"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الخيارات تضيق أمام «حزب الله» بعد «انسحاب الحريري» و«الورقة الكويتية» فهل يَقْلُب الطاولة؟

 القدس العربي :

زاد الإرباك اللبناني إرباكاً مع حدث خروج سعد الحريري من الحياة السياسية و«المبادرة الكويتية» لبناء الثقة مع لبنان التي حملها وزير الخارجية الكويتي كورقة خليجية -عربية – دولية. كان ينقص السلطة الحاكمة المهترئة مشهد إتيان الدبلوماسي الكويتي حاملاً «الترياق» للبنان واللبنانيين شرط اتخاذها قراراً جريئاً بالالتزام بـ«قيامة الدولة اللبنانية» بعد مساكنة مع السلاح والميليشيا والفساد والتسلّط على القرارات والمقدرات. مشهد فاقم من انكشاف عجز تلك السلطة وتواطُئها وخوفها من الخروج على جماعة تمنح نفسها رتبة إلهية، أبناؤها لبنانيون وقرارها إيراني وذراعها عسكرية وتمددها إقليمي، ووظيفتها تخطّت قدرة لبنان وشعبه على التحمُّل، ووعاؤها انتفخ وبات لازماً عودتها إلى حجمها ومكانها الطبيعيين .
يشعرُ «حزب الله» بأن البساط يُسحبُ مِن تحت أقدامه. يفهم جيداً أن قرار انسحاب الحريري من الحياة السياسية هو قرار أكبر من الرجل، ودُفع إليه دفعاً، وذلك ثمناً للغطاء الذي أمَّنه لـ«الحزب الإلهي»، بحجة الحفاظ على الاستقرار ومنع الفتنة السُّنية – الشيعية والحرب الأهلية، فكأن أن سهَّـل عليه وظيفته الإقليمية كذراع إيرانية اخترقت مخالبها الأَمنَينِ القومي والمجتمعي لدول الجوار العربي ولا سيما دول الخليج، وفي مقدمها السعودية. ويفهم «الحزب» جيداً أن «الورقة الكويتية» في غالبية بنودها تستهدفه، وتستهدف سلاحه بمجرد الدعوة إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ولا سيما القرار 1559 الذي ينصُّ من دون مواربة على حلِّ جميع الميليشيات ونزع سلاحها .
ليست هذه المرحلة الأولى التي يُواجه فيها «حزب الله» ضغوطاً دولية لتجريده من قوة سلاحه وفائضها وانعكاساتها الخارجية والداخلية. فقد سبق أن أَخمدَ، ترهيباً وترغيباً، أصوات الداخل التي كانت ترفع عنوان «نرع السلاح». وكان كلما لاحت ملامح ضغط خارجي، يخرج الكلام عن طاولة حوار وطني للاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية إنفاذاً للقرارات الدولية، في عملية التفاف حملت في طياتها مزيجاً من التفهم والتسامح والتواطؤ وصون المصالح الكبرى على حساب لبنان دولة وشعباً ومؤسسات .
اليوم، يؤكد عارفون بالمزاج الخليجي- العربي – الدولي أن هامش المناورة قد ضاق كثيراً، وسياسة «تمرير الوقت وتقطيعه» ما عادت صالحة، ولا قدرة للبنانيين على تحمُّل نتائجها، في ظل الانهيار الكلي الذي ضرب كل مرتكزات الدولة ومناحي الحياة، وأضحوا معه في القعر، يفتقدون أدنى المقومات ويعقد العالم مؤتمرات لمدّهم بمساعدات إنسانية. يعلمُ «حزب الله» أنه إذا كان نجح سابقاً في إبعاد هذه الكأس بالترهيب والرغيب، فإن الواقع اليوم مختلف، فليس لدى اللبنانيين الكثير ليَخْسرُوه، وليس لديه الكثير ليُقدِّمَه. قد ينجح في دفع السلطة الحاكمة، المتماهية والمتواطئة معه والخائفة منه، إلى استخدام أدبيات سياسية فارغة المضمون في الردِّ على «ورقة الشروط»، لكنه لن يكون قادراً على إطالة أمد سياسة الالتفاف بلسان لبنان الرسمي.
