"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

ردا على تصريحات سفير الصين فى القاهرة: ما هو الإرهاب الذى تحاربه الصين مع مصر؟!

راي اليوم :

السفير د. عبدالله الأشعل :

قضيت خمس سنوات مستشارا قانونيا لمنظمة المؤتمر الإسلامى بعد خدمتى الدبلوماسية فى القنصلية المصرية فى الرياض وفى بعثة رعاية المصالح المصرية فى جدة وذلك طوال  ثمانينات القرن الماضى. وكان من أهم وظائف المنظمة هى رعاية الاقليات الإسلامية فى الدول غير الإسلامية وكانت تجربة مسلمى الفلبين هى التى ظهرت فى هذه الفترة كما ظهرت أزمة الرسوم المسيئة لرسول الأمة فى الدنمارك ولم تكن مشكلة الايجور أو مسلمى بورما قد ظهرت فى ذلك الوقت وكانت المنظمة تعتبر أن الاقليات الاسلامية فى الدول غير الإسلامية مواطنين فى هذه الدول وليس لهم الحق فى الانفصال وتهديد الوحدة الاقليمية لهذه الدول ولذلك اتجه ضغط المنظمة على حكومة الفلبين للحوار مع الثوار المسلمين وتعديل دستور البلاد بحيث يستوعب حقوق المواطنة لهذه الاقلية وهى اقلية اساسية فى العدد ومن أبناء الفلبين وليست أقلية مهاجرة وقد استجابت حكومة الفلبين لجهود المنظمة التى بذلتها من خلال أربعة أعضاء  وهذه الدول كانت تشكل دبلوماسية فعالة لحماية الاقليات الاسلامية مع الاعتراف بأن هذه الاقليات يجب أن تتمتع بحقوق المواطنة.

وقد تداول العالم منذ 2011 عددا من التقارير الكثيفة حول معاناة الايجور وربما يرجع السبب المباشر فى هذه المعاناة إلى عدد من العوامل المرتبطة بالصين والمرتبطة بهذه الاقلية وكذلك المرتبطة بظروف الثورات العربية. ففيما يتعلق بالصين فإن النظام الشيوعى فيها هو الذى ضم إقليم تركستان الشرقية وحصلت روسيا على الجزء الغربى من تركستان ثم أحكم النظام الشيوعى كالعادة قبضته على الاقليات القومية والدينية حتى يظل الرباط الشيوعى هو عنوان الدولة والانتماء إليها ولكن هذه النظرية لم تكن تطبق بقسوة فى الصين حتى قامت الثورات العربية وتصدرتها التيارات الإسلامية التى بعث ظهورها برسالة سلبية فى كل الاتجاهات فتجدد أمل الايجور فى الاستقلال عن الصين ونسيت هذه الاقلية أن المد الإسلامى لن يستمر وإنما ستنقض عليه قوى أخرى حتى تستغل براءته وسذاجته وغروره حتى تحكم القبضة على البلاد خوفا من التيار الإسلامى الذى أزعج الكثيرين وترك هذا الانزعاج ثم تم التنكيل به هكذا رأينا فى بورما وفى الصين وفى دول أوروبية وكذلك فى الحروب السوفيتية الأمريكية التى ساند فيها التيار الإسلامى ضد موسكو خاصة فى افغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفو وهو ما دفع موسكو وبيكن إلى معاداة التيار الإسلامى الذى يهدد وحدتها الإقليمية ويستخدم اداة فى يد واشنطن فى الصراع ضدهما.

 هذه هى الخلفية التى نفهم بها تصريحات سفير الصين فى القاهرة ردا على الحملة الشعبية فى مصر التى تدعوا إلى مقاطعة الصين ومنتجاتها بسبب سياسات الابادة التى تمارسها على الايجور. ولكن لنا على هذا التصريح ملاحظات

أولها أن هذا التصريح الذى ربط بين مصر والصين فى مكافحة الإرهاب أوحى بأن الصين التى تضطهد المسلمين بسبب إسلامهم وليس بسبب أفعال بعض منهم تتسق مع الخط المصرى الذى يفترض التصريح أنه يعادى المسلمين فى مصر والعالم وهذا اتهام يفارق الواقع كما لايليق بسفير دولة عظمى أن يورط الحكومة المصرية فيما لا ترضاه وكان يقتضى من الحكومة أن توضح للرأى العام حدود التعاون بين مصر والصين فى هذا الملف. وثانيها هو أن هذا التصريح الذى لمس مسألة حساسة فى مصر بسبب الصراع السياسى على السلطة فى قول وفى قول آخر أن التيار الإسلامى يهدد الدولة وأن ما حدث هو حرص على الدولة ضد الإرهاب وهذه قضية يختلف المصريون فيها كما أنها تقفز على الحقيقة فى الصين وهى أن المسلمين بدلا من احتوائهم والاعتراف بحرية العقيدة لهم تم دفعهم إلى الحائط والإرهاب ردا على إرهاب الدولة الصينية وثالثها أن الإرهاب ليس دينا ولا يعتبر أتباعه المارقون ممثلين أو حجة عليه ولذلك لماذا لا نطلق على المتطرفين المسيحيين أنه إرهاب مسيحى وعلى المتطرفين اليهود أنه إرهاب يهودى علما بأن موسى وعيسى ومحمد أبرياء ممن خرج على رسالتهم ومارس الإرهاب ضد شعوب مسالمة ربما بسبب ظلم هذه النظم أو محاربتها للعقائد وعندما اتجه رجال المذهب البوذى فى بورما أو السيخ فى الهند لاضطهاد المسلمين فى بورما والهند اعتبر انتهاكا لدساتيرهم وحقوق المواطنة فى هذه الدساتير ولكن لا يمكن أن يطلق عليه الإرهاب البوذى أو السيخى فلماذا تطلقون على من لا يعجبكم من المسلمين الذين دفعتهم سياساتكم إلى أعمال إرهابية بأنهم إرهابيون وأن الإسلام نفسه يحض على الإرهاب كما لايمكن أن نصف عقيدتكم فى الصين بأنها الدافع إلى إبادة المسلمين عندكم وإذا كنتم تبررون الابادة ضد المسلمين بالمذهب الشيوعى فقد سبق للغرب أن انهى المذهب الشيوعى فى روسيا من خلال تحريض الاقليات القومية والدينية للمطالبة بحقوقهم وأعلم أن الصراع الأمريكى الصينى العالمى يشكل عاملا مهما فى سلوككم كما نعلم مدى حساسية الصين لقضايا حقوق الإنسان منذ مذبحة ميدان تياننمن أو الميدان السماوى ولكن حساسيتكم اتجاه حقوق الإنسان واتجاه تدخل واشنطن بهذه الذريعة لمحاربتكم لا تبرر مطلقا أعمال الابادة ضد كل المسلمين فى الصين ولذلك فعليكم واجبات وعلى زعماء المسلمين فى الصين واجبات ويجب الحوار والتوصل إلى تسوية ترضى الطرفين.

ورابع هذه الملاحظات هى أن تصريحات السفير كان يجب أن ترد على الانتقادات لا أن تقفز عليها كما كان يجب أن يدلى بها المستشار الإعلامى أو الثقافى وأن يدخر السفير نفسه لاقناع الحكومة المصرية بما يريد وخامس هذه الملاحظات هى أن الإعلام المصرى انحاز إلى الصين ضد المسلمين ظنا منه أنه يرضى السلطة  ولكن فى الواقع هو يورطها لأن الحكومة المصرية تدير دوله لها تاريخ إسلامى عريق وأنها لايجوز أن تتخلى عن حقوق المسلمين المضطهدين فى الصين وأن تكون سباقه كما كان فى السابق إلى ترشيد ردود الفعل الحكومية وخاصة فى اطار منظمة التعاون الإسلامى للتفاهم مع الصين على حلول لهذه المشكلة وأن ترك هذا الموضوع لن ينهى الانتقادات ضد الصين وكذلك مقاطعة بضائعها مادام الأمر قد ترك للشعوب ولايجوز للحكومة المصرية ولاالمنتقدين لها أن يدخلوا مأساة الايجور ضمن الصراع السياسي الحالى فى مصر وليس الإسلاميون فقط هم الداعمين لحقوق الإنسان المسلم الصينى فتلك قضية عالمية تخص الإنسان قبل أن يكون مسلما ولا يجوز التوقف عند بعض الأصوات التى تقلل من هذا التوجه بحجة أن المسلمين مضطهدون فى بلادهم فليست التيارات الإسلامية هى التى تشكل رمزا للاسلام والدول الإسلامية وإنما هم فريق من الشعب زج بالإسلام بسببهم فى اتون الصراع الداخلى والدولى.

وسادسها أنه لايجوز للإعلام المصرى أن يتذرع بإنحيازه للجلاد ضد الضحية بأن الايجور أصلهم أتراك وذلك لكى يتسق مع الخط الرسمى المعادى لتركيا ويظن بذلك الجهل أنه يصرف المراقبين لهذه المسألة عن البحث عن دوافع الإعلام والسلطة فى مصر لهذا الموقف الغريب والأولى أن يطالب الإعلام وهو قطعا إعلام السلطة بالتحقيق الدولى لاستجلاء الحقيقة فى هذه المسألة رغم أن كافة التقارير وردود الصين نفسها تقطع بأن هناك إبادة للمسلمين. الملاحظة السابعة والاخيرة هى أن رد سفير الصين ينطوى على اعتراف حكومته بأنها تبيد المسلمين وأنها تصنفهم على أنهم عدو إرهابى للصين، وهذه المسألة تحتاج إلى مراجعة جدية من جانب الحكومة الصينية وإلى تحرك من جانب منظمة التعاون الإسلامى أما الانصراف عن المسألة نكاية فى تركيا أو فى غيرها من المتعاطفين مثل ماليزيا مع الايجور فهذه مراهقة سياسية لاتليق بالدول العظمى أو الدول الوسطى كمصر.

المستشار القانونى الأسبق لمنظمة المؤتمر الإسلامى