راي اليوم :
بقلم : عبد الباري عطوان
أعترف بأنني أُتابع بسعادةٍ غامرةٍ الهجَمات العنصريّة المُقزّزة والقَميئة، التي يشنّها الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، وبشكلٍ مكثّفٍ هذه الأيّام على “غير البيض”، حتى لو كانت تؤدّي إلى زيادة شعبيّته في أوساط الداعمين العُنصريين له من أمثاله، وتُحقّق له الفوز بولاية رئاسيّة ثانية في الانتخابات المُقبلة.
فهذا الشّرخ العُنصري الذي يُعمّقه الرئيس ترامب في الجسَد الأمريكي، سيكون خطوة أولى على طريقِ انهيار ما يُسمّى “الحُلم الأمريكي” الذي تحوّل كابوسًا علينا، والكثير من أمثالنا في مُعظم دول العالم، على شكل حُروب وحِصارات وبلطجة، وامتِصاص منتوج عرَق الفُقراء لإثراء الأغنياء.
بالأمس وصل الرئيس ترامب إلى أدنى درجات الهُبوط عندما تطاول بشكلٍ مُقرفٍ، واعذرونا على استخدام هذه الكلمة، على النائب الديمقراطي إيلايجا كامينغز، عندما اتّهمه، وبسبب أُصوله الإفريقيّة، بإهمال دائرته، في بالتيمور ذات الأغلبيّة غير البيضاء، والمَوبوءة بالجريمة، والجرذان والقوارض، حسب قوله.
***
النائب كامينغز الذي يتعرّض لهذا الهُجوم العنصريّ المُثير للاشمئزاز، هو رئيس لجنة الإصلاح والرقابة في الكونغرس، والمحرّك لمُعظم التحقيقات في فساد الرئيس ترامب، وفضائحه الجنسيّة، علاوةً على كونه من أبرز المُنتقدين لسياساته التي يتبنّاها ترامب التي تُحرّض على الكراهية ضد المُهاجرين على الحدود المكسيكيّة، وتُقيم مراكز احتجاز أقرب إلى المراكز النازيّة لهم، وتُفرّق بين الأطفال وذويهم بطرقٍ تفتقر إلى كُل قيم الإنسانيّة.
المفكّر الكبير بول كيندي يؤكّد في نظريّته حول سُقوط الامبراطوريّات العُظمى، بأنّ العُنصريّة والانقسامات الداخليّة، والقيادات الرّعناء غير الحكيمة، والتمدّد بطريقةٍ أكبر من قُدراتها، هي من أبرز أسباب هذا السّقوط، ومن الواضح أنّ جميع هذه الأسباب والصّفات، تتمثّل في الرئيس ترامب وإدارته الحاليّة.
التّعايش هو اللّحمة الأساسيّة التي ساهمت بدورٍ كبيرٍ في تحوّل أمريكا إلى دولةٍ عُظمى، وهو تعايش تعزّز بدستور يُؤطّر لقيم العدالة والمساواة بين جميع الأعراق والأديان، وها هو ترامب يُحاول نسف جميع هذه القيم، ويبذُر بُذور الانقسام والحُروب الأهليّة التي تُهدّد بتمزيق النّسيج الاجتماعي الأمريكي.
من يُريد إعادة العظمة لأمريكا لا ينحدر إلى هذا المُستوى الوقِح من العنصريًة، ومن أجل أن يحشِد أصوات العنصريين البيض للبقاء في البيت الأبيض أربع سنوات أُخرى، لأنّه سيكون رئيسًا لهؤلاء وليس رئيسًا لأمريكا، والعالم الحُر بالتّالي.
صحيح أنّ هذا التّطاول المُمنهج على الأمريكيين المُسلمين، ومن الأصول الإفريقيّة واللاتينيّة، زاد من شعبيّته بحواليّ 5 بالمئة، وجعلها تصِل إلى 72 بالمئة في أوساط كتلته الانتخابيّة البيضاء، مثلَما جاء في استطلاعٍ أجرته وكالة “رويترز” العالميّة للأنباء، ولكنّها شعبيّة مسمومة، قد تُحقّق له الفوز، وسيكون هذا الفوز بداية انهيار أمريكا اللّهم إلا إذا جاء من يَمنعه، أو يَكنُس آثاره المُدمّرة.
صحيفة “ذا بالتيمور صن” التي تصدُر في مدينة بالتيمور التي انتخبت النائب الشّجاع كامينغز كانت في قمّة الجُرأة والشّجاعة، عندما ختَمت افتتاحيتها التي ردّت فيها على بذاءات ترامب، بالقول “أن يكون بدائرتك عدّة جرذان خير من أن تكون جرذًا”، حسب قولها.
***
أمّا نحنُ فنختم هذه المقالة ليس بتأييد الافتتاحيّة المذكورة فقط، وإنّما بالشّكر للنوّاب الأربعة في مجلس النوّاب الأمريكي، وعلى رأسهم إلهان عمر ورشيدة طليب، العَربيتين المُسلمتين، اللّواتي قُلن “لا” كبيرة للعنصريّة الترامبيّة.
النّائبات الأربع اللّواتي تحدّين ترامب، وحظِين بالدّعم من زعيمه المجلس، لن يرحلن عن أمريكا ويترُكنها للرئيس ترامب، لأنّهن وكُل الشّرفاء من أمثالهن، ينتمون إلى أهل الجنوب، أهل أمريكا الأصليين، ويتميّزون عن غيرهم بأن أجدادهم لم يسفكوا الدماء، وكانوا أبرز ضحايا العنصريّة البيضاء.
أمريكا وطَنٌ لجميع مُواطنيها، بغض النّظر عن أعراقهم وألوانهم وديانتهم، وإذا كان ترامب ورهطه من العُنصريين لا يُعجبهم ذلك، فلا مكان لهم فيها، وعليهم الرّحيل، والاتّعاظ بما حصل لأمثالهم في روديسيا وجنوب إفريقيا، ودولة الاحتلال الإسرائيلي العنصريّة قريبًا بإذن الله.