"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

فضائل أهل البيت .. الإمام علي أسوة الأمم

شفقنا :
رياض الخزرجي :

يفرح بعضهم بحديث فضائل اهل البيت(عليهم السلام) وهو أمر في محله، وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: (شـيعتنا منّا يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا).

ولكن حديث الفضائل حجةٌ علينا.. فمثلاً: الإنسان الذي يصفُ أباهُ أمام الناس بكل الصفات الحسنة ويقول: والدي في قمة الحنان وفي قمة الكرم وفي قمة الرعاية وفي قمة الإحسان؛ ولكن في مقام العمل يراهُ الناس عاقاً لأبيه، أليست هذهِ إدانة في حقه؟.. يقولون: لو كانَ والدك ظالماً بخيلاً قاسي القلب؛ لعذرناك!.. ولكن هو ليس هكذا؛ فلماذا لستَ باراً به؟!.. والكل يعرف قول النبي -صلى الله عليه وآله-: (أنا وعلي أبوا هذهِ الأمة).. وفي كُل زمان وفي كل عصر ولي أمرنا؛ هذا الأب الشفيق.. وليس هناك مانع أبداً أن يقول الإنسان في دعواته وفي أحاديثه مع صاحب الأمر -عجل الله تعالى فرجه-: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} كما طلبَ أبناء يعقوب -عليه السلام- من أبيهم.

روايات الفضائل:

أولاً: الاتحاد والاتصال.. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالته إلى سهل بن حنيف رحمه الله: (والله!.. ما قلعتُ باب خيبر، ورميتُ به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوة جسدية ولا حركة غذائية؛ لكني أُيّدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضيئة.. وأنا من أحمد كالضوء من الضوء، والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت، ولو أمكنتني الفرصة من رقابها لما بقّيت.. ومن لم يبالِ متى حتفه عليه ساقطٌ؛ فجنانه في الملمات رابط)..

فعبارة: (وأنا من أحمد كالضوء من الضوء) تشبيه مُلفت من أمير الكلام -عليه السلام-.. نحن تارةً نقيس الضوء إلى الفتيل أو إلى المصباح، فالمصباح قد يكون موجوداً ولكن لا نورَ لهُ باعتبار أنهُ فتيلةٌ مطفية.. إذن هُنالكَ انفكاكٌ بينَ مصدر النور وبينَ النور، ولكن عندما تكون العلاقة علاقة الضوءِ من الضوء، فإن الحزمة النورية لا يمكن أن يميز فيها ضوء من ضوء، هذا الضوء كهذا الضوء؛ فليست النسبة كالفتيل إلى الضوء..

وفي آية المُباهلة يقول النبي -صلى الله عله وآله-: {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ}؛ أي هناك نفس وحدة.. وفي تعبير عليٍّ -عليه السلام- يصفُ نفسه أنهُ كالضوءِ من الضوء؛ أي هناك اتحاد واتصال.. فيا لهُ من تعبير!

ويقول النبي – صلى الله عليه وآله-: (فاطمة بضعة مني) فهي كالضوءِ من الضوء؛ لأن البضعة من الشيء تكون متحدة معهُ متصلة به لا انفكاكَ بينهما.. وعليٌ -عليه السلام- هو خيرٌ من فاطمة، فكيف لا يكون بضعة النبي -صلى الله عليه وآله- بالمعنى الذي سيأتي في الرواية الأخرى؟.. يقول النبي -صلى الله عليه وآله-: (أو ما علمت إن علياً مني وأنا منه)؟.. ففي حديث: (حسينٌ مني، وأنا من حُسين) فُسّر (حسينٌ مني): بأنهُ حفيد النبي والحفيدُ من الإنسان، (وأنا من حُسين) بمعنى امتداد الرسالة؛ أي إن بقاء ديني وشريعتي الى يوم القيامة، إنما هو بسبب الحسين -عليه السلام- فلولا الحسين لما بقي من الدين المحمدي أثر.. ولكن ماذا نفسر هذهِ الرواية: (..أنَ علياً مني وأنا منه)؟

(وأنا منه) يمكن أن يُفسّر: كـ(وأنا من حُسين)؛ بمعنى امتداد الرسالة.. ولكن ما معنى: (أنَ علياً مني)؟.. بمعنى: أنَ هنالكَ تفاعلاً واتصالا واتحاداً بينَ المنهجين، ولطالما أرادَ النبي -صلى الله عليه وآله- أن ينفي الاثنينية بينهُ وبين علي -عليه السلام- فكان يؤكد على أن علياً مع الحق والحق مع علي..

روي عن حذيفة بن اليمان انه قال: «سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله- يقول: (علي أمير البررة، وقاتل الفجرة.. منصورٌ من نصره، مخذولٌ من خذله.. ألا وإنّ الحق معه يتبعه؛ ألا فميلوا معه)».. أرادَ أن يُفهم الأمة أنَ وزنَ علي بعدَ ممات النبي – صلى الله عليه وآله- كوزن النبي في الأمة.. وهذا المعنى لم يكن خافياً على من كانَ مع النبي -صلى الله عليه وآله-.

ثانياً: الوجه الرباني.. ورد في راوية: (جاء رجل مشجوج الرأس يستعدي عمرَ على عليّ -عليه السلام-، فقال عليّ: «مررتُ بهذا وهو يقاوم امرأة فسمعتُ ما كرهتُ».. فقال عمر: إن لله عيوناً، وإن عليّاً من عيون الله في الأرض).. وفي رواية الأصمعي: (أنه قال عليه السلام: «رأيته ينظر في حرم الله إلى حريم الله».. فقال عمر: اذهب!.. وقعت عليك عين من عيون الله، وحجاب من حجب الله، تلك يد الله اليمنى يضعها حيث يشاء).. هذه نظرةُ من كانَ في زمان النبي -صلى الله عليه وآله- لعلي -عليه السلام-.. وهذهِ الرواية أيضاً من طرائف الحديث، حيث أنها تعكس لنا وزن عليٍّ في الأمة.. فهذا الفضل كان مسجلاً له -عليه السلام- في حياة النبي، وبعدَ وفاة النبي -صلى الله عليه وآله-.

ثالثاً: المنزلة المبهمة.. فقد روي عن ابن مسعود أنه قال: نظر إلي رسول الله -صلى الله عليه وآله- وهو واضع كفه في كف علي -عليه السلام- مبتسماً في وجهه، فقلت: يا رسول الله، ما منزلة علي منك؟.. قال: (كمنزلتي عند الله عز وجل).. وفي رواية أخرى: سُئل النبي صلى الله عليه واله عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فغضب وقال: (ما بال أقوامٍ يذكرون منزلة مَن منزلته من الله كمنزلتي، مَن له منزلةٌ كمنزلتي؟.. أَلاَ ومَن أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومَن أحبّني رضي الله عنه، ومَن رضي الله عنه كافأه الجنّة.. أَلاَ ومَن أحبّ عليّاً تقبّل الله صلاته وصيامه وقيامه، واستجاب الله له دعاءه).. هذهِ الرواية من الروايات التي تحتاجُ إلى شرح: فمنزلة النبي -صلى الله عليه وآله- من الله -عزَ وجل- منزلة مُبهمة.. بمعنى: أننا نحنُ البشر لا نعلم منزلة النبي من ربه، ولهذا في رحلة المعراج يقول القرآن الكريم: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}.. ما هذا الذي أوحاه؟.. نحنُ لا نعلم ولن نعلم، فيالها من خلوة بين الله -عزَ وجل- وبينَ نبيهِ -صلى الله عليه وآله-!.. في هذه الرحلة رب العالمين -جلا وعلا- خلقَ الكلام للنبي -صلى الله عليه وآله- كما خلقَ الكلام لموسى -عليهِ السلام-.. سئل رسول الله صلى الله عليه واله: بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟.. فقال: (خاطبني بلغة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وألهمني أن قلت: يا ربّ!.. أخاطبتني أنت أم علي؟.. فقال: «يا أحمد!.. أنا شيءٌ ليس كالأشياء، ولا أُقاس بالناس، ولا أُوصف بالأشياء، خلقتك من نوري، وخلقت علياً من نورك.. فاطّلعت على سرائر قلبك، فلم أجد على قلبك أحبّ من علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك»).. رب العالمين اختارَ لحنَ وصوت علي -عليه السلام-؛ لأنه صوتٌ يؤنس النبي -صلى الله عليه وآله-.. فإذن، إن المنزلة مُبهمة، وكذلك منزلة علي من النبي -صلى الله عليه وآله- مُبهمة.

الإيمان المستقر..

إن هذا الحب الذي في قلوبنا، هو رأس مال صحيح.. ولكن كم من الذينَ في أواخر أعمارهم سُلبَ منهم حُب علي بن أبي طالب وولايته!.. فمن الممكن أن يُسلب الإنسان بالمعاصي هذهِ الجوهرة الإلهية!.. قال رسول الله -صلى الله عليه وآله- لعليّ -عليه السلام-: (يا عليّ!.. ما ثبت حبّك في قلب امرئ مؤمنٍ: فزلّت به قدمٌ على الصراط، إلا ثبتت له قدمٌ، حتى يُدخله الله -عزّ وجلّ- بحبك الجنة).. ويقول الإمام الباقر -عليه السلام- (ما ثبت الله -تعالى- حب علي في قلب أحد، فزلت له قدم؛ إلا ثبتت له قدم أخرى).. فإذن، هناكَ إيمانٌ مستودع، وهناكَ إيمانٌ مستقر.. ولكن إذا ثبتَ حُب علي في قلب أحد، ما دامَ مُحباً حُباً يُلامس شُغاف القلب، فليعلم بأنَ الله -عزَ وجل- سيأخذ بيده في يومٍ ما.

الدروس العملية..

1- الدعوة إليه (عليه السلام): إن ذكر الفضائل أمر طيب، فـ»حب علي بن أبي طالب أحلى من الشهد إلى الشارب».. ولكن في حياتنا العملية يجب أن نسلك الطريق الذي يجذب الآخرين إليه عليه السلام، فنتمسك بالأخلاق الإسلامية، التي هي أخلاق النبي -صلى الله عليه وآله- وأهل بيته -عليهم السلام-.. فهذه الأخلاق توجب النظرة الحسنة من الآخرين وقد تؤثر فيهم.. ألم يقل الإمام الصادق-عليه السلام-: (كونوا لنا دُعاةً بغير ألسنتكم)؟

2- قضاء حوائج محبيه (عليه السلام): إذا أراد الإنسان أن يقضي حاجة محبٍ لعلي -عليه السلام- فليقف هُنيئة وليقل: يا ربِ، اشهد علي بأني أقضي حاجتهُ لما يحملُ في قلبهِ من حُبٍ لعلي -عليه السلام-.

3- إبراء ذمة محبيه(عليه السلام): بعض المؤمنين يقول: أنا أبرأتُ ذمةَ كُل أحد اغتابني، وتكلمَ علي وانتهك حُرمتي ممن يحملُ في قلبهِ حُب علي بن أبي طالب.. ما المانع أن نبرئ نحن أيضا ذمة كل موالٍ كرامةً لعلي وحُباً له؟ فهذا الإنسان يحب علياً وفاطمة، ولابد أنه في السنةِ مرات أو على الأقل مرة ذرف دموعه على مصائب أهل البيت -عليهم السلام-.. فهذهِ الحركة ستكون مشكورة عندما نلقى علياً -عليه السلام- على حوض الكوثر.

4- التأسي به(عليه السلام): إذ على الموالي أن يتأسى بإمامه -عليه السلام- ويقتدي به قولا وفعلا.

رياض الخزرجي/موقع الولاية