"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

لهذه الأسباب تدعم دول الخليج المغرب في نزاع الصحراء الغربية

سيُذكر شهر ديسمبر/كانون الأول 2020 باعتباره شهرًا فاصلاً في العلاقات الأمريكية المغربية حيث اعترف الرئيس “دونالد ترامب” بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية كجزء من صفقة أصبحت بموجبها المملكة الواقعة في شمال أفريقيا رابع دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل في هذا العام. ويضع الاعتراف الأمريكي واشنطن وليس باريس كأكبر داعم غربي للمغرب فيما يتعلق بالنزاع على الصحراء الغربية المستمر منذ عقود.

وإلى جانب الدعم القوي من الولايات المتحدة وعدد متزايد من البلدان الأفريقية، يستفيد المغرب أيضًا من الدعم من قبل أعضاء مجلس التعاون الخليجي. وقد أعربت معظم الدول العربية عن دعمها للجيش المغربي في الاشتباكات الأخيرة مع جبهة “البوليساريو” في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وترى جميع دول مجلس التعاون الخليجي أنه من مصلحتها الوطنية دعم الرباط ضد “البوليساريو”.

 

 

السياق التاريخي

يساهم كل من التاريخ والأيديولوجيا في وقوف دول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب المغرب في نزاع الصحراء الغربية حيث إن “جبهة البوليساريو” منظمة اشتراكية يسارية وقد تلقت دعمًا من “معمر القذافي”، و”فيدل كاسترو”، والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، وكان لدى السعودية وجهة نظر سلبية في الغالب تجاه هذه الحكومات لذلك انحازت الرياض بطبيعة الحال ضد “البوليساريو”.

وقد أوضح “جاكوب موندي”، الأستاذ المشارك في دراسات السلام والصراع ودراسات الشرق الأوسط، في جامعة كولجيت، أنه على عكس الحروب الأهلية التي ابتليت بها ليبيا واليمن، فإن نزاع الصحراء الغربية هو صراع معروف في المنطقة وتم تحديد أطرافه منذ فترة طويلة. ومع تحالف الرباط والرياض مع القوى الغربية، رأت السعودية على مدى عقود أنه من مصلحتها دعم المغرب ضد “البوليساريو” من خلال تقديم دعم مالي كبير للجيش المغربي مما ساهم في نجاح الرباط في السيطرة على ما يقرب من ثلثي الأراضي في حرب 1975-1991.

وقال “موندي”: “كانت الدوافع تضامنًا ملكيًا عربيًا في سياق سبعينيات القرن الماضي عندما كانت القومية العربية لا تزال تتصاعد، خاصة بعد سقوط النظام الملكي السنوسي في ليبيا، الذي حاول المغرب استعادته، والثورة الإيرانية عام 1979، والتي تسببت في توطيد العلاقات بين الخليج العربي والمغرب والولايات المتحدة لصالح الرباط في الحرب ضد “البوليساريو”.

حافظت الرباط طوال فترة ما بعد الحرب الباردة على علاقات متوازنة مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي حتى عندما تصاعدت التوترات بين الدول الخليجية. وقد انضم المغرب إلى التحالف العربي في اليمن، في البداية على الأقل من 2015-2018. كما تدهورت علاقة الرباط بإيران مع اتهام الحكومة المغربية لطهران و”حزب الله” اللبناني بدعم “البوليساريو” من خلال تزويد الجماعة بالصواريخ. وقد مكنت هذه الديناميكيات المغرب من تلقي الدعم من جميع دول مجلس التعاون الخليجي في سعيه لتوطيد وإضفاء الشرعية على سيطرته على الصحراء الغربية.

وقال “ريكاردو فابياني” من مجموعة الأزمات الدولية: “نجحت الرباط في حماية استقلالها بشكل فعال مع تجنب استعداء أي من دول مجلس التعاون الخليجي.. وقد وفرت هذه الاستراتيجية الدعم للمغرب عندما تسارع الوضع مع البوليساريو”.

