"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

العقبة ومحاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم من قِبل المنافقين والموقف العلمي من الوليد بن جميع راوي الحديث بين الطاعنين فيه و الموثقين له من علماء


المدينة :

قال تعالى (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يكُ خيرًا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابًا أليمًا)

قال تعالى (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يكُ خيرًا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابًا أليمًا في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير). سورة التوبة الآية 74، ففي الآية السابقة تحدث القرآن الكريم عن بعض الحوادث التي وقعت في الطريق أثناء غزوة تبوك ومن تلك الحوادث محاولة المنافقين اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من غزوة تبوك عند العقبة، حيث ذكر المفسرون تلك الواقعة عند تفسير هذه الآية، قال ابن كثير رحمه الله إن الآية السابقة نزلت فيهم أي: في المنافقين الذين حاولوا اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الضحاك: إن نفرًا من المنافقين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك في بعض الليالي في حال السير وكانوا بضعة عشر رجلًا فنزلت فيهم هذه الآية «. وقال الطبري: والذي همّ به، قتلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما جاء ذكر تلك الحادثة في حديث أبي الطفيل الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وأصله في صحيح مسلم قال: «لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أمر مناديًا فنادى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بالعقبة، فلا يأخذها أحد، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة، يقوده حذيفة ويسوقه عمّار، إذ أقبل رهطٌ متلثمون على الرواحل فغشوا عمّارًا وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: قدْ قدْ، حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوادي، فلما هبط ورجع عمار، قال: يا عمار، هل عرفت القوم؟ قال: قد عرفت عامة الرواحل، والقوم متلثمون، قال: هل تدري ما أرادوا؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أرادوا أن يُنفّروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحوه، قال: فسار عمّار رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نشدتك بالله! كم تعلم كان أصحاب العقبة؟ قال: أربعة عشر رجلًا، فقال: إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر رجلًا، قال: فعذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثلاثة؛ قالوا: والله ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما علمنا ما أراد القوم. فقال عمار: أشهد أن الاثني عشر الباقين، حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد». ومحاولة الغدر واغتيال القائد الأعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تمّت ضمن خطة دبّرها المنافقون، كاد أن يتم تنفيذها في العقبة، وهي عقبة عسيرة المسالك يصعدها القادم من تبوك بعد تجاوزه وادي أتانه وقبل نزوله بذات الزراب بالقرب من رأس وادي الأخضر حيث العين المشهورة هناك (عين الأخضر). وتقع قرية صغيرة تسمى البيضاء يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم له مسجد هناك ولكن لا يوجد أثر له اليوم. والعقبة ضمن جبال صعبة المسالك محصورة بين ذات الزراب (أم زراب) وبين رأس الوادي الأخضر، وبالله التوفيق.
المدينة
الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله زبركاته:

قلتُ إنَّ خبرَ الجماعةِ الذينَ أردوا أن يغدروا برسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) إنّما هوَ خبرٌ صحيحٌ رَوَاهُ أَحمَدُ فِي (مُسنَدِهِ), وغيرُه, واللّفظُ لأحمد, إذ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ – هُوَ ابنُ هَارُونَ – أَخبَرَنَا الوَلِيدُ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ جُمَيعٍ عَن أَبِي الطُّفَيلِ قَالَ: لَمَّا أَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله مِن غَزوَةِ تَبُوك أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله آخِذٌ بِالعَقَبَةِ، فَلَا يَأخُذهَا أَحَدٌ. فَبَينَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله يَقُودُهُ حُذَيفَةُ وَيَسُوقُهُ عَمَّارٌ إِذ أَقبَلَ رَهطٌ مُتَلَثِّمُونَ عَلَى الرَّوَاحِلِ، فَغَشُوا عَمَّاراً وَهُوَ يَسُوقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله, وَأَقبَلَ عَمَّارٌ يَضرِبُ وُجُوهَ الرَّوَاحِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله لِحُذَيفَةَ: قُد قُد. حَتَّى هَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله، فَلَمَّا هَبَطَ نَزَلَ وَرَجَعَ عَمَّارٌ قَالَ: يَا عَمَّارُ هَل عَرَفتَ القَومَ؟  قَالَ: قَد عَرَفتُ عَامَّةَ الرَّوَاحِلِ، وَالقَومُ مُتَلَثِّمُونَ. قَالَ: هَل تَدرِي مَا أَرَادُوا؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ. قَالَ: أَرَادُوا أَن يَنفِرُوا بِرَسُولِ اللهِ فَيَطرَحُوهُ. قَالَ: فَسَارَّ عَمَّارٌ رَجُلًا مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله فَقَالَ: نَشَدتُكَ بِاللَّهِ، كَم تَعلَمُ كَانَ أَصحَابُ العَقَبَةِ؟ قَالَ: أَربَعَةَ عَشَرَ. فَقَالَ: إِن كُنت فِيهِم فَقَد كَانُوا خَمسَةَ عَشَرَ. قَالَ: فَعَذَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله مِنهُم ثَلَاثَةً قَالُوا: مَا سَمِعنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله، وَمَا عَلِمنَا مَا أَرَادَ القَومُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَشهَدُ أَنَّ الإثنَي عَشَرَ البَاقِينَ حَربٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ.

