"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

سر السكون المريب لعناصر داعش المنتشرين في أوكرانيا

عربي بوست : 

ألقت أوكرانيا القبض على واحدٍ من أخطر الإرهابيين الدوليين في العالم الشهر الماضي، خلال عملية خاصة نفّذتها القوات الخاصة المحلية والجورجية والأمريكية، هو البراء الشيشاني الذي يعد واحداً من مئات من مقاتلي داعش الموجودين بأوكرانيا.

واعتُقِلَ البراء الشيشاني، الزعيم السابق لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ونائب رئيس عملياتها الاستخباراتية، على مشارف كييف. وكان الشيشاني يُعتبر في عداد الأموات منذ أكثر من عام، لكنّه كان مُختبئاً هناك من أجل الإعداد للهجمات الإرهابية الدولية، بحسب السلطات الأوكرانية.

في الواقع، فإن هذه البلاد التي مزّقتها الحرب الانفصالية المدعومة من الروس، صارت مرتعاً للإرهابيين من مختلف الانتماءات بعد أن عثروا على طرقٍ لاجتياز حدودها واستغلال مجتمعها المنقسم على نفسه بشدة، حيث تقوّض النظام والقانون نتيجة فساد المسؤولين وحالة الارتباك العام السائدة، حسبما ورد في تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.

واسم هذا الإرهابي الحقيقي هو سيزار توخوساشفيلي، من منطقة بانكيسي جورج في جمهورية جورجيا. وتحتوي المنطقة الجبلية الوعرة، التي غالبية سكانها من الفقراء، على الكثير من المسلمين ذوي الأصول الشيشانية الذين اعتنقوا التعاليم السلفية المُتشدّدة وصاروا في العديد من الحالات مُجنّدين مُتحمّسين لدى المنظمات الجهادية العنيفة.

وأشارت التقارير إلى أن البراء الشيشاني كان نائب وزير الحرب السابق في الدولة الإسلامية المزعومة. وقُتِلَ وزير الحرب أبوعمر الشيشاني، أو طرخان باتيريشفيلي، خلال ضربةٍ جوية أمريكية على سوريا عام 2016.

كيف دخل نائب وزير الحرب الداعشي إلى أوكرانيا؟

قالت كاترينا سيرغاتسكوفا، الباحثة المُتخصّصة في شؤون مقاتلي داعش المُقيمين داخل أوكرانيا، لموقع The Daily Beast: «لم تُوضّح لنا السلطات الأوكرانية ماهية الثقب الذي استخدمه توخوساشفيلي لعبور الحدود، وهوية من دفع لهم الرشوة، ونوعية جواز السفر الذي استخدمه هنا، علاوةً على الهجمات الإرهابية المحددة التي ساعد في تنظيمها إبان إقامته في أوكرانيا».

وهناك ثقوبٌ في الحدود الأوكرانية داخل مناطق خاركيف وأوديسا ولفيف، بحسب كاترينا، علاوةً على مقاطعات دونيتسك ولوهانسك المنشقة في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا.

ويأتي «الثقب» الأكبر، على حد تعبيرها، نتيجة حقيقة أن «منظومة الدوريات الحدودية بأكملها تأثّرت بالفساد».

وقد أُلقِيَ القبض على قرابة 200 من المشتبه في كونهم مقاتلين داعشيين داخل أوكرانيا، بحسب كاترينا، في حين ما يزال العشرات أحراراً.

وقبل أكثر من عامين، نشر موقع The Daily Beast تقريراً حول مشكلة المقاتلين الشيشانيين الذين عبروا الحدود إلى أوكرانيا منذ عام 2014.

إذ دخل بعضهم البلاد قانونياً، والبعض الآخر بأساليب غير قانونية، خلال الأشهر الأولى من حرب دونباس.

ووصل الأمر إلى أن عشرات أفراد الميليشيات الشيشانية، عبروا من إمارة القوقاز التابعة للدولة الإسلامية، التي صنّفتها وزارة الخارجية الأمريكية «جماعةً إرهابية دولية مُحدّدة»، الحدود الأوكرانية مع عائلاتهم.

لماذا لا ينفذون أي هجمات داخل أوكرانيا؟ لديهم قضية مشتركة

انضم العديد منهم إلى قوات الأوكرانيين المتطوّعة التي تحارب في دونباس، ومن بينها ميليشيا «القطاع الأيمن Right Sector» التي تُحارب ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا.

وأضافت كاترينا، التي أوضحت أنّ كوادر داعش لم ينفذوا أيّ هجمات داخل أوكرانيا، بسبب تفضيلهم استخدامها بوصفها «ملاذهم»: «إنّ معرفة سلطاتنا بالإسلام المُتشدِّد ضعيفة، أو شبه معدومة».

هناك مقاتلون شيشانيون حاربوا إلى جانب الأوكرانيين ضد الروس/رويترز

الفساد على ثغور الحرب

يقول كاتب التقرير: «لقد سافرنا إلى أكثر الحدود الأوكرانية إشكاليةً في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، بعد أن ركبنا القطار الليلي من كييف إلى بلدة بوكروفسك، داخل الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة من منطقة دونيتسك». ثم اصطحبتنا سيارةٌ من هناك إلى نقطة مارينكا الحدودية، حيث يعبر الناس دخولاً وخروجاً إلى جمهورية دونيتسك الشعبية التي أعلنها الانفصاليون ذاتياً.

وأول ما يسمعه رُكّاب القطار الناعسين، إبان وصولهم إلى بوكروفسك، هو صراخ سائقي التاكسي: «من يُريد توصيلةً إلى نقطة مارينكا الحدودية؟ اركبوا الآن»، وهذا ما يفعله الكثيرون. إذ يحملون معهم حقائب مُثقلة بكافة أنواع البضائع، ومن بينها الحليب الذي يُعتقد أنّه أفضل في المناطق التي تُسيطر عليها الحكومة داخل أوكرانيا مُقارنةً بحليب مناطق الانفصاليين.

وأخذنا الطريق المُتعرّج إلى مارينكا عبر الضباب الكثيف بطول 48 كم، حتى وصلنا إلى طابور السيارات الذي يمتد منذ ساعات الفجر الأولى. ويمكن أن تستغرق أكثر من ثلاث ساعات حتى تصل إلى النقطة الحدودية نفسها، ولكن بإمكانك تسريع العملية إذا كنت تمتلك ما يكفي من المال في جيبك للتحايل على النظام، قبل إغلاق النقطة الحدودية في الخامسة مساءً.

ويتحدث البالغون في دونباس أمام الأطفال عن الموت والدمار والرشاوى التي يدفعونها من أجل الدخول والخروج من المناطق الانفصالية في أوكرانيا وكأنّ الأمر صار أمراً واقعاً، أو كأنهم يُناقشون نشرة الطقس.

وهناك شعورٌ عامٌ بأن الحرب هنا صارت وضعاً راهناً دائماً، وكئيباً، وقاتلاً أحياناً. إذ تستمر الحرب منذ ست سنوات تقريباً، وراح ضحيتها أكثر من 12 ألف شخص. والمقيمون في تلك المناطق يعيشون بدون تدفئةٍ مركزية، وبدون غاز، وبمياه بنية اللون تخرج من الصنابير.

أمي أصبحت في منطقة النفوذ الروسي وأنا أعيش في كييف

وحين اندلعت الحرب عام 2014، فصلت الجبهة بين العاملة الاجتماعية ليزا (30 عاماً) من كييف وبين والديها وأجدادها المُقيمين في دونيتسك. ومن أجل رؤيتهم، صار يتعيّن عليها العودة إلى المنطقة الانفصالية مرةً في العام على الأقل، لتشهد في كل مرةٍ نوعية الفساد -الكبير والصغير- الذي يفتح البلد على مصراعيه أمام الجريمة والإرهابيين الباحثين عن ملاذٍ آمن أيضاً.

وأوضحت ليزا: «هناك أشخاصٌ فاسدون يأتون إلى النقطة الحدودية في الثالثة صباحاً من أجل الاصطفاف في الطابور، ثم يبيعونك مكانهم مقابل 200 هريفنا أوكرانية (8.50 دولار أمريكي). وإذا لم يكُن لديك تصريح مرورٍ من الدولة، تستطيع العبور عن طريق دفع بضع آلاف من الهريفنات إلى الحراس على جانبي النقطة الحدودية.

ويدفع مُهرّبو اللحوم والأسلحة رشاوى أكبر بكثير. يدخل كافة أشكال المجرمين إلى أوكرانيا، وحكومتنا لا تقبض على كبار المجرمين الذين يُديرون الأعمال الكبرى ويرتكبون أخطر الجرائم».

ووسط الضباب وبرد النقطة الحدودية، قالت ما كان الكثيرون ممن في الصف يُؤمنون به: «بسبب هذا الفساد المُربح، لن تنتهي الحرب».

قمة لم تفضِ إلى شيء

إذ التقى الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي وجهاً لوجه للمرة الأولى في باريس يوم التاسع من ديسمبر/كانون الأول، إلى جانب زعماء فرنسا وألمانيا، من أجل محاولة العثور على طريقةٍ لإنهاء الحرب وإنقاذ الأرواح البشرية. لكن لم يجرِ توقيع اتفاقية سلامٍ، وهو ما توقّعه الكثيرون في دونباس التي مزّقتها الحرب.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمراسلين في أعقاب اللقاء: «لم نعثر على العصا السحرية بعد، لكنّنا استأنفنا المحادثات».

وفي الوقت ذاته، يُعَدُّ تحقيق وكالات إنفاذ القانون الأوكرانية مع الرئيس الأوكراني الأسبق بيترو بوروشينكو بمثابة مقياسٍ للموقف المُتصلّب من كلا الجانبين، وسط اتّهاماتٍ بارتكابه خيانةً عام 2015 حين وقّع معاهدة السلام الأصلية مع بوتين في مينسك -وهي عبارةٌ عن خارطة طريق من 13 نقطة لإنهاء الحرب في دونباس، واعتبرها الخبراء ميؤوساً منها.

الفساد في الأجهزة العسكرية والأمنية الأوكرانية يساعد على تسلل عناصر داعش/رويترز

وخلال الاجتماع في باريس؛ اتّفق بوتين وزيلينسكي على مواصلة توسيع مناطق فض الاشتباك، وإزالة الألغام من حقول وطرق دونباس، وتبادل السجناء قبل نهاية العام الجاري. ولكن لم يجرِ التوصُّل إلى اتّفاقٍ بخصوص «الخط الفاصل». وما تزال الحدود التي يتعيّن على الناس عبورها دخولاً وخروجاً إلى «المنطقة الرمادية» مُحاطةً بالغموض.

وأظهرت آخر الاستطلاعات العامة أنّ 24% من سكان دونباس يُكافحون من أجل حماية ممتلكاتهم من المجرمين، في حين يُعاني 17% من الرشاوى وتهديدات المسؤولين على جانبي «الخط الفاصل»، بينما لا يستطيع 20% منهم التواصل مع أقاربهم.

إذ قال أندري شابوشكا، مُدير محطة طاقة كراسنوهوريفكا، لموقع The Daily Beast: «يعيش شقيقي في دونيتسك، على بعد أقل من 20 كم، ولكنّني لم أره منذ اندلاع الحرب. لا يسمح له الانفصاليون بالخروج، وأنا ممنوعٌ من العبور إلى ذلك الجانب، لذا تكبُر أمي في السن دون أن تستطيع رؤية شقيقي».

وكانت مجموعةٌ من النساء ينتظرن في الصف من أجل الحصول على معاشاتهن التقاعدية، أمام بنك Oshad في مارينكا خلال فترة الظهيرة. وغالبيتهن عبرن الحدود في ذلك الصباح قادمين من دونيتسك المنفصلة، حيث يدفع لهم الروس معاشات تقاعدهن. وبالطبع، يتقاضى غالبية المتقاعدين في مناطق دونيتسك ولوهانسك الثائرة الأموال من جانبي الصراع.

وقالت يفدوكيا فيدوروفا (77 عاماً)، المرأة العجوز التي ترتدي قبعةً بالية من الصوف وتُقيم في دونيتسك، إنّها قضت ثلاث ساعات من أجل عبور النقطة الحدودية. وأضاف إنّ رحلة العودة ستستغرق منها خمساً أو 12 ساعة أخرى، لكن الأمر يستحق ذلك: «تدفع ابنتي وحفيدتي مئات الهريفنات لاجتياز الطابور. ولكنّني لا أستطيع فعل ذلك، لأنّني أُعيل ابني العاطل». وأوضحت أنّ ابنها دخل دونيتسك لزيارتها العام الماضي، لكن الحكومة المعلنة ذاتياً هناك منعته من المغادرة.

وأضافت، في إشارةٍ إلى المنطقة الانفصالية المدعومة من روسيا داخل جورجيا: «سنظل دائماً منطقةً رمادية، مثل أبخازيا». وحين سُئِلَت عن هوية المسؤول عن ذلك في نظرها، أشاحت بعينيها الدامعتين قائلةً: «تتوقعون مني أن ألوم بوتين، لكنّني ألوم قدري السيئ».