رامي الشاعر :
في حديثه لطلاب المدارس الروسية بمناسبة بدء السنة الدراسية الجديدة، صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، بأن الوجود الأمريكي في أفغانستان كانت محصلته صفر.
وقال بوتين: “لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية موجودة في هذه المنطقة لمدة عشرين عاماً في محاولة لـ (إضفاء الطابع الحضاري) عليها.
ما يعني واقعياً إقحام معاييرهم وقيمهم الحياتية بالمعنى الأوسع للكلمة، بما في ذلك النظام السياسي للدولة”.
لم تكن أفغانستان وحدها، ولا فيتنام وحدها صفراً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، كذلك كان رهانها على تغيير النظام في سوريا، وانتصار التحالف السعودي في اليمن، وتغيير النظام في ليبيا، وقائمة طويلة من الأخطاء والخطايا التي راح ضحيتها عشرات وربما مئات الآلاف من الأبرياء.
يقول الرئيس الروسي بهذا الصدد إنه من المستحيل “فرض أي شيء من الخارج”، أي أنه لا بد وأن ينضج الوضع، وتتوفر الأسباب الموضوعية والمنطقية لحدوث التغيير، حتى يأتي التغيير من الداخل، وليس مقحماً من الخارج، بتكنولوجيا الثورات الملونة، التي باتت معلومة للقاصي والداني، ونرى أمثلتها متجسدة في أوكرانيا وقبلها جورجيا ومولدافيا، كما نرى الأوضاع السياسية المتوترة، والاقتصاد المنهار لهذه الدول، التي ظنت نخبها السياسية المضللة أنها تقود البلاد نحو “الحرية” و”الديمقراطية”، لتقع في فخ سيطرة صندوق النقد الدولي، والتبعية للغرب، والانسحاق ورهن الإرادة السياسية للاتحاد الأوروبي والناتو.
لكن معلومات مؤكدة من داخل الولايات المتحدة الأمريكية تقول بأن بعض مراكز الأبحاث الأمريكية، وعددا من الشخصيات العامة المرموقة، من بينهم دبلوماسيون، شغلوا مناصب رفيعة في الإدارات الأمريكية السابقة داخل البيت الأبيض، قد شرعوا في العمل على مبادرات لتخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد سوريا، لما تسببه من تداعيات سلبية لا إنسانية على عامة الشعب السوري، وتأثيرها المباشر على تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان ومعاناة الشعب اللبناني كذلك بالتبعية.
يتضح من تلك المبادرة أن صانعي القرار في السياسة الخارجية الأمريكية ربما قد توصلوا، بعد أو أثناء تجربة أفغانستان، إلى قناعة أن أسلوبهم المتبع في فرض أسلوب ونظام حياتهم وقيمهم على بلدان أخرى مصيره الفشل.
كما أن مصير الموارد التي أهدرت من أجل تلك الأوهام، وتقدّر بتريليونات الدولارات، هو الضياع، والنتيجة هي الصفر المؤكد. بل إن النتيجة بالسالب، إذا ما نظرنا إلى عدد الضحايا والمآسي والخسائر التي لحقت ليس بالشعب الأفغاني وحده، ولكن حتى بالعسكريين الأمريكيين، وعائلاتهم.
ترى هل فشل خبراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “السي آي إيه” الشهيرة في إجراء العمليات الحسابية للتكاليف المادية والبشرية نتيجة الحرب الأفغانية خلال عقدين من الزمان، وهل فشل هؤلاء في تقدير نتيجة العقوبات الاقتصادية والسياسية على سوريا ولبنان واليمن وليبيا.
ولما لم يلجأ هؤلاء إلى خطوات جراحية دقيقة ومدروسة تضع في الاعتبار نضج الوضع الداخلي للتغيير، وتوفير العوامل الأساسية والمطلوبة لأي عملية تغيير سياسي، بدلاً من تفجير الأوضاع في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان على النحو الذي نراه الآن، لتكون المحصلة صفراً كالذي رأيناه في أفغانستان.
نأمل أن تتحلى الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن، والتي تدل كل المؤشرات على شجاعتها، من خلال القرارات المصيرية التي اتخذتها حتى الآن، بالحكمة والصراحة والجرأة فتستجيب لمبادرة مراكز الأبحاث الأمريكية والشخصيات العامة رفيعة المستوى، باتخاذ خطوات سريعة للتعامل الإيجابي مع الأزمة السورية واللبنانية واليمنية والليبية، وبدء إعادة النظر في العقوبات الاقتصادية ضد سوريا، والمساعدات الفورية للشعب السوري واللبناني واليمني، حيث أن مسؤولية كبرى تقع على عاتق الإدارات الأمريكية السابقة للبيت الأبيض فيما يحدث اليوم في اليمن على سبيل المثال لا الحصر.
فوفقاً لتقرير هيئة الأمم المتحدة، يموت طفل كل دقيقتين في اليمن، بينما يتهدد الشعبين السوري واللبناني انعدام مقومات الحياة الأساسية من خبز ووقود وكهرباء وماء ودواء. هذا هو الواقع على الأرض!
إن هذه المبادرة التي تطلقها الآن هذه المراكز والشخصيات العامة سوف تلقى تجاوباً سريعاً من المجتمع الدولي، خاصة وأن إدارة الرئيس بايدن تحظى اليوم بتقدير خاص من المجتمع الدولي، وهو ما سيساعد على توحيد الجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية للكوارث الإنسانية الفظيعة التي تعاني منها هذه البلدان، كما نأمل بالدرجة الأولى أن تتجاوب مع المبادرة الدول العربية الغنية، خاصة وأننا على أبواب شتاء جديد، في ظل الوباء العالمي المميت.
نتمنى أن يعمل الرئيس بايدن، على ألّا تكون محصلة الولايات المتحدة الأمريكية في الملفات الأخرى صفراً كما كانت في أفغانستان التي تقف أمام مفترق الطرق، بعد أن توقفت اليوم حركة الطيران المحمومة، وأغلق المجال الجوي، وبقيت البلاد وبقي الشعب وحده يضمّد جراح عشرين عاماً، في ظل وضع أقل ما يوصف به القلق والتوتر، إن لم يكن الهلع والرعب. (روسيا اليوم)