قلتُ: وهذا الخبرُ أوردَهُ الهيثميُّ في كتابِه (مجمعِ الزّوائد) (ج2/ص177) وعلّقَ عليه قائِلاً: رواهُ الطّبرانيّ في الكبيرِ ورجالُه ثقاتٌ, قلتُ: وهوَ الصّوابُ, لأنَّ رجالَه كلّهُم ثقاتٌ كما في تهذيبِ التّهذيبِ لابنِ حجرٍ العسقلانيّ وغيرِه, والوليدُ بنُ جميع مِن رجالِ مُسلمٍ وأكثرُ النّقّادِ قَد وثّقوهُ وحسّنوا مِن أمرِه, وقَد تكلّمَ فيه بعضُهم بغيرِ حُجّةٍ, والسّببُ في ذلكَ أنّهُ ذكرَ أخباراً تُعيّنُ أسماءَ الذينَ أرادوا أن يغدروا برسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله),وهوَ مِـمّا جعلَ بعضَهُم يشنُّ عليه حملةً لغرضِ إسقاطِ عدالتِه, ففي كتابِ (المُحلّى بالآثارِ) لابنِ حزمٍ الأندلسيّ في (ج12/ص160) طبعةُ دارِ الفكرِ بيروت, يُعلّقُ ابنُ حزمٍ على هذهِ الحادثةِ قائلاً: وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيفَةَ فَسَاقِطٌ، لِأَنَّهُ مِن طَرِيقِ الوَلِيدِ بنِ جُمَيعٍ – وَهُوَ هَالِكٌ – وَلَا نَرَاهُ يَعلَمُ مَن وَضَعَ الحَدِيثَ فَإِنَّهُ قَد رَوَى أَخبَاراً فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثمَانَ، وَطَلحَةَ، وَسَعدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَرَادُوا قَتلَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَآله – وَإِلقَاءَهُ مِن العَقَبَةِ فِي تَبُوكَ – وَهَذَا هُوَ الكَذِبُ المَوضُوعُ الَّذِي يَطعَنُ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِعَهُ – فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ.

قلتُ : وهذا التّعليقُ ليسَ غريباً مِن ابنِ حزمٍ ولا مِن غيرِه مِـمَّن سلكَ مثلَ هذا السّلوكِ, إذ المعروفُ في تراجمِ الرّواةِ في كتبِ الجرحِ والتّعديلِ أنَّ كلَّ راوٍ نقلَ خبراً ما فيهِ منَ القدحِ على بعضِ الصّحابةِ فألسِنةُ القومِ وأقلامُهم تتناولهُ بعباراتٍ قاذعةٍ, ولكِن ما يَعنينا هُنا ونودُّ التّنبيهَ عليهِ هوَ أنَّ القارئَ المُنصفَ إذا دقّقَ في تعليقِ ابنِ حزمٍ على هذهِ الحادثةِ فسيلاحظُ أنّهُ يذكرُ أنّهُ إطّلعَ على أخبارٍ – وليسَ خبراً واحِداً – عِن طريقِ الوليدِ بنِ جميع تُبيّنُ أسماءَ مَن شاركَ في تلكَ الحادثةِ, ولكن حينَ تبحثُ عَن تلكَ الأخبارِ لا تجدُ مِنها أثراً ولا عيناً, والسّببُ هوَ أنَّ مثلَ هذهِ الأخبارِ كانَت تُخفى وتُمحى منَ الوجودِ عَن عمدٍ ما دامَ فيها قدحٌ في عدالةِ الصّحابةِ, وهذا ما صرّحَ به الذّهبيّ في هذا الصّددِ , في كتابِه (سيرُ أعلامِ النّبلاءِ) في (ج1/ص 49- 50) طبعةُ دارِ الحديثِ, إذ يقولُ: تَقَرَّرَ عَنِ الكَفِّ عَن كَثِيرٍ مِمَّا شَجَرَ بَينَ الصَّحَابَةِ، وَقِتَالِهِم رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَجمَعِينَ، وَمَا زَالَ يَمُرُّ بِنَا ذَلِكَ فِي الدَّوَاوينِ، وَالكُتُبِ، وَالأَجزَاءِ، وَلَكِن أَكثَرُ ذَلِكَ مُنقَطِعٌ، وضَعِيفٌ وَبَعضُهُ كَذِبٌ وَهَذَا فِيمَا بِأَيدِينَا وَبَينَ عُلُمَائِنَا, فَيَنبَغِي طَيُّهُ وَإِخفَاؤُهُ، بَل إِعدَامُهُ، لِتَصفُوَ القُلُوبُ وَتَتَوَفَّرَ عَلَى حُبِّ الصَّحَابَةِ وَالتَّرَضِّي عَنهُم، وَكُتمَانُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَنِ العَامَّةِ، وَآحَادِ العلماء. فتأمّل عبارةَ الذّهبيّ جيّداً وخصوصاً كلامَه (..فَيَنبَغِي طَيُّهُ وَإِخفَاؤُهُ، بَل إِعدَامُهُ..)، لتعرفَ إلى أيّ درجةٍ كانَت الأمانةُ العلميّةُ عندَ أمثالِ هؤلاءِ الذينَ كانوا يفعلونَ بالنّصوصِ والأخبارِ ما يشاؤون!!.

