الأهرام :
الأربعاء 18 من جمادي الأولى 1443 هــ 22 ديسمبر 2021 السنة 146 العدد 49324
قضايا وأراء :
مرت مياه كثيرة تحت جسور السنوات الأربع ولم يكن كلها فى الاتجاهات الأمريكية الإيرانية، ولم تكن فقط فى سلسلة الظروف التى غيرت السياسة الداخلية فى كلا البلدين، وإنما لأنها واكبت تغيرات فى النظام الدولى كله نتيجة الصعود الصينى من ناحية والجرأة الروسية من ناحية أخرى. المؤكد هو أن كلا البلدين الصين وروسيا لا يوجد لهما مصلحة فى إضافة دولة نووية جديدة إلى النظام النووى العالمى الذى قام فى الأصل على فكرة الاحتكار النووى من قبل الدول الخمس الأعضاء فى مجلس الأمن. ولكنهما فى نفس الوقت يعرفان جيدا أنه جرى انتهاك هذا النظام من قبل الهند وباكستان وإسرائيل من قبل، وهناك دول أخرى لديها قدرات نووية كافية للتحول إلى السلاح النووى خلال فترة قصيرة مثل كوريا الشمالية واليابان وربما تايوان وكوريا الجنوبية أيضا. كما يعرفان أن كليهما واقع تحت ضغوط متنوعة، بعضها أيديولوجى نتيجة الحملة الأمريكية والأوروبية على الصين وروسيا فى مجال الديمقراطية وحقوق الانسان، وبعضها الآخر أمنى واستراتيجى كما هو فى بحر الصين الجنوبى بالنسبة للصين، وأوكرانيا بالنسبة لروسيا.
الحقائق الحاكمة للقضية الإيرانية خلال عام 2022 أولاها أن العالم ثلاثى القطبية (الولايات المتحدة وروسيا والصين) قد بدأ بالفعل تشكيل تفاعلاته القائمة على تعددية المصالح ما بين الإيجابى منها القائم على خصائص للاعتماد المتبادل القائم على التجارة فى حالة الصين والغاز فى حالة روسيا. أيضا المشكلات العالمية من الوباء إلى الاحتباس الحرارى، فضلا عن ضرورة منع انتشار الأسلحة النووية ومنع الهجرة وتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط الذى يعانى الإرهاب والدول الفاشلة .
ولكن هناك أيضا المصالح التى تتناقض فيها وتتنافس بالطرق التقليدية للتفاعل بين القوى الكبرى بحثا عن الهيمنة والنفوذ التى تتعامل مع التحالفات كما لو كانت من صميم الأمن القومى للدولة. باختصار فإنه بقدر ما توجد مساحات للفوز المشترك، فإن هناك قضايا ومساحات أخرى يكون فيها كل مكسب لطرف هو خصما مباشرا من الأطراف الأخرى. وثانيها أن الأطراف الثلاثة توجد على مائدة المفاوضات مع إيران حيث تقوم كل من إيران والولايات المتحدة باستخدام أوراق الضغط على الأخرى. إيران تقوم بالضغط عن طريق دعم خصوم أمريكا من فنزويلا فى نصف العالم الغربى، إلى (حماس وحزب الله والحوثيون) فى الشرق الأوسط، إلى توقيع معاهدات واسعة النطاق مع الصين. الولايات المتحدة من جانبها تضغط عن طريق إسرائيل التى تلح طوال الوقت على رفض الاتفاق والاستعداد لعملية عسكرية جراحية للسلاح النووى الإيرانى، وتَعِد أن بعضا من العقوبات سوف يبقى بعد توقيع الاتفاق الجديد.
إذا كان ذلك كله، وهو قليل بسبب المساحة، سوف يعوق التوصل إلى اتفاق، وبالتالى يخلق حالة من التوتر الذى يقود أطرافا غير صابرة إلى العمل العسكرى الذى ربما يعطى طهران المبرر لضرورة أخذ الأمور بيدها قبل أن تضيف إسرائيل تدمير مفاعلاتها النووية إلى المفاعلين اللذين دمرتهما فى العراق وسوريا من قبل؛ فإن هناك دوافع أخرى سوف تبقيهم على مائدة المفاوضات وربما التوصل إلى اتفاق. الأوضاع الاقتصادية والسياسية لدى الأطراف كلها مرهقة من تجربة الجائحة المتواصلة مع العام الجديد، وموجات التضخم التى أشعلت أسواق العالم. وبينما بات الرئيس بايدن فى حاجة ماسة إلى نجاح، فإن النظام الإيرانى فى حالة من الإرهاق السياسى والاقتصادى الذى يجعله أكثر استعدادا للوساطات الصينية والروسية للتوصل إلى اتفاق.
لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد