DW :
اتهمت حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي الإمارات العربية، العضو في التحالف العسكري ضد المتمردين الحوثيين، بدعم الانفصاليين الجنوبيين، ما يشكل تحولا جذريا يزيد من تعقيد الأزمة اليمنية. فمن هم فرقاء هذه الأزمة وماهي أهدافهم؟
أكدت الإمارات العربية المتحدة رسميا شنها لغارات جوية في عدن جنوب اليمن، استهدفت “ميليشيات إرهابية”، فيما انتقد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، دور “الأشقاء” الإماراتيين، مؤكدا أن معركة العرب ضد إيران لا يجب أن تكون مدخلاً لتقسيم اليمن أو التفريط في وحدة أراضيه.
ويشهد اليمن حربا منذ عام 2014 بين المتمردين الحوثيين المقرّبين من إيران، والقوات التابعة لحكومة الرئيس المعترف به دوليا عبد ربه منصور هادي، تصاعدت في آذار/ مارس 2015 مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري يضم الإمارات العربية، دعما للقوات الحكومية. فمن هم فرقاء الحرب اليمنية وما هي أهدافهم؟
الحوثيون ـ من حركة دينية مطلبية إلى قوة عسكرية
يُوصف الحوثيون على أنهم حركة دينية شيعية مسلحة يطلق على تنظيمها “أنصار الله” وتقوم على ولاية الإمام حسب المذهب الزيدي الشيعي القريب من المذاهب السنية. وتتخذ الحركة من المناطق الجبلية في صعدة (معقلها التاريخي) شمال اليمن، مركزا رئيسيا. أما أسم “الحوثيين” فيعود إلى مؤسسها بدر الدين الحوثي الذي أسسها عام 1992، حيث بدأت دعوية قبل أن تتحول إلى حركة مطلبية اجتماعية وسياسية وأخيرا عسكرية.
ومنذ إعادة توحيد اليمن في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، اشتكى الحوثيون من النفوذ المتنامي للمتطرفين السنة، فرفعوا شعارات التهميش والمظلومية في وجه سلطات صنعاء. فتحولت الحركة تدريجيا لميليشيا مسلحة ودخلت في مواجهات دامية مع الجيش اليمني وخاضت معه ستة حروب بين 2004 و 2010، وكان صالح يصف الحوثيين بـ “الإرهابيين”. ومنذ ذلك الحين تنامت القوة العسكرية للحوثيين، الذين تزودهم إيران بأحدث الأسلحة بما فيها الصواريخ التي باتوا يستعملونها بشكل متنامي في حربهم الحالية مع السعودية. وشارك الحوثيون عام 2011 في الحراك الشعبي ضد الديكتاتورية كباقي اليمنيين، مطالبين بإشراك المكون الحوثي في أجهزة الدولة.
الرئيس هادي ـ من انتخابه حتى الانقلاب عليه
في عام 2012، تنحى الرئيس علي عبد الله صالح عن الحكم، في سياق ما يسمى بـ”الربيع العربي” وفي إطار خطة للانتقال السياسي دعمتها دول خليجية. وفي نفس العام أنتخب نائب الرئيس صالح، عبد ربه منصور هادي رئيسا للبلاد وكانت على رأس المهام التي يجب أن يقوم بها هي الإشراف على “حوار وطني” يتمخض عنه دستور شامل لدولة اتحادية.
وعقب سيطرة الحوثين على صنعاء فرضوا عام 2015 الإقامة الجبرية على الرئيس هادي ورئيس الحكومة خالد محفوظ بحاح وبعض الوزراء، فقدم هادي استقالته في 22 يناير 2015 إلى مجلس النواب، بعد استقالة الحكومة برئاسة بحاح، ولم يعقد البرلمان جلسة لقبول الاستقالة أو رفضها. من جانبهم عزل الحوثيين هادي وقامو من خلال إعلان دستوري بحل البرلمان وتعليق العمل بالدستور وبتولي اللجنة الثورية برئاسة محمد علي الحوثي، رئاسة البلاد.
ظل هادي قيد الإقامة الجبرية إلى أن فر من صنعاء متجهاً إلى عدن في 21 فبراير 2015، وأعلن منها سحب استقالته وأصدر بياناً جاء فيه “أن جميع القرارات التي اتخذت من 21 سبتمبر باطلة ولا شرعية لها”، وألغى “اتفاق السلم والشراكة” مع الحوثيين، والذي كان قد تم التوقيع عليه بين القوى السياسية برعاية أممية في وقت كان الحوثيون قد أحكموا قبضتهم على صنعاء.
وأعلن هادي عدن عاصمة مؤقتة للبلاد حتى خروج الحوثيين من صنعاء ورفض ما وصفه بالانقلاب.
