"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

«واشنطن بوست»: بطلاها روسيا وتركيا.. هكذا تدخل أرمينيا وأذربيجان حربًا من نوع جديد

 ساسة بوست :

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية مقالًا للكاتب إيشان ثارور، المتخصص في العلاقات الخارجية، سلَّط فيه الضوء على استعانة تركيا وروسيا بالمقاتلين المأجورين أو المرتزقة في الصراعات المشتعلة في سوريا وليبيا، مستشهدًا بالنزاع الأخير بين أذربيجان وأرمينيا ليخلُص إلى أن حروب المرتزقة أصبحت نزعة عالمية تتجه إليها دول العالم في ظل الثورات والحروب الأهلية الفاشلة في المنطقة.

استهل الكاتب مقاله قائلًا: شهد هذا الأسبوع عودة دوران رحى النزاعات الطويلة الأمد والمجمدة بين أذربيجان وأرمينيا، إذ أوردت التقارير أن عشرات الأفراد لقوا حتفهم وسط اشتباكات مستمرة بين قوات تابعة للبلدين في إقليم ناغورني قرة باغ، وهي منطقة جبلية تسكنها العرقية الأرمينية وتحيط بها الأراضي الأذربيجانية.

وتتميز هذه الجولة الجديدة من القتال، التي بدأت في نهاية الأسبوع، بأنها أكثر اللحظات دموية في النزاع بين البلدين منذ تسعينيات القرن المنصرم، عندما نشبت حربًا بين الدولتين الناشئتين في أعقاب استقلالهما عن الاتحاد السوفيتي السابق، على مناطق متنازع عليها حتى تمكنا في عام 1994 من التوصُّل إلى هدنة لوقف إطلاق النار بينهما بوساطة روسية.

اتهاماتٌ متبادلة

وفي هذه الجولة حشدت الدولتان قواتهما المسلحة، وألقت كلتاهما باللائمة على الأخرى في إثارة العنف وقتل المدنيين. وأصبح الوضع أكثر تعقيدًا بعد تدخل تركيا ودعمها أذربيجان بقوة، بل إن هناك مزاعم تفيد بأنها شاركت في الاشتباكات، وهذا على عكس الاضطرابات السابقة التي حثَّت تركيا خلالها كلا البلدين على وقف الأعمال العدائية. وقال مسؤولون أرمينيون: إن «طائرة تركية من طراز إف-16 أَسقطتْ طائرة مقاتلة أرمينية، وهو الاتهام الذي نفاه مسؤولو أذربيجان وتركيا».

وأوضح الكاتب أن اللافت للنظر هو أن كلًا من تركيا وأرمينيا يزعمان أن الطرف الآخر يجلب المرتزقة إلى الخطوط الأمامية للاشتباكات. إذ أفاد تقرير صحيفة الجارديان البريطانية أن شركة أمنية تركية خاصة في أذربيجان جنَّدتْ في الأسابيع الأخيرة مجموعة من المقاتلين السوريين من محافظة إدلب، المنطقة الوحيدة الخاضعة لسيطرة المتمردين حيث تحظى تركيا بنفوذ كبير. وبحسب بعض المصادر الإعلامية، فإن قُرابة 20 فردًا من هؤلاء المقاتلين ربما يكونون قد قتلوا في الاشتباكات الجارية هذا الأسبوع في القوقاز.

انتشار ظاهرة تجنيد المرتزقة

بدورها نَفتْ أنقرة هذه الادِّعاءات وصوَّبت سهام الاتهام إلى الحكومة الأرمينية في يريفان بأنها نقلت أفرادًا ينتمون إلى الميليشيات الكردية من حزب العمال الكردستاني، المُصنف باعتباره منظمة إرهابية في تركيا، للمساعدة في تدريب المقاتلين الأرمنيين في ناغورني قرة باغ. وبغض النظر عن صحة هذه الاتهامات – هناك ثمة أسباب للتشكيك في مصداقيتها، بحسب التقرير – فإنها تتعلق بمنطقة تُمزِّقها المظالم العرقية والعداوات السياسية التي تضرب بجذورها في الأعماق.

ونوَّه الكاتب إلى أن هذه الاتهامات ترمز إلى انتشار ظاهرة ناشئة على نطاق واسع تتمثل في تجنيد المرتزقة على الخطوط الأمامية في جبهات حروب القرن الحادي والعشرين. وأنشأت تركيا بعد كل شيء نموذجًا لتجنيد المقاتلين السوريين في حروبها بالوكالة حينما نقلت المئات منهم إلى ليبيا لمساعدة الحكومة في طرابلس.

عربي

منذ 3 شهور
مترجم: كيف ستبدو الحروب في المستقبل؟ انظر إلى ليبيا

ويُضاف إلى تورط تركيا الواضح في أذربيجان – بحسب الكاتب – مجموعة بارزة من المواجهات الجيوسياسية التي دشَّنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من بينها التدخل في الحرب الأهلية الليبية، ودعمها لموقف المعارضة المسلحة في معقلهم الأخير في شمال غرب سوريا، إلى جانب انخراطها في نزاع بحري حاد في شرق البحر الأبيض المتوسط مع اليونان، والذي جُرَّت إليه فرنسا وحكومات أوروبية أخرى، فضلًا عن خوض تركيا معارك طويلة الأمد مع الانفصاليين الأكراد على طول حدود سوريا والعراق.

تركيا ليست الوحيدة في جلب المرتزقة

واستشهد الكاتب بما ذكره زملاؤه الباحثان كريم فهمي وزكريا زكريا في تقرير لهما نُشِر وقت سابق من هذا العام في صحيفة «واشنطن بوست»، حين قالا: «إن تركيا جنَّدت معظم المقاتلين السوريين في ليبيا، وترعى بعض الميليشيات المعارضة لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد داخل سوريا، إلى جانب أنها الداعم العسكري الرئيس لحكومة الوفاق المعترف بها من الأمم المتحدة.

بيد أن أنقرة ليست وحدها التي تجلب المرتزقة إلى الجبهات الأمامية للاشتباكات، إذ نشرت مجموعة فاجنر، وهي شركة أمنية روسية خاصة على صلة بالكرملين، مرتزقة على نطاق واسع في ساحات القتال حول العالم، بداية من شرق أوكرانيا وسوريا وصولًا إلى ليبيا. ويشارك بعض المقاتلين السودانيين في الحروب الأهلية المشتعلة في اليمن وليبيا بوصفهم قوات مشاة بدعم وتمويل من الإمارات العربية المتحدة في الغالب.

وأخبرني زملائي الباحثون – يقول الكاتب – أن مئات السوريين المتحالفين مع نظام الأسد وداعميه من الروس جُنِّدوا وأرسلوا إلى ليبيا لدعم القائد الليبي المُجرم خليفة حفتر، والذي تصدَّت حكومة الوفاق الوطني لاعتداءاته بنجاح بمساعدة تركية في وقت سابق من صيف هذا العام.

عروضٌ سخية لا يمكن تفويتها!

وتجدر الإشارة إلى أن تقريرًا للأمم المتحدة تتبع هذا الشهر حوالي 338 رحلة شحن عسكرية روسية قادمة من سوريا إلى ليبيا لدعم مجموعة فاجنر الروسية، والتي تقاتل في ليبيا نيابة عن حفتر، وذكر التقرير أن روسيا، والإمارات، وقطر، وتركيا، والأردن، جميعهم ينتهكون قرار حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا من خلال تزويد الأطراف المتنازعة في القتال بالمعدات والإمدادات العسكرية.

ويرى الكاتب أن المواطنين السوريين العاديين أضحوا مثل الدُمَى في هذا النزاع الإقليمي. ونقل الكاتب عن تقرير زميليه فهمي وزكريا أنه «في الوقت الذي ينهار فيه الاقتصاد السوري وعملته من الصعب أن يُفَّوت المقاتلون المحتملون العروض المالية السخية المقدمة إليهم للتوجه إلى ليبيا، والتي تتضمن رواتب تصل قيمتها إلى ألفي دولار شهريًا، و500 دولار لعائلاتهم الموجودة في سوريا، مع وعود بالحصول على تعويضات تُقدَّر بعدة آلاف من الدولارات في حال الوفاة».

وقبل خمس سنوات فقط كان يُنظر إلى انهيار سوريا والصعوبات الاقتصادية التي ترزح فيها بأنهما حافزان للمسلحين الإسلاميين الذين يتوافدون على الفوضى الناجمة من الحرب السورية. لكن بعض هؤلاء المقاتلين في الوقت الراهن يُزَج بهم في صراعات جديدة تُشعلها الدول القومية المتنازعة.

نزعة عالمية وملاذ جديد

يرى فريدريك ويري، زميل بارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن انتشار المقاتلين السوريين في مناطق مثل ليبيا يعكس «توجهًا عالميًّا نحو الاستعانة بقوة عسكرية خارجية من خارج حدود الدولة والذي يرجع في جانب منه إلى توافر المقاتلين الرحالة والمأجورين بسبب الثورات والحروب الأهلية الفاشلة في أفريقيا والشرق الأوسط، وتزايد أعداد الشركات العسكرية الخاصة».

وخلُصَ الكاتب في ختام مقاله إلى أن هؤلاء المرتزقة ربما يجدون ملاذًا جديدًا في المعارك المشتعلة في ناغورني قرة باغ هذا الأسبوع. وحثَّ المسؤولون الروس كلا البلدين على وقف إطلاق النار وتهدئة التوترات، لكن الخبراء يخشون من تصاعد الأوضاع مع إخلال تركيا لتوازن القوى الدقيق. وربما تجد أنقرة وموسكو نفسيهما في مواجهة بعضهما البعض في نزاع ثالث بالوكالة إذا امْتدَّت الاشتباكات الأذربيجانية الأرمنية إلى ما وراء إقليم ناغورني قرة باغ.

وفي هذا السياق، تحدث المحلل التركي سنان أولجن إلى صحيفة فاينانشيال تايمز قائلًا: «إذا امتد هذا الصراع إلى أجزاء أخرى جغرافيًّا… فإن ذلك سيُفضي إلى سلسلة من النزاعات الأكثر خطورة بين تركيا وروسيا، والتي ستشهدها مسارح الصراع الراهنة في سوريا وليبيا».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».