يبدو أنّ قوّة الحزب القومي الهندوسي في الهند “بهارتيا جاناتا”، وبزعامة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، آخذةٌ بالتصاعد السلبي، والأهم تأثيرها “العنصري” على المُسلمين في البلاد، وتحديدًا تجدّد المخاوف من قانون الجنسيّة، والذي قد يُهدّد المُسلمين الهنود، بسحب جنسيّاتهم، واستبدالهم بالمُهاجرين.
الحزب القومي الهندوسي، وبعد تعزيز حُضوره في البرلمان، 303 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، عزّر قُدرته على إدخال تعديلات سياسيّة على الدستور، وكان أهمّها التعديلات التي جرى إدخالها على قانون الجنسيّة، والذي يُؤجّج التظاهرات، والانتقادات ضدّه في البلاد.
المُشكلة الأساسيّة في الهند، أنّ الحكومات المُتعاقبة لا ترغب في المُهاجرين، على أساس حل مُشكلة البطالة، وحصرها بالسكّان الآساميين الأصليين، وهُنا ومنذ العام 1985، كان على كُل هندي، إثبات تواجد والديه في ولاية آسام قبل العام 1971، في العام 2019، توصّلت الحكومة إلى أنّ نحو مليوني شخص بولاية آسام من الأجانب.
الحُكومة الهنديّة المُتطرّفة الحاليّة، توقّعت أن يكون هؤلاء الأجانب (مليونيّ شخص) من المُسلمين في الولاية، لكن المُفاجأة كانت، بأنّ غالبيّة المُهاجرين كانت من الهندوس، والذين يُمثّلون بطبيعة الحال، الحزب القومي الهندوسي الحاكم، والذين لا تستطيع الحكومة المذكورة التعامل معهم، مثل المُسلمين، وتهجيرهم، ووضعهم في مُعسكرات خاصّة، وسحب جنسيّاتهم بالتالي، كونهم مُهاجرين.
التعديل الذي تفتّق عقل الحكومة الهندوسيّة المُتّهمة بالعنصريّة ضدّ المُسلمين لتمريره، جاء للتحايل على مسألة القانون الذي يمنع تواجد المُهاجرين في البلاد، وترحيلهم، والذين تبيّن أنّ غالبيّتهم من الهندوس، وهُنا عدّلت الحكومة التي تحظى بأغلبيّة نيابيّة القانون بأنّ الهند ستقبل بالمُهاجرين من ثلاث دول مُجاورة، وهي باكستان، وبنغلاديش، وأفغانستان، واشترطت الحكومة شرطاً يعتبره المُسلمون مُجحفاً بحقّهم، وهو أن يكون المُهاجر الذي ستقبل به الهند، إمّا هندوسيّاً، أو بوذيّاً، أو مسيحيّاً، أو سيخيّاً، مع استثناء المُسلمين بأن يكونوا من بين المُهاجرين.
جرى تعديل هذا القانون العام الماضي، شهر ديسمبر تحديدًا، وتستطيع الحكومة الهندوسيّة، أن تمنح الجنسيّة الهنديّة بهذا القانون المُعدّل، لكُل المُهاجرين، عدا المُسلمين منهم، وهو قانونٌ مُجحفٌ بنظر المُسلمين في الهند، لكن الحكومة تقول إنه جاء لحماية الأقليّات الدينيّة من السيخ، والهندوس، والمسيحيين، وغيرهم في البلاد الإسلاميّة المُجاورة للهند، وهي حماية جاءت على حساب حُقوق المُسلمين، الذين قد يكونوا أمام تهديد سحب جنسيتهم الهنديّة، في حال ثُبوت أنهم من المُهاجرين، فالقانون المُعدّل استثنى استقبالهم حصرًا.
في التفسير المُبسّط لتعديل القانون، يعني أنّ الحزب القومي الهندوسي، يهدف إلى تحويل الملايين من المُسلمين، إلى فئة “البدون” عديمي الجنسيّة، فعلى كُل شخص مُتواجد في الهند، أن يُثبت تواجد والديه قبل عام 1971 في ولاية آسام، وقبل عام 1987 في باقي ولايات الهند، وفي حال فشل أيّ شخص من أيّ أقليّة عدا المُسلمين في إثبات ذلك، فسيكون تعديل القانون في خدمته، ومنحه الجنسيّة إذا كان من المُهاجرين، سيخاً، هندوساً، ومسيحيين.
فكرة تحديد السكّان الأصليين، جرى استغلالها من قبل الحكومة الهندوسيّة بشكلٍ غير عادل، تطبيق القانون المُعدّل، يجري على قدمٍ وساق مُنذ تعديله من شهر إبريل، ومُستمر حتى كتابة هذه السطور، الحكومة المُتُهمة بالتطرّف، تسعى لتدقيق أوراق كُل سكّان الهند، الحقيقة الثابتة والتي تُدركها الحكومة الحاليّة، بأن العديد من المُتواجدين على الأراضي الهنديّة، لا يملكون أوراق ثُبوتيّة، تُشير إلى تواجد والديهم، إلى ما قبل العام 1987، وفي ولاية آسام ما قبل 1971، نظرًا ووفقاً للإحصاءات 45 بالمئة من سكّان الهند، أمّيين، أو يعيشون بمناطق قرويّة، ونائية، وهؤلاء بدون أوراق في الغالب، باتوا مُهدّدين بالفِعل، وإن كانوا مُسلمين، بفُقدان جنسيّتهم، وبالتالي حق المُواطنة، والاستفادة من خدمات التعليم والطبابة الحُكوميّة، والالتحاق بالوظائف، والحُصول على قروض، وجوازات سفر، وغيرها من بطاقات أغذية، ورخصة قيادة، وسيكونوا أمام خِيار الترحيل إلى مُعسكرات خاصّة بهم، ضمن ضوابط اعتقال أو مُتابعة صارمة.
قوّة الحزب الحاكم الهندوسي، وقُدرته على تعديل القوانين، لا تشي بوجود خِيارات كثيرة أمام المُعارضين لقانون الجنسيّة، فالمُسلمون، وأحزاب المُعارضة وبعضها هندوسي، ترفض الخطوات التي ستؤدّي إلى تجريد المُسلمين من جنسيّاتهم، وتنظر المُعارضة إلى هذا القانون، بأنه يضر بصورة الهند العلمانيّة.
الحكومة الهندوسيّة تُجابه المُظاهرات الرافضة للقانون بالقوّة، والتهديد، والقمع، لكن ومع هذا قد تكون على المدى البعيد، أمام مخاطر تُهدّد التعايش السلمي بين الهنود على اختلاف دياناتهم، وطوائفهم، وتخلق حجّة لصُعود جماعات إسلاميّة مُتطرّفة، تجد في حكم ناريندرا مودي رئيس الوزراء وحزبه، مثالاً على العنصريّة، والتطرّف، ومُنذ وصول حزب “بهارتيا جاناتا” في انتخابات العام 2014، والمعروف بوقوفه تاريخيّاً ضدّ قضايا المُسلمين.
ومع عدم وجود مُؤشّرات حاسمة على تغيّر حكومة مودي، وسيطرتها شبه الكاملة على البرلمان، جاء تقرير شبكة حقوق الإنسان في جنوب آسيا، ليزيد من المخاوف المُتعلّقة بسلامة المُسلمين في الهند، فبحسب التقرير السنوي الذي نشرته الشبكة، فإنّ التضييق على المجتمع المدني، والمُعارضة هُناك، قد جعل البلاد مكاناً خطيرًا على الأقليّة المُسلمة.
وبحسب التقرير الصادر، فإنّ ملايين المُسلمين في الهند، مُعرّضون لخطر تجريدهم من من الجنسيّة، ليُصبحوا بلا جنسيّة، وهو ما يُؤكّد بطبيعة الحال، أنّ هدف القانون المُعدّل، هو التخلّص من المُسلمين الهنود، وتعزيز حُضور الهندوس، وليس كما تُروّج حكومة مودي حِرصها على استقبال الأقليّات في الدول الإسلاميّة المُجاورة للهند، وما يتعرّضون له من مخاطر هُناك.
200 مليون مُسلم، مُعرّضون في الهند، بعد تعديل قانون الجنسيّة، لسحب جنسيّاتهم، وتحويلهم لمُعسكرات اعتقال، وهو مشهد تمييزي عنصري، تُعوّل حكومة مودي على تطبيقه تماماً، لكن سُقوط الأخير قد يأتي من بوابة مظاهرات المُزارعين، وهي احتجاجات دخلت أسبوعها الثالث، وتصفه الصحف الهنديّة، بأكبر تحدّي يُواجه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، والمُحصّن بغالبيّة نيابيّة، إلى جانب تظاهرات ضدّ قانون الجنسيّة.
قد ينجح رئيس الوزراء مودي بمُواصلة الترويج لعنصريّته ضدّ المسلمين، بواقع ترويج وسائل الإعلام التي تُسيطر عليها حُكومته، بأنّ التظاهرات ضدّ قانون الجنسيّة، تحمل أجندات إسلاميّة، وضدّ الوطنيّة، ومع هذا شهدت البلاد مُظاهرات ضدّ القانون المُثير للجدل والعنصري، الذي لا تقبله علمانيّة الهند، جرى قمعها بالقوّة والتهديد، الحال يختلف لكن مع تظاهرات المزارعين، فهؤلاء لهم حظوة، وتأييد في المجتمع الهندي، على اختلاف أديانهم، وهم الذين نجحوا أساساً في إغلاق نيودلهي، بعد اتّهامات لحكومة مودي بالتعامل مع الشركات الكبرى، حيث سمح لها مودي رئيس الوزراء ضمن قانون زراعي جديد بفتح أسواق لها في أيّ منطقة، وهو ما يعني إغلاق الأسواق الزراعيّة الحكوميّة، وسيطرة الأسواق الخاصّة، وفرض أسعار مُنخفضة على المُزارعين، وهم يُطالبون بإغلاق الأسواق الخاصّة، للعودة إلى منازلهم، ووقف التظاهرات التي أغلقت الشوارع بين الولايات، ووصلت العاصمة.
قد لا تنجح التظاهرات الرافضة لتعديل القانون الجنسيّة العنصري ضدّ المسلمين في الهند بإسقاط مودي، وحُكومته العنصريّة الهندوسيّة، لقمعها الرفض بالقوّة، وتضليل أهداف التظاهرات، لكن بكل الأحوال سُمعة الفلاحين في الهند، والثورة الزراعيّة التي تُمثّله في أذهان الهنود لأنّ بلدهم زراعي في المقام الأوّل، وتظاهرات الفلاحين التي أغلقت الميادين للأسبوع الثالث، أكبر من أيّ حكومة في الهند، وحرق دمى تمثّل مودي من قبل الفلاحين، ليست بالأنباء الجيّدة.
حرق الدمى في الثقافة الهنديّة، يُنظَر له بمثابة حرق الشّر، والفلاحين الغاضبين حرقوا دُمية مودي، وهو ما يعني بمثابة الشّر لهم، فهو ورجال أعمال آخرين، كانوا قد حُرِقَت دُماهم، يتّهمهم الفلاحون بأنّ ثرواتهم قد تضاعفت عشرات المرّات في حُكم مودي، فماذا سيفعل الأخير، وقد بات أمام ثلاث أزمات، قانون تعديل الجنسيّة، القانون الزراعي وتعديله وغضب الفلاحين، وجائحة كورونا، والهند ثاني أكبر بلد في العالم إصابةً بالفيروس؟