Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

بین من رأى أنها أول المنتفعين ومن أشار إلى صعوبة موقفها.. إنقسام بين المحللين حول الموقف التركي في الأزمة الأوكرانية

 شفقنا :

لا شك أن الأزمة الأوكرانية ستؤثربشكل كبيرعلى أوضاع دول عديدة، إذ لم تكن دول العالم بأسرها. وأحد أبرزتلك الدول والتي ستتأثربشكل مباشرمن الحرب التي شنها موسكوعلى كييف، هي تركيا.

 فمنذ بدء الأزمة وبدأ المحللون بدراسة الموقف التركي ومستقبل هذا البلد في  حال إستمرارالحرب، وإنقسمت الآراء بين من راى في إطالة الصراع الروسي الأوكراني منافع كبيرة لأنقرة وبين من خالف هذه الرؤية وأكد على محاولاتها لإنهاء الحرب خوفا على مصالحها.

وتحت عنوان “مصائب روسيا عند تركيا فوائد”،  أكد الصحفي عدنان عبد الرزاق في صحيفة العربي الجديد، أن بعد وقوع روسيا بالفخ الأوروبي تأتي تركيا بمقدمة الدول البديلة، وذلك لاعتبارات عدة منها،  أن تركيا حاولت بدأت من مسك عصا الموقف من الحرب من المنتصف، فآخت بعلاقاتها حتى اليوم، بين موسكو حليفة ما بعد عام 2015 من جهة، وكييف ومن ورائها الشركاء بحلف الناتو من جهة أخرى، مؤكدا أن الاعتبارات لا تنتهي عند الجغرافيا حيث إن موقع تركيا الواصل بين الدول المنتجة للطاقة والغذاء وبين المستوردين، بأوروبا أولا، والذين بدأ أنينهم يتعالى، بعد ارتفاع أسعارالسلع والمنتجات وارتفاع نسب التضخم، وما يمكن أن يتمخض من عقابيل إن إستمرت روسيا باستخدام العقوبات المضادة، وحرمت دول القارة العجوز من نعماء الغاز والنفط والمواد الأولية.

وأضاف عدنان عبد الرزاق أن تركيا التي تأخذ لحد هذه اللحظة موقف “العاقل المحايد”، تعد للاستفادة من “الأمر الواقع” وإن لا تسعى بالعلن إليه، فخطوط طيرانها خيار شبه إجباري، على الأقل، كترانزيت، بعد إغلاق الأجواء الأوروبية بوجه الطيران الروسي، ومناخها الاستثماري هو الأكثر جذبا بالمحيط القريب من دوائرالحرب والنار، ولعل الأهم أن جغرافيتها تضعها بموقع البديل الأهم والأقل كلفة لنقل طاقة المتوسط (نفط وغاز) إلى أوروبا، بواقع تتالي قرارات وقف استيراد الطاقة الروسية وانسحاب شركات الطاقة والاستثمارات من روسيا البوتينية.

وأختم عبد الرزاق بالقول، لا تعسى تركيا لاغتنام خراب أوكرانيا بقدرما تدفعها الظروف والجغرافيا لتستفيد، فإن خسرت نحو 6 ملايين سائح من روسيا وأوكرانيا وتراجع حجم التبادل الذي ينوف عن 25 مليارا مع الدولتين، فثمة تعويضات مباشرة بدأت تتدفق على أنقرة من خلال الطيران والنقل والسياحة، وبدائل بالتدرج ستجنيها تركيا، بعدما زادت الحرب من جذب بيئتها الاستثمارية وحولتها إلى ملاذ آمن للهاربين من جحيم الحرب ومخاطر المناخ الروسي الطارد.

كما قال المحلل والباحث التركي “سميرصالحة” بمقاله، تركيا في اللحظة الأوكرانية، إن تركيا إنتقدت العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، ورفضت خطوات موسكو بالتدخل في القرم، ودعمت القرارات الدولية ضد روسيا وحركت بنود الاتفاقية مونترو للمضائق، لكنها لم تشارك في قرارات العقوبات الغربية على موسكو، ولم تغلق الأجواء أمام حركة الطيران الروسي وحملت الغرب جزءا كبيرا من مسؤولية إيصال الأمور إلى هذه الدرجة من التعقيد، بسب إرتباك مواقفه وسياساته في التعامل مع الملف، لا بل تمسكت أنقرة، من أجل حماية مصالحها مع طرفي النزاع، بالدعوة إلى التهدئة وضرورة عدم نقل التوترإلى مرحلة المواجهات العسكرية، مبدية استعدادها للدخول على خط الوساطة، وتسهيل الحوار بين الجانبين، الروسي والأوكراني. حيث قامت بما عليها فعله وأكثر، لأن علاقاتها الاستراتيجية مع الطرفين ستكون مهددة ولأن إطالة عمرالأزمة سيجعلها بين أبرزالمتضررين اقتصاديا من العقوبات الغربية على موسكو، حيث المئات من مشاريع الاستثماروالتعاون التركي الروسي.

وأكد سميرصالحة في مقاله أن القيادات السياسية التركية تدرك أيضا أن مشكلتها الأكبرستكون في قدرتها على مواصلة سياستها الحيادية المعلنة، في حال تفاقمت الأزمة وازداد التوترالروسي الغربي.

مشيرا أن تركيا إكتشفت أن أفضل وسيلة للتعامل مع ملف الأزمة الأوكرانية في هذه المرحلة، تبني سياسة الحياد الإيجابي وإقناع الشركاء في الغرب بأسباب وضرورات اتخاذها موقفا من هذا النوع سيخدم أيضا فرص إبقاء أبواب الحوارمفتوحة مع روسيا، بانتظارتطورات المشهد بشقيه، العسكري والسياسي، واتضاح موقف حلف شمال الأطلسي الذي يلزمها وحده بسياسة مشتركة مع أعضاء التكتل.

لكن راى محمود علوش “الأستاذ في العلاقات الدولية”، بمقاله، دوافع تركيا للوساطة ومكاسبها، أنه وبقدرما تساعد الوساطة التركية كلا من روسيا والغرب على وضع مسارتفاوضي للخروج من المأزق الراهن الذي يؤثربشدة على الطرفين، فإن تركيا تنظرإليها فرصة لتحسين وضعها في إدارة علاقاتها مع الروس والغربيين على حد سواء.

مذكرا إلى فترة من الفترات التي كانت فيها العلاقات الروسية الغربية مستقرة نسبيا، والتي جرائها كثيرا ما وجدت تركيا صعوبات في الموازنة بين الجانبين. وقد جعلتها عرضة لتوترعلاقاتها معها في بعض المراحل.

خاتما بالقول، قد تكون تداعيات الحرب على تركيا مكلفة على أكثرمن جانب، لا سيما الاقتصادي لكنها ستشكل دافعا قويا لها للمضي في توجهها إلى تحقيق الاستقلال الاستراتيجي في السياسة الخارجية، وتبني هوية جديدة لها في عالم جديد يتشكل.

بينما لم تكن رؤية الكاتب عمركوش بهذه السلبية، وفي مقاله “تركيا وخيارعدم الانحياز”، علق قائلا، بعد شن روسيا حربا على أوكرانيا في 24 من فبراير/ شباط الجاري، تركيا باتت في موقف لا تحسد عليه وذلك بالنظرإلى طبيعة العلاقات التي تربطها مع كل من روسيا وأوكرانيا. لذلك حاول ساستها اتخاذ موقف وسطية من الحرب، من خلال عدم إظهارهم مواقف تميل إلى أحد الطرفين، الروسي والأوكراني، وهو ما بدا صعبا لأن الغزو الروسي يجسد مواجهة بين روسيا من جهة، وكل من أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلف الناتومن جهة أخرى، الأمر الذي شكل اختبارا لتوجهات السياسة الخارجية التركية ولعلاقاتها الدولية، بوصفها عضوا في حلف الناتو الداعم لأوكرانيا، وتربطها علاقات عسكرية واقتصادية مع أوكرانيا، وفي الوقت نفسه، ترتبط بعلاقات متعددة المستويات مع روسيا، فضلا عن التنسيق معها، والتناسق كذلك، في ملفات إقليمية عديدة، الأمر الذي يثقل موقفها بحسابات معقدة.

وأكد الباحث السوري أن الموقف التركي لا يخرج  من الغزوالروسي لأوكرانيا عن الخطوط العامة للسياسة التركية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، والتي لا تجد متحققها في تحالفات مرنة، يجسدها نزوع تركيا نحو الاستقلالية، والموازنة بين توجهاتها نحو الشرق أوالغرب، مع تقليص دورها التوظيفي التابع للغرب، من خلال بناء تفاهمات وتوافقات، بدلا من الاعتماد على حليف مهيمن، بما يفضي إلى الإستفادة من حليفها الغربي الأطلسي، ومن الشراكة مع روسيا والصين بمنافعها الدفاعية والاقتصادية، من دون التخلي عن أحدهما. لذلك أعلن الرئيس أردوغان أنه لن يتخلى عن روسيا أو عن أوكرانيا، بمعنى أن بلاده لن تنحاز إلى روسيا ولا إلى أوكرانيا، لأن الانحيازإلى طرف على حساب الآخر سيكلفها ثمنا باهضا، لكن هذا الموقف قد يترتب عليه تبعات كثيرة، خصوصا وأن الغزو الروسي لأوكرانيا غير معادلات وحسابات واصطفافات عديدة في أوروبا والعالم، وربما يترك آثارا وتبعات كارثية على مختلف المستويات.

وفي آخر تطورات أكد مجلس الأمن القومي التركي أن أنقرة ستواصل جهود الوساطة في الأزمة الأوكرانية إلى جانب تطبيق اتفاقية مونترو للحفاظ على السلام والاستقرارفي البحرالأسود.