يخال للمتابع للشأن اللبناني هذه الايام ان الامور تعقدت على الصعيدين السياسي والامني، وان الازمة الاقتصادية والمعيشية تزاوجت مع ما هو اخطرعلى مصير لبنان وان البلاد تندفع بسرعة نحو الفوضى على وقع استقالات للنواب وبعض الوزراء والعنف المتصاعد في الشارع والاتهامات السياسية ومطالبات نتائج التحقيق الجنائية في حادثة انفجار مرفا بيروت.
لكن في نظرة فاحصة الى كواليس المشهد قد تعطي نتائج وتقييم مغاير لهذه الصورة القاتمة، نقطة البداية في فهم المشهد الراهن في لبنان تنطلق من الموقف الفرنسي والامريكي الجديد كليا في مقاربة الواقع في لبنان. التسريبات اليوم في بيروت تقول ان الرئيس الفرنسي رفض عقد اجتماع بشكل منفرد مع قوى الرابع عشر من اذار اي القوى المناوئة لحزب الله، وهذا يعني ان فرنسا غير معنية في الوقت الراهن باي تصعيد مع حزب الله.
وما يعزز ذلك ما نقل عن الرئيس الفرنسي قوله في الاجتماع الذي ضم كل الاقطاب السياسيين في لبنان حيث قال ماكرون “اهمية هذا اللقاء انكم موجودون جميعا لكن الاهمية تزداد بوجود حزب الله في هذا الاجتماع”.
وحسب التسريبات قام ممثل حزب الله في الاجتماع بنقل تحيات الامين العام للحزب السيد نصرالله الى الرئيس الفرنسي وقام الاخير برد التحية. انطلاقا مما دار في هذا الاجتماع فان فرنسا لم تتلاقى مع قوى سياسية محلية مناوئة للحزب ووجدت في الانفجار فرصة لتحقيق انقلاب سياسي مدعوم بحملة دولية يضع حزب الله في الزاوية.
وهذا التحول في التعاطي الفرنسي والتحول في الموقف الدولي هو ما يفسر الخطاب الهادئ للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فالامين العام لحزب الله كان غاضبا من كم الاتهامات والافتراءات والتزوير الذي لحق بالحزب عقب الانفجار، ولكنه وفق المعطيات الجديدة وجد حزب الله ان الامور لا تسير وفق ما تشهتي سفن خصومه في الداخل فاثر ضبط النفس والتعاطي بهدوء مع الحملة الداخلية ضده.
تسريبات اخرى تقول ان فرنسا اعطت مهلة شهر للقوى السياسية اللبنانية لاجراء اصلاحات سياسية واقتصادية وفي صلب هذه الاصلاحات تشكيل حكومة وحدة وطنية يشترك فيها الجميع واجراء انتخابات نيابية مبكرة على اساس قانون انتخاب عصري. وبالتوازي اجرى الرئيس الامريكي اتصالا بالرئيس ميشل عون وابدى استعداد امريكا للانخراط في مساعدة لبنان على تجاوز الازمة.
وتؤكد عدة مصادر لبنانية ان الموقف الامريكي تغير استجابة لمطالب فرنسية لتغيير واشنطن مقاربتها للوضع في لبنان وتخفيف الضغط الكبير الذي تمارسه الادارة الامريكية على لبنان. عدا عن رفض الرئيس الفرنسي لفكرة التحقيق الدولي، واعلان واشطن ان ما جرى هو حادث وليس عملا مدبرا. وفق هذه المعطيات كلها تلقت القوى المناوئة لحزب الله وللرئيس ميشيل عون صفعة. وفشلت محاولة استغلال الكارثة لتدويل الحادث والزج بقوى دولية في مواجهة حزب الله و رئيس الجمهورية والحكومة.
لم تكن خيبية تلك القوى المحلية بالموقف الدولي هو من دفعها للتصعيد في الشارع امس السبت، انما لان تلك القوى باتت تعلم ان ثمة تغييرات واصلاحات قادمة وبالتعاون مع رئيس الجمهورية وبمشاركة حزب الله، وبانخراط الجميع. وهذا يعاكس مطلب تلك القوى في اسقاط عهد الرئيس عون والاستفادة من استراتيجة الضغوط الامريكية على حزب الله. وبات عليهم ان ينخرطوا هم ايضا في التغيير السياسي ضمن ما يعرف بالعهد، لذلك كان لابد من تحركات تصعيدية في الشارع كي تبدو تلك الاصلاحات نتيجة ضغوط داخلية وضغط الشارع وليست خطة طريق باشراف فرنسي بالتعاون مع كل جميع القوى بما فيها حزب الله.
رئيس الحكومة االلبنانية حسان دياب نطق بكلمة السر في خطابة القصير امس عندما قال ان الحكومة ستبقى شهران الى حين ان تتفق القوى السياسية على حكومة وحدة وطنية، طارحا الانتخابات النيابية المبكرة كاقتراح منه، بينما سواء اقترح الرئيس دياب ام لا فان هذا ما هو مرتب له ومتفق عليه مع الفرنسيين ضمن خريطة طريق للاصلاح في البلاد. وما ان كشف دياب عن عمر حكومته القصير المتبقي توالت الاستقالات للوزراء المحسبوبين على قوى سياسية متعددة، اولا لانهم باتوا على علم ان عمر الحكومة قصير وان عليهم ان يستقيلوا قبل انتهاء عمر الحكومة كي تبدو الاستقالة استجابة لمطلب الشارع، وكي تستفيد تلك القوى السياسية التي ينتمي اليها الوزراء انتخابيا في الانتخابات المبكرة القادمة. النواب الذين استقالوا كانت لهم الاسباب الانتخابية نفسها. بالاضافة الى تصوير التغييرات المقبلة بانها اتت على وقع انهيار الحكومة ومجلس النواب وليست تغييرات تم الاتفاق عليها بوجود الحكومة والرئيس، اضطلاع القوى السياسية كافة.
في لبنان ثمة انفراجة كبيرة وواضحة تجري رغم المأساة الكبيرة ورغم قتامة المشهد، انفراجه على مستوى الانفتاح الدولي وانفراجة اقتصادية بدأت تتضح ملامحها مع هبوط سعر صرف الدولار امام الليرة بشكل تدريجي وبدا وصول المساعدات الدولية واقتراب البدء بإعادة اعمار بيروت.