ودمتُم سالِمينَ.

المرصد العقائدي

اقرأ أيضاً فصل في الوليد بن جميع رواي الحديث بين الموثقين له والطاعين فيه وماذا قال فيه علماء علم الرجال :

من هم رجال عصبة الاغتيال في العقبة؟

روى احمد في مسنده قصة العقبة كما يلي :

(حدثنا : يزيد ، أنبئنا الوليد ابن عبد الله بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : لما أقبل رسول الله من غزوة تبوك أمر منادياً فنادى أن رسول الله أخذ العقبة فلا يأخذها أحد فبينما رسول الله يقوده حذيفة ويسوق به عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل غشوا عماراً وهو يسوق برسول الله وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل فقال رسول الله لحذيفة (قد قد )حتى هبط رسول الله , فلما هبط رسول الله نزل ورجع عمار فقال : يا عمار هل عرفت القوم فقال : قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون قال: هل تدري ما أرادوا قال الله ورسوله أعلم ، قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه قال : فسأل عمار رجلاً من أصحاب رسول الله فقال الرجل : نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة فقال : أربعة عشر فقال : إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر فعدد رسول الله منهم ثلاثة, قالوا : والله ما سمعنا منادي رسول الله وما علمنا ما أراد القوم ! فقال عمار أشهد أن الإثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. قال الوليد ، وذكر أبو الطفيل في تلك الغزوة أن رسول الله قال للناس وذكر له أن في الماء قلة فأمر رسول الله منادياً فنادى أن لا يرد الماء أحد قبل رسول الله فورده رسول الله فوجد رهطاً قد وردوه قبله فلعنهم رسول الله يومئذ.)( مسند أحمد ,حديث أبي الطفيل , رقم الحديث :22676) .

الملاحظ في الحديث وفي باقي الاسناد أن الرجل الذي سأل عمارا وهو يشك في نفسه غير معلوم فهل كان صعباً على ناقل الحديث أو كاتبه أن يكتب من هو ذلك الرجل ؟ ثم أن ثلاثة من الذين كانوا مع مخططي الاغتيال حلفوا بالله أنهم لايعرفون شيئا عن خطة الاغتيال وهم الذين عنتهم الاية ( يحلفون بالله ماقالوا) من سورة التوبة التي تقدمت.

مخططو الاغتيال كان عددهم أربعة عشر الى خمسة عشر رجلاً ,وهذا يعني أن هناك تنظيم داخل المسلمين لقتل النبي محمد(ص) وليست العملية إعتباطية ! من هم أولئك الرجال ؟

لنقرأ هذه السطور الاتية ثم يأتينا الجواب بعدها. ان ناقل قصة الاغتيال عن حذيفة بن اليمان هو (الوليد بن عبد الله بن جميع) ,لنتذكر هذا الاسم جيداً في السطور القادمة.

يروي ابن حزم الظاهري المتوفي سنة (456 هجرية ) في كتابه المحلى رواية يذكر فيها حديث حذيفة بن اليمان الذي كان مع النبي يقود راحلته ليلة العقبة . كان راوي حديث حذيفة بن اليمان هو الرواي وليد بن جميع, ووليد بن جميع هو ايضا رواي الحديث في مسند أحمد الذي مر بنا في السطور الماضية. ان وليد بن جميع نقلاً عن حذيفة بن اليمان يذكر أسماء عصبة أغتيال النبي في العقبة ويعد منهم الخلفاء الثلاثة الاوائل ابوبكر وعمر وعثمان وكذلك طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص, لكن هذه المعلومات الخطيرة أسدلت عليها الدولة الحاكمة الستائر ومحتها ولانجدها في عصرنا الحالي في كتب التاريخ والحديث, ولكن بقيت كنتف هنا وهناك تدل على تقصي تلك الاسماء ,ومن هذه النتف قول ابن حزم في كتابه المحلى حيث يقول مسقطاً حديث حذيفة ومتهما وليد بن جميع بالكذب والافتراء لانه ذكر أسماء الحكام والمتنفذين في الدولة! لنقرأ مايقول ابن حزم :

قال ابن حزم في المحلى:(وأما حديث حذيفة فساقط لأنه من طريق الوليد بن جميع وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث؟ فإنه قد روى أخباراً فيها: إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أرادوا قتل النبي وإلقائه من العقبة في تبوك . وهذا هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله واضعه فسقط التعلق به)( المحلى لابن حزم ج 11ص 224, باب الحدود). إن أخبار الوليد بن جميع غير موجودة حالياً ,لكن كتاب المحلى لابن حزم ينقذ المحقق في كتب التاريخ لاستخراج هذه النتفة النادرة , فنكران ابن حزم لرواية الوليد بن جميع بتعريفه لها خلَّدَ تلك المقولة ودل على وجودها وربما كانت موسعة وبتوضيح أكبر في كتب أندثرت .

إن طمع الخلفاء الثلاثة ( ابوبكر , عمر , وعثمان) في اغتيال النبي احتمال وارد, لأن الدافع لذلك هو المصلحة والتربع على عرش الحكم ,وهو ما تم بعد موت النبي كما تقدم في فصل (السقيفة وكيف تمت البيعة), فدافع الجاني هو ما سيجني وماسيُدر عليه من منفعة في فعله . أما أي رجل خامل الذكر من المسلمين ليس له طموح ولا قوة عشيرة فليس من مصلحته اغتيال النبي الا اذا منضما لعصبة توعده بمناصب ومكافئات بعد ذلك. وللتحقيق في حديث الوليد بن جميع نعرض ( الوليد بن جميع) على كتب الحديث وتراجم الرجال لنرى هل حقا هو من الكذابين كما قال بن حزم في المحلى ,لانه إذا كان كاذبا فأن علم تراجم الرجال سيذكره ويذكر أكاذيبه لتمحيص الاحاديث والروايات التي رواها , وسنرى غير ذلك وليس هناك من يُكذب الرجل:

قال ابن حجر في تقييمه للوليد بن جميع : (صدوق ويَهِمُ (يقع في التوهم) يرمى بالتشيع. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي). ونقول أن الرجل روى عنه أئمة الحديث عند الجمهور ولو كان كذاباً لاسقطوه وسموه بالكذاب وابن حجر يقول فيه أنه (صدوق). (الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ج2ص286)

وقال الذهبي في الوليد بن جميع : (وثقه ابن معين والعجلي .وقال أحمد وأبو زرعة: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث .وقال المزي حدث عنه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات )(ميزان الاعتدال للذهبي ج4 ص 337). واذن هو من الثقاة وليس كذابا كما أدعى ابن حزم.

في كتاب تهذيب الكمال في ترجمة الوليد بن جميع : ( الوليد بن عبـدالله بن جميع الزهري الكوفي ، والد ثابت بن عبـد الله بن جميع ، وقد ينسـب إلى جدّه أيضاً . ثمّ نقل عن أحمد بن حنبل وأبي داود قولهما فيه : لا بأس . وعن يحيى بن معين : ثقة ـ وزاد مصحّح الكتاب حكاية الدارمي عن يحيى بن معين ذلك عن ابن محرز ، وزاد : مأمون مرضي ـ وكذلك عن العجليّ . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : صالح الحديث . وقال عمرو بن علي : كان يحيى بن سعيد لا يحدّثنا عن الوليد بن جميع فلمّا كان قبل موته بقليل حدّثنا عنه . وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات ، روى له البخاري في الأدب ، والباقون سوى ابن ماجة)( تهذيب الكمال للمزي ج7 ص474)

المصادر أعلاه جميعا تبرئ الرواي الوليد بن جميع من افتراءات ابن حزم الظاهري عليه, ولم يجد ابن حزم سوى تكذيبه واسقاطه لأن الوليد بن جميع أورد أسماء الذين أرادوا أغتيال النبي محمد(ص) في العقبة وكانت تلك أسماء الصحابة الذين تسدوا مناصب الخلافة والامارة بعد وفاة النبي. إن ابن حزم الظاهري يكذب الرواي بعد أربعمائة سنة من حادثة الاغتيال فكيف ياترى سيكون رواي الرواية في السنين القريبة من وفاة محمد( ص) والدولة قائمة بأيدي المتنفذين ممن ذكرهم الوليد بن جميع؟ حتماً سيكون التعتيم أقوى ولابد أنه محيت معلومات خطيرة وأحرقت كتب كتلك التي لاتتماشى مع سيادة الدولة وتلك التي تشير الى الجناة الذين حاولوا قتل النبي لابعاد وصي الخلافة علي بن أبي طالب عن الحكم و للاستحواذ على دولة كاملة قوية .

 

مركز ظلامة آل محمد الثقافي