"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

ألكسندر نازاروف : بوتين أقال ليز تراس . ولكن لن يتوقف انتقامه عند ذلك بل يستعد لإعلان إفلاس بريطانيا

RT :

إذا كان بوتين هو المسؤول عن كل مشكلات المملكة المتحدة والغرب والعالم بأسره، فليست هناك جدوى في أن أحاول تفسير استقالة تراس بحماقتها أو بأي شيء آخر.. لكنني سأحاول.

أنا أمزح بالطبع، عدا ما ذكرته بشأن مشكلات بريطانيا التي بدأت لتوها. أما بشأن تراس، فقد كانت ليز تراس محظوظة، وخرجت كالشعرة من العجينة بأقل الخسائر، أما اقتصاد بريطانيا فمن الممكن أن يشهد رئيس الوزراء القادم انهياره.

سأحاول وصف ما حدث وما سيحدث بعد ذلك بإيجاز.

إن بريطانيا العظمى هي نسخة كبيرة من لبنان، فالقطاع المصرفي في البلاد متضخم، وتلعب المملكة المتحدة دور أحد أكبر المراكز المالية في العام، بينما يعد الجنيه الإسترليني أحد العملات الاحتياطية في العالم، في نفس الوقت الذي تدهورت فيه الصناعة الوطنية أو/وتم نقلها إلى بلدان أخرى.

نتيجة لذلك، كان لبريطانيا كدولة رصيد حساب جار سلبي لنحو 50 عاما، ما يعني أنها تشتري سلعا وخدمات من دول أخرى أكثر مما تبيعها لها.

ثم تفاقمت المشكلة بسبب حقيقة أنه منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كانت ميزانية الحكومة البريطانية كالعادة تعاني من العجز، أي أن الحكومة تنفق أكثر مما تكسب.

أي أن لبنان بإفلاسه هو نموذج للاستدامة المالية بالمقارنة ببريطانيا، حيث كان يعيش حياة كهذه وقتا أقل بكثير.

ولتغطية ذلك العجز المستمر، كان من الضروري أن يتدفق رأس المال الأجنبي إلى المملكة المتحدة دون انقطاع وبكميات متزايدة. بدون ذلك، ستفلس بريطانيا على الفور.

لكن المشكلة في أن هذا النموذج قد انتهى بينما أصبحت بريطانيا طعاما للولايات المتحدة الأمريكية.

حيث تعمل الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بداية الصيف الماضي، على امتصاص رؤوس الأموال من جميع أنحاء العالم، وقبل أي أحد آخر، من حلفائها. وأصبح ذلك ممكنا بسبب حقيقة أن التضخم في الولايات المتحدة أقل منه في أوروبا، وأسعار الفائدة في النظام المصرفي الأمريكي أعلى، وهو ما نتج عنه هروب رأس المال من أوروبا وانجلترا واليابان وغيرها إلى الولايات المتحدة، حيث الاستثمارات أقل خسارة، ويتبخر رأس المال ببطء مضاعف.

أي أنه لاستعادة تدفقات رأس المال الوافدة، تحتاج المملكة المتحدة إلى رفع سعر الفائدة (حاليا يبلغ 2.25%) أعلى بكثير من نظيرتها الأمريكية (3.25% وستكون أعلى قريبا)، وخفض تضخمها (10.1%) إلى مستوى أدنى مما هو عليه في الولايات المتحدة (8.2%)، ويتعين القيام بذلك على وجه السرعة.

ولتقليل التضخم، فمن الضروري التوقف عن طباعة النقود الورقية غير المغطاة.

الآن، ومن خلال إصدار النقود الورقية غير المغطاة بالبضائع، يتم تمويل: (1) عجز الميزانية، و(2) عجز الحساب الجاري للبلاد، وهذا يعني أنه من أجل خفض التضخم، يجب القضاء على كلا العجزين.

احترقت ليز تراس بالنقطة الأولى، حيث اقترحت خفض الضرائب، وهو ما دفع بطبيعة الحال إلى زيادة عجز الميزانية، التي كان يجب أن يتم تمويلها عن طريق طباعة النقود الورقية، وهو ما من شأنه أن يزيد التضخم.

لا أعرف ما إذا كان رد فعل الأسواق والبنوك على هذا الإجراء متناسبا مع الفعل، لأن ذلك لم يكن الإجراء الوحيد الذي يؤدي إلى عجز الميزانية. فعلى سبيل المثال، تدعم الحكومة أسعار الغاز، لكن نفقات الميزانية هذه لم تسبب مثل هذه المشاعر القوية. على أي حال، فإن ميزانية الدولة تعاني من عجز، ولا يمكن القضاء على العجز أو حتى تقليصه بشكل كبير، من دون حدوث انفجار اجتماعي من شأنه أن يجتاح هذه الحكومة وجميع الحكومات اللاحقة.

أي أنه في ظل الظروف الراهنة، لا توجد طريقة لتمويل عجز الميزانية بخلاف “التيسير الكمي”، وهو ما يعني أن التضخم سينمو حتما بغض النظر عن تراس ومبادراتها الضريبية.

بصراحة، لا أميل إلى اعتبار ليز تراس سببا للأزمة، وإنما كانت ببساطة “محظوظة” لكونها رئيسة الوزراء في الوقت الذي بدأ فيه الانهيار.

مع ذلك يكمن سحر الموقف في أمر آخر، هو أنه لا يوجد مخرج لبريطانيا منه، وستذهب جميع الجهود سدى.

إضافة إلى النقطة الأولى، فهناك نقطة ثانية هي عجز الحساب الجاري، وهو كاف لفشل محاولات خفض التضخم.

وهناك طريقتان للقضاء على عجز الحساب الجاري: الأولى هي تقليل تكلفة العمالة بشكل كبير (أي مستوى المعيشة) في المملكة المتحدة، ولا أرى طريقة أخرى لزيادة القدرة التنافسية للسلع البريطانية. بطريقة أو بأخرى، فهذا طريق طويل، ولن يكون على الأرجح طريقا طوعيا، ولن تسلكه أي حكومة.

الطريقة الثانية هي خفض قيمة الجنيه الإسترليني بشكل كبير، وهو ما سيؤدي إلى نتيجتين: خفض الواردات بشكل كبير، وكذلك مستوى معيشة البريطانيين، وستبدأ أعمال الشغب، مضاف إليها أن التضخم سيرتفع بسبب ارتفاع أسعار الواردات!!!

أي أن خفض التضخم في المملكة المتحدة في الوضع الراهن مستحيل!!!

إضافة إلى ذلك، فإن تخفيض قيمة الجنيه الإسترليني في حد ذاته سيسرع من تدفق رأس المال إلى الخارج.

علاوة على ذلك، لا يجب أن ننسى أنه لا يمكن إيقاف تدفق رأس المال دون رفع سعر الفائدة فوق سعر الفائدة الأمريكية، ويعني ذلك إفلاس المدينين البريطانيين، وجميع صناديق المعاشات التقاعدية نفسها، التي كان على بنك إنجلترا المركزي إنقاذها بمساعدة استئناف “التيسير الكمي” بعد نشر مبادرات ليز تراس الضريبية.

الوضع في بريطانيا ميؤوس منه، وأي محاولة لحل المشكلات ستؤدي إلى المزيد من المشكلات، فقد استنفد النظام نفسه.

باختصار، فإن استقالة تراس لن تحل المشكلة، وقد بدأت المشكلات للتو، وبينما تمتص الولايات المتحدة الأمريكية رأس المال من جميع أنحاء العالم، فإن المشكلات في المملكة المتحدة سوف تتفاقم.

وسوف يصطدم خليفة ليز تراس بنفس المشكلات قريبا جدا. لست متأكدا من أن رئيس الوزراء البريطانيا القادم سيستمر لفترة أطول من ليز تراس.

ونعم، كل المدينين حول العالم يعانون الآن من نفس المشكلات، بما في ذلك الدول العربية، ومن بينها، على سبيل المثال، مصر.

فالولايات المتحدة الأمريكية تمتص رأس المال من كل مكان، وسيواجه جميع المدينين الكبار الآن مشاكل في إعادة تمويل ديونهم، وسنشهد قريبا حالات إفلاس جديدة بين دول العالم.

ضعوا ذلك في الاعتبار عندما تقرأوا في الصحافة، التي يسيطر عليها الغرب أو تلك التي تسيطر عليها حكومتك، أن إفلاس هذا البلد أو ذاك كان بسبب “حرب روسيا في أوكرانيا”.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف