بهدوءٍ وبدون ضجّةٍ بتاتًا، تتغلغل إسرائيل في الوطن العربيّ عن طريق شبكات التلفزيون في إطار المعركة غير المُنتهية على كيّ الوعي العربيّ واستدخال الهزيمة في قلوب وعقول الناطقين بالضاد، وللأسف الشديد فإنّ ما يُطلَق عليها لجان مقاومة التطبيع لم تنتبه إلى هذا الاختراق الصهيونيّ الخطير، فقد قال كاتبٌ إسرائيليٌّ إنّ “مسلسل “فوضى” الإسرائيليّ الذي احتل الشاشة التلفزيونيّة الإسرائيليّة والعالميّة عن طريق شبكة (NETFLIX)، بدأ ينتقل إلى الوطن العربيّ، ويحقق مشاهدات كبيرة، رغم أنّ المسلسل يحاكي نشاطات قوات المستعربين التابعة للجيش والشرطة بكيان الاحتلال، ويدخل موسمه الثالث في شبكة التلفزيون العالميّة (NETFLIX)، وبات يحقق معدلات قياسية في دول عربية عديدة، مثل لبنان وسوريّة والأردن، طبقًا لأقواله
وأضاف المُستشرِق حيزي سيمانطوف، مُحلِّل الشؤون العربيّة في القناة الـ13 بالتلفزيون العبريّ، أضاف أنّ المسلسل الذي أنتجته شركة التلفزيون (YES) يشهد رواجًا غير مسبوق في عصر جائحة الـ”كورونا”، لأنّ غالبية الناس في منازلهم، والموسم الثالث بدأ لتوه، ما جعل المسلسل يحقق معدلات مشاهدة قياسية في العالم العربي، حتى أنّه وصل المرتبة الأولى في لبنان، والثالثة في دولة الإمارات، والسادسة في الأردن، من جهة معدلات المشاهدة
عُلاوةً على ذلك، لفت المُستشرِق الإسرائيليّ إلى أنّ معدلات المشاهدة التلفزيونية في الوطن العربيّ تصل هذه الأيام نسبًا وأرقامًا قياسيّةً، خاصّةً في ظلّ أزمة فيروس الـ”كورونا” العالمية، وسياسة الحجر الصحيّ والإغلاقات التي تتبعها الدول العربية، حتى أنّ زيادة معدلات مشاهدة المسلسل الإسرائيلي في الوطن العربيّ بهذه الأرقام فاجأت منتجي المسلسل الإسرائيليّ، كما أكّد المُحلِّل سيمانطوف.
ونقل عن آفي يسسخاروف، أحد منتجي المسلسل، قوله إنّه قام بتحليل هذه البيانات، واعتبر أنّ جزءًا من رواج المسلسل الإسرائيليّ في الوطن العربيّ يعود إلى اللغة العربية المستخدمة في المسلسل، وبين أبطاله وممثليه، وربمّا لأننا نعرض جانبي القصة في المسلسل، وليس جانبًا واحدًا، الفلسطيني والإسرائيلي، على حدّ زعمه.
وأكّد أنّ حالة الـ”كورونا”، ومكوث غالبية المشاهدين العرب في منازلهم، وليس لديهم ما يقومون به سوى المشاهدة، دفعتهم لمتابعة “فوضى”، حتى لو كان المقصود مسلسلاً إسرائيليًا، إلى درجة أن الممثل الرئيسي في المسلسل ليئور راز اعتبر أنّ معدلات مشاهدة المسلسل في الوطن العربي بهذه النسب العالية أمر بالغ التأثير، وربما يكون المسلسل أول تواصل لنا مع الجمهور العربي الذي نفتقر لأي وسيلة تواصل معه، كما قال.
وأكّد أنّ انتشار مسلسل “فوضى” الإسرائيلي أثار في الوطن العربي ردود فعل متناقضة، جعلها مثار نقاشات حادة في الصالونات الفكرية والفنية العربية، ودعوات لأولياء الأمور للتنبه جيدًا لما يشاهده أبناؤهم، خشية على أفكارهم، خاصة أنّ هذا المسلسل الإسرائيلي يعرض الإنسان الفلسطيني على أنّه خائن لوطنه، في المقابل شكل المسلسل فرصة لإثارة الفضول حول بعض الظواهر التي بقيت طي الكتمان سنوات طويلة، طبقًا لإدعاءاته.
ولفت إلى أنّ الموسم الثالث من المسلسل يتحدث عن اختطاف اثنين من الإسرائيليين في قطاع غزة، واحتجازهم لدى (حماس)، وطالما أن شهر رمضان يقترب، فمن المتوقع أنْ تتزايد معدلات مشاهدة المسلسلات الرمضانية بمئات الملايين من المشاهدين، خاصة هذا العام، بسبب الـ”كورونا”، دون أنْ يتصور أحد أنْ يكون أحد هذه المسلسلات هو (فوضى) الإسرائيليّ، كمال قال.
ويشير نقاد إلى أنّه من المَشروع عمل مسلسل أوْ فيلم سينمائي أوْ فيلم وثائقي حول أيّ قصة وأيّ فظائع تحدث أوْ حدثت في العالم، ولكن مسلسل (فوضى) لا يستحق أنْ يوضع تحت أيّ بند ضمن هذه القائمة، لأنّ المسلسل مكتوب من قبل الجناة أوْ المجرمين أنفسهم. إذْ إنّه مسلسل عن جرائم حرب كتبه شخصان متورطان ومشاركان بهذه الجرائم (من خلال عملهما السابق في وحدة المستعربين)، وهذا ليس وضعًا طبيعيًا تحت أيّ سببٍ أوْ منطقٍ، وأضافت إحدى النقادات، وهي عربيّة فلسطينيّة، أنّ المسلسل، بحسب تقرير لصحيفة (هآرتس) العبريّة، يهدف إلى تجميل الجوانب الأكثر بشاعة للاحتلال الإسرائيليّ، مؤكِّدةً أنّ بعرض المسلسل على شبكة دولية مثل (NETFLIX) هو نوع من التطبيع والموافقة بشكلٍ ضمنيٍّ على عملية التطهير العرقي للفلسطينيين.
وخلُصت إلى القول: تخيَّل لو أنّ اثنين من رجال الشرطة الأمريكيين البيض الذين شاركوا في تعذيب وقتل الأمريكيين من أصل أفريقي انتهى بهم الأمر إلى كتابة مسلسل حول “بطولاتهم” المزعومة، وتحقيق نجاح دولي، وإشادات من قبل النقاد بسبب الكتابة السينمائية المميزة، إنّه أمر مثير للاشمئزاز، على حدّ قولها.
ونختتِم الحديث بالقول الفصل إنّ مُشاركة ممثلين من فلسطينيي الداخل بالمسلسل الإسرائيليّ “فوضى” أضفى عليه بُعدًا أخلاقيًا إضافيًا، مع أنّ المسلسل وَمَنْ قام بإنتاجه يبعدون ألف سنةٍ ضوئيّةٍ عن الأخلاق، وهذه الخطوة خطيرة جدًا لأنّه حتى اليوم لم نشهد تنسيقًا وتعاونًا بين الجلّاد والضحيّة، كما نعيش ذلك منذ اتفاق “أوسلو” المنكود 1993، وهكذا بفوضى أوْ بدونها يُواصِل الإسرائيليون دخول بيوتنا وصالوناتنا، دون حسيبٍ أوْ رقيبٍ، مع أنّ النظام العربيّ الرسميّ، الذي يُغلِق وسائط التواصل الاجتماعيّ، قادرٌ، نعم قادرٌ على منع هذه القاذورات الثقافيّة من انتهاك خصوصيتنا عن سبق الإصرار والترصّد، وتحطيم المُحطِّم وتجزئة المُجزّأ.