك زيارات مرتقبة لعدد من حكام وقيادات دول الخليج إلى تلك المنطقة بنهاية هذا العام ومطلع العام المقبل.

كما تعززت العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج و”آسيان” في السنوات الأخيرة، بعدما تبنى “مجلس التعاون” و”رابطة آسيان” رؤية مشتركة تضمنت دراسة ووضع توصيات عن مستقبل العلاقات بين الجانبين في مجالَي التجارة الحرة والتعاون الاقتصادي.

وأعلنت شركة “أرامكو السعودية” استثمارات تبلغ قيمتها 7 مليارات دولار مع “بتروناس” للبتروكيماويات في ماليزيا في عام 2017، وهي تمثل أكبر استثمارات للشركة السعودية خارج المملكة.

وفي عام 2013 وقعت الإمارات اتفاقاً يقدر بـ6.57 مليارات دولار لتأسيس منشأة لتخزين البترول بسعة تصل إلى 40 مليون برميل من النفط الخام في ولاية جوهور الماليزية.

فيما استثمرت قطر حوالى 5 مليارات دولار في مجمع “بينجيرانج” المتكامل للبترول في ولاية جوهور أيضاً.

كما وقعت قطر كذلك في عام 2013 مشروعا يسمح لماليزيا بالمنافسة مع سنغافورة لتصبح مركزاً إقليمياً للصناعات البترولية في جنوب شرقي آسيا.

 

 

وتوجهت شركة البترول الكويتية إلى قطاع الطاقة في جنوب شرقي آسيا من خلال مشروع مصفاة النفط المشتركة في فيتنام، وشراكة مع شركة بيرتامينا الإندونيسية، لتطوير مجمع مصافي للنفط في شرق جزيرة جاوا الإندونيسية.

وتشير بيانات دولية اقتصادية إلى أن منطقة جنوب شرقي آسيا شهدت تزايداً متسارعاً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن مثيلاتها في شرق آسيا.

وتمثل دول الخليج مصدراً مهماً للاستثمارات في عدد من أعضاء “آسيان”، فالسعودية على سبيل المثال تعد خامس دولة في مصادر الاستثمار بماليزيا.

وتشكل الواردات من دول رابطة جنوب شرق آسيا 6% فقط من إجمالي واردات دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة بين عامَي 2016 و2020.

وحسب تقرير اقتصادي صادر في العام الماضي، مثلت الإلكترونيات 28% من واردات دول مجلس التعاون من الرابطة، تليها الآلات بنسبة 12%.

كما تشير بيانات إلى أن استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في “آسيان” بلغت 13.4 مليار دولار أمريكي منذ عام 2016 وحتى سبتمبر/أيلول 2021.

وكانت الإمارات صاحبة النصيب الأوفر من هذه الاستثمارات خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة وصلت إلى 74%.

 

 

وعلى جانب آخر، ارتفع عدد الشركات من دول رابطة “آسيان” المسجلة في غرفة دبي التجارية بنسبة حوالى 35.5% منذ عام 2018 وحتى العام الماضي.

بينما وصلت صادرات الدول الخليجية إلى “آسيان” حوالى 4% فقط من إجمالي الصادرات الخليجية خلال السنوات الخمس الماضية، كان أغلبها من النفط الخام.

وفي الوقت الذي يتراجع فيه الاعتماد الأمريكي والأوروبي على موارد الطاقة من منطقة الخليج، يتزايد الطلب الآسيوي حالياً ومستقبلاً من المنطقة، بعدما أضحت أسواق آسيا الصاعدة الأكثر استيراداً لنفط دول الخليج العربية من أجل دعم النمو الاقتصادي.

وتعتمد كل من اليابان وكوريا الجنوبية على نسبة تبلغ 70% و80% على التوالي من احتياجاتهما النفطية من دول الخليج، بينما تعتمد الصين على 36%، والهند على 45%، بل توفر السعودية وحدها نحو 20% من الاحتياجات النفطية لكل من الصين والهند.

ويتوقع أن يكون أمن الطاقة جزءاً لا يتجزأ من الشراكة الاستراتيجية بين القوى الآسيوية ومنطقة الخليج، إذ سوف يستمر تنامي الطلب الصيني في المدى القصير والمتوسط على نفط دول الخليج العربية، لاسيما مع توقع ارتفاع الاستهلاك الصيني من النفط بنسبة 67% بحلول عام 2030.

وعلى الرغم من أن لدى الصين أكبر احتياطي عالمي من الغاز الصخري (19%)، فإن تكلفة استخراجه مرتفعة بسبب عمق رواسب النفط وقربها من المناطق الحضرية.

أما بالنسبة للهند، فتشير التوقعات إلى أنها قد تكون أكبر مستورد للنفط في العالم بحلول عام 2050.