ومع ذلك، فإن الاستقطاب داخل دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة منذ بدء حصار الدوحة في 5 يونيو/حزيران 2017، أضاف في بعض الأحيان تعقيدات لعلاقات الرباط مع بعض الدول المحاصرة. وبرفضها دعم الحصار المفروض على قطر، حافظت الرباط على علاقات ممتازة مع الدوحة، لكن الموقف المغربي “السلبي” تجاه أزمة دول مجلس التعاون الخليجي أثار غضب أبوظبي حيث عانت العلاقات الإماراتية المغربية بشكل كبير مع اعتقاد القيادة الإماراتية أن الرباط اتخذت الموقف “الخاطئ” من قطر من عام 2017 حتى 2020/2019.

ومع ذلك، فإن التدخل العسكري التركي في ليبيا في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020 غيّر الصورة حيث رفضت الجزائر الانحياز العلني ضد أنقرة في الأزمة الليبية مما أصاب الإمارات بخيبة أمل دفعتها لإعادة النظر في دعم الرباط باعتباره يخدم مصالح أبوظبي في مواجهة أجندة تركيا.

بعبارة أخرى، مع اعتبار مواجهة النفوذ التركي أولوية قصوى بشكل متزايد، كانت أبوظبي على استعداد لتجاوز المشاكل التي واجهتها مع المغرب بسبب رفض المغرب الانضمام إلى العربة المناهضة لقطر في عام 2017. تساعد هذه العوامل في تفسير سبب اتخاذ الإمارات موقفاً مؤيداً للمغرب هذا العام عندما تجدد احتدام الصراع في الصحراء الغربية.

وهناك مفتاح آخر لفهم سبب تبني الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لموقف مؤيد للرباط بشأن هذا الصراع، حيث أن القوى الأوروبية الأكثر تعاطفاً مع “البوليساريو” ليس لها نفوذ كبير في أبوظبي والعواصم العربية الأخرى. في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين تدعمان المغرب بقوة ضد “البوليساريو”، هما القوتان الرئيسيتان اللتان لهما نفوذ على الإمارات ودول الخليج العربية الأخرى. وبالتالي، فإن دعم المغرب يعمل على جعل الإمارات أكثر توافقا مع واشنطن وباريس، وكذلك إسرائيل، خاصة في ضوء تطبيع الرباط للعلاقات الدبلوماسية مؤخرًا مع تل أبيب.

 

 

المصالح الخليجية في الصحراء الغربية

للسعودية والإمارات بعض المصالح في الصحراء الغربية، فهناك استثمارات مغربية سعودية مشتركة في هذه المنطقة، ومن المحتمل أن يعمق الإماراتيون انخراطهم في الصحراء الغربية من خلال مشاريع استثمارية سترافق افتتاح قنصلية أبوظبي في العيون. وفي الواقع، أدى تواجد الإمارات والبحرين لاحقًا في أكبر مدينة في الصحراء الغربية إلى تعزيز شرعية المغرب في الصحراء الغربية.

ولدى أعضاء مجلس التعاون الخليجي مصالح راسخة في ضمان بقاء المغرب دولة مستقرة في شمال أفريقيا، وتعتقد حكومات دول الخليج العربية أن دعم الرباط ضد “البوليساريو”، وبالتالي الجزائر، أمر بالغ الأهمية لتحقيق هذا الهدف. بعبارة أخرى، تعتقد دول الخليج العربية أن الاستقرار طويل المدى في المغرب يتطلب انتصار الرباط في سعيها لتعزيز سيطرتها على الصحراء الغربية.

ونظرًا لأن السعودية تمثلا ثقلا رمزيا في العالم الإسلامي، فإن موقف الرياض المؤيد للمغرب يساعد الرباط في الصراع ضد “البوليساريو” أمام العالم الإسلامي. إلى جانب التركيز القوي على دعم الولايات المتحدة وفرنسا والمزيد من أعضاء الاتحاد الأفريقي، فإن دعم دول الخليج العربية للرباط فيما يتعلق بالصحراء الغربية يعمل على إضفاء الشرعية على السيطرة المغربية على هذه المنطقة من منظور عدد متزايد من الحكومات العربية.

 

 

العامل الجزائري

لكن كيف سيؤثر دعم دول مجلس التعاون الخليجي للمغرب في نزاع الصحراء الغربية على علاقات دول الخليج العربية مع الجزائر؟ إن دعم السعودية وغيرها من الممالك العربية للمغرب ضد جبهة “البوليساريو” التي ترعاها الجزائر سيستمر في تأكيد التصورات الجزائرية عن دول الخليج العربية باعتبارها تقوض أمن واستقرار الجزائر. ومع ذلك، يمكن أن يكون الضرر محدودًا.

على مدار السنوات العشر الماضية، اختلفت الجزائر مع دول الخليج العربية حول مجموعة من القضايا من الأزمة السورية إلى التدخل العسكري بقيادة الناتو في ليبيا في عام 2011. لكن الجزائر تمكنت من منع مثل هذه الخلافات من تعطيل الاستثمارات الخليجية (الإماراتية على وجه التحديد) في الجزائر مثل موانئ دبي العالمية أو العلاقات المؤسسية بين الجزائر وأبوظبي. وكما أوضح “صمويل راماني”، وهو باحث دكتوراه في جامعة أكسفورد، أن “الجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي تعلمت فصل الخلافات”.

لدى الجزائر مخاوف أكثر جدية بشأن تصرفات دول مجلس التعاون الخليجي في ليبيا. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن تكرر العنف الذي ابتليت به ليبيا لسنوات في الصحراء الغربية. ويحذر الخبراء من أن انهيار وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة عام 1991 وقرار إدارة “ترامب” الاعتراف بالسيادة المغربية على الإقليم يهددان بمزيد من عدم الاستقرار في أنحاء أخرى من أفريقيا. وبطبيعة الحال، فإن التداعيات خطيرة للغاية على الأمن الجزائري.

ووفقًا “لأندرو ليبوفيتش” من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن “الصراع المستمر يزيد أيضًا من خطر دفع بعض الجماعات المسلحة في منطقة الساحل إلى الحرب حيث يوجد لدى العديد من هذه الجماعات علاقات في المغرب والجزائر، كما أن بعض المقاتلين لديهم روابط عائلية وعلاقات تجارية بالصحراء الغربية. وقد ينجذب المقاتلون والشباب الآخرون في المنطقة إذا استمر العنف، كما حدث لسنوات في الحرب الليبية”.

ليس من الواضح كيف سيكون رد فعل الجزائريين على التطورات الأخيرة التي رفعت التوتر في الصحراء الغربية مما يهدد أمن الجزائر. ومع تحرك واشنطن الأحادي الجانب فيما يتعلق بالصحراء الغربية، والذي شجع المغرب في ظل وضع اقتصادي ضعيف تمر به الجزائر، يرى المسؤولون في الجزائر أن بلادهم أصبحت معرضة بشكل متزايد لأجندات السياسة الخارجية للولايات المتحدة والمغرب وإسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي.

وقال رئيس الوزراء الجزائري “عبدالعزيز جراد”: “هناك تهديد حقيقي على حدودنا، من وصول الكيان الصهيوني”. على الأرجح، ستلجأ الجزائر إلى روسيا للحصول على مزيد من الدعم، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بشكل كبير في شمال غرب أفريقيا ويوفر المزيد من الفرص للكرملين لكسب النفوذ على حساب القوى الغربية، وهو في حد ذاته هدف أمضت موسكو سنوات في السعي وراءه.

في نهاية المطاف، فإن مستقبل الصحراء الغربية هو أكثر معضلات السياسة الخارجية حساسية وأهمية بالنسبة للرباط. وتعتبر سيطرة المغرب الكاملة على الصحراء الغربية أمر ضروري في العقيدة المغربية لمنع المملكة من الانهيار. في نهاية المطاف، إنها قضية وجودية من منظور الرباط.

وبالرغم من مخاطر تصاعد نزاع الصحراء الغربية وتزايد عدم الاستقرار في جميع أنحاء المغرب العربي والساحل، فإن القيادة في الرباط تستغل الظروف الحالية للعمل بجرأة في هذه المنطقة التي احتلتها منذ السبعينيات وتلعب دول مجلس التعاون الخليجي دورًا مهمًا في إعطاء المغرب إحساسًا أكبر بالثقة في هذا الصراع.

يراهن المغرب على عدم وجود تركيز دولي على الصراع، إلى جانب الدعم  المقدم من الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، ويهدف إلى تعزيز سيطرته على الصحراء الغربية. ومع ذلك، من خلال تبني مثل هذا الموقف المؤيد للمغرب في نزاع الصحراء الغربية، فإن الممالك الخليجية العربية تمنح الجزائر مزيدًا من الأسباب للانزعاج من “لحظة الخليج” في المنطقة المغاربية.

 

 

المصدر | جورجيو كافييرو – منتدي الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد