"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

هل تُخرّج مدارس الهند الإسلاميّة “أئمة مساجد” فقط؟.. الحزب الهندوسي الحاكم يتّهم المُسلمين بتوفير تعليم دون المُستوى وتوجّه لإلغاء 700 مدرسة إسلاميّة بحُلول إبريل.. الرجال المُسلمون مُتّهمون بمُغازلة “النساء الهندوسيّات” فما هو “جهاد الحب” وكيف سمح بالتعذيب والإجهاض في مخافر الشرطة؟.. المسلمون ومخاطر “دولة الهندوس” بديلاً للعلمانيّة!

عمان- “رأي اليوم”  :

يبدو أن طوق التقييد الذي يجري فرضه على المُسلمين بالهند، لا ينحصر فقط في نوايا تطبيق قانون الجنسيّة ضدّ الأقليّة المُسلمة، على خلفيّة تمرير قانون فرض إثبات الأصول، والذي يحرم المُسلمين دوناً عن غيرهم من الجنسيّة، في حال فشلهم في إثبات تواجدهم ما قبل العام 1971، بحُجّة توطين الوظائف، والسّماح باستقبال الأقليّات المسيحيّة، والهندوسيّة، القادمة من الدول المُجاورة للهند، الموضوع بدأ يأخذ حيّزًا أكبر من ذلك، وبدا أنه ضمن أجندة يجري تنفيذها على يد الحزب الهندوسي الحاكم في البلاد.

الجديد الذي قد يُقوّض روح التعايش في الهند، والمليئة بالطوائف الدينيّة الكتابيّة، والوثنيّة، ما أقدمت عليه ولاية آسام الهنديّة، وتلك الولاية يُديرها للمُفارقة، حزب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الهندوسي القومي، والذي يتّبع سياسات مُتّهمة بأنها عنصريّة تُجاه المُسلمين، حيث قانون أقرّته تلك الولاية المذكورة، يُلغي جميع المدارس الإسلاميّة، وهي خطوة تأتي بعد نوايا تجريد المُسلمين من جنسيّتهم الهنديّة، على خلفيّة عدم قُدرتهم إثبات تواجدهم في البلاد ما قبل العام 1971 لانعدام أوراق ثُبوتيّة، وهي خطوة ستُؤدّي إلى ترحيلهم، ووضعهم في مُعسكرات خاصّة، وتحت الحراسة والمُراقبة، وحِرمانهم بالتّالي من حُقوق المُواطنة.

مدارس إسلاميّة عصريّة.. وطلّابها “هندوس”

القانون الجديد الذي أقرّته الولاية التي تحت إدارة الحزب الهندوسي، والذي يُلغي تلك المدارس الإسلاميّة، جرى تقديمه بحُجّة أنّ تلك المدارس “تُوفّر تعليماً دون المُستوى”، وبحسب وزير التعليم في الولاية فإنّ أكثر من 700 مدرسة ستُغلق أبوابها بحُلول إبريل العام الجاري الجديد.

وبحسب وزير التعليم هيمانتا بيسوا سارما في الولاية، فإنّ بلاده تحتاج مزيدًا من الأطبّاء، وضبّاط الشرطة، والموظفين، والمعلمين من الأقلّية الإسلاميّة، بدلاً من أئمة المساجد، وهذه المدارس سيجري تحويلها إلى “مدارس عاديّة”، وهو ما يطرح علامات استفهام حول حق المُسلمين في الهند في اختيار مناهج تعليمهم والمُتعلّقة بدينهم، وتغيير ارتباط هؤلاء بعقيدتهم، ضمن استهداف اعتبره نائب عن حزب المُؤتمر المُعارض بأنّ هدفه “محو” هُويّة المُسلمين.

المدارس الإسلاميّة في الهند، والتي تُتّهم اليوم من قبل الحزب الهندوسي الحاكم بتخريج أئمة مساجد، ويُبرّر لإغلاقها تباعاً، تتحدّث تقارير محليّة مُوثّقة اطّلعت عليها “رأي اليوم”، وتناقلتها صُحف غربيّة، بأنّ هذه المدارس بدأت بتغيير صورتها النمطيّة، وتغيير مناهجها ما قبل العام 2014، وبدأت بتدريس اللغة الإنجليزيّة، وعلم الحاسوب، وللمُفارقة أنّ تلك المدراس، وقبل صُعود نجم الحزب الهندوسي الحاكم، ووصوله للسلطة، كان 15 بالمئة من طلابها من الهندوس، إلى جانب الطلبة المُسلمين على مقاعد الدراسة.

مخاوف جديدة

وتزداد المخاوف من حملة مُمنهجة يشنّها الحزب الحاكم ضدّ المُسلمين، مع فرض حزبه الهندوسي، قانوناً آخر مُثير للجدل، يحرم الهنود من اختيار من يريدون عند الزواج.

وتماماً كما جرى في ولاية آسام ضدّ المدارس الإسلاميّة، في ولاية أوتار براديش التي تخضع أيضاً لإدارة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي الحاكم، وهي موطن أكبر عدد من المُسلمين، جرى فرض قانون في نوفمبر الماضي، يفرض عُقوبات صارمة على التحوّل الديني كجُزءٍ من الزواج، واللافت أنّ أربع ولايات يُديرها الحزب الهندوسي تعهّدت أن تُطبّق القانون.

“جهاد الحب”.. ومُغازلة النساء الهندوسيّات!

قانون منع “التحوّل الديني” هذا، يستهدف بالدرجة الأولى المُسلمين، وهو ما يُؤشّر إلى وجودِ حملةٍ مُمنهجةٍ يُديرها الحزب الحاكم الهندوسي ضدّ الأقليّة المُسلمة، فالأحزاب الهندوسيّة اليمينيّة المُتطرّفة، تُروّج لما يُسمّى بجِهاد الحب، وتُصوّب هُنا أصابع الاتّهام للرجال المُسلمين، بقيامهم بحملة “مُغازلة النساء الهندوسيّات” بقصد تحويلهنّ إلى الإسلام، وهي حملة تروج إعلاميّاً، ومُجتمعيّاً، والغرض منها التحريض على الأقليّات المُسلمة، وبكُل الأحوال يرى مُنتقدون لقانون “التحوّل الديني” هذا، مُصادرة حُريّات، وتحكّم إلزامي بالعقيدة، وتحريض على التعايش السلمي بين أتباع مُختلف الأديان، وعدم السّماح للنساء الهندوسيّات باختيار شريك حياة وفقاً لمُعتقداته، وخاصّةً الرجال المُسلمين منهم.

وبالرّغم من هذا، فإنّ رجال الهند من الأقليّة المُسلمة، قد يكونوا براء، كبراءة الذئب من دم يوسف، ممّا تصفه الأحزاب الهندوسيّة المّتطرّفة بجِهاد الحب، فحسب دراسة أُجريت العام 2013، فإنّ أقل من 5 بالمئة من الهنود أساساً يتزوّجون خارج طبقتهم الدينيّة، وأنّ 2 بالمئة، من النساء بين سن 15 إلى الأربعينيات يتزوّجن خارج دياناتهن، وهو بالتالي ما ينسف التخوّفات الهندوسيّة التي يجري إشاعتها، في تبرير قانون التحوّل الديني عند الزواج.

تعذيب وانتهاكات

وتتحدّث مصادر حُقوقيّة عن تطبيق عُقوبات صارمة في ظِل قانون الزواج المذكور، من قبل السلطات، وصلت في بعض الحالات إلى تعذيب العريس المُسلم، والذي ثَبُت زواجه من هندوسيّة تحوّلت للإسلام، وأُجبرت أُخرى على الإجهاض القسري داخل مخفر للشرطة، بعد زواجها من مُسلم، وتحوّلها من الهندوسيّة، إلى الإسلام.

“دولة الهندوس” تُواجِه العلمانيّة

200 مليون من الأقليّة المُسلمة في الهند، يُواجهون بشكلٍ صريح، حملةً مُمنهجةً مبنيّةً على الاستِهداف العقائدي، وسط تحذير ساسة هنود من مغبّة مُواصلة تلك السياسات العُنصريّة في الهند ضدّ المُسلمين، وتحويلها من بلد علماني، إلى هندوسي مُتطرّف، فالحزب الهندوسي الحاكم يَنظُر إلى إعادة انتخابه مايو/ أيّار العام 2019، بمثابة الشرعيّة الشعبيّة التي سيُواصل من خلالها تمرير وتطبيق قوانينه التي تستهدف أتباع الدين الإسلامي في البلاد، بدايةً من قانون الجنسيّة، مُرورًا بقانون إغلاق المدارس الإسلاميّة، ونهايةً بمُلاحقة المُتحوّلين دينيّاً عند الزواج، رافعاً شِعار “جهاد الحب” التحذيري المزعوم.

الولاية الثانية لحُكم رئيس الوزراء الهندوسي مودي، والتي تمتد لخمس سنوات 2024 قد تحوّل البلاد إلى ما بات يُعرَف بدولة الهندوس، حيث مرّت ولاية المذكور الأولى ببعض التحفّظات، وضُغوطات من الأحزاب المُتطرّفة، لاستغلال الأكثريّة البرلمانيّة، لتمرير القوانين، وهو ما يجري حاليّاً تطبيقه تماماً بعد فوزه في الولاية الثانية كما يرصد المراقبون للشّأن الهندي، لكن في المُقابل الشارع الهندي يثور، وتعج الشوارع بالمُظاهرات الرافضة لما يتعرّض له المُسلمون، ليبقى السّؤال مطروحاً، حول القّدرة الفِعليّة لتحويل الهند القائم على العلمانيّة مُنذ استقلاله، إلى بلدٍ قائمٍ على العقائديّة الهندوسيّة، ويَرفُض التّعايش مع ثان أكبر أقليّة (المسلمون) في البلاد.