 

 

يشار إلى أن لدى سنغافورة، وهي أحد أعضاء “آسيان”، اتفاقاً للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي يعود إلى عام 2008 ويغطي حوالى 99% من السلع المحلية السنغافورية وأصبح ساري المفعول منذ 2013.

ولا يزال في طور الاقتراح اتفاق للتجارة الحرة بين ماليزيا ودول مجلس التعاون الخليجي، وآخر بين إندونيسيا ودول المجلس.

ويمكن لدول “آسيان” أن توفر السلع والمنتجات الغذائية والزراعية لدول الخليج، مما قد يجنبها ارتفاع الأسعار المفاجئ في الأزمات ويضمن لها مصادر متعددة في هذا النوع من السلع.

ويتوقع أن يحقق مزيد من التقارب بين الكتلتين خلال الفترة المقبلة فوائد للجانبين، بخاصة مع عمل رابطة “آسيان” ومجلس التعاون الخليجي على الابتعاد عن الصراعات بين القوى الكبرى والتزام الحياد والاهتمام بمصالح شعوبهم وتحقيق النمو الاقتصادي.

يقول رئيس مركز الخليج للأبحاث “عبدالعزيز بن عثمان بن صقر”، إن تطوير التعاون بين دول الخليج الجمهوريات في آسيا، “يعد ضرورة سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية وحضارية، وتتعدى ذلك كله كونها ضرورة استراتيجية، خاصة أن هذه العلاقات لا تأتي من فراغ، وليست رد فعل للتنافس الإقليمي والدولي الدائر هناك”.

ويضيف: “هناك اعتبارات واقعية واستراتيجية تستوجب علاقات قوية وشراكات استراتيجية بين دول مجلس التعاون مع جمهوريات آسيا، أبرزها تنامي المصالح الاقتصادية بين المنطقتين لما تمتلكان من موارد طبيعية وثروات مهمة بعضها متماثل مثل النفط والغاز، وبعضها الآخر متكامل مثل المنتجات الزراعية والثروات المعدنية، والثروة الحيوانية، والمواد الغذائية بشكل عام.

 

 

ويلفت إلى أنه نتيجة التقارب بين هذه التكتلات، يمكن تحقيق التكامل في إدارة الثروات المتشابهة.

ويتفق معه الباحث في الشأن الخليجي “نور الدين محمد مصطفى”، والذي يقول إنه بالنظر إلى واقع العلاقات بين دول مجلس التعاون من جهة والدول الآسيوية من جهة ثانية يمكننا أن نلاحظ وجود كم يعتد به من المصالح المتبادلة بين الطرفين على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.

ويضيف:  “بات البعد الآسيوي متغيراً مهماً في معادلة أمن الخليج، إلا أنه يبقى متغيراً هامشياً، مقارنة بمركزية الدور الأمريكي والحضور الأوروبي الكبير في المنطقة، إلا أن هذا لا ينفي أن دول الخليج معنية وبقوة ببناء نسق مرن لعلاقاتها الآسيوية، بما يدعم الاستقرار في المنطقة، ويعزز بعدها التنموي، ويخدم مصالح الأطراف الداخلة فيها، وليس أدل على ذلك من أن أهم معالم العلاقات الاقتصادية الخليجية الدولية الراهنة هو التوجه نحو آسيا”.

ويتابع “مصطفى”: “لا شك في أن سياسة التوجه شرقاً من قبل دول الخليج صوب آسيا، وسياسة التوجه غرباً من دول آسيا صوب الخليج، إنما تأتي نتاجاً لمتغيرات وتحولات دولية كبرى سوف تعيد هيكلة النظام الاقتصادي والسياسي العالمي، وتقدم فرصة أمام دول الخليج في أن تعيد أولويات الأسواق النفطية، واحتمال ربط عملاتها بعملات أخرى غير الدولار على المدى المتوسط، والتوسع الاستثماري المتبادل بينها وبين الدول الآسيوية الصاعدة”.

ويختتم حديثه بالقول: “كما أنها تمثل فرصة مواتية للاستفادة من دول آسيا في كافة القطاعات غير النفطية التي تعمل دول الخليج على تطويرها، والأبرز أن التوجه الآسيوي غرباً ربما يفتح آفاقاً لإعادة التفكير عربياً وخليجياً في صيغة جديدة للأمن في منطقة الخليج، يكون عمادها وضع أسس جديدة للأمن الجماعي، شرط أن تزيل دول مثل الصين والهند بعض التخوفات والتساؤلات حول نيتهما المستقبلية من تعزيز تواجدهما في قلب الشرق الأوسط”.

 

 

 

المصدر | الخليج الجديد