"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

داعش خراسان.. أضعف مما تبدو للعلن

شفقنا :

منذ العملية الانتحارية التي استهدفت مطار كابول الدولي في أغسطس عام 2021 إذ أودت بحياة ما يزيد على 170 شخص وعدد من القوات الأمريكية، فان فرع ما يسمى داعش خراسان يقوم بهجمات عنيفة تستهدف الأقليات الدينية وخاصة الشيعة إضافة إلى الهجوم على علماء موالين لطالبان، وبهذا يتصدر قائمة أخبار وسائل الإعلام. فهذه الجماعة ومن خلال ارتكاب هذه المجازر وشن الهجمات تبحث عن لفت انتباه العالم، وحاولت ان تعرض صورة جماعة عادت إلى الساحة ثانية، لكن الحقيقة أكثر تعقيدا من هذا الأمر وهناك احتمال حقيقي وهو: داعش خراسان يتجه نحو الانهيار والأفول.

وأول علامة على هذا الوضع المشار إليه هو ان الهجمات التي تشنها الجماعة في أفغانستان تتركز على الأهداف الناعمة أي المدارس والحوزات الدينية والمساجد والمعابد. فحتى عندما تشن هذه الجماعة هجماتها ضد طالبان فإنها قلما تبحث عن أهداف تحرسها طالبان، والاستثناء الوحيد هو هجوم شنته في يوليو عام 2022 حيث استهدفت اجتماع علماء في كابول، إقامته طالبان، إذ حاولت في هذه العمليات ان تدخل الاجتماع لكنها لم تتمكن من اجتياز الحواجز الأمنية المحيطة بالاجتماع.

لكن داعش خراسان وبعد القيام بهذه العمليات حتى تلك التي أخفقت في إنجازها في نوفمبر استطاعت تحقيق هدف مهم وهو نشر الدعاية بين قسم من المخاطبين على المستوى الداخلي والدولي، إذ تبدو من منظار عام فان هذه الجماعة قد تعد لاعبا صاعدا ومهما حتى لو لم تلحق أضرارا بحركة طالبان، فان هذا الفهم وتفسير الأمور يحقق عدة أهداف، أولها إنها استطاعت ان تعزز عملية التجنيد وتشجع تلك الجماعات التي لا توافق مع أيديولوجية داعش خراسان غير أنها تنظر إلى جانب بقاء الجماعة وقوتها، تشجعها على الانضمام إلى هذه الجماعة.

أما الهدف المهم يتجلى في تعزيز عملية تمويل هذه الجماعة. إذ يجب على جماعة داعش خراسان التنافس مع فروع داعش الأخرى لجذب الموارد المحدودة لداعش والتنافس مع الجماعات الجهادية الأخرى لجذب المؤيدين الأثرياء لها في أماكن أخرى. وبحسب مصادر داعش خراسان، فإن هذه الجماعة تواجه مشاكل مالية منذ 12 شهرا، جاء معظمها بسبب صعوبة عملية تحويل الأموال من الخارج إلى أفغانستان وباكستان. إذ ان ممارسة الضغط على القطب المالي لداعش في تركيا على يد الحكومة هناك، جعل من الصعب على القيادة المركزية لداعش إرسال الأموال إلى مناطق عمليات داعش خراسان بأفغانستان. يقال إن عدم قدرة داعش خراسان على الحصول على ميزانيتها وإنفاقها دفع الخلافة إلى تقليص الموارد المالية المخصصة لهذه الجماعة هذا العام.

من جهة أخرى تسببت العلاقات المتدهورة بين داعش خراسان والتشكيلات العسكرية الباكستانية في تشديد حدة القيود المالية المذكورة. إذ أدى هذا الوضع إلى تعقيد الوضع اللوجستي لهذه الجماعة وأجبرها على الاعتماد أكثر على السوق السوداء لأفغانستان لتلبية احتياجاتها. فقبل سقوط كابول في أيدي حركة طالبان، كانت الأجهزة الأمنية الباكستانية تساعد على هجمات داعش خراسان ضد المسئولين الأفغان لزيادة الضغط على حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني.

لما كانت داعش خراسان لا تمتلك فرصة كبيرة للحصول على الأموال داخل أفغانستان فإنها تتجه حاليا إلى الدول العربية في الخليج وحتى أوروبا لتأمين أموالها. لكن هذه الجماعة قد تواجه مشاكل في الخليج. حاولت داعش خراسان جذب الدعم والمساعدات المالية من المنطقة من خلال تصوير نفسها على أنها داعمة الجماعات السلفية في أفغانستان. لكنها ومن خلال شن هجمات ضد المساجد والمدارس الدينية المرتبطة بحركة طالبان، خلقت الأرضية لأعمال انتقامية عنيفة ضد السلفيين.

هذا وتحاول داعش خراسان إظهار قدرتها على تصدير الجهاد العالمي إلى آسيا الوسطى. في الواقع، تحدثت الجماعة هذا العام عن أنها تريد نقل عملياتها إلى شمال أفغانستان (الذي يبعد عن مقرها التقليدي في شرق البلاد). تزعم جماعة داعش خراسان بأنها وبالإضافة إلى استئناف عملية تجنيد الأعضاء في دول آسيا الوسطى، فقد أنشأت معسكرات تدريب جديدة في شمال شرق أفغانستان من أجل تدريب قوات جديدة من آسيا الوسطى. في الواقع، نفذت هذه الجماعة ثلاث هجمات صاروخية عبر الحدود من داخل أراضي أفغانستان، اثنتان منها كانتا باتجاه أوزبكستان وواحدة باتجاه طاجيكستان. كانت أهمية هذه الهجمات من الناحية العسكرية شبه معدومة، لكنها مع ذلك تمكنت من احتلال عناوين الأخبار.

عند النظر إلى علامات دالة على مواجهة داعش خراسان الأزمة المالية نرى بأنها بدأت في أوروبا ولأول مرة في جمع المساعدات المالية بشكل مباشر في الأشهر الأخيرة، وكسرت الاحتكار المركزي لمثل هذه الأنشطة في أوروبا التي كانت تنفذها الخلافة سابقا. ولم يتضح بعد ما إذا كان هذا الإجراء قد وافقت عليه القيادة المركزية لداعش أم لا. ومع ذلك، قبل اتخاذ هذا الإجراء، شهدنا زيادة هائلة في أنشطة الدعاية عبر الإنترنت لداعش خراسان لعدة أشهر، بما في ذلك محتوى باللغة الإنجليزية، والذي استهدف على الأرجح أوروبا. يبدو أن هذه الجماعة ومن خلال عملياتها في أوروبا تحاول زيادة دخلها عبر الاعتماد على العملات المشفرة وبالتالي التغلب على المشاكل الناجمة عن تشديد الضوابط على العمليات المالية لهذه الجماعة في تركيا.

في حال تمكن داعش خراسان من تطوير مستواه المالي بشكل كبير، فان هذه القضية تصب في مصلحته على المدى البعيد، ان هذه الجماعة تحظى بشعبية بين الجماعات السلفية في شرق أفغانستان، غير انه في يومنا هذا ان تلك الجماعات السلفية قد تأكدت بان داعش خراسان لا يمتلك فرصة كبيرة للانتصار على طالبان، وعلى هذا فإنها لا ترغب بدعم هذه الجماعة ولا سبيل أمامها إلا القيام بالعمليات الانتقامية، غير انه حتى لو تمكنت داعش خراسان من توفير المصادر المالية، فان طالبان قد تتمكن من القيام بهذا العمل لقواتها المسلحة قليلة الدخل في أفغانستان والمناطق الأخرى وعلى سبيل المثال يقال بان الاتفاق مع قطر حول دعم القوات المسلحة في أفغانستان سيرى النور قريبا.

هذا وتأمل داعش خراسان بان تخلق الجماعات المسلحة المعارضة المزيد من المشاكل لطالبان، وهكذا تجعل طالبان مضطرة على تشتيت مصادرها، ان هذا الوضع يخلق أجواء ملائمة لداعش خراسان، مع انه قد تحدث هذه الأمور لكن ليس من المؤكد ان تزيد داعش خراسان من مصادرها المالية، لكن يجب القول بأنه في ظل غياب زيادة في الميزانية فان هذه الأجواء لا يمكنها ان تحل مشاكل داعش خراسان.

لكن بالرغم من هذا فان جماعة داعش خراسان قد حافظت على انسجامها؛ مع انه منذ نوفمبر 2021 حتى فبراير 2022 سلم عدد كبير من أعضاء الجماعة أنفسهم لطالبان في ننغرهار، غير انه في المناطق الأخرى مازالت وحدات داعش موجودة وتتمتع هذه الجماعة بإمكانيات كبيرة، مع هذا فان التأثيرات طويلة المدى الناجمة عن انهيار خلافة داعش في المنطقة قد تترك تأثيرا كبيرا على الوضع المالي لداعش خراسان وحتى لو لم تتحسن الظروف المالية للجماعة، فلا فرصة أمام هذه الجماعة للسيطرة على أفغانستان، لكنها يمكنها تقديم العون الكبير لإسقاط نظام طالبان في افغانستان.

المصدر: مطالعات شرق