كتب الدكتور “جاك واتلنج” ، الباحث في معهد الفكر الملكي البريطاني “روسي”: “في الأيام التي تلت اغتيال الفريق قاسم سليماني ، كان السؤال الرئيسي الذي شغل بال المحللين هو متى وأين وكيف سترد إيران”. كان من المتوقع أن تنتظر إيران الوقت المناسب ثم تسعى لقتل الأمريكيين بطريقة تمنع تصاعد التوترات ، وكانت سوريا والعراق وأفغانستان المناطق الرئيسية المرشحة لبدء الصراع. ولم يكن هناك الكثير ليقال عن التوقيت ، إلا أنه سيكون بعد الانتخابات البرلمانية الإيرانية. حيث يعتقد باحث إسرائيلي أنه يجب الاهتمام بالمناسبات السنوية.
ففي 11 مارس ، المصادف ليوم عيد ميلاد اللواء قاسم سليماني الـ63 ، أصابت صواريخ الكاتيوشا مخيم التاجي في شمال بغداد. حيث أصاب 18 صاروخ المخيم مما أدى الى مقتل أمريكيين وطبيب بريطاني ، وإصابة 14 آخرين. وأعقب ذلك أربع هجمات صاروخية ، بما في ذلك الهجوم على معسكر التاجي والذي استمر على طول اليوم ، والهجوم الاخر على معسكر بسماية. تم إطلاق الكاتيوشا من المركبات المدنية وقاذفات الصواريخ المنتشرة مسبقًا ، مما يشير إلى أن الهجوم كان مخططًا ومنسقًا من قبل. وأعلنت جماعة جديدة تعرف باسم عصبة الثائرين (مجموعة ثورية) مسؤوليتها عن الهجوم عبر قناة إعلامية تابعة لحزب الله العراق ، فيما يبدو أن المسؤولين عن العملية هم أعضاء في حزب الله.
كانت الاستجابة الأمريكية الفورية سيئة التخطيط ولم تسفر عن النتائج المرجوة. وبعد الهجوم الصاروخي الأول على معسكر التاجي ، استهدفت الطائرات الحربية الأمريكية أهدافًا لمواقع حزب الله في 13 مارس ، لكنها لم تكن قادرة على إيذاء شبه العسكريين، لكنها أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود عراقيين واثنين من رجال الشرطة ومدني. كما ان العراقيون الآن يقدمون الضحايا من كلا الجانبين. وبعد ذلك انسحبت القوات الأمريكية من القائم والقواعد الأخرى ، مما قلل من عدد الأهداف واطلاق الأنظمة الدفاعية النقطوية لحماية أفرادها.
وسيكون من الصعب جداً الحد من هذه الهجمات ، قبل شهر أكتوبر 2019 ، كانت إيران تسيطر وتتحكم بقوة في ممثليها لأنها تخشى أن تؤدي الهجمات غير المنسقة إلى زيادة التوترات غير المُدارة بينما تنفذ طهران هجماتها على مرافق النفط والحمل والنقل.
لذلك في ذلك الوقت ، كان يمكن اعتبار هجمات المجموعات العراقية نتيجة لتغيير في السياسة الإيرانية ، وقد أوضحت الولايات المتحدة الامريكية أن إيران ستكون مسؤولة عن مثل هذه الأعمال. لكن بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني ، أعلنت طهران أنها لن تقوم بتدريب ممثليها ، ولكنها في ذات الوقت لن تحاول منع أفعالهم المستقلة ، وبالنسبة لكثير من حلفاء سليماني السابقين ، فإن الانتقام لاغتياله هو أمر شخصي ، بالإضافة إلى أن كتائب حزب الله العراق حريصة على تسوية حسابها مع الولايات المتحدة الامريكية فيما يتعلق باغتيال قائدهم أبو مهدي المهندس ، ولذلك ، لا توجد آلية واضحة لتحميل المسؤولية عن الهجمات الأخيرة على العراق وطهران.
كما أن الهجوم الانتقامي على المجموعات العراقية سيكون محفوفًا بالمخاطر ، حيث ان قوات الحشد الشعبي تشمل على كتائب حزب الله ، وعصائب أهل الحق ، وعناصر أخرى من عصبة الثائرين قريبة من الجيش والشرطة العراقية ، ولها مكاتب في مناطق مدنية عالية الكثافة ، وإن قتلهم سوف يتسبب في توريط العراقيين في تبادل لإطلاق نار متقطع ، الأمر الذي سيزيد بدوره الضغط على ضرورة سحب القوات الامريكية من العراق ، وهذا هو بالضبط ما يحاول عصبة الثائرين تحقيقه.
ومع ذلك ، يشعر الكثير من العراقيين بقلق عميق حيال تراجع القوات الدولية ، وفي المقام الأول ، فإن فقدان الاستخبارات والدعم الهادف يقلل بشكل كبير من قدرة العراق على مهاجمة فلول داعش. حيث ان تنظيم داعش لن يعود إلى شكله السابق ، لكن من المرجح أن يتحول القتال ضده من الهجمات على مخبأهم في الجبال إلى هجمات في الشوارع العراقية.
وبالإضافة إلى ذلك ، إذا تم التنازل عن العراق لإيران ، فلن يكون هناك ما يدعو واشنطن لعدم قطع إعفاء العراق من الواردات من إيران وعدم فرض عقوبات عليها ، وستكون هذه كارثة اقتصادية لبغداد ، خاصة مع تحرك أسعار النفط إلى 20 دولاراً للبرميل الواحد وخلق فجوة كبيرة في الميزانية العراقية ، وقد لا يعترف العديد من العراقيين بذلك علناً ، لكن العديد من المسؤولين استسلموا للحاجة إلى بقاء قوات التحالف في محافل ومناسبات خاصة.
لذلك نحن في منعطف حرج وسيتم قتل قوات التحالف طالما استمرت المنافسة ، إما أنهم سيقتلون أو سيتمركزون في عدد صغير من القواعد ولن يكونوا قادرين على تنفيذ أي عمليات مهمة ، وإذا كانت الولايات المتحدة الامريكية تريد تعزيز موقفها ، فيجب أن يكون لديها رؤية واضحة لما تنوي تحقيقه وما إذا كانت هذه الرؤية تستحق التكلفة أم لا.
ويثير تصاعد العنف أسئلة أساسية لبريطانيا. بريطانيا لها مصالح وعلاقات في العراق مستقلة عن الولايات المتحدة ، وعلى الرغم من أن القوات البريطانية في خطر بسبب قربها من القوات الأمريكية ، إلا أنها لم تكن مستهدفة على وجه التحديد ، على عكس الولايات المتحدة ، لم تتعرض السفارة البريطانية حتى الآن ولو لصاروخ واحد ، ولأن الولايات المتحدة الامريكية تقوم إما بتعزيز وجودها أو إضعافه ، يجب على بريطانيا أن تقرر ما هي أفضل طريقة لتحديد مواقع قواتها وإلى أي مدى يمكن أن تبقى بعيدة عن واشنطن. لذا فمن المنظور العسكري البريطاني ، من الضروري إجراء تقييمات دقيقة حول استمرار أمن وجود الجيش البريطاني في المنطقة.
وفي حال لم تنسحب الولايات المتحدة بالكامل من العراق ، فمن المتوقع أنه بينما ستزيد إيران من ضغوطها السياسية ، ستستمر الهجمات على القوات الأمريكية. وفي الوقت نفسه ، فإن خطر وقوع هجوم كبير أو رمزي على الولايات المتحدة لا يزال مرتفعاً ، بالنسبة للسفارات الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة. فان عملية الانتقام للواء قاسم سليماني قد بدأت للتو.