يُدرك «حزب الله» أن ما يجري في لبنان راهناً ليس منفصلاً عما يجري في الإقليم. فكل الساحات التي كان يتغنّى الحرس الثوري بأنه يحتل عواصمها من صنعاء وبغداد إلى دمشق وبيروت تهتزُّ على وقع «مفاوضات فيينا»، لا بل إن هناك تحوّلات كبيرة تحصل في تلك الساحات تُضعف أوراق طهران، ويتمُّ تفكيك مكامن قوّتها من خلال تطويق أذرعها.
ليس متوقعاً رضوخ «حزب الله»، لكن خياراته محدودة ولا سيما أن ظهره بات مكشوفاً في الداخل. سقط «الدور الوظيفي» الذي كان يُقدّمه له الحريري. وتمَّت محاصرة شريكه المسيحي الذي وفّر له غطاء شرعياً لسلاحه، ولا دلائل على قدرة هذا الشريك المتمثل بـ«التيار الوطني الحر» على تحقيق انتصارات في الانتخابات النيابية بفعل تراجع موقعه في الشارع المسيحي وفرض عقوبات أمريكية على رئيسه جبران باسيل من شأنها أن تُنهي حلمه الرئاسي. وسقطتِ الدولةُ التي تماهت معه وأزالت كل الخطوط الفاصلة بينها وبين الدويلة. والأهم أن اللبنانيين على اختلاف مشاربهم ما عادوا مهتمين بالشعارات الكبرى التي تبدأ من «تحرير فلسطين» ولا تنتهي عند هزيمة «الشيطان الأكبر»، وجلّ ما يتوقون له هو استعادة بعضٍ من حياتهم الكريمة التي خسروها، وكرامتهم الإنسانية التي فقدوها؛ وبدأت أصوات تعلو مطالبة برفع «الاحتلال الإيراني» عن لبنان.
من هنا، تبدو حراجة المرحلة ودقّتها. فاللبنانيون مطلوب منهم استعادة دولتهم والدفاع عن وجودهم وعيشهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم. وهذا سيضعهم في مواجهة مباشرة مع «الفيل اللبناني» و«المنظومة» بكل تفرعاتها التي تُغطيه، وسيرتفع منسوبها كلما ضاقتِ الحالُ واشتدَّ الخناق على الناس، وليس متوقعاً أن تبقى في إطارها السياسي والشعبي. فـ«حزب الله» لا يفقه كثيراً لغة السياسة، ولا يتقبّل سردية المزاج الشعبي المنقلب عليه، ولا يُعير كثيراً التوازنات والمصلحة الداخلية حين يتعلق الأمر بـ«دوره وموقعه كقوة إقليمية» ومصلحة «الراعي الإيراني»، ولكن أيضاً، لن يُجازف في ما حققه من قوة داخل طائفته وعلى المسرح اللبناني.
لذا، بدأت التساؤلات تُطرح عن الخطوات التي يمكن أن يلجأ إليها «الحزب»… هل ستكون تصعيدية بملامح أمنية تُعيد مرحلة الاغتيالات السياسية والقلاقل على الأرض، أم أنها ستحمل في طيّاتها تراجعاً تكتيكياً لاحتواء العواصف التي تضرب أشرعته؟
ما يسري من أحاديث في الغُرف الضيّقة، يُؤشِّر إلى مرحلة صعبة. البعض يتخوّف من حصول «ميني حروب أهلية» يُعبِّر عنها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي يعتريه قلق كبير من قابل الأيام والأشهر، والبعض الآخر، مِن أمثال السياسي فارس سعيد الرافع لواء «رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان» يتحدث عن «سيناريو» محتمل لوقوع «حدث أمني كبير» سيجلب الجميع إلى «طاولة حوار» يُحاول مِن خلالها «حزب الله» فرض شروطه إذا ما كانت هناك مِن مقايضة، كبيرة كانت أو صغيرة، ستجري على سلاحه ونفوذه.