تحالف عسكري بهيمنة سعودية إماراتية
رأت الرياض يد إيران في سيطرة الحوثيين السريعة على السلطة في اليمن، واعتبرت ذلك تهديدا مباشرا لأمنها القومي. وفي مارس 2015 بدأ التدخل السعودي بتشكيل تحالف عسكري عربي من بين أهدافه دحر الحوثيين وعودة حكومة هادي الشرعية. وبعد شهور من المعارك تمكن التحالف من دفع الحوثيين والموالين لصالح الذين تحالفوا معهم، إلى الخروج من عدن في جنوب اليمن ومن مأرب إلى الشمال الشرقي من صنعاء، لكن الخطوط الأمامية ازدادت رسوخا لتبدأ سنوات من الجمود.
ويستعمل التحالف بشكل خاص القوة الجوية بكثافة بنتائج ميدانية محدودة. لذلك يسعى الأمريكيون حسب تقرير لـ”واشنطن بوست” نهاية شهر أغسطس / آب الجاري إلى محادثات مباشرة بين السعوديين والحوثيين، خصوصا بعد الشروخ التي ظهرت في التحالف السعودي الإماراتي.
المجلس الانتقالي الجنوبي والدور الإماراتي
تأسس “المجلس الانتقالي الجنوبي” بنزعة انفصالية عام 2017، في سياق الصراعات في محيط الرئيس منصور هادي. وسيطرت قوات تابعة للمجلس الانتقالي على عدن وزادت وتيرة المطالب في الجنوب بالانفصال عن الشمال. وهذا الأمر شكل تحديا أمام هادي الذي يعتبر نفسه ضامنا لوحدة البلاد.
تعتبر الإمارات عضوا رئيسيا في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية. وتصنّف الامارات “الإخوان المسلمين” على أنها “جماعة ارهابية”، وتعمل على الحد من نفوذها في اليمن، خصوصا في المناطق الجنوبية الخاضعة لسيطرة القوات الانفصالية الموالية لأبو ظبي والتي تسعى لتأسيس دولة مستقلة في الجنوب. ويتهم الجنوبيون حكومة هادي بالسماح بتنامي نفوذ الاسلاميين خصوصا أعضاء في حزب “التجمع اليمني للإصلاح” المحسوب على جماعة الاخوان المسلمين. والمفارقة هي أن الانفصاليين الجنوبيين وقوات الحكومة معا، يقاتلان معا في صفوف التحالف ضد المتمردين الحوثيين.
وفي السابع من أغسطس/آب 2019 اندلعت اشتباكات بين قوات الانفصاليين ما يعرف بـ”الحزام الأمني” والقوات التابعة لحكومة هادي. في العاشر من الشهر نفسه، طوّق الانفصاليون القصر الرئاسي في عدن وسيطروا على ثلاث ثكنات بعد أربعة أيام من الاشتباكات. إلا أنّ الحكومة حمّلت الإمارات مسؤولية “الانقلاب” وشنت القوات الحكومية معركة في عدن وبعض المحافظات القريبة منها واستردت من خلالها السيطرة الجزئية على عدن. لكن القوات التابعة للمجلس الانتقالي استطاعت استعادة السيطرة على عدن، بعد استقدامهم تعزيزات كبيرة من محافظات أخرى، وتدخل الطيران الحربي الإماراتي لصالح “المجلس الانتقالي الجنوبي” وضد القوات التابعة لحكومة الرئيس هادي.
ويذكر أن جنوب اليمن كان يشكّل دولة منفصلة عن الشمال حتى عام 1990.
دور القبائل في المشهد اليمني
تشكل القبائل أحد المرتكزات الأساسية للمجتمع اليمني، ويتعلق الأمر بكيانات لها خصوصياتها وأعرافها وأجنحتها العسكرية. كما لها نفوذ سياسي مؤثر. صحيح أن القبائل لا تزال تثق في ولاء أعضائها، إلا أن الأمر بدأ يتغير تدريجيا، ولم يعد كما كان عليه كما في الماضي. وحسب هيلين لاكنر، خبيرة الشؤون اليمنية، فإن صالح لم يكن متشبثا بالبنية القبلية التقليدية، “بدلا من ذلك، أسس نظاما يقوم على الزبونية ويسمح ببروز أسر وأفراد” بغض النظر عن موقعهم الاجتماعي قبل الثورة”. وهذا ما أدى إلى إضعاف البنية القبلية مقارنة عما كانت عليه من قبل.
وهكذا، لم يتراجع نفوذ القبائل اتجاه السلطة المركزية فحسب، وإنما أيضا فقدت بوصلتها ولم يعد من الممكن التنبؤ بقراراتها. فأصبحت تحالفاتها انتهازية وقصيرة الأمد، ما يجعل دورها في الصراع الحالي أكثر تعقيدا.
كريستن كنيب / ح.ز