بقلم :
خالد محيي الدين الحليبي
مركز القلم
- أولاً :
تجريف كثير من الأراض الزراعية بالصعيد :
منذ فترة وجيزة في تسعينات القرن الماضي كنت إذا ركبت قطار الصعيد ترى من البدرشين جيزه أراضي زراعية كثيرة على مرمى البصر وفي بني سويف ترى من القطار جزر صغيرة في النيل رائعة المنظر ولقد هالني وأحزنني ما رأيت من تحول كل هذه الأراضي الزراعية المنتجة والمناظر السياحية البديعة إلى مباني سكنية وكتل اسمنتية كأنك تسير في إمبابة أو منطقة الطالبية أو العمرانية بالهرم و لقد رأيت هذا المنظر في صغري في المسافة ما بين دار السلام حتى قرب حلوان فكنت ترى الأراضي الزراعية من قطار حلوان و مثل ذلك في قطار خط المرج وكوبري الليمون من بعد رمسيس ترى أراضي زراعية ما لبثت أن تحولت كلها إلى كتل سكنية باستمرار تخلي الدولة عن دورها في إعداد خطط لتسكين وتشغيل الأجيال القادمة منذ ثمانينات القرن الماضي وهنا كان لتخلي الدولة عن دورها بحجة خسائر القطاع العام هنا يبدأ دور الشعب الاعتماد على نفسه في حل مشاكله بعد تخلي الدولة عن بعض قطاعات سكنية فبرزت العشوائيات في كل ربوع مصر شمالا وجنوباً عن عمد لإحداث طبقية مجتمعية غير موجودة في البلاد المتقدمة بالعالم والتي تريد نهضة مجتمعية حقيقية .
ف بدلاً من أن تخطط الدولة مناطق على عموم الناس ثم تطرحها للبيع فتبرز المدن المنظمة لتكون في منأى عن العشوائية كتخطيط مدينة مصر الجديدة او حلوان القديمة بشوارعهما الواسعة والتي لا تسمح بظهور هذه العشوائيات وذلك لأنه من الطبيعي أن المالك لن يسمح بتوسيع الشوارع للمنفعة العامة على حساب أرضة وممتلكاته فتنشأ العشوائيات بغير إرادة منهم وتبرز الحواري و الأزقة و التي انتشر معها الفقر والجهل والمرض ومن ثم الإمعان في تجذير نظرية الطبقية والمميز والمدعم من رغيف العيش حتى مناطق الإسكان والوظائف السيادية والغير سيادية وهو نعتقد أنه مخطط بدهاء شديد نحو افتعال الأزمات دون أن تنتبه الدولة للمكاتب الإستشارية التي تستشيرها في كل شيئ .
واستمرار المشكلة بدأ بالفعل ببيع القطاع العام حتى تم تجريد الحكومة من ممتلكاتها لصالح أشخاص هم وكلاء لدول استعمارية يستخدمونهم كممصات لنزف الاقتصاد المصري والعربي في كل مكان بحجة أنهم رجال أعمال حتى أفلست بعض الدول العربية والبعض الآخر في طريقة إلى نفس المصير المحتوم لأن الدول ومنها بلادنا العزيزة أصبحت لا تمتلك مورداً غير البيع و الضرائب وجيب المواطن أو الإقتراض وضرائب وعمولات حماية أمنية على شركات قدمت بنذر يسير من المال ليصطادوا به كنوز مصر والعالم العربي مع عمولات خفية للمعترضين أو التخلص منهم بأي وسيلة قانونية مفتعلة أو غير قانونية و في بعض الأحوال إجرامية يتم بها التخلص من إداريين وعلماء وباحثين ومسؤولين معترضين على فساد زملاء لهم في نغس العمل يمكن أن يكونوا عقبة أمام مصالح شخصية أو طرق ملتوية للتربح .
وحيث أن الخطط الإقتصادية أصبحت لا تقوم إلا على بيع كل شيئ تحول الدور الأمني بدلا من حماية أمن الوطن و المواطن إلى حماية أمن المشروعات و أصحابها و صفقات البيع التي تتم حتى و لو رفضها كل الشعب ومؤسساته .
ثانياً :
أغرب ما رأيت في زيارة لبلدتنا الجميلة الشيخ عبادة كان قطع نخلات وشجر خلف القرية في اتجاه الجبل كانت ذات منظر بديع بين الأصفر والأخضر والأزرق والأسود الألوان الأربعة للأرض والسماء والماء والزرع في منظربديع لم يتبقى منه سوى نخلة يتيمة واحدة
فلما سألت قيل ممنوع زراعة أي شجرة حيث يتم قطعها ومحاسبة من يزرعها ولمست الصرامة والتشدد في هذا القرار وشاهدت بعيني مشروعات صرف صحي مايؤكد عزم الدولة تحويل الأراضي الزراعية إلى مدن تحمل الصبغة العشوائية وفي أزمنة لاحقة سيتم محاسبتهم جماعيا وهم الذين أغووهم واضطروهم لحل مشاكلهم بعيداً عن تخطيط دولة محكم يقوم على تقديم مصلحة المواطن أولاعلى القادم إليهم ليستنزف ثروتهم وباستمرار تجريف الأرض وفق هذه الخطة المحكمة الدهاء فلن يجد الصعيدي طعامه إلا بالإستيراد من بلاد أخرى
ثالثا :
تغيير خطير حدث بصعيد مصر مع تجريف الأرض وتحويل الأرياف إلى بنادر وهو تخلي الصعيد عن لهجته الصعيدية و التي منها اللهجة اليمنينة الخاصة بقبيلة الأحمر و لهجة أشراف أهل البيت (ع) القادمون من الحجاز و فاس بالمغرب فاختفت تلك اللهجة والخطر هنا مدى قوة الإعلام ومدى نجاحة في الضحك و الاستهزاء بهؤلاء الناس الطيبين وفق ما يخطط لهم وهم لا يشعرون بما يحاك لهم من مكائد لتفكيك الأسر و العائلات والقبائل العريقة وبث الفجور ونشره بينهم قدر المستطاع عن طرق الميديا بأنواعها الرسمية والخفية من غناء البلطجية و اللصوص ومحترفي الإجرام التي انتشرت بعيداً عن الرقابة بين سائقي الميكروباصات والتكاتك والتي تقوم كلها على أربع كلمات ( كسر و أحرق و اذبح و عور ) فبدلاً من أن كنا نسمع الأغاني الحماسية نحو حب مصر والدفاع عنها وعن الدين والعر ض أصبحنا نسمع أغاني حماسية تدفع نحو الحقد والكراهية و الجريمة والرذيلة والتخريب مع سكوت مطبق عن هذا التلوث السمعي في وسائل المواصلات والتي انتشرت بقوة في كل مصر انطلاقاً من القاهرة خاصة في المناطق الفقيرة والريفية من مصر مع اقترن كل ذلك بانخفاض المستوى التعليمي بين المميز و المجاني والمدعم وفقاً لنظام سياسة الدولة في تجذير التميز الطبقي بين الناس وهنا تكون الطامة المجتمعية الدينية الأخلاقية الوطنية الكبرى .
و بالتالي التحذير من التوجه العام في مصر نحو الأمراض الاجتماعية من كذب و نفاق والتحريض على الجريمة وتعليم كيفية تنفيذها في الأفلام والمسلسلات مع ترك الدين إلى الرقص والملاهي والمخدرات وهذا ما يأنف منه رجل الصعيد على أي حال و الذي يغار على حريمه فلا يدعهم يخرجون من بيوتهم إلى العمل وهذا يعتبر سلوك متجذر يجعل المرأة تعرف حدودها فهى القوية المسيطرة على بيتها وفي كثير من الأحيان تستطيع إثناء رجال عن قرارتهم في خفية دون إظهار ذلك وهذه المنظومة الإجتماعية الأسرية يحاول الإعلام كسرها بعد نجاحة في شبه توحيد لهجات محافظات الصعيد التي تكاد تتشابة مع كلا من كلام أهل الطالبية أو العمرانية أو امبابة بالقاهرة والجيزة أو قرية من قرى كفر الدوار فقد أصبح الجيل الجديد من البنادر في كل مصر تتكلم نفس اللهجة إلا النذر اليسير جداً ممن لهم اتصال بجذورهم في الأرياف .
والخطر الآن على تغيير دينهم وعاداتهم وتقاليدهم العريقة وترك علماء الأزهر لمسؤلياتهم في تثقيف الناس بأمور دينهم بالمساجد في الإعلام فإن قلت لي هناك قنوات متخصصة سنقول لك قنوات القرآن لا يزيدون عن خمسة وفضائيات تكفيرية كل همها تجييش المسلمين كشيعة وسنة وصوفية كفار مشركين قبوريين أمام أكثر من 200 فضائية للأفلام والمسلسلات والبرامج الحوارية يتحول بعدها الناس إلى
أولاً :
لا دينيين خائنبن غشاشين قاطعي رحم عاقين للوالدين بلا ضمير لا يعيرون للدين والأخلاق بالاً أو .
ثانياً :
داعرين فاجرين مدمنين .
أو ثالثاً :
متطرفين إرهابيين لفقدهم القدوة واختفاء الدين والأخلاق من الإعلام فإذا تكلم ناقشوا موضوعات تافهة أو تكفير صوفية وشويعة وهنا سيخرج أيضاً بالدين من الدين
فسيكونون من الهالكين بعد اندماجهم في دائرة فساد عالمي تديره حركة الإنترنت والإعلام العالمي والمحلي والتي قال تعالى في نتائجها التي بدأنا نراهها بأعيننا { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ – الروم 41 }
الآن بعد تغيير الجغرافيا من الإنتاج إلى تخريب الأرض و الإستهلاك خلال العشر سنوات القادمة لن يجد الصعيدي أي رغيف عيش أو عمل أو أي شيئ بعد منع الدولة للزراعة وتحويل المزارع من الإنتاج إلى الإستهلاك والإستيراد وتغيير السلوك و العادات والتقاليد بالميديا نحو الإنهيار الأخلاقي .
فلن يحصل على رغيف العيش أو الخدمات إلا من خلال شركات عالمية و التي خططت وتنفذ أعمالاً للسيطرة على كنوز الصعيد و تفتيت عائلاته و قوتهم وضياع أنسابهم فلا يعرف الشريف من الوضيع من مجهول النسب ومن ثم القضاء على البقية الباقية من الدين والأخلاق في صعيد مصر ولقد كتبنا تلك السطور لعلها تصل إلى السيد الشريف شيخ الأزهر (حفظه الله) لعله يستطيع تقديم يد العون والرعاية الدينية لكل محتاج في صعيد مصر خاصة قرية الشيخ عبادة العريقة التي تضم قطاع كبير من الفقراء .
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك .
بلادنا إلى أين ؟ !! .
لا إجابة غير
مستقبل غامض ومجهول خاصة في ظل متغيرات عالمية بين إدارة القطب الأمريكي الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب واقبال العالم على ثورات وقلاقل ومشاكل اقتصادية خطيرة قد تعصف بحكومات
أو تدارك الدولة عمق المشاكل المتجذرة و القادمة بعيداً بني سويف و المنيا و اسيوط الجديدة والسؤال الذي يطرح نفسه من من أهل الصعيد الفقيرة يستطيع السكنى فيها ؟ أم هو مخطط إحداث تغيير ديموجرافي للمنطقة الجنوبية بدهاء وبهدوء شديد دون أن يدرك أحد الأبعاد الحقيقية لهذه المشروعات ومدى انتفاع أهاليي الصعيد الفقراء بها لأن الأغنياء في الصعيد قلة ومن أين للجموع الغفيرة المال الذي يسكنون به في المناطق الجديدة اللهم إلا التغيير الديموجرافي و التوجه الطبقي بين عامة الشعب ليكون هناك سادة و عبيد مع تجذير نظرية المدعم والمميز بين طبقات الشعب بصعيد مصر
خالد محيي الدين